الفصل الأول:  إضاءات منهجية موقع السرائر

   أولاً: تعريف المنهج
       ثانياً: أقسامه
         
ثالثاً: نظرة تاريخية
            
رابعاً: مرجعية العقل
                خامساً: بين الوحدة والتعدد

(1)
 تعريف المنهج

 

في اللغة: "النهج هو الطريق الواضح وكذلك المنهج والمنهاج، وأنهج الطريق أي استبان وصار نهجاً واضحاً بيناً".

 "ونهجت الطريق، إذا أبنته وأوضحته، يقال: إعمل على ما نهجته لك، ونهجت الطريق أيضا: إذا سلكته".(1)

 والمنهج بفتح الميم (2) وقيل بكسرها أيضا.

وفي الإصطلاح، ذكرت له تعاريف كثيرة، قيل إن أشهرها أنه "الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة".(3)

 ولعل الأولى في تعريفه، أنه "البحث في هدي القواعد العقلية للوصول إلى النتائج".

وحيث إن ذكر التعريفات المختلفة يسهم في بلورة المحور الذي تدور حوله، وهو محور سوف تمس الحاجة إليه لدى استخلاص النتيجة من هذا البحث، فسأورد عدداً كبيراً منها:

1- البرنامج الذي يحدد لنا السبيل للوصول إلى الحقيقة (4)
2- الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم
(5)
3- طائفة من القواعد العامـة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم
(6)
4- طريق البحث عن الحقيقة في أي علم من العلوم أو في أي نطاق من نطاقات المعرفة الإنسانية
(7)
5- وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة
(8)
6- خطوات منظمة يتخذها الباحث لمعالجة مسألة أو أكثر ويتتبعها للوصول إلى نتيجة.
(9)
7- مجموعة من القواعد العامة يعتمدها الباحث في تنظيم ما لديه من أفكار أو معلومات، من أجل أن توصله إلى النتيجة المطلوبة، وباختصار: المنهج: طريقة البحث.
(10)
8- المنهج: الطريقة المتبعة.
(11)
9- تلك المجموعة من القواعد والأنظمة العامة التي يتم وضعها من أجل الوصول إلى حقائق مقبولة حول ظاهرات موضوع الإهتمام من قبل الباحثين في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية.
(12)
10- مجموعة القواعد التي يتم الإنطلاق منها لفهم حقيقة من الحقائق.
(13)

وفي هذا القدر من التعريفات، ما يفي بالحاجة التي سبقت الإشارة إليها، ويأتي الحديث عنها بالتفصيل.

(2)
أقسام المنهج

تعددت أقسام المنهج التي ذكرها المتتبعون، واختلفت الآراء فيها، وما ذلك إلا لعدم بذل الجهد في الوصول إلى تعريف جامع مانع.

لقد تجلى عدم التدقيق في التعريف ارتباكاً، حمل تارة على اعتماد القواسم المشتركة في ميادين البحث التطبيقي منطلقاً للتصنيف والتقسيم، وتارة على اعتبار الميادين نفسها المنطلق لذلك، كما حمل طوراً على التأرجح بين هذا وذاك.

وفي ما يلي أورد لائحتين في تقسيم المنهج، يظهر بالتأمل فيهما ما أسلفت.

 الأولى: تتضمن ثمانية تصنيفات أو تقسيمات للمنهج، وهي:(14)

1- تصنيف هويتني "Whitney ":
أ- المنهج الوصفي.
ب- المنهج التاريخي.
ج- المنهج التجريبي.
د- البحث الفلسفي.
هـ البحث التنبؤي.
و- البحث الإجتماعي.
ز- البحث الإبداعي.

2- تصنيف ماركيز "Marquis ":
أ- المنهج الأنتربولوجي.
ب- المنهج الفلسفي.
ج- منهج دراسة الحالة.
د- المنهج التاريخي.
هـ المسح الإجتماعي.
و- المنهج التجريبي.

3- تصنيف جود وسكيتس "Good and Scates":
أ- المنهج الوصفي.
ب- المسح الوصفي.
ج- المنهج التجريبي.
د- منهج دراسة الحالة.
و- منهج دراسة النمو والتطور والوراثة.

4- محمد طلعت عيسى:
أ- منهج دراسة الحالة.
ب- المسح الإجتماعي.
ج- المنهج الإحصائي.
د- المنهج التجريبي.
هـ- المنهج التاريخي.
و- المنهج المقارن.

5- عبد الرحمن بدوي:
أ- المنهج الإستدلالي.
ب- المنهج التجريبي.
ج- المنهج الإستردادي (التاريخي).

6- محمود قاسم:
أ- منهج البحث في الرياضيات.
ب- منهج البحث في العلوم الطبيعية.
ج- منهج البحث في علم الإجتماع.
دد- مناهج البحث في التاريخ.

7- عبد الباسط محمد حسن:
أ- منهج المسح.
ب- منهج دراسة الحالة.
ج- المنهج التاريخي.
د- المنهج التجريبي.

 8- أحمد بدر:
أ- منهج البحث الوثائقي أو التاريخي.
ب- منهج البحث التجريبي.
ج- منهج المسح.
د- منهج دراسة الحالة.
هـ- المنهج الإحصائي.

 ويلاحظ أن هذه التقسيمات لم تورد المنهج العقلي بين الأقسام، وقد يكون السبب التنبه إلى أن منهجية أي منهج إنما تتقوم بالعقل، من خلال القواعد العقلية التي يعتمدها للوصول إلى النتائج، كما قد يكون راجعاً إلى موقف من (الميتافيزقيا) والماورائيات، واعتبارها طوباوية لا تستحق حتى مجرد الإشارة إليها، والأرجح أن السبب هو الجمع بين هذين العنصرين اللذين يتماهيان عادة في صياغة الموقف من العقل، وتحديد ساحة مرجعيته.

 أما اللائحة الثانية فهي كما يلي: (15)

1- المنهج التلقائي:
ويراد به ما يزاوله عامة الناس في تفكيرهم وأعمالهم من دون أن يكون هناك التفات منهم إليه، أو خطة واضحة ثابتة في أذهانهم له، وإنما يأتيهم عفواً ووفق ما يمليه الظرف.

2- المنهج التأملي:
 سمي بذلك لأنه جاء نتيجة التأمل الفكري الذي أدى إلى وضع قواعده وأصوله، وهو ينقسم إلى قسمين:
 أ‌- المناهج العامة، وتعرف أيضا بالمناهج المنطقية، وهي القواعد المنهجية العامة التي يرجع إليها عند البحث في أي حقل من حقول نوع عام من أنواع المعرفة.
ب‌- المناهج الخاصة، وتسمى أيضاً المناهج الفنية.

وتنقسم المناهج العامة إلى:
1- المنهج النقلي
2- المنهج العقلي
3- المنهج التجريبي
4- المنهج الوجداني: وهو طريقة الوصول إلى معارف التصوف والأفكار العرفانية.
5- المنهج التكاملي: وهو استخدام أكثر من منهج في البحث بحيث تتكامل ما بينها.
6- المنهج المقارن، وهو المقارنة بين الأشياء.

أما المناهج الخاصة، وهي القواعد التي تستخدم في حقل خاص من حقول المعرفة، فتنقسم بانقسام هذه الحقول كما هو واضح.

وويلاحظ على هذا التقسيم أنه جعل المنهج العقلي قسماً، في حين ينبغي اعتباره المقسم كما سيأتي، ولا يدفع هذا الإعتراض أن المراد تحديد مجال إعمال هذا المنهج وهو "طريقة دراسة الأفكار والمبادئ العقلية"(16) لأن هذا لا يجيب على إشكال تجريد المناهج الأخرى من مرجعية العقل، وكونه المحور في "منهجيتها".

ثم إن هذا الجواب يثير اعتراضاً آخر هو اعتماد ميدان عمل المنهج المحور الوحيد في تسميته وتصنيفه، وهو مفارقة منهجية.

توضيح ذلك: عندما يدور البحث حول الإنسان تعريفاً وتصنيفاً، فلا يصح في التعريف الإنصراف عن "الإنسانية" إلى أي محور آخر واعتباره المحور، ولا يصح في التصنيف جعل الإنسان أحد الأقسام، فهو المقسم.

والحديث عن "المنهج" هو نفس الحديث عن كاشفية العقل، وتحديده للطريق الواضح الذي يجب أن يسلك لنصل إلى نتائج سليمة.

ولا ينافي ذلك أن لكل ميدان من ميادين المعرفة أدواتٍ خاصة به، وأدوات مشتركة بينه وبين غيره، ويأتي مزيد إيضاح إن شاء الله تعالى.

(3)
 نظرة تاريخية

 تكفي نظرة متأنية في الحديث عن تاريخ المنهج، لإدراك المدى الذي بلغه الكثيرون في تسفيه الأجيال السالفة والأمم السابقة، بكل ما كانت تزخر به من قمم معرفية لا تبارى.

وتمس الحاجة إلى أبحاث جادة تسلط الضوء على الأبعاد السلبية الخطيرة في عالم الفكر والمعرفة - والتي مايزال تكثيفها مستمراً بإمعان- التي نتجت عما يعرف بالثورة الصناعية، رغم فوائدها النوعية الهائلة في مجال الخدمات، والدمار "الشامل" أيضاً.

من الإغراق في الجهل والتخلف إنكار عظيم إنجازات هذه النقلة المفصلية في تاريخ البشرية، إلا أن ما يزيد على ذلك تخلفاً ورجعية، اعتبار الإبداع في مجال الخدمات مبرراً لنسف القيم وإحلال القيم "الصناعية" محلها.

وما يرتبط من ذلك بموضوع البحث اعتبار مرحلة إرهاصات الثورة الصناعية نفسها نقطة البداية لنشوء المنهجية في البحث "العلمي"!

أي تسفيه للمراحل السابقة يفوق ذلك؟

وقد تراكم هذا التسفيه واتسعت رقعته حتى غدا الحالة التي قد يقع في شباكها العالم الحريص على الموضوعية والمنهجية، المصر على الدفاع عن إنجازات الأجيال المتقدمة في إثراء المنهجية في البحث.

جاء في كتاب مناهج البحث العلمي:

"لقد تكونت فكرة المنهج (Method) بالمعنى الإصطلاحي المتعارف عليه اليوم ابتداء من القرن السابع عشر، على يد فرنسيس بيكون (Francis Bacon) ( 969 هـ - 1036 هـ ) - (1561م - 1626م) وبوريال، وجون ستيورات ميل، وديكارت، وكلود برنارد، وغيرهم" و"من المحدثين: دوركايم، وبرتران رسل، وجون ديوي، ومن العلماء الأمريكيين المعاصرين: وليم توماس، وستيورات تشابن، مورينو، وغيرهم من علماء معاصرين أيضاً مرموقين بريطانيين، وفرنسيين، وألمانيين، وأصبح معنى اصطلاح المنهج " الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بوساطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحديد عملياته، حتى يصل إلى نتيجة معلومة".(17)

ولا يخفى أن المنهج بالمعنى الذي حدده التعريف، يأبى أن يكون القرن السابع عشر، مفصلاً في "تكونه" بل هو نقطة تحول كبرى وبداية قفزة نوعية في تحديد أدوات المنهج التجريبي-لا المنهج بالمطلق- بالمعنى الإصطلاحي المتعارف.

أما "تكوِّن فكرته" التي ارتكز إليها البحث في تطوير المنهج التجريبي، فقد كانت في القرن السابع عشر قد بلغت القرن السابع عشر من عمرها بعد الميلاد، وأصبحت تحمل من العمق والتكامل كل ما حفل به تاريخها المديد من خبرة ونضج وصلابة عود، تمتد إلى زمن آدم عليه السلام.

يقول الدكتور الفضلي:

"كانت نشأة هذا المنهج (التجريبي) العلمية قد تمت في القرن السابع عشر على يد (فرانسيس بيكون) بتأليفه كتابه المعروف بـ : الأورجانون الجديد Novel ganum) الذي بدأ العمل فيه منذ سنة 1608 ثم عدل فيه 12 مرة ونشره نشرة نهائية في سنة 1620 م ".(18)

"وكان هذا الكتاب نقطة التحول في تاريخ أوروبا العلمي، وسيطر (بسببه) المنهج الإستقرائي سيطرة كاملة على مناهج العلماء في العلوم الطبيعية، ثم طبق - مع تعديلات خاصة- في العلوم الإنسانية"(19). "وقد ركز وأكد بيكون على ضرورة تخليص العلم من شوائبه الدينية (كذا) وضرورة إخضاعه بكلياته وجزئياته للملاحظة العلمية، وبمعنى آخر يجب أن يقوم العلم على أساس وضعي بعيد كل البعد عن كل تأثير ديني أو ميتافيزيقي".

أضاف:

"ثم رست قواعد هذا المنهج رسواً وثيقاً ومكيناً في القرن التاسع عشر عندماأصدر (جون ستيورات ملJohn Stuart Mill) كتابه مذهب المنطق A system of logi وتم من بعد بسببه فصل العلم عن الفلسفة والدين، وقصر اعتماده على المنهج التجريبي فقط ".(20)

وهكذا يتضح أن الذين ينطلقون من القرن السابع عشر للتأريخ للمنهج، إنما يتحدثون عن المنهج التجريبي، لا المنهج بالمطلق، والفرق أكبر من أن يتلافى ببعض القيود التي قد لا تكون دقيقة في إيضاح المراد، من قبيل "المنهج بالمعنى الإصطلاحي المتعارف" خاصة عندما يكون الحديث عن "التكوُّن" كما تقدم.

ينبغي التفريق بوضوح بين المنهج وبين الأدوات المنهجية، وبين المنهج المقسم وبين الأقسام، عندها يمكننا أن نؤرخ للمنهج بمنهجية، وإلا فإن الحديث يبقى مفتقراً للدقة العلمية، أجنبياً عما نحن بصدده.

وتجدر الإطلالة هنا على عصر بيكون وبعض نصوصه هو بالذات باعتباره رائد هذه النقلة النوعية وليس المؤسس – كما يدعى- لمذهب لم تخل البشرية يوماً من الحديث عنه وهو محور كل ما واجهت به الأمم الأنبياء.

جاء في وصف الحركة العلمية في عصر بيكون:

"أشرقت العصور الحديثة في مطلع القرن السابع عشر، فانصرف مفكروه عن إحياء التراث القديم - الذي كان به عصر النهضة - وتطلعوا إلى الإبتكار والإبداع، وإذا كان بينهم من واصل تنمية العلم الطبيعي والرياضي الذي اتجهت إليه الحركة العلمية في عصر النهضة، فإن القرن السابع عشر قد تميز بتوطيد التجريبية التي أمكن (كذا) لها في إنجلترا "فرنسيس بيكون" +1626 واضع أسس المنهج التجريبي الحديث، و"توماس هوبز" +1679 بفلسفته الواقعية في السياسة والأخلاق، و"جون لوك" +1704 مؤسس الدراسات الأبستمولوجية في العصر الحديث، كما يتميز هذا القرن بنشأة المذهب العقلي الحدسي على يد "ديكارت" +1650 أبي الفلسفة الأوروبية الحديثة، وقد أذاع أتباعه الكثير من هذه الفلسفة العقلية في مختلف الدول الأوروبية، فكان في مقدمة روادها في ذلك القرن "سبينوزا" +1677 في هولندة، و"ليبنتز" +1716 في ألمانيا، و "مالبرانش" +1715 في فرنسا".(21)

"ولد بيكون في الثاني والعشرين من شهريناير في عام 1561 في بيت يورك في مدينة لندن،" وكان والده " نيقولاس بيكون" في العشرين سنة الأولى من حكم الملكة أليزابيت حارساً للختم الملكي الأعظم".

"... لقد كان عصر أليزابيت أعظم العصور لأعظم دولة من الدول الحديثة، لقد حوَّل اكتشاف أميركا التجارة من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي" و"انتشرت التجارة الإنكليزية في جميع البحار". (22)

ويدلنا ما تقدم بوضوح على موقع بيكون من السلطة الإستعمارية التي كانت بريطانيا تمثلها آنذاك، كما يدلنا على السياق الذي تلاطمت فيه أمواج المادية، حاملة الهجمة الحسية الجديدة على العقل.

"وقد وضع بيكون كتابه (الأورجانون الجديد) Organum Novum أي الأداة أو الآلة الجديدة ليرد به على )أورجانون( أرسطو. فاستبدل بنموذج التفكير القياسي الصوري، نموذجاً جديداً قوامه الملاحظة والتجربة".(23)

ويظل الراجح بقوة أن "بيكون" تجريبي - عقلاني، فهو يعترف بدور العقل، وإن كان الذين بنوا على نقلته قد غلب فيهم تيار التنكر للعقل.

"إنه يدعو في الحقيقة إلى تجديد العقل بواسطة التجربة".(24)

والدعوة إلى التجريبية على هذا الأساس ضرورة.

وعندما اتهم بالإلحاد قال:

" قد لا أعتقد بجميع القصص والأساطير التي جاءت" في ".." الكتب الدينية، ولكن لا يمكن أن أعتقد بعدم وجود عقل مدبر لهذا العالم".(25)

ورغم أن المعجبين به كثر، إلا أن المقللين من شأن ما أتى به، المنكرين لمنهجه، شنوا عليه أعنف الحملات التي تراوحت بين "أنه لم يأت بجديد" وبين "أنه لم يكن عالماً، ولم يفهم نظام المنهج التجريبي" وأخيراً "أنه منح العقل أداة جديدة للبحث".(26)

لا يمكن الخروج بتصور واضح عن مرجعية العقل في سلامة المنهج إلى حد اتحاد "مفهوميهما" اللذين قد يتصور تعددهما وانفكاكهما، إلا بالوقوف عند العدوان المنهجي الذي شنه المنكرون للعقل، الذين يُحلون الحواس محله، ويمعنون في نسبة منجزات العقل إلى غيره "الحواس، التجربة، الملاحظة، الإستقراء الخ" ليشكل هذا "المنهج" نسخة طبق الأصل لموقف الملحدين من الخالق، ونقل ما ثبت له إلى غيره "الطبيعة، الإنسان، الصدفة، الخ".

وقد كان مصدرهذا العدوان ومايزال واحداً، إنه "الماديون" الذين عجزوا عن التفاعل مع كل عوالم ما وراء المادة، فحشروا أنفسهم في زاويتها الضيقة أصلاً، وراحوا ينظرون لها وللعوالم الأخرى، وتكشف تنظيراتهم بوضوح عدم قدرتهم على الإفلات من قوة حضورها بل وهيمنتها، اللتين هما قوة حضور "الواقع الموضوعي" وهيمنته.

تبدو تنظيرات الماديين التي تحاول التفلت من العقل، بكل جلاء، كمحاولات من يعمد إلى إخفاء جريمته بما يقدم الدليل الكافي على إدانته.

وينبغي في هذا السياق تسليط الضوء على الإنجاز المنهجي النوعي الذي قام به المرجع والشهيد النوعي أيضاً السيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه، الذي يبدو أنه ذروة إنجازاته المشهود له بها جميعاً، في سفره الفريد في موضوعه "الأسس المنطقية للإستقراء" والذي يجب أن تتضافر الجهود ليأخذ موقعه الطبيعي في اهتمام الأوساط الفكرية المعنية بالأبحاث المنهجية، والفكر الإسلامي، بل والفكر بصورة عامة. (27)

ترجع جذور المشكلة في "المنهج" إلى جذور الإلحاد، وتتسق حركتها عكساً وطرداً، وارتفاع وتيرة وانخفاضها، مع ضراوة الأجواء المادية، وإعراض الناس عن الدين والهدى والعقل، أو العكس.

وتثبت النظرة الموضوعية المتأنية أن فكرة "المنهج" لم تحمل جديداً إلا في التفاصيل، يتساوى في ذلك المنهج السليم الموصل و"المنهج" العقيم المدعى، الذي لا ينتج إلا إذا اتصل بالعقل ومنهجه السليم.

ولدى الحديث عن الجذور النظرية لمشكلة المنهج، بالتحديد، نجد أنها تنحصر في دائرة نظرية المعرفة ومصادر تكوينها، والتي ترجع جميع الآراء فيها إلى رأيين مركزيين:

الأول: القائل بمرجعية العقل.
الثاني: القائل بمرجعية الحس والتجربة.
وفي حين لا نجد بين من يتبنون الرأي الأول من ينكر أهمية الحس والتجربة - لا مرجعيتهما - نجد أن السائد في الإتجاه الثاني
- خصوصاً في العصر الحاضر- محاولات التفلت من أهمية العقل فضلاً عن مرجعيته.

وليس الرأي الأول في حقيقته إلا "المنهج العقلي" الذي يعتقد بأن الأسس التي تقود حركة الفكر من المعلوم إلى المجهول، يجب أن تكون عقلية.

كما أن الرأي الثاني في حقيقته هو "المنهج التجريبي" الذي يتبنى أن هذه الأسس يجب أن تكون تجريبية.

وليس المقام هنا للتفصيل في ذلك، فأكتفي بتسجيل ملاحظتين:

الأولى: أن رواد المنهج التجريبي منقسمون، فمنهم من يرى أننا مهما حاولنا أن نخفف من قوة حضور العقل وهيمنته، فلن يكون بالإمكان إلغاء دوره.

يقول الدكتور زكي نجيب محمود:

"إن معظم من تناول الإستقراء بالبحث - ومن هؤلاء رَسْل نفسه - لا يجدون مناصاً من الإعتراف بوجود مبدأ عقلي لم نستمده من الخبرة الحسية، هو الذي يكون سندنا في تعميم الأحكام العلمية. فمهما بلغت من إخلاصك للمذهب التجريبي - في نظر هؤلاء- فلا مندوحة لك في النهاية عن أن تعترف بشيء لا يأتيك عن طريق التجربة. وهو المبدأ القائل بأن ما يصدق على بعض أفراد النوع الواحد، يصدق كذلك على بقية أفراده، وبذلك يمكن التعميم.

"من أجل ذلك يرى "رسل" أننا في النهاية مضطرون إلى الرجوع إلى أساس غير تجريبي، وهو ما يسميه بمبدأ الإستقراء". (28)

وبديهي أن يٌلحق ذلك القائلين به بالقائلين بمرجعية العقل، غاية الأمر أنهم يهتمون بالتجربة كثيراً، وهو ما لا يأباه حتى أرسطو والقائلون بالمنطق الصوري عموماً، كما سيأتي.

الثانية: أن المنهج التجريبي عقيم ما لم يمارس عملياً الإعتماد في نهاية المطاف على مبدأ عقلي، كما تحدث "رسل" ولذلك فمنهجية المنهج التجريبي، مفتقرة إلى إمضاء العقل لها، وبدون هذا الإمضاء تظل تدور في فراغ.

وقد ناقش الشهيد الصدر طرق الرائد الأبرز للمنحى التجريبي (جون استيورات مل) الشهيرة، وأثبت أنها لا تفيد علماً، وإنما يقتصر دورها على التقليل من احتمال وجود سبب آخر غير ما يفترض أنه السبب.

وفي هذا الصدد يقول:

"ونستخلص مما تقدم أن الطرق الأربعة التي وضعها ستيورت مل، إذا حللنا دورها في الإستدلال الإستقرائي منطقياً، نجد أنها تتجه جميعاً إلى علاج المشكلة الثانية من مشاكل الإستقراء الثلاث، ومقاومة احتمال الصدفة".." فكما وضع المنطق الأرسطي مبدأه".." لمقاومة هذا الإحتمال، كذلك وضع ستيورت مل طرقه الأربع لمقاومة نفس الإحتمال. ولكن هذه الطرق لا تستطيع أن تفسر لنا كيف يقضى على احتمال "ت" (أي الصدفة النسبية) نهائيا." (29)

والنتيجة التي يخلص إليها الشهيد الصدر يمكن تلخيصها كما يلي:

1- "فالمنطق التجريبي بين أمرين: إما أن يتنازل عن مفهومه التجريبي للسببية، ويعترف بمفهومها العقلي المستبطن للضرورة، بدرجة لا تقل عن درجة اعترافه بأي قضية استقرائية مدعمة بأقوى البينات الإستقرائية، وإما أن يصر على استبعاد المفهوم العقلي، وعلى التعامل مع ظواهر الطبيعة على أساس المفهوم التجريبي للسببية، فيعجز حتى عن تفسير الترجيح الإستقرائي..."(30)

2- "وهكذا يتضح أن المذهب التجريبي(31) يتوجب رفضه ".." لأنه عجز عن تفسير الحد الأدنى من التصديق المعترف به لقضايا المعرفة البشرية، وبذلك تثبت فرضية المذهب العقلي القائلة بوجود معارف عقلية قبلية."

أضاف:

"ونلاحظ إلى جانب ذلك تهافتاً منطقياً في إيمان التجريبيين بمذهبهم القائل: إن التجربة هي المصدر الأساس لكل المعارف البشرية، لأن هذا القول نفسه قضية يعمم فيها الحكم على كل معرفة، فهل هذه القضية مستمدة من مصدر قَبلي بصورة مستقلة عن التجربة؟ أو أنها مستمدة من التجربة كأية قضية أخرى؟"

"فإن افترض المذهب التجريبي أنها مستمدة من مصدر قبلي فقد اعترف على هذا الأساس بكذبها وبوجود معرفة قبلية، وإن افترض أنها تقوم على أساس التجربة والخبرة الحسية فيجب أن يعترف بأنها قضية محتملة فقط، ولا يمكنه أن يؤكدها تأكيداً كاملاً لأنه يرى أن أي تعميم لمعطيات الخبرة والتجربة لا يمكن أن يحظى إلا بدرجة احتمالية من التصديق، وهذا يعني أن التجريبيين يحتملون أن المذهب العقلي على حق".(32)

3- "أن الأسس المنطقية التي تقوم عليها كل الإستدلالات العلمية المستمدة من الملاحظة والتجربة، هي نفس الأسس المنطقية التي يقوم عليها الإستدلال على إثبات الصانع المدبر لهذا العالم، عن طريق ما يتصف به العالم من مظاهر الحكمة والتدبير، فإن هذا الإستدلال - كأي استدلال علمي آخر – استقرائي بطبيعته، وتطبيق للطريقة العامة التي حددناها للدليل الإستقرائي في كلتا مرحلتيه (33).." ".. وهكذا نبرهن أن العلم والإيمان مرتبطان في أساسهما المنطقي الإستقرائي، ولا يمكن - من وجهة النظر المنطقية للإستقراء- الفصل بينهما."

أضاف:

"وهذا الإرتباط المنطقي بين مناهج الإستدلال العلمي، والمنهج الذي يتخذه الإستدلال على إثبات الصانع بمظاهر الحكمة، قد يكون هو السبب الذي أدى بالقرآن الكريم إلى التركيز على هذا الإستدلال من بين ألوان الإستدلال المتنوعة على إثبات الصانع، تأكيداً للطابع التجريبي والإستقرائي للدليل على إثبات الصانع، فإن القرآن بوصفه الصيغة الخاتمة لأديان السماء، قد قدر له أن يبدأ بممارسة دوره الديني مع تطلع الإنسان نحو العلم، وأن يتعامل مع البشرية التي أخذت تبني معرفتها على أساس العلم والتجربة، وتحدد بهذه المعرفة موقفها في كل المجالات، فكان من الطبيعي على هذا الأساس أن يتجه القرآن الكريم إلى دليل القصد والحكمة - بوصفه الدليل الذي يمثل المنهج الحقيقي للإستدلال العلمي، ويقوم على نفس أسسه المنطقية – ويفضله على سائر الصيغ الفلسفية للإستدلال على وجود الله تعالى".

ويختم الشهيد الصدر بقوله:

"هذا بالإضافة إلى أن الدليل التجريبي على وجود الله –الذي يضع هذا الكتاب أساسه المنطقي– أقرب إلى الفهم البشري العام، وأقدر على ملأ وجدان الإنسان – أي إنسان- وعقله بالإيمان من البراهين الفلسفية ذات الصيغ النظرية المجردة التي يقتصر معظم تأثيرها على عقول الفلاسفة وأفكارهم". (34)

وقد استدعى الوصول إلى هذه النتائج ما يلي:

أولاً: سد الثغرة التي أوضح الشهيد الصدر سبب اعتقاده بوجودها في المنطق الأرسطي.

ثانياً: سد الثغرة التي مرت الإشارة إليها في الفقرات المنقولة من كلامه، في المذهب التجريبي، حول المعارف العقلية القبلية.

ثالثاً: إثبات الأساس المنطقي الذي يوضح إمكان تحول التراكم الإحتمالي إلى يقين.

على أساس ذلك أمكن تقديم منهج تجريبي استقرائي يمكنه أن يغطي كل حقول المعرفة.

وتبقى المرجعية للعقل والمعارف العقلية القبلية التي لا يمكن بدونها اليقين بأي لون من ألوان الإستدلال.

ومن الجدير بالذكر أن المنحى التجريبي في الإستدلال ليس طارئاً – كما تقدمت الإشارة العابرة - ولا نقيضاً للمنطق الأرسطي، بل يصرح أركان هذا المنطق بأهمية الإستقراء وأهمية التجربة معاً.

