(02)
الموقف من المستحبات

موقع السرائر

ماهو الموقف العام لغالبنا من المستحبات؟

* هل نحرص عليها، أم أننا نواجهها بالتملص منها متسلحين بأنها ليست واجبات؟

نصلي ولانهتم بالتعقيب، وهو: الأذكار والأدعية التي ورد الحث الشديد عليها بعد كل صلاة ،إلى حد أن من مظاهر علاقة هذه الأعمال العبادية - ولو القليل منها - في مجال الرزق وانتظام حياتنا المادية - وهو مايشكل المناخ الأفضل للبناء الروحي- ماورد عن الإمام الصادق عليه السلام:

التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد.(1)

بالإضافة إلى بالغ موقع التعقيب من عملية بناء الشخصية، ثمة إذاً ربط بين هذا التعقيب والحركة الإقتصادية لصاحبه، والمتحدث هو المختص المجاز الذي أطلعه الله تعالى على حقائق الأمور.

* وهل نحرص على يسير من أذكار الصباح والمساء، التي يؤكد الصادقون وسيدهم المصطفى الحبيب الرؤوف بالمؤمنين والرحيم بهم بما آتاه الله تعالى أنها تحصن المسلم من همزات الشياطين، ونوائب الحدثان وبلاءات سفر الدنيا في صحراء النفس الأمارة القاحلة.

أذكر من هذه المستحبات الإستعاذة: " أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" التي ورد التأكيد عليها عشراً في الصباح وعشراً عند الغروب، ومن قالها وكل الله به ملكاً يحفظه في ذلك اليوم.

إن قالها المؤمن بصيغتها الفضلى، فهي نور على نور، وإن قالها بصيغتها المتعارفة - التي تقدمت - فإن لها نفس النتيجة وإن تفاوتت الدرجة.

الصيغة الأولى الفضلى هي: أعوذ بالله السميع العليم من همزات الشياطين، وأعوذ بك رب أن يحضَرون. إن الله هو السميع العليم. (2)

* وكيف نتعامل مع الصدقة، وهل هي حيلة المضطر، نلجأ إليها في الضراء، كما يلجأ المشتري إلى الدكان بحثاً عما يسد به حاجته، وهل تكون هذه صدقة على الغير، أم أنها صدقة للنفس وعلى النفس وفي خطاها، والحظوظ؟

هل نحرص على حفظ ماء وجه من نصله بصدقة كي لا نأخذ منه أخطر - بكثير- من دراهم معدودات، وثمن بخس لكرامته وعزة نفسه المستلبة؟

* وماهو موقفنا من الإنفاق المستحب عموماً؟

هل ندرك أن المدعو إليه بالدرجة الأولى هو الفقير لاالغني، لأن الغنى استثناء والأصل عدمه، ولايمكن أن يكون التشريع العام رهن استثناء، خاصة عندما يكون الإستثناء مغايراً لجوهر مصب هذا التشريع.

لايمكن أبداً أن يخفق قلب الغني بمعاناة الفقير، نعم يمكن للفقير أن يتحسس عمق ما تحنو عليه أضالع مثله والتِّرْب.

وعليه فليس الفقر مسوغاً للإعراض عن الإنفاق، بل هو مسوغ لتكون طبيعة ما ينفقه الفقير مباينة لما ينفقه الغني، من حيث الكم في مايعطي، ومن حيث الكم في مايعطى للفقير من جزيل الثواب الذي قد لايبلغه الغني حتى إذا كانت نسبة ماقدمه من ماله مساوية لنسبة ما قدمه الفقير إلى كل مايملك.

والسبب أن الصدقة والإنفاق حركة قلب قبل أن يكونا حركة يد، ولا يمكن للغني عادة أن يرقى إلى قمة مشاعر الفقير الذي لم يثقله البطر، ولا استخفه طغيانه، ولا أقعدته التخمة، ولا أعاقه الحرص، ولا مشى في الأرض مرحاً مشية من يظن أنه يخرق الأرض ويبلغ الجبال طولا.

* وكيف نتعامل مع الصوم المستحب، والصلوات المستحبة؟

هل يثقل علينا أن يسألنا عن ذلك أحد؟ فنضيق ذرعاً به قبل سؤاله؟

وهل ندرك أن تضييع صلاة الصبح غالباً أو كثيراً أو أحياناً هو النتيجة الحتمية للإستخفاف بالمستحبات عموما، والصوم والصلاة بشكل خاص.