و قد أورد الشهيد الصدر نصوص عدد منهم حول ذلك، كابن سينا، والطوسي في شرحه لمنطق "الإشارات" والرازي في تعليقه على شرح الإشارات، والسبزواري في المنظومة، وقد مهد لذلك بقوله:

"وهكذا نعرف أن المنطق الأرسطي حين يؤكد في بعض نصوصه على أن الإستقراء الناقص لا يفيد علماً، ويؤكد في مجال آخر أن التجربة تفيد العلم، يريد بالإستقراء الناقص الذي لا يفيد العلم مجرد التجميع العددي للأمثلة، دون إضافة أي مبدأ عقلي مسبق، ويريد بالتجربة التي تفيد العلم تلك الأمثلة فيما إذا أتيح تطبيق مبدأ عقلي مسبق عليها، وتأليف قياس منطقي يبرهن على السببية من مجموع ذلك".(35)

وعلى هذا الأساس يتضح أن القرن السابع عشر يشكل نقطة تحول نوعية لا في تكوين المنهج التجريبي، كما يسوَّق، بل في تكثيف الإهتمام به، بالتناسب مع الجزر الذي شهدته الكنيسة، والمد المادي الذي انفجر بركانه في وجهها، كنتيجة طبيعية للمسار الذي أوغلت فيه.

ولا ينافي ذلك أن هذا التكثيف ترافق مع إنجازات في التطبيق النظري، وصياغة الملاحظات في أسس وقواعد، واعتماد ذلك في التطبيق العملي، مما جعله يتسبب بثورة صناعية لم تشهد البشرية لها نظيراً، لا في الإيجابيات ولا في السلبيات، ومن أبرز تمظهرات الثانية: تعميق العدوان على المنهج.

وليست النقلة النوعية الثانية في تكثيف المنهج التجريبي على يد "ستيورات مل" في القرن التاسع عشر إلا تطوراً طبيعياً لما كان بدأه "فرانسيس بيكون" في القرن السابع عشر، يتماهى مع انتشار المادية وإمساكها بناصية الحكم والتوجيه العام لا في أوروبا ومستعمراتها وحسب بل وبدء انتشارها المسلح إلى أربع رياح الأرض.

ويكشف الجموح في نصوص المذهب التجريبي عموماً إلى التفلت من الغيب وبالتالي العقل - الذي لا مجال إلى رفض الغيب إلا بالتحلل من التزاماته - عن المنطلق النفسي الذي شكل وهم المنطلق الفكري للتجريبيين.

يعمق هذا العرض الأسى الذي يجب أن نستشعره بعمق حين لا نصر على تجنب الوقوع في وهدة "المنهج" المادي، فنطل على النصوص والحقائق من مواقعه، ولو عن حسن نية.

(5)
 بين الوحدة والتعدد

ما تقدم يضعنا أمام السؤال التالي:

هل أن تعدد المناهج وطرق البحث، من باب تعدد المفاهيم، أو هو من باب تعدد المصاديق؟

هذه المناهج المتكثرة التي تقدم ذكر العديد منها، أليست في الجوهر حقيقة واحدة، اقتضى تنوع ميادين البحث استخدام أدوات معينة، فنشأ من ذلك تصور التباين؟

إذا دققنا في التعريفات التي مر ذكرها - وفي غيرها- سيمكننا بيسر أن نهتدي إلى القاسم المشترك بينها جميعا الذي هو "حركة الفكر وفق الضوابط العقلية" وهذا هو في الحقيقة ما تعنيه كلمة "المنهج".

سنجد أن هذا القاسم المشترك هو ما تم التعبير عنه في التعريفات بما يلي: "البرنامج"، "الطريق المؤدي"، "طائفة من القواعد"، "طريق البحث"، "وسيلة محددة"، "خطوات منظمة"، "مجموعة من القواعد العامة"، "الطريق المستقيم"، "مجموعة من القواعد والأنظمة "، "القواعد التي يتم الإنطلاق منها".

وبما أن العقل هو المرجع في وضع البرنامج، أو تحديد الطريق، أو الوسيلة، أو تنظيم الخطوات، أو الحكم باستقامة الطريق، والهدف هو الوصول من المعلوم إلى المجهول، فجميع هذه التعريفات تتحدث عن "حركة الفكر" هذه، ويمكنك أن تقول حركة العقل بينهما، ولا شك أن هذه الحركة في المجال التجريبي مثلاً، تختلف من حيث الأدوات والتمظهرات -لا الجوهر- عنها في مجال "النقل" و "النص" مثلاً، وقد يبلغ الإختلاف حداً بعيداً جداً-هو بعد ما بين الحقول المعرفية المختلفة- فيوحي بأن المنهج مختلف، وليس الأمر كذلك إطلاقاً.

وقد تصدى الدكتور الفضلي لتحليل منهجية (استيورات مل) المعترف بريادته للمنهج التجريبي -كما تقدم- فأرجعها بالدليل والبرهان، إلى قواعد عقلية تحدث عنها أرسطو وغيره.

يقول الدكتور الفضلي:

"وقوانين الإستقراء التي وضعها جون استيورات مل لضبط عمليات البحث التجريبي لتؤدي إلى نتائج سليمة ومعرفة علمية صحيحة، هي -كما جاءت في موسوعة الفلسفة 2/470-471ط1 1984م) -:
1- منهج الإتفاق (Method of Agreement)
2- منهج الإفتراق (Method of Difference) .
3- منهج التغيرات المتساوقة (Method of Concomitant Variations) .
4- المنهج المشترك (للإتفاق والإفتراقThe Joint Method of Agreement and Difference.)
5- منهج البواقي (Method of Residues) "

وقد شرح كلا منها شرحاً وافياً، ثم قال: " ونستخلص من هذا:
1- أن استيورات مل اعتمد في وضع قوانينه الخمسة المذكورة على (مبدأ العلية) و (مبدأ الإطراد في الحوادث).
2- يريد بمنهج الإتفاق: التلازم في الوجود بين العلة والمعلول، بمعنى أنه إذا وجدت العلة وجد المعلول.
3- يريد بمنهج الإفتراق: التلازم في العدم بين العلة والمعلول، بمعنى أنه إذا عُدمت، عُدم المعلول. وبتعبير آخر: إذا لم توجد العلة لم يوجد المعلول.
4- يريد بالمنهج المشترك: أن العلة إذا وجدت وجد المعلول، وإذا عدمت عدم المعلول.
5- يريد بمنهج التغيرات المتساوقة: أن أي تغير يحدث في العلة لابد أن يحدث في المعلول.
6- يريد بمنهج البواقي: أن علة الشيء لا تكون علة -في الوقت نفسه-علة لشيء آخر، مختلف عنه."
(36)

* بين العقل والمنهج
ليست المنهجية السليمة، شيئاً آخر غير التفكير المنطقي المستقيم، ومعنى ذلك أن "المنهج" من حيث المبدأ "من لوازم الإنسان الوجودية ومرتكزاته الفطرية"، كل ما في الأمر أن الإنسان قد يراعي هذه "الملكة" في التفكير فيكون تفكيره منهجياً، ويوصله إلى نتائج سليمة، وقد لا يراعيها، فتأتي النتيجة مغايرة. ويجب الوقوف ملياً عند "المنهج التلقائي" الذي تقدم ذكره، والمراد به أن الإنسان يمارس المنهجية تلقائياً وبشكل عفوي.

ولا يعني ذلك سلامة النتائج مطلقاً، وإنما يعني بالتحديد فطرية المنهجية، التي قد لا تتم مراعاتها كما ينبغي، فتوصل إلى نتائج باطلة.

"وقد أشار إلى هذا "مناطقة بورت رويال" بقولهم: "إن عقلاً سليماً يستطيع أن يصل إلى الحقيقة في نطاق البحث الذي يقوم به، بدون أن يعرف قواعد الإستدلال". (37)

ولا تهدف إثارة هذه الملاحظة، إلى أكثر من الإلفات إلى مدى التجني اللامنهجي في اعتبار المنهجية نتاج المتأخرين، لذلك لا ينبغي تحميلها تهمة القول بأن المنهج بكل مقوماته وخصائصه وأدواته فطري، فالمراد بجلاء أن أسس التفكير المنهجي، و"قواعده العامة" عقلية، فهي تلازم الإنسان ملازمة العقل له.

وتجدر الوقفة هنا بالذات مع "المؤمنين" الذين يلتزمون بأنه لا يجوز الإعتقاد بأصول الدين بدون دليل وبرهان، لنسأل أنفسنا: ألا يدل ذلك أن باستطاعة كل إنسان أن يفكر بمنهجية سليمة ليصل إلى النتيجة السليمة، في أكثر المسائل أهمية وأشدها خصوصية؟ وهل يعقل أن يكون "التوحيد" فطرياً، ولا يكون الوصول إليه فطرياً؟ بل: ماذا تعني فطرية التوحيد غير تلقائية الوصول إليه، لمن قرر أن يفكر، أن يكون من "أولي الألباب" و "ألقى السمع وهو شهيد"؟

* المنهج المَقْسَم:
إن وجود أقسام عديدة للمنهج يقتضي وجود المقسم. وبعبارة ثانية: إن وجود المصاديق المتعددة يقتضي تحديد المفهوم الذي ينطبق عليها جميعاً وهي أفراده، فهل المقسم أو المفهوم، هو المنهج، دون أي تحديد، أم أن المقسم والمفهوم هما "المنهج العقلي"؟

هل يشكل الوصول إلى النتيجة بطريقة علمية جزءً من مدلول لفظ "المنهج" أم أن المنهج أعم من الموصل وغيره؟

لا أظن أن أحداً يتبنى الثاني، أي أنه أعم، فالمنهج هو الطريق الواضح أو الموصل أو هو الإلتزام بقواعد محددة، إلى غير ذلك مما جاء في التعريفات المختلفة، وهو يوضح بما لا مزيد عليه أن العلمية بل العقلية جزء مقوم للمنهج، وهو المائز بين المنهج وغيره.

وبناءً عليه فإن "المنهج العقلي" هو المقسم لجميع أقسام المنهج، سواءاً تم التصريح بوصف "العقلي" أم لم يتم.

فإن قلت: إن المنهج العقلي هو إعمال المنهجية في المجالات العقلية، المنطقية وشبهها.

فالجواب: هذا يؤكد أن منشأ الخطأ هو تعريف المنهج بساحة عمله، والصواب هو البحث عن تحديده بمعزل عنها، وهذا يعني الإجابة على السؤال التالي: ما هي حقيقة هذا المنهج الذي يتم اعتماده في المجالات العقلية، وهل هو في جوهره مغاير لما يعتمد في الحقول المعرفية الأخرى؟

من هذا المنطلق لا يمكن الموافقة على ما هو السائد من اعتبار "المنهج العقلي" قسيما لسائر أقسام المنهج، إلا بناءً ًعلى تجوز فضفاض وتسامح لا مبرر له، يرجع في حقيقته إلى سرد ميادين إعمال المنهج. وعندما يكون مصب البحث هو "المنهج" يتجاوز الأمر التجوز والتسامح ليغدو خللاً منهجياً بعيد الأثر، بالغ الخطورة، إذ تنقلب معه الموازين إلى حيث يصبح المنهج المعترف له بأنه علمي نقيض المنهج العلمي السليم، ويصبح المنهج المعترف له بأنه عقلي يوحي بأن المناهج الأخرى تفتقر إلى العقلانية، فيغدو المنهج الغيبي نقيضاً للمنهج العقلي، مع أنهما في الأصل من مشكاة واحدة، ويصبح المنهج التجريبي وحده لا غير المنهج العقلي المدعى.

ويكمن الحل في تحديد المصطلحات بمنهجية، وبمنتهى الدقة العلمية.

وعندما نحاول ذلك سنجد أنفسنا مذعنين بأن كل أقسام المنهج وتصنيفاته، ينبغي أن تحاكم منهجيتها - هل هي موصلة أم لا؟ وهل تمتلك الكاشفية التي يمكن لأجلها الركون إليها، والإعتماد عليها؟ - على أساس القواعد العقلية التي تصدر منها وترجع إليها، كما سنجد أن هذه القواعد العقلية لا تخرج أبداً عن الإطار الذي تم تحديده في "علم المنطق" لدى البحث عن قسمي العلم، الضروري (البديهي) والنظري، وبالتحديد لدى البحث عن "النظر".

يقول الشيخ المظفر رحمه الله:

"نعرف مما سبق أن النظر - أو الفكر- المقصود منه "إجراء عملية عقلية في المعلومات الحاضرة، لأجل الوصول إلى المطلوب" والمطلوب هو العلم بالمجهول الغائب، وبتعبير آخر أدق، إن الفكر هو: "حركة العقل بين المعلوم والمجهول".

وتحليل ذلك أن الإنسان إذا واجه بعقله، المشكل (المجهول) وعرف أنه من أي أنواع المجهولات هو، فزع بعقله إلى المعلومات الحاضرة عنده المناسبة لنوع المشكل، وعندئذ يبحث فيها ويتردد بينها بتوجيه النظر إليها، ويسعى إلى تنظيمها في الذهن حتى يؤلف المعلومات التي تصلح لحل المشكل، فإذا استطاع ذلك ووجد ما يؤلفه لتحصيل غرضه، تحرك عقله حينئذ منها إلى المطلوب، أعني معرفة المجهول وحل المشكل، فتمر على العقل – إذن - بهذا التحليل خمسة أدوار:

1- مواجهة المشكل (المجهول).
2- معرفة نوع المشكل، فقد يواجه المشكل ولا يعرف نوعه.
3- حركة العقل من المشكل إلى المعلومات المخزونة عنده.
4- حركة العقل - ثانياً- بين المعلومات، للفحص عنها "فيها" وتأليف ما يناسب المشكل ويصلح لحله.
5- حركة العقل - ثالثا- من المعلوم الذي استطاع تأليفه مما عنده إلى المطلوب.

وهذه الأدوار الثلاثة الأخيرة أو الحركات الثلاث هي الفكر أو النظر، وهذا معنى حركة العقل بين المعلوم والمجهول، وهذه الأدوار الخمسة قد تمر على الإنسان في تفكيره وهو لا يشعر بها، فإن الفكر يجتازها غالباً بأسرع من لمح البصر، على أنها لا يخلو منها إنسان في أكثر تفكيراته، ولذا قلنا إن الإنسان مفطور على التفكير."

أضاف:

"نعم من له قوة الحدس يستغني عن الحركتين الأوليين، وإنما ينتقل رأساً بحركة واحدة من المعلومات إلى المجهول، وهذا معنى الحدس، فلذلك يكون صاحب الحدس القوي أسرع تلقياً للمعارف والعلوم، بل هو نوع من الإلهام وأول درجاته". (38)

على هذه الأدوار - وخصوصاً البندين الرابع والخامس- تقوم كل القواعد العقلية التي تتحكم بالمنهج ويدورهو مدارها، بمعنى أن اتصافه بالمنهجية رهن التزامها.

توضيح ذلك: إن أي بحث هو نتيجة مواجهة مشكلٍ ما نريد تقديم الإجابة الصحيحة عليه، وهذا يستدعي معرفة نوعه، فهل هو من الظواهر الطبيعية مثلاً، أم أنه من ميدان النقل؟ إذا كان الأول فمن أي نوع من الظواهر هو؟ هل هو من الظواهر العامة أم الخاصة؟ وهكذا. وإذا كان الثاني فمن أي أنواع النقل؟ هل هو من ميدان الحديث أم التاريخ، أم الشعر؟ وهكذا.

وبعد معرفة نوعه تبدأ مرحلة الإنتقال إلى المعلومات المختزنة، هل تكفي للبحث، أم أنه لابد قبل كل شيء من رفدها بما يجعل البحث منتجاً- وهذه إحدى القواعد العقلية للبحث المنهجي- ثم تأتي مرحلة إعداد الأدوات التي تمكن من مواصلة البحث، وهنا يختلف الأمر جذرياً، فعُدة البحث التجريبي مباينة في الغالب لعدة البحث النقلي، إلا أن المرجع في تحديد صلاحية هذه وتلك هي للعقل بالتأكيد، فهو الذي يلزم الباحث في الحقل التجريبي بالمختبر مثلاً، وهو الذي يلزم الباحث قي مجال النقل بعلم الرجال وخصوصيات السند مثلا، إلا أن الضوابط التي تحكم آلية اعتماد المختبر أو علم الرجال هي نفسها من قبيل عدم الإعتماد على قول الكذاب، لأن ذلك يتنافى مع علمية النتائج، في كل الحقول المعرفية بلا استثناء.

بعد ذلك تأتي مرحلة الإستنتاج وهي محكومة أيضاً بقواعد عقلية ينبغي الإلتزام بها، ولا يسمح بتجاوزها.

إن المنهج هو الإلتزام بالقواعد العقلية في جميع مراحل حركة العقل بين المعلوم والمجهول، وبما أن الإنتقال في المراحل الثلاثة الأول أقل تعرضاً للخطأ، فالعمدة التزام العقل بشكل خاص في المراحل التالية، ولذلك اخترت في تعريف المنهج، أنه: "البحث في هدي القواعد العقلية للوصول إلى النتائج" كما مر.

وإلى مثل هذه القواعد تشير جميع تعريفات المنهج عندما تتحدث عن "القواعد العامة" أو تنظيم البحث أو ما شابه.

فالمنهج الذي هو عقلي دائماً يتسع لكل الأدوات ويدرجها في سياقه، كما فعل "المناطقة المسلمون" حين "أضافوا إلى مادة الإستقراء في كثير من مؤلفات المنطق الحديثة الطرق الخمس التي وضعها (جون استيورات مل) والتي تسمى (طرق الإستقراء) و (قوانين الإستقراء) وموضوعات أخرى رأوا من اللازم إضافتها". (39)

يكشف ذلك أن الجديد الذي جاء به "بيكون" ومن بعده "مل" وإن كان بالغ الأهمية، إلا أنه يقتصرعلى الأدوات، ولا يرقى إطلاقاً إلى تأسيس منهجي.

* وحدة المنهج

أخلُص مما تقدم إلى النتائج التالية:

1- أننا عندما نلاحظ أن ثمة عنواناً مشتركاً بين كل صنوف البحث في جميع حقول المعرفة، هو (حركة الفكر من المعلوم إلى المجهول) فلا يسعنا إلا الإذعان بوحدة المنهج، وعندما نغرق في التفاصيل، تنعدم الرؤية، ونركن إلى العناوين البراقة.

2- عندما نتواضع ونحترم عقول الآخرين، نوقن أن الأجيال السابقة، لم تكن تدور في فراغ منهجي، حتى جاء "بيكون" أو "مل" وغيرهما ممن يجب علينا أن نحترم مساهمتهم، على أن توزن بميزان العقل والعلم، فنقدر الجوانب المضيئة منها، ولا نتجاوز بها ساحة اختصاصها.

3- ثم إن هذا المنهج الواحد يمكن اعتماده في أي حقل من حقول المعرفة، وعندها تملأ فراغاته التي تركها هو بعقلانية ممنهجة لتملأ بالأدوات المناسبة، إلا أن هذا لا يبرر أن يسمى هو باسمها إلا من باب التسامح الذي أوقع في اللبس والخلط، الذي لا يخرجنا منه إلا التنبه إلى أن مفردة المنهج تأبى أن لا تكون عقلانية، إلا حين يكون الحديث عن المنهج المدعى.

4- وبناءً عليه فلنعدد أقسام المناهج كما نشاء، على أن يكون المقصود كما يلي:

المنهج العقلي النقلي، المنهج العقلي التجريبي، المنهج العقلي في المسح، وهكذا.

5- ويظهر الفرق بأجلى صوره في مصطلح المنهج العقلي الغيبي، الذي ينسف وهم التقابل بين المنهج العقلي والغيبي من جذوره، لتشرق أرض البحث في ميادين الغيب بنور العقل الذي يقودنا إلى عتبة الغيب، ويأمرنا بالتزام أحكامه ضمن ثوابت يحددها لنا، علينا أن لا نتجاوزها لئلا نقع في أحد محذورين: إما التنكر للعقل وادعاء أن عالم الشهادة هو كل الواقع الموضوعي، وإما التنكر للعقل وعدم التفريق بين الغيب والخرافة، عبر إلغاء اعتماد وسائل التثبت العقلية التي يستحيل بدونها التمييز بينهما، وليست وسائل التثبت هذه إلا المنهج العقلي الذي يعتمد في ميدان الغيب، ولذلك كان التعبير الآخر عنها هو المنهج العقلي الغيبي. (40)

6- كما هما نجدان، نجد خير ونجد شر، وكما هما حالتان، حق وباطل، كذلك هما منهجان -لا ثالث لهما- منهج العقل، ومنهج تغييبه أوإلغائه، والتيه في أودية الجهل، مهما بلغ ضجيج الوهم والإدعاء.

وقد تلازم الجهل مع الإقتصار في التعامل على المحسوس، وإنزال ما عداه بمنزلة العدم، الأمر الذي يجعل المنطلق للتعامل مع حقائق النفس والمجتمع والكون عموماً، منطلقا مناقضاً للعقل -الذي يحكم على الأقل بقانون العلية- ويفرض عليه سلفاً أن يقر مرغماً بأن الواقع الموضوعي هو "عالم المادة" وظلاله، وينطلق في التفكير على هذا الأساس.

في هذا المنحى المادي، يكمن مقتل العقل، وفيه يجري دفنه، ليواصل الماديون البحث، بعيداً عن المنهج، متسترين بما يسمى "المنهج المادي" الذي يعني "اللامنهج".

من هنا أصبح مبنياً على التجوز أيضاً، حصر المنهج في اثنين "العقلي" و "المادي" إلا إذا قلنا إنه من باب "التقابل" كما يطلق "السليم" على الملدوغ و"البصير" على الأعمى.

7- ولقد أرسى "المعصومون" أسس المنهج العقلي، وأقاموا دعائمه، فنعمت البشرية بنتائجه، وماتزال، وهذا ما يأتي مزيد إيضاح له في الفصل الثاني.


هوامش

(1) الجوهري، الصحاح، نهج.
(2) الزبيدي، تاج العروس، "النهج"
(3) الفضلي، الدكتور عبد الهادي، أصول البحث، ط مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، قم، إيران، ص49، نقلا عن: عبد الرحمن بدوي، في مناهج البحث العلمي، ص5.
(4) المصدر ص50، نقلاً عن: بدوي، مناهج البحث العلمي.

(5) نفس المصدر.
(6)المصدر ص50، نقلاً عن: عناية، في مناهج البحث ص76.
(7)المصدر، ص50، نقلا عن: النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1 ص36.
(8)المصدر، نقلا عن: المعجم الفلسفي ومعجم المصطلحات العربية مادة منهج.
(9)المصدر، نقلا عن: الصحاح في اللغة والعلوم، مادة نهج.
(10) المصدر، ص51، وهو التعريف الذي اختاره الدكتور الفضلي.
(11) د. رجاء وحيد دويدري، البحث العلمي، أساسياته النظرية، وممارسته العملية، دار الفكر، ص147.
(12) المصدر.
(13) المنهج العقائدي في الميزان، حوار مع السيد كمال الحيدري. جواد علي كسار. مؤسسة الثقلين. ص13. ويأتي توضيح حول هذا التعريف ورأي السيد الحيدري.
(14) د. دويدري، البحث العلمي، ص148 - 149، وتجد ثبتا بالمصادر الأصلية.
(15) الفضلي، أصول البحث، ص51 - 67، بتصرف.
(16) المصدر، ص53.
(17) د. دويدري، مصدر متكرر، ص128 - 129، نقلاً عن: عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، ص5.
(18) الفضلي، أصول البحث، تقدم ذكره، ص55، نقلاًعن: موسوعة الفلسفة (عبد الرحمن بدوي، ط بيروت) ج1 ص394.
(19) المصدر، نقلاً عن: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (للنشار) ج1 ص37.
(20) المصدر، نقلا عن: أصول البحث العلمي ومناهجه، ص58، عن: محمد طلعت عيسى: البحث الإجتماعي، مبادؤه ومناهجه، القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة1963 ص27 - 28.وقد وردت في بداية النص لفظة"تعليلات" إلا أن المؤلف – الدكتور الشيخ الفضلي- حين تكرم بالإطلاع على نسخة هذا الكتاب قبل الطبع، صححها ب"تعديلات".
(21) الشيخ كامل محمد محمد عويضة (كلية الآداب، جامعة المنصورة) فرنسيس بيكون، فيلسوف المنهج التجريبي الحديث، ص31 (ط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1413هج، 1993م).
(22) المصدر/65.
(23)المصدر/60.
(24) المصدر/117.
(25)المصدر/76.
(26) المصدر/83.
(27) قام بتدريسه في الحوزة العلمية بقم تلميذه المرجع السيد كاظم الحائري، إثر إبعاده من العراق، حوالي عام 1977م وهو كتاب جدير بأن يكون من ثوابت المنهج الدراسي في الحوزة والجامعة، وسيشكل ترجمة عملية لفكرة وحدتهما، الإستراتيجية، التي أطلقها الإمام الخميني وشكلت أحد أبرز مرتكزات خطابه الثقافي، وهي تعود على الأمة بالخير الوفير الذي لا يمكن تحقيقه عن أي طريق آخر غير توحيد"المنهج" ليصبح الجميع يقرأون بطريقة علمية وعقلية واحدة، تعتبر الحوزة الآن رائدتها رغم السلبيات المفصلية في "حسن العرض" وتقديم نتائج الأبحاث، وما كتاب "الأسس المنطقية" إلا شاهد على موقع الحوزة الفكري الريادي على مستوى العالم، وما موقعه العملي إلا دليل على إخفاقنا في مجال العرض والتقديم حتى لما هو جاهز لا يحتاج إلا إلى اليسير من الجهد.
(28) محمد باقر الصدر (المرجع الشهيد) الأسس المنطقية للإستقراء، ص83 (ط: دار التعارف، بيروت، 1410هج، 1990م) نقلا عن: د. زكي نجيب محمود، المنطق الوضعي ص504 "
(29) المصدر ص80، ويأتي ذكر هذه الطرق الخمسة، في الحديث عن العنوان الآتي. وليلاحظ أن الشهيد الصدر ذكرها أربعة بلحاظ مبرر هو دمج الثالثة والرابعة كما سيأتي.
(30) المصدر ص88.
(31) ليلاحظ أن المذهب التجريبي غير المنهج التجريبي فالأول هو المرتكز المنطقي الذي يبنى عليه المنهج، وإذا استند المذهب التجريبي إلى العقل أمكنه أن يقدم منهجاً تجريبياً مقبولا وإلا وجب رفضه ورفض المنهج المدعى في سياقه.

(32) المصدر، ص453 - 454.
(33)المقصود بهما "مرحلة التوالد الموضوعي" المرحلة الإستنباطية للدليل الإستقرائي و"مرحلة التوالد الذاتي" مرحلة بلوغه اليقين الموضوعي" أنظر المصدر، ص227 وص329.
(34) المصدر السابق، ص469 - 470.
(35) المصدر، ص32 - 33.
(36) المصدر، ص54 - 62 ملخصاً.
(37) المصدر، 51 عن: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 1/35. نقلاًعن: Logique De Port Royal Introduction
(38) المظفر، الشيخ محمد رضا، المنطق، ط ثالثة، دار التعارف، بيروت، ص23 - 24.

(39) الفضلي، أصول البحث، مرجع متكرر، ص53، وقد أرجع إلى: مذكرة المنطق (مخطوط، له) المقدمة، مبحث التبويب، لمعرفة شيء من هذا.
(40) يتضح في ضوء ذلك: أن ما ورد في اللائحة الثانية لتصنيفات المنهج، مبني على التسامح والتجوز حتماً، لأن صاحب التصنيف أدام الله ظله، من أبرز أعمدة المدافعين عن المنهج العقلي بشموليته التي عرفت، و قد ظهر ذلك جلياً من الفقرات التي تم الإستشهاد بها في مطاوي البحث، خاصة ما يتعلق بالمنهج التجريبي.
كما يتضح أن القول بأن المنهج قد "يراد به هيئة الإستدلال تارة، والقواعد التي يعتمد عليها المفكر للدخول في عملية اكتشاف الواقع تارة أخرى" كما نقل عن العلامة الجليل السيد الحيدري بحاجة إلى المراجعة والتأمل. وأن معنى المنهج "الذي ينزل به إلى مستوى الأدوات الفنية لضبط الكتابة" لا يختلف عن أي منهج آخر إلا من حيث ميدان البحث، الذي يستدعي عدة من نوع خاص، وجهداً عادياً إذا ما قيس بغيره، كما يتضح عمق الإختلاف مع ظاهر القول بأن "المنهج العقلي منهج ثابت في نفسه وفي الحقل الذي يعمل به، والمنهج النصي منهج آخر، والمنهج العرفاني منهج ثالث، فإذا لم يكن المنهج النصي والمنهج العرفاني عقليين، فما هو المبرر للأخذ بهما؟ لا شك أن هذا مبني أيضاً على التسامح والتجوز، إلا أنه يؤدي إلى ما ترى.