* وما هو موقفنا من الذكر الكثير؟

هل هو حقاً كما حاول الوعي الموهوم أن يقنع الكثيرين لاقيمة له إطلاقا، فالعبرة بالذكر القلبي!

وهل رأيت قلباً يتغذى من غير روافده، أو ليس اللسان ترجمان القلب، وعليه أليس صمته عن ذكر الله تعالى ترجمان غفلته المطبقة؟

هل رأيت برعماً يتفتح إلا بتماوج أطياف الظاهر، تُنضج المرتبة وتُكمل المدى؟

أم هل رأيت براءة طفل اكتمل حبها في المهج، دون أن يعرب لسانه عما يعقد عليه القلب؟

وكم يرطن الطفل ويتمتم لتكتمل دورة وعي القلب لما لقنه اللسان؟

وبعيداً عن كل هذا وذاك، بعيدا.. ماسر هذه الآيات الكثيرة والوفيرة، التي تطالعنا أينما حططنا الرحال على أعتاب السور في الحث على الذكر الكثير؟

هل يجمل بنا أن نتعاطى مع ذلك كله بما تُكن صدورنا وإن لم نقر، من أن الذكر شغل من لاشغل له!

هل نعرف معنى ذلك - والعياذ بالله - حين نستحضر أن سيد الذاكرين هو المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله. وأن آله اهتدوا بهداه في الذكر الكثير فكانت حياة كل منهم كحياته صلى الله عليه وعليهم مسجداً عامراً بذكر الله تعالى؟

أم أننا أنا وأنت وحدنا ممن لهم شغل يعفيهم حتى من الذكر القليل فضلاً عن الكثير الكثير؟

أيها العزيز:

مامعنى هذه الآيات:

* إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الالباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار* ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار* ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار* ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد* فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب* لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد* متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد* لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نُزُلاً من عند الله وما عند الله خير للأبرار [ آل عمران190- 198 ] *

* ألا تجد بكل وضوح مايلي:

1- الحث على الذكر على كل حال: " قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم" ؟
2- الترابط بين العقل والذكر الكثير؟ " لأولي الألباب الذين يذكرون الله .."؟
3- الترابط بين الذكر الكثير ووعي الوجود والخروج من قمقم المادة الذي يجعل النفس قاصرة عن التفكيرالسليم بالراهن الماثل، فضلاً عن الدار الآخرة.

ينير الذكر الكثير البصيرة، فتؤسسُ على الشيء مقتضاه: " ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار".؟

4- الترابط بين الذكر الكثير والهجرة الحقيقية والجهاد في مواجهة الطواغيت وحسن الثواب في الآخرة؟
5- وأن النقيض للذكر الكثير، هو التقلب في البلاد تقلبَ الذين كفروا أو في هامشهم.
" لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد".
6- الترابط بين الذكر الكثير وبين ماعند الله للأبرار؟

* أيها العزيز:

أظن أن في ماسمعت من تساؤلات مايكفي لحملنا أنا وأنت على الوقوف ملياً عند النمط السائد فينا والذي تطبعه الغفلة، لندقق بعض الشيء في ما ينبغي، دون أن نطوي أي مقدمة من مقدمات الدليل، ودون أن نكون صدى للسائد في هذا العصر، أو إمَّعات تسير كما يسر الناس وتفعل ما يفعلون.

ويتوقف ذلك على أن نتجنب التسطيح ونمعن النظر في ما يمثله الذكر بمعناه العام الذي يشمل كل عبادة كما يأتي بحوله تعالى.

يمثل الذكر للفرد غذاءه الروحي، لتتشكل في نهاية المطاف وفق مااغتذت، كما يتشكل الجسد وفق غذائه المادي.

و الإنسان ابن جوه، يطبعه هذا الجوُّ بطابعه ويصوغه بحسبه.

وبمقدار تفاعل الروح مع فكرة معينة، يكون حضور هذه الفكرة في كيانها ورسم ملامح شخصيتها.

من هنا كان الحرص على سلامة الجو الذي تترعرع فيه النفس يحظى بالأهمية القصوى.

والحمد لله رب العالمين


الهوامش:
(1)العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء3/265
(2)الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد84


الفهارس:
(1)العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء3/265
(2)الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد84