أجزاء الفصل الأول (1) (2) (3)

 

الفصل الأول: المعارضة في الكوفة

* مهمة الشهيد مسلم: الجو العام

 
كان الجوّ السياسي العام، يتلخّص في أن يزيد أصبح " خليفة " المسلمين.

و هي كلمات تقال ولكن كيف أصبح يزيد خليفة ؟!

يزيد بن معاوية بن أبي سفيان " الفاسق المعلن بالفسق والفجور" أصبح "في موقع" رسول الله صلى الله عليه وآله!!

كان المجتمع الإسلامي يزخر بالنوعيين من الصحابة الذين كانوا ما يزالون في قيد الحياة، وقد تربوا على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله مباشرة، ومن المفترض أن تكون لديهم الحساسية المفرطة من حكم مثل يزيد، ولم يكن عددهم آنذاك قليلاً. وإلى جانب الصحابة كان التابعون بأعداد كبيرة، ومع ذلك فلم يمتنع عن بيعة يزيد إلاّ اثنان، مع الفارق الكبير بينهما، وهما الإمام الحسين عليه السلام، وعبدالله بن الزبير المبغض لأهل البيت عليهم السلام الذي كان يقول: إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة (1) . ورغم هذا فقد كان أساسياً لأنـّه قاد تحركا سياسياً وعسكرياً، وخُطب باسمه حتى على منابر دمشق وجوارها وكاد أن يقضي على الحكم الأموي، ثمّ قضى عليه الأمويون .

صحيح أن عبدالله بن عمر امتنع عن بيعة يزيد، لكنه لم يكن يُهتمّ بموقفه، ولا يؤبه له. (2)

بلى وما عشت أراك الدهر عجباً.

صار يزيد ملكاً، ولقد أجاد السيد الحلي في التعبير عن ردة الفعل الطبيعية لأي مسلم، على ذلك حيث يقول :

لم أدر أين رجال المسلمين مضوا             وكيف صار يزيد بينهم ملكا (3)

ما هي هذه النفس البشرية التي تشهد تقلباتها قفزات نوعية فتنسجم مع العظائم، التي هي بحجم أن يصبح معاوية بن أبي سفيان ويزيده وأمثالهما "خلفاء" الرسول! وبحجم رمي أبي طالب حامي الرسول وكافله بالكفر، ولعن ابنه على المنابر مائة عام، والإعراض العملي عنه حتى يو منا هذا ؟

و لا يمكن فهم حقيقة نهضة سيد الشهداء ما لم تستقص هذه النقطة بالذات، ما هي الأسباب الحقيقية التي أوصلت يزيد إلى ادعاء خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله؟

و ما العلاقة بين ذلك وبين حديث القرآن الكريم عن حركة الذين مردوا على النفاق، وعن الإنقلاب على الأعقاب ؟

وتتوقف الإجابة على هذه الأسئلة ونظائرها على الخروج من أسر الإسقاطات والتعميمات، ووهم القداسة، إلى النظر في التاريخ ببصيرة قرآنية ووعي محمدي يستلهم كتاب الله تعالى في السنن الإجتماعية، ورسوله المصطفى صلى الله عليه وآله في الإخبار بما يجري من بعده، وبديهي أن لذلك منهجيته الخاصة التي ترتكز إلى قاعدة عقلية لاجدال فيها هي الرجوع إلى المختص.

وقد بين الذكر الحكيم وأو ضح الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله أن مرجع الأمة الذي يدور الهدى مداره، هم أهل البيت عليهم السلام.

ولم يكن الإنقلاب على الأعقاب إلا الإصرار على تنكب سبيل الهدى.

ودارت دورة الزمن بمعزل عن سفينة النجاة فأوغل المجتمع الذي كان إسلامياً في متاهات الملك العضوض.

وكما هو الفرد يستقيم ثم يعوج وقد يرجع إلى الإستقامة ثم يعاود الإعوجاج، فكذلك هو المجتمع.

وكما هي اندفاعة الفرد في مهاوي الردى لايمكن لجمها أو كبح جماحها، كذلك هي اندفاعة المجتمع، ولكنها مضاعفة مرتين: مرة بعدد الأفراد، وثانية بحجم الجو العام - بكل ضجيجه وبهارجه، ووسائل إعلامه وإعلانه، ورنين دراهمه، وقعقة سلاحه، وناعم ملمس ترفه، ودوائر جذب سلطته - الناشئ من تضافركل هؤلاء الأفراد على الخطأ، ويبلغ ذلك الحدَّ الذي يصبح معه الخروج من أسر هذا الجو، إلى رحاب التفكير بموضوعية ضرباً من الجنون!

وبمقدار ماتكون الإندفاعة في دروب الفضيلة يكون السقوط بعد الإنقلاب على الأعقاب.
 إنه الإرتكاس الرهيب من أعلى القمة إلى الوادي السحيق، الذي لايبقي ولايذر.

وقد تؤدي محاولة الحد من هذه الإندفاعة في غير أوانها إلى ماهو أسوأ منها، وهو مايحتم العمل وفق الممكن، وانتظار الفرصة المؤاتية.

كان اليهود يوماً مضرب المثل في التقوى والورع، ثم صاروا مضرب المثل في كل نقيصة.

وكان النصارى موحدين، ثم غلب الشرك فكان التثليث.

ولم تكن الديانتان اليهودية والنصرانية الصيغة الخاتمة التي يجب أن تحفظ من التحريف.

وجاء الإسلام بصيغته المحمدية الخالدة، فركب المسلمون من بعده سنن الذين من قبلهم حذو القذة بالقذة، ولكن القرآن لم يحرف، فهو كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله، تتلوه الأجيال، وتستضيء بنوره القلوب إذا عرفت من هم " أهل الذكر" وأهل "المودة في القربى" والذين هم "أمان لأهل الأرض".

ويكشف التدبر في حديث المصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله عن الوقائع التي ستكون بعده، أن اندفاعة الأمة في دروب الضلال لايمكن التصدي لها بما يؤدي إلى إعادتها إلى الصراط المستقيم، بمعنى القضاء على التنكر لحقائق العقيدة وثوابت الإسلام، بل إن مايمكن فعله إنما هو في خط وعد الله تعالى بحفظ دينه من التحريف، وهذا يعني أن يتكفل الأئمة من أهل البيت عليهم السلام القيام بواجب حفظ نقاء الدين على مستوى النظرية وبقائه كذلك في متناول بصائر كل الأجيال.

ولقد كان ظرف وصول يزيد إلى موقع الخلافة علامة فارقة في محاولة تشويه الإسلام، اقتضت علامة فارقة في حفظه من التحريف ليبقى له نقاؤه الإلهي المحمدي.

وقد أحرز سيد الشهداء النصر المؤزر الذي منح لأجله ذلك الوسام الإلهي الأسمى على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله : حسين مني وأنا من حسين.

إنه النصر العزيز والفتح المبين الذي تظهر آثاره في الدنيا بأجلى صورها يوم يحقق الله تعالى الحكومة العالمية الواحدة، على يد وصي المصطفى الحبيب، تحت شعار: يالثارات الحسين.

وهو بعدُ الفتح الذي يدركه بعقله وقلبه من لم يكن في زمن الحسين عليه السلام، فيصل به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن لايدركه فقد تخلف ولم يبلغ الفتح.

* يزيد : البيعة أو القتل

من الخطأ أن يحمل ازدراؤنا ليزيد لعنه الله تعالى، على الإستخفاف ببطشه وعدم التقدير الدقيق لقوته العسكرية والسياسية، فإن ذلك سيحجبنا تلقائياً عن وعي الظروف السياسية التي انطلقت فيها نهضة الإمام الحسين عليه السلام، وسيحرمنا تبعاً لذلك من استلهام المواقف الكربلائية في ما نواجهه من تحديات.
أمسك يزيد بأزمّة دولة الإسلام آنذاك، وكانت دولة مترامية الأطراف، ثنيت فيها الوسادة من قبله لأبيه " ملك الوقت " كما وصفه الديار بكري صاحب "تاريخ الخميس" الذي يقول :

" وقد استشارت النبي صلى الله عليه وآله امرأة في أن تتزوج بمعاوية فقال صلى الله عليه وآله: إنه صعلوك لا مال له، ثمّ بعد هذا القول بإحدى عشرة سنة صار نائب دمشق ثمّ بعد الأربعين صار مُلكُ الدنيا تحت حكمه من حدود بخارى إلى القيروان من المغرب، ومن أقصى اليمن إلى حدود قسطنطينية. ومـلك إقليم الحجاز واليمن والشام ومصر والمغرب والعراق والجزيرة وأرمينية وأذربيجان والروم وفارس وخراسان والجبال وما وراء النهر ". (4)

كان معاوية إذاً، يحكم بحسب المصطلح الحديث " دولة عظمى " وقد صار يزيد ملك الوقت بعده فحكم هذه المناطق الواسعة التي كانت جميعها خاضعة له، وقد بذل أبوه قصارى جهده ليُذل له رقاب البلاد والعباد .

وفي المقابل كانت الكوفة وحدها، تشهد مخاض الرفض والإعتراض، إلاّ أن الكوفة ليست إلاّ بلداً في منظومة كبيرة من الحواضر والبلاد، وإن كان ثقلها العسكري والجغرافي في ذروة التمايز.

يزيد الحاكم لهذه الدولة الكبيرة، يصر على أخذ البيعة من الإمام الحسين عليه السلام قسراً، والإمام يمتنع، ولم تكن ثمة أي إرهاصات اعتراض إلا في الكوفة بكل ثقلها العسكري والسياسي.

هكذا نستطيع أن ندرك أبعاد الجوّ السياسي ونقدّر الوضع القائم آنذاك بشكل أفضل، ويمكننا عندما نتكلم عن تخاذل أهل الكوفة أن نعرف ما هي أسباب التخاذل، ونستطيع أن نعيش على مقربة من الحقائق إذا لم نستطع أن نعيشها.

امتنع الإمام عن البيعة، وخرج إلى مكة، وليس امتناع الإمام الحسين عليه السلام عن البيعة كغيره، مهما علا كعبه .

لقد امتنع عبدالله بن الزبير عن البيعة، وخرج إلى مكة وبقي فيها، إلا أنه لا يُسجّل للسلطة أيّ موقف جادّ منه قبل شهادة الإمام الحسين عليه السلام.

كان الحكم الأموي يدرك أن العدو الأساسي له، هو الإمام الحسين عليه السلام، لتعاطف الناس الكبير معه حيث إنـّه يشكل الإمتداد الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وآله، لذلك فان خروج الإمام من المدينة، بعد أن امتنع عن البيعة، كان يعني للنظام الكثير.

أمّا بقاؤه عليه السلام في المدينة، فكان يعني البيعة، أو القتل، ولذلك بمجرد أن استدعاه والي المدينة لم يذهب وحيداً وإنـّما أخذ معه ثلاثين من أنصاره، ليكونوا على الباب فيمنعونه إذا علا صوته (5) وبحسب بعض المصادر فإن ذلك قد حصل فعلاً.(6)

و لا يمكن فهم حقيقة موقف السلطة من الإمام الحسين بمعزل كذلك عن حقيقة موقفها من قبل من أخيه الإمام الحسن عليهما السلام.

و الملاحظ هنا أن مطلب أخذ البيعة من كل منهما، ثم العمل على قتله إن لم يبايع، كان الهدفَ المصيري والوجودي للنظام، إدراكاً من معاوية قبل موته ومن الحزب الأموي عمو ماً قبله وبعده، أنه لا مجال لاستمرار حكم في الوسط الإسلامي، مع وجود الإمام الحسن أو الإمام الحسين، إلا ببيعتهما ولو ادعاء، بمعنى أن شبهة البيعة منهما للنظام كانت كافية لدوامه.

إذا أمكن ذلك "أخذ البيعة" يصبح بالإمكان تأخير الإستهداف بالقتل للفرصة الأنسب، أما إذا لم يمكن ذلك فالقتل هو الخيار والهدف، بالغاً ما بلغ.

ويرتبط ذلك جذرياً بالمكانة التي ثبتها رشول الله صلى الله عليه وآله لسبطيه في عقول المسلمين وقلوبهم.

كان معاوية يحمل بالدرجة الأولى هم بقاء الإمام الحسن على قيد الحياة، لأن موت معاوية سيطرح رجوع الأمر إليه، حتى على أساس شبهة موافقة الإمام الحسن على حكم معاوية التي روج لها الأمويون، ولذا عمل معاوية على قتل الإمام الحسن بالسم للتخلص من أحد الخطرين على حكم يزيد.

و كان يحمل كذلك هم عدم بيعة الإمام الحسين عليه السلام، ولا أشك في أن معاوية بذل جهوداً مضنية لقتل الإمام الحسين عليه السلام بالسم أو بغيره، لأن داهية مثله لا يمكن أن يترك هذا الأمر المركزي دون أقصى العناية والإهتمام، غير أني لم أجد ما يثبت ذلك، وإن كانت الأدلة وافية حول أن معاوية كان قد أوصى يزيد بقتل الحسين عليه السلام خلافاً لما يراد للسذج تصديقه، وسيأتي في تولية ابن زياد على الكوفة ما يكفي.

قال الطبري:
" بويع ليزيد بن معاوية بالخلافة بعد وفاة أبيه للنصف من رجب في قول بعضهم وفى قول بعض لثمان بقين منه على ما ذكرنا قبل من وفاة والده معاوية فأقر عبيدالله بن زياد على البصرة والنعمان بن بشير على الكوفة وقال هشام بن محمد عن أبى مخنف ولى يزيد في هلال رجب سنة 60 وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان وأمير الكوفة النعمان بن بشير الانصاري وأمير البصرة عبيدالله بن زياد وأمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص ولم يكن ليزيد همة حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على معاوية الإجابة إلى بيعة يزيد حين دعا الناس إلى بيعته وأنه وليّ عهده بعده، والفراغ من أمرهم. فكتب إلى الوليد بسم الله الرحمن الرحيم من يزيد أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة أما بعد فان معاوية كان عبداً "
إلى أن يقول الطبري": وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة أما بعد فخذ حسيناً وعبد الله ابن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا". (7)

ولئن كان تعبيررواية الطبري" أخذاً شديداً ليست فيه رخصة" يشير إلى القتل على أقل تقدير، فإن ما يرويه غيره صريح في ذلك، فقد ورد فيه قول يزيد: "فإن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه" (8)

كان هذا هدف يزيد، وفي المقابل كان الهدف المصيري والوجودي للإمام الحسين عليه السلام، أن لا يسمح له باكتساب أية شبهة مشروعية، لأن بقاء الإسلام رهن هذا الموقف.

و بديهي أن الإمام الحسين عليه السلام، كان أعلم الناس بما يرمي إليه يزيد من طلب البيعة، وهو يفسر - كما تقدم - شدة احتياطه، حين توجه إلى والي المدينة، الذي كان يريد إخباره بهلاك معاوية وأخذ البيعة منه ليزيد، وقد كان عليه السلام عالماً بذلك، بما آتاه الله تعالى، وقد أخبربه من كان معه، قبل أن يخبره به والي المدينة.(9)

كان عليه السلام في المسجد النبوي "ثم قام وصار إلى منزله، فدعا بماء، فتطهر واغتسل، وصلى ركعتين، ودعا ربه بما أحب أن يدعو به، فلما انفتل من صلاته أرسل إلى فتيانه وعشيرته ومواليه وأهل بيته، وأعلمهم شأنه وقال: "كونوا بباب هذا الرجل، فإني ماضٍ إليه ومكلمه، فإن سمعتم صوتي وكلامي قد علا مع القوم، وصحت بكم: يا آل الرسول، فاقتحموا بغير إذن، ثم اشهروا السيوف ولا تعجلوا، فإن رأيتم ما تخشون، فضعوا سيوفكم فيهم، واقتلوا من أراد قتلي". (10)

كان النظام يدرك جيداً أن الحسين لن يبايع، ولذلك فإن قرار قتله كان قد اتخذ مسبقاً.

و تسأل- على قاعدة أن فرض المستحيل ليس مستحيلاً - : لو أن الإمام بايع فهل كان يقتل؟

و الجواب: كان ذلك ربما أخَّر المواجهة، إلا أنه لا يلغيها، باعتبار أن بيعة الإمام - على فرض المستحيل - لا تلغي الخطر الذي يمثله على النظام.

هذه هي باختصار النتيجة التي يخرج بها المتتبع للنصوص، المقارن بينها.

و قد تبنّى ذلك العلاّمة المجلسي، فأكّد أن الأمويين لم يكونوا يهدفون أن يبايعهم الإمام الحسين عليه السلام، وإنّما كان هدفهم قتله، لأنه ما دام على قيد الحياة فهو يشكّل خطراً عليهم.

* يقول رضوان الله عليه :
"و لقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة، أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص، في عسكر عظيم، وولاّه أمر الموسم "موسم الحج " وأمّره على الحاجّ كلهم، وكان قد أوصاه بالقبض على الحسين عليه السلام سرّا، وإن لم يتمكّن منه فبقتله غيلة، ثمّ إنه دسّ مع الحاج تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني أميّة، وأمرهم بقتل الحسين عليه السلام، على أيّ حال اتفق، فلما علم الحسين عليه السلام، بذلك حلّ من إحرام الحج وجعلها عمرة مفردة".

* يضيف العلامة المجلسي رحمه الله تعالى: " وقد روي بأسانيد أنه عليه السلام، عندما نصحه أخوه محمد بن الحنفية بعدم الخروج إلى الكوفة قال : والله يا أخي لو كنت في حجر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتى يقتلوني .

"بل الظاهر أنه عليه السلام، لو كان سالمهم أو بايعهم لما تركوه لشدّة عداوتهم "، " وإنّما كانوا يعرضون البيعة عليه لعلمهم بأنه لن يقبل ذلك (11)". ثمّ يؤيد ذلك بكلام مروان مع والي المدينة وغيره.

وقد أورد السيد ابن طاوس نقلاً عن مقتل الحسين الذي لم يصل إلينا لمعمر بن المثنى(114-210)(12) مايلتقي مع ماذكره المجلسي، وهو كما يلي:

" وروى معمر بن المثنى في مقتل الحسين عليه السلام، فقال: ما هذا لفظه، فلما كان يوم التروية قدم عمر بن سعد بن أبى وقاص الى مكة في جند كثيف قد أمره يزيد أن يناجز الحسين القتال إن هو ناجزه أو يقاتله إن قدر عليه. فخرج الحسين عليه السلام يوم التروية". (13)

وينبغي التنبه إلى أن " يقاتله" في النص تصحيف "يقتله" كما هو واضح.

إذاً، كان الإمام الحسين عليه السلام - بعد تحييد البيعة، وليست خياراً أصلاً - أمام خيارين : إما أن يقتل وحده اغتيالاً أو شبه اغتيال، وإما أن يقتل في جمع من الأمة يمكنه أن يستنفرهم ويجمعهم فتكون كربلاء.

و إن شئت قلت: كان عليه السلام بين خيارين، إمّا القتل وإمّا القتل، ولو أنه قتل غيلة فربما بادر النظام إلى استثمار ذلك لصالحه بإظهار الحزن عليه، وهو ما حاول يزيد تكلفه فافتضح، رغم حمل الرأس الشريف إليه بأمره، فكيف كان سيتصرف في ماعدا ذلك؟

أما أن يستشهد عليه السلام في مواجهة مدروسة، فقد كان السبيل الوحيد الممكن لتحقيق الأهداف النبوية بأفضل صورها، فاختار عليه السلام ما يخدم الرسالة والأمة، فهو قد حال دون أدنى غطاء من الشرعية كان يزيد يحرص عليه، وهـزّ ضمير الأمة، وحفظ بإذن الله تعالى الإسلام والقرآن من التحريف، واجتث جذور الشجرة الملعونة في القرآن، فكان الإسلام حسيني البقاء.

ولقد كان ذلك يحتم أن يربح الإمام الوقت ويتّصل بالمسلمين في مختلف المناطق، ويجمع أصحابه و يختار ساحة المواجهة بما ينسجم مع أهداف "طلب الإصلاح" في أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعندئذٍ تكون كربلاء .

و رغم أن السلطة كانت ملحّة جداً في تعجيل قتله(14) كما تدل عليه بوضوح رسالة يزيد إلى والي المدينة كما تقدم، وكلام مروان في مجلسه(15) فقد استطاع عليه السلام بمغادرته المدينة المنورة أن يستثمر الفترة الواقعة بين أواخر رجب والعاشر من محرم، كما استطاع بإرسال الشهيد مسلم إلى الكوفة، ثم بتوجهه إلى العراق أن يحقق كل ما كان بالإمكان تحقيقه في مثل تلك الظروف، وبأفضل صورة ممكنة.

غادر عليه السلام المدينة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة 60 (16) ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، فأقام بمكة شعبان وشهر رمضان وشوال وذا القعدة ثم خرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية(17) فلما دخل مكة قال(18) " ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل." القصص22

استطاع الإمام في تلك الفترة أن يتصل بالبصرة والتحق به بعض المؤمنين منها، وظلوا معه حتى استشهدوا في كربلاء، وتابع مستجدات الكوفة، ولابد وأن يكون قد اتصل بكل من يمكن الإتصال به في جميع المناطق - وإن لم نجد نصوصاً حول ماعدا البصرة والكوفة- ولم تكن هناك استجابة واضحة له إلاّ تلك الإستجابة التي كانت في الكوفة، وتليها استجابة البصرة.

في هذا الجوّ بدأت كتب الكوفيين تتوالى على الإمام الحسين عليه السلام .

* ماذا جرى في الكوفة ؟

بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فكثر الكلام والطعن في خلافة يزيد وبلغهم امتناع الإمام الحسين عليه السلام، عن بيعة يزيد.

يتحدث أحد المشاركين في أول لقاء حول ذلك في الكوفة فيقول:

"اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد فذكرنا هلاك معاوية فحمدنا الله عليه فقال لنا سليمان بن صرد: إن معاوية قد هلك، وإن حسيناً قد تقبض على القوم ببيعته وقد خرج إلى مكة وأنتم شيعته وشيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوِّه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهن والفشل فلا تُغروا الرجل من نفسه.

" قالوا:لا، بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه. قال: فاكتبوا إليه فكتبوا إليه: بسم الله الرحمن الرحيم للحسين (19) بن علي من سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة

" سلامٌ عليك فإنا نحمد إليك الله الذى لا إله إلا هو. أما بعد فالحمد لله الذى قصم عدوك الجبار العنيد الذى انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيأها وتأمَّر عليها بغير رضىً منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها، وأغنيائها فبعداً له كما بعدت ثمود .

" إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق، والنعمانُ بن بشير في قصر الامارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله والسلام ورحمة الله عليك.

قال الراوي: " ثم سرَّحنا بالكتاب مع عبدالله بن سبع الهمداني(20) وعبدالله بن وال وأمرناهما بالنجاء فخرج الرجلان مسرعين حتى قدما على حسين لعشر مضين من شهر رمضان بمكة". (21)

وبعد إرسال هذا الكتاب إلى الإمام بيومين، بعث جماعةٌ كبيرة منهم كتباً مع عدّة أشخاص، منهم : قيس بن مسْهر الصيداوي، وعبد الرحمن بن عبدالله بن الكدن الأرحبي، وعمارة بن عبيد السلولي، ومعهم نحو من ثلاثمائة وخمسين صحيفة، من الـرّجل والإثـنين والأربعة، ثمّ بعد يومين أرسلوا رسالة جديدة عامة، جاء فيها: "

أما بعد، فحيّهلاً، فان الناس ينتظرونك ولا رأي لهم في غيرك، فالعجل العجل، والسلام عليك " (22)

ثمّ "كتب شَبَث بن ربعى وحَجَّار بن أبجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدى ومحمد بن عمير التميمي: أما بعد فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وطَمَّت الجمام فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند والسلام عليك. (23)
 

ويلاحظ في النص مايلي:
1- أن احتمال التخاذل وارد، وأن سليمان بن صرد نفسه لم يحضر كربلاء ولكنه قاد حركة التوابين فيما بعد و أبلى فيها بلاءً حسناً.
2- والثلاثة - من عدا حبيب بن مظاهر- لم يحضروا كربلاء لكنهم كانوا في ما بعد من قادة حركة التوابين.
3- يسجّل لهم وعيهم للظرف، وحقيقة معاوية وعدم صلاحية يزيد، وحضور عدالة توزيع الثروة في الخطاب الكربلائي.
4- أن ابن وال لم يشارك في كربلاء، وقد استشهد في ما بعد في معركة التوابين.
5- وبمقدار ما تطفح من هذين النصين روح الولاء، كانت مواقف غالب أصحابها متخاذلة، بل وعدوانية حتى أن بعضهم كانوا في طليعة قتلة سيد الشهداء عليه السلام.

و لقد نادى الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، بعض موقعي الرسالة الأخيرة هنا بأسمائهم:

" يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمّار واخضر الجناب وإنّما تقدم على جند لك مجند فأقبل؟ فقالوا له : لم نفعل، فقال: سبحان الله بلى والله لقد فعلتم ". (24)

بل إن أكثر قادة المعركة الميدانيين كانوا من بين هؤلاء.

كان قيس بن الأشعث قائد كندة في المعركة، وكان عمرو بن الحجاج قائد الميمنة، وعروة بن قيس قائد الخيّالة " الفرسان " وشبث بن ربعي قائد المشاة. (25)

يطرح ذلك بمنتهى الجد هول الهوة بين النظرية والتطبيق، بين الكلام والموقف، وهو المقصود لدى الحديث عن حسن العاقبة، أو سوئها.

* * * *

توالت كتب الكوفيين إلى الإمام، واجتمع الرسل عنده، وكان الحصار يشتـدّ عليه، إذا بقي في مكة، فالإغتيال، أو الإعتقال ليحمل إلى يزيد فيرى فيه رأيه، ويؤكد ذلك أنه لم يتمكن من مغادرة مكة إلاّ بجهد فقد "اعترضه يحي بن سعيد العاص ومعه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد(26). فقالوا له: انصرف " يريدون منعه من مغادرة مكة" أين تذهب؟ فأبى عليهم ومضى وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط ثم إن الحسين وأصحابه امتنعوا امتناعاً قوياً ومضى الحسين عليه السلام، ". (27)

و كان غدر أهل الكوفة أشهر بين الناس آنذاك من كفر إبليس، فلا نجد أحداً علم بنية الإمام على التوجه إلى الكوفة إلاّ وتحدث عن غدر الكوفيين وتخاذلهم ومواقفهم مع أمير المؤمنين والحسن عليهما السلام، ولقد كان سيد الشهداء عليه صلوات الرحمن أعرف الناس على الإطلاق بأهل الكوفة، فقد خبرهم، وتجرع غصصهم، وعانى منها ما لم يعانه أحد في عصره، وخصوصاً كل أولئك الذين تباروا في التنظير له عليه السلام، فضلاً عن أولئك الذين جاؤوا بعد قرون فظنّوا أنهم عرفوا الحقيقة، فانطلقوا مع أسلافهم من ذات الموقع الكوفي ليطلقوا أحكاماً جائرة، ويخبطوا خبط عشواء.

كان - بآبائنا هو والأمهات - محاصراً، ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، إذا بقي في مكة اشتدّ الحصار، وإذا دخل الكوفة أسلمه أهلها، لذلك كان لابد أن يحافظ على هامش حرية الحركة المتاح له دون أن يتخلّى عن تلك الإرهاصات التي كانت تتراكم في الكوفة، رغم علمه بما يؤول إليه أمرها، الأمر الذي يحتـّم أن يختار قائداً، مقداماً، مدبراً، يوفده إلى الكوفة على جناح السرعة.

و هكذا كان، فأرسل مسلم بن عقيل رضوان الله تعالى عليه.

و من الطبيعي أن يطرح هنا السؤال التالي:

لماذا كان عليه إذاً أن يرعى تحرك الكوفيين، ويرسل موفداً إليهم؟

و لن أدخل هنا في السياق العقائدي، الذي هو بحث جذري ومتشعب، يتكفل وحده بتقديم أوفى إجابة على هذا السؤال وغيره، بل سأعتمد السياق التاريخي، الروائي، والتحليلي.

وسأكتفي هنا بذكر سببين رئيسين لرعاية التحرك الكوفي:

1- هل كان إهمال هذا التحرك أولى، أم أن الأولى رعايته ليسهم في إعطاء ما يمكنه من زخم لحركة الإمام ونهضته، في وعي الأمة؟

وهل يصح في منطق "الثورة" و" التغيير" إهمال من يعرف التغييريون أنه سينسحب في منتصف الطريق أوفي أوائله، فضلاً عن أواخره؟ أم أن الموضوعية في هذا المنطق تقضي بالإفادة من كلٍّ بحسبه؟

وهل كربلاء التي نعرف كانت ستمثل في وعي كل الأجيال ما تمثله من دون بلوغ الكوفة مشارف تغيير وجه العالم والتاريخ قبل انقلابها على الأعقاب؟

2- ولو أن الإمام لم يفعل كل ما بوسعه لرعاية تحرك الكوفيين، ألم يكن ثمة مجال للإعتراض بأنه قد أهمل حركة اعتراض جادة، بل ثورة حقيقية في حاضرة هي من أهم حواضر العالم الإسلامي آنذاك، مع تميز في الموقع الجغرافي والثقل العسكري؟

3- وهل كان بوسع"كربلاء" أن تحفر عميقاً إلى يوم القيامة في وجدان كل صاحب ضمير حي؟

ألا يكفي هذا و ذاك دليلاً على أهمية رعاية الإمام لإرهاصات الثورة في الكوفة، دون أن يدخلها؟.

ثم إن إرسال موفد، وعدم مبادرته عليه السلام، بالتوجه إلى الكوفة، ينبغي أن يكون الجواب الشافي على كل تعابير التشكيك بعلمه عليه السلام بحقيقة مواقف أهل الكوفة.

و ينبغي أن يلحظ هنا بعناية أن الإمام عليه السلام لم يكن في كل مراحل الطريق من مكة إلى المدينة يُجِدُّ السير ليصل إلى الكوفة بسرعة، ولذلك استغرق وصوله إلى كربلاء أربعة وعشرين يو ماً هي الفترة الفاصلة بين مغادرته مكة في الثامن من ذي الحجة ووصوله كربلاء في الثاني من محرم(28) وهو مايعني أن وصوله إلى مشارف العراق كان قبل ذلك بيومين أو ثلاثة، وأن المدة الباقية كلها قد أمضاها عليه السلام في الطريق، وتزيد بكثير على المدة التي كان يحتاجها المسافر من مكة إلى العراق، بل تكاد تبلغ ضعفيها (29) وهو مايدل على أنه كان في بعض هذه الفترة يتمهل السير.

و لاينافي ما تقدم ما ورد في رسالته عليه السلام التي ذكر أنه بعث بها مع الشهيد قيس بن مسْهر، والتي ورد فيها: " وأنا قادم عليكم، وحثيث السير إليكم ".(30)

 وذلك لأمرين:
الأول: احتمال أن يكون عليه السلام قد حث السير في بعض مسافة الطريق دون البعض الآخر، بدليل ما تقدم من طول المدة التي استغرقها مسيره بين مكة والعراق.

الثاني: عدم الركون إلى أن مضمون الرسالة قد عرف كي نذعن لنقله، فقد مزق الشهيد قيس الرسالة، كما يأتي في ترجمته.

و يأتي في الحديث عن مهمة الشهيد مسلم في الكوفة مزيد إيضاح حول رعاية الإمام للإرهاصات الكوفية.

* الكوفة: الحاضرة الإسلامية الأبرز

ماذا كانت تمثل الكوفة التي انتشرت فيها إرهاصات حركة اعتراض متنامية؟

لاشك أن تسليط الضوء على هذه النقطة، شديد الصلة بالفهم السليم لحقيقة الأحداث، لأن الإكتفاء بمتابعة توجه مسلم إلى الكوفة، دون امتلاك صورة ولو مجملة وكلية عما كانت تمثله في مختلف الأبعاد العمرانية والعسكرية والسياسية، يترك كل متابع وصورته التي كونها، وهي في الغالب لاتفي ببعض الغرض.

* تمصير الكوفة
اتخذت الكوفة بلداً ومصراً عام 17 للهجرة
(31) بعد أن خاضت الجيوش الإسلامية جولات حامية الوطيس، أحرزت فيها انتصارات تاريخية على القطبين اللذين كانا القوتين الأعظم على المستوى العالمي آنذاك، وهما الروم والفرس.

وقدأسست هذه الإنتصارات لجولات الحسم النهائي لمعادلة القوة لا في هذه المنطقة فحسب بل على مستوى العالم كله.

وكان تحصين هذه الإنتصارات والإستعداد لما يليها يحتم إقامة الجيش في موقع يمكنه التعامل مع الهدفين بيسر، فكانت الكوفة. (32)

ورغم وجود أعداد كبيرة من الجيوش الإسلامية في كل من البصرة والشام، إلا أن الثقل العسكري الأبرز كان للكوفة بلا منازع، فهي " كوفة الجند"(33) والثكنة العسكرية الأولى التي تشكل الإحتياطي والمدد لمختلف المناطق حين يستدعي الأمر.

وقد نزلت الكوفة أعداد كبيرة من القبائل العربية المختلفة، عدا من التحق بهم من الفرس، والنبط، ومن النصارى واليهود كما سيأتي.

قال الطبري:
" اختطت الكوفة حين اختطت على مائة ألف مقاتل
(34) ". "فأول شئ خط بالكوفة وبني حين عزموا على البناء، المسجد ".." فاختطوه ".." وأعلموا على الصحن بخندق لئلا يقتحمه أحد ببنيان، وبنوا لسعد داراً بحياله بينهما طريق منقب مائتي ذراع وجعل فيها بيوت الأموال وهي قصر الكوفة اليوم ".." ونهج في الودعة من الصحن خمسة مناهج {شوارع} وفي قبلته أربعة مناهج وفي شرقيه ثلاثة مناهج وفي غربيه ثلاثة مناهج".." وبنوا مناهج دونها تحاذي هذه ثم تلاقيها أخر تتبعها وهي دونها في الذرع المحال من ورائها وفي ما بينها وجعل هذه الطرقات من وراء الصحن ".(35) { أنظر خرائط الكوفة في الملحق الخاص}

وقد قُسمت هذه القبائل بأعدادها الغفيرة على عشرة أقسام، ثم على سبعة، واستقر الأمر في زمن زياد وبعده على أربعة أقسام، وهو المراد بالأعشار والأسباع والأرباع، حيث كان يدرج كل عدد من القبائل في قسم خاص، تسهيلاً للمهام العسكرية والإدارية المختلفة، وكان لكل عدد منهم عريف هو بمنزلة "مدير الناحية" في بعض النظم الإدارية الحديثة، ولكل عدد من العرفاء منكب، هو بمثابة القائممقام، ولكل عدد من المناكب نقيب هو بمنزلة المحافظ. (36)

وقد ذكر الطبري أسماء القبائل مع تحديد المنطقة التي استوطنتها كل قبيلة، مما يجعلنا بوضوح أمام مدينة كبيرة مترامية الأطراف.

وقد ذكر بعض المؤرخين أن عدد البطون التي سكنت الكوفة بلغت أربعمائة بطناً من قبائل مختلفة. (37)

قال الحموي:
" وذكر " القرشي" أن فيها خمسين ألف دار للعرب من ربيعة ومضر وأربعة وعشرين ألف دار لسائر العرب وستة آلاف دار لليمن".." وقال الشعبي : كنا نعد أهل اليمن اثني عشر ألفاً وكانت نزار ثمانية آلاف ".
(38)

وكانت الكوفة في المرحلة الأولى عبار عن تجمعات خيم موزعة "توزيعاً عسكرياً يتألف من سبعة أفواج". ثم استعمل القصب لبناء البيوت في مرحلة ثانية (39) فكانت منازل أهل الكوفة قبل أن تبنى أخصاصاً من قصب، إذا غزوا قلعوها وتصدقوا بها فإذا عادوا بنوها، فكانوا يغزون ونساؤهم معهم، فلما كان في أيام المغيرة بن شعبة بنت القبائل باللبن من غير ارتفاع ولم يكن لهم غرف، فلما كان في أيام إمارة زياد بنوا أبواب الآجر فلم يكن في الكوفة أكثر أبواب الآجر من مراد والخزرج، وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد أن اختط موضع المسجد الجامع على عدة مقاتلتكم، فخط على أربعين ألف إنسان، فلما قدم زياد زاد فيه عشرين ألف إنسان". (40)

" ولما تم تمصيرالكوفة شقت فيها شوارع وسكك، وكان عرض السكة خمسين ذراعاً، وكانت السكك تنوَّر أثناء الليل بالمشاعل، وقد وصل إلينا من السكك، سكة البريد".." وسكة دار الروميين قريبة من قصر الإمارة"..". وأهم سكك الكوفة سكة البريد، وموقعها بين الجسر الذي كان في الجانب الشرقي، وبين القصر وبين الكناسة..". (41)

* غير العرب والمسلمين
رغم أن جميع الذين نزولوا الكوفة حين مصرت كانوا من الجيوش الإسلامية القادمة من شبه الجزيرة وسائر المسلمين العرب، إلا أنها في مرحلة تالية قد شهدت تعدد الأعراق والأديان، لتصبح تركيبتها السكانية كما يلي:

1- "كان أول الوافدين إليها بعد العرب الفرس، وكان عددهم (42)"أربعة آلاف يسمون جند شهانشاه. فاستأمنوا على أن ينزلوا حيث أحبوا، ويحالفوا من أحبوا، ويفرض لهم في العطاء، فأعطوا الذى سألوه، وحالفوا زهرة بن حوية السعدى من بنى تميم، وأنزلهم سعد بحيث اختاروا، وفرض لهم في ألف ألف، وكان لهم نقيب منهم يقال له ديلم، فقيل حمراء ديلم. ثم إن زياداً سير بعضهم إلى بلاد الشام بأمر معاوية، فهم بها يدعون الفرس. وسيرا منهم قوماً إلى البصرة ..". (43)

ونزلها كذلك "النّبط"(44) قادمين إليها من ضواحيها أو ما ابتعد عنها، حيث كانوا ينزلون ما بين العراقين، البصرة والكوفة، وقد وقع الخلاف في كونهم من العرب أو من الفرس، إلا أنه روي عن الإمام علي عليه السلام أن نبي الله إبراهيم منهم. فهم أصل قريش. (45)

2- نزلها السريان (46)، وهم الذين كانوا يسكنون المناطق النصرانية القريبة منها في أطراف الحيرة والنجف.

 يقول ماسينيون: كان في الكوفة أسقفان،أحدهما نسطوري، والآخر يعقوبي، وكان نصارى الكوفة طائفتين: نساطرة وهم الحضر، ويعاقبة وهم البدو.(47) "وانتقل إليها قوم من نصارى نجران باليمن".(48) وكان أغلبهم صيارفة استوطنوا في محلة بالكوفة تسمى" النجرانية. (49)

3- ووفد إلى الكوفة أيضاً وحل بها من نجران باليمن بعض اليهود (50) ويذكر أن بدء قدومم اليهود إليها كان "سنة20 للهجرة، ثم ازداد عددهم في ما بعد، حتى بلغ سبعة آلاف يهودي". (51)

ولم يكن وجود غير المسلمين في الكوفة هامشياً، فقد تمكنوا من التحكم بالوضع الإقتصادي من خلال خبرتهم في مجال " الصيرفة" التي كانت " عملاً كبيراً ورابحاً في الكوفة لأنها كانت تمون المؤامرات والأحداث بصفقات رابحة، وكان المسلفون والصرافون يمتلكون ناصية البلد بعملهم هذا ".." وقد أتقنت الكوفة عمل الصيرفة، ونظمته على شبه (المصارف اليوم) ".." و كانت أكبر محلات الصيرفة في الكوفة للمسيحيين الذين كانوا في الحيرة" (52) ثم انتقلوا إليها.

"وقد اشتملت بعض الأحياء القبلية بعد تخطيطها، على بِيَعٍ وأديرة لأهل الذمة الذين كانوا يعيشون في كنف الدولة الإسلامية..".(53)

* حدودها
من الطبيعي أن تختلف مساحة الكوفة بعد قرون عما كانت عليه عند تمصيرها، ولئن كان التحديد الأوضح الذي وصلنا يرجع إلى أوائل القرن الرابع، إلا أن الظاهر أن الفرق بينه وبين البدايات لم يكن كبيراً جداً خصوصاً إذا لاحظنا الإقطاعات التي كانت عبارة عن مساحات يقطعها الخليفة لمن يشاء، والتي كانت تحيط بالكوفة من جهاتها وبينها البعيد عن الكوفة جداً، كإقطاع أحد الشيخين لأبي عبيدة
(54) والد المختار "لقفا" بناحية خطرنية" التي قدم المختار منها عند خروج الشهيد مسلم في الكوفة، كما سيأتي.

وقد ورد في تحديد الكوفة أنها كانت تمتد على مساحة شاسعة جداً، "تتصل قراها وجباناتها إلى الفرات الأصلي، وقرى العذار، فهي تبلغ ستة عشر ميلاً وثلثي ميل(55) {حوالي 42 كلم مربع} وأن"أحد حدودها خندق الكوفة المعروف ب"كري سعد" والحد الآخر "القاضي" الذي هو بقرب " القائم" إلى أن يصل قريباً من القرية المعروفة اليوم ب"الشنافية" والحد الآخر الفرات الذي هو ممتد من الديوانية إلى الحسكة، إلى القرية المعروفة اليوم ب"أبو قوارير" وهي منزل الرماحية، والحد الرابع قرى العذار، التي هي من نواحي الحلة السيفية". (56)

المصر الأعظم
يدرك المتتبع وبمنتهى اليسر أن الكوفة تشكل في التاريخ الإسلامي بدءاً من تمصيرها، المركز السياسي والعسكري الأول، فهي بحكم موقعها الجغرافي، المحور بين المدينة المنورة والبصرة والشام وخراسان وما والاهما، مما جعلها - بالإضافة إلى المدة التي اتخذها فيها أمير المؤمنين عاصمة دولة الإسلام- في موقع العاصمة الحقيقية على الدوام، ولذلك فإن الحديث عنها يتميز دائما بما يلتقي مع ماتقدم. ومن الأمثلة على ذلك:

1- " الكوفة مدينة العراق الكبرى، والمصر الأعظم، وقبة الإسلام، ودار هجرة المسلمين، وهي أول مدينة اختطها المسلمون بالعراق".(57) وكان لها ولايات كثيرة وتوابع عظيمة (58)

2- ولما تمصرت الكوفة على هذا النحو، أصبحت مركزاً للسياسات الإسلامية، وعاصمة للخلافة، فمرت عليها بتأثير مركزها أدوار متناقضة هي جملة أدوار الإمبراطورية الإسلامية، كل هذا ما جعل لها منزلتها التاريخية اليوم وفي كل يوم، والتي ترتبط بتأريخ تطورات الإسلام، في أهم عصوره، وأدق ظروفه.."(59)
 

ويظهر هذا الموقع المتقدم جداً للكوفة على سائر الحواضر الإسلامية من خلال المحاور التالية:
1- أنها كانت تمد كل المناطق التي تحتاج إلى المجاهدين بأعداد كبيرة، كماحدث في فتوح الشام، وتخوم بلاد فارس، ولئن كانت ثمة بعض المشاركات المشابهة لبعض الأمصار الأخرى
(60) إلا أن الكوفة تبقى في الطليعة.

2- أن والي الكوفة كان يمتلك من الصلاحيات ما يبسط نفوذه على كل ما يعرف الآن بالعراق- ماعدا البصرة- فهو الذي يعين عامل المدائن، والموصل وقرقيسيا وغيرها، بل كان يتجاوز نفوذه ليبلغ مناطق شاسعة في مايعرف اليوم باسم إيران، ومن الواضحات في هذا المجال أن ابن زياد كان قد عين عمر بن سعد عاملاً على الري، ثم بدا له أن يوجهه لحرب سيد الشهداء عليه السلام.
3- أن الكوفة كانت مفصلاً رئيساً في بسط النفوذ - عادة - على العالم الإسلامي كله، وقد بقي حكم الأمويين وحكم ابن الزبير مؤرجحاً إلى أن حسم الموقف في الكوفة لصالح الأمويين، ولاينافي ذلك عدم تمكن المختار من حسم الموقف لصالحه رغم سيطرته على الكوفة وما والاها، فقد كان يسبح عكس التيار، ومع ذلك فقد مكنته الكوفة من أن يصبح الرقم الصعب آنذاك.

4- كانت عين الحاكم المركزي في مختلف المراحل، على الكوفة بالدرجة الأولى وبشكل دائم، لما تقدم من عوامل، ولعدم القدرة على إرضاء أهل الكوفة إلا بشق الأنفس، فالكوفة المائة ألف التي كانت تقض مضجع عمر حين رآه المغيرة مهموماً هي التي كان معاوية يحمل همها في وصيته ليزيد.

سأل المغيرة عمر" هل نابك من نائب؟ قال: وأي نائب أعظم من مائة ألف لا يرضون عن أمير ولا يرضى عنهم أمير". (61)
وجاء في وصية معاوية ليزيد: " وانظر أهل العراق فإن سألوك أن تعزل عنهم كل يوم عاملاً فافعل فإن عزل عامل أحب إلي من أن تشهر عليك مائة ألف سيف ".
(62)

وبين هذا وذاك وبعدهما أيضاً كان حديث الكوفة مع الولاة، وكثرة من عزل منهم، وطريقة استقبالهم الوالي المتكررة بحصبه وهو على المنبر فرع الحديث المتقدم.

وكما لم تهدأ الكوفة في زمن عمر، لم يقرلها قرار في زمن عثمان من مطالبة بخلع الوالي، إلى منع الوالي الجديد من الدخول إليها، إلى خروج آلاف منها للمشاركة في الإعتراض على اتخاذ آل أبي العاص مال الله دولاً وعباده خولاً، وحصار عثمان الذي أدى إلى قتله.

وربما كان هذا الموقع الإستراتيجي للكوفة ببعديه الجغرافي والسياسي وهذا القلق الكوفي الذي كان سشغل بال المركز أبداً، في طليعة الأسباب التي جعلت أمير المؤمنين عليه السلام يتخذ الكوفة عاصمة له، معللاً ذلك بقوله: إن الأموال والرجال بالعراق، ولأهل الشام وثبة أحب أن أكون قريباً منها. (63)

وقد عانى منهم أمير المؤمنين عليه السلام ماتخر منه الجبال الرواسي، وجرعوه من التهمام والغصص ما يفطر قلوب الخلائق أجمعين، ولم يكتفوا بذلك بل انبرى اثنا عشر ألفاً منهم هم الخوارج لتنصيب أنفسهم "خلفاء" و" أولي الأمر" الذين تجب طاعتهم" وحكموا بخروجه من الدين! والسبب أنه قبل مكرهاً - حفظاً لما يمكن حفظه من مصلحة الإسلام- ما أصروا عليه في صفين بعد أن أوضح لهم خطأهم.

ولئن كانت النهروان قد قضت على أربعة آلاف منهم، فقد بقي ثمانية آلاف يحملون ثارات النهروانيين.

وينبغي أن تركم هذه الثارات إلى ثارات الملأ والمترفين وأثرياء الحرب والإقطاعات في الكوفة، وليس الفصل بينهما في المطلق موضوعياً فقد كان شبث بن ربعي مثلاً خارجياً و من أثرياء الكوفة.

ولم يختلف شأن الكوفة بعد علي عليه السلام عما كان عليه في عهده ومن قبل، إلا بضراوة الهلع في النفسية الكوفية وشراسة التعبير عنه بالمواقف المتناقضة التي تتراوح بين أدنى الذل والوضاعة، وغاية التجبر والإفتراس.

هذه المدينة العجيبة، والعاصمة العاصفة - " التي كانت بتركيبتها الطبقية، والحزبية والقبلية تتبدى في مشاهد تتعاقب، كما البركان يقذف فورات الدخان، وسورات اللهب الجهنمي المتفجر حمماً، ليشكل اللهب والدخان بتلك الألوان الصفراء والحمراء، والبنفسجية والسوداء في لوحة الأفق مشاهد عجيبة لاتوصف".(64) - هي التي كانت تشهد إرهاصات حركة تغيير، وهي التي لم تخْفَ حقيقتها على سيد الشهداء عليه السلام، ولم تغب عنه لحظة، فنفس أبيه بين جنبيه، والمقاساة التي تحدث عنها أبوه وأخوه واحدة، ومع ذلك فقد قرر أن يرسل إليها الشهيد مسلم بن عقيل وهو يرجو له درجة الشهادة، كما قال له عند الوداع ويأتي في ترجمته.

الفهارس


(1) المسعودي، مروج الذهب3/ 80 (ط:دار الأندلس،بيروت). وليلاحظ أن معظم المصادر المعتمدة هي بحسب نسخة برنامج المعجم الفقهي( قرص ممغنط) الإصدار الثالث. ولم ألتزم بذكر مشخصات الكتاب الذي أرجع إليه فيه.
(2) أنظر: الطبري4/254: وكانوا لايتخوفونه.
(3) للسيد جعفر الحلي رحمه الله. انظر: الدر النضيد للسيد الأمين 242 (ط: مطبعة الإتقان- دمشق1946م).
(4) الديار بكري (الإمام الشيخ حسين بن محمد بن الحسن) تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس369. (مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع).
(5) الطبري 4/ 251 والسيد ابن طاوس، اللهوف17. والدينوري، الأخبار الطوال 227. وابن قتيبة، الإمامة والسياسة 226.
(6) أورد السيد المقرم في مقتل الحسين 130 نقلاً عن الخوارزمي قوله " فهجم تسعة عشر رجلا قد انتضوا خناجرهم وأخرجوا الحسين إلى منزله " ولم أجد ذلك في المطبوع منه ( تحقيق الشيخ محمد السماوي، تصحيح دار أنوار الهدى بقم) بل وجدت قوله:" قال أي ابن أعثم: "وسمع من بالباب صوت الحسين وقد علا فهموا أن يقتحموا عليهم بالسيوف، ولكن خرج إليهم الحسين، فأمرهم بالإنصراف إلى منازلهم، وذهب إلى منزله". الفصل العاشر267.
(7) الطبري4/250.
(8) السيد ابن طاوس، اللهوف16. وعنه: المجلسي، البحار44/324. وابن نما، مثير الأحزان13. والسيد الأمين، لواعج الأشجان24.
(9) انظر: الطبري4/251. والخوارزمي(م.م) 264.
(10) الخوارزمي،مقتل الحسين 266برواية أحمد بن أعثم الكوفي.
(11) البحار 45/99-100. تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض المصادر تتحدث عن أن الأمر صدر إليهم أن يقتلوه عليه السلام، وان وجد متعلقا بأستار الكعبة ، وما في المتن يشمله، بل هو نوع تصريح به.
(12) أنظر: السيد محمد ترحيني، مصادر النهضة الحسينية حتى القرن العاشر الهجري. بحث مقدم لمؤتمر: المجالس الحسينية وآفاق الدور المنشود. أقامته الوحدة الثقافية المركزية لحزب الله، في بيروت.
(13) السيد ابن طاوس، اللهوف39
(14) أنظر: الطبري4/343" لاتتام إليه شيعته". والذهبي، سير أعلام النبلاء3/299.
(15) انظر: الطبري 4/250-252.
(16) الطبري4/252.و286.
(17) الطبري4/286.
(18) الطبري 4/254.
(19) في المصدر لحسين، وهو هنا مصحح على مافي الإرشاد.
(20) مختلف في اسمه، واسم من كان معه، وبرواية الخوارزمي هو عبدالله بن سبيع الهمداني، والذي كان معه هو عبدالله بن مسمع البكري، وأما عبدالله بن وال فقد كان في من حملوا رسالة أخرى. الخوارزمي 282-283.
(21) الطبري 4/361-262 وانظر: المسعودي، مروج الذهب 3/54 (ط:دار الأندلس) والدينوري، الأخبار الطوال 229 وأبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين ولم يورد الثلاثة نص الرسائل. وابن قتيبة، الإمامة والسياسة 2/6 وابن نما،مثير الأحزان15.
(22) الشيخ المفيد، الإرشاد2/36-39.الطبري4/262، واللفظ للطبري. وفي اللهوف/24 أنه عليه السلام قد ورد عليه في يوم واحد ستمائة رسالة، وفي مثير الأحزان24 اكتمل" عنده اثناعشر ألف كتاب".ثم يذكر أنه قدم عليه رسولان بآخر الكتب.
(23) المصدر.وفي اللهوف 24 بدلاً من "وطمَّت الجمام: "وأعشبت الأرض، وأورقت الأشجار. والجم:ما اجتمع من ماء البئر، والجمة المكان الذي يجتمع فيه ماؤه والجمع جمام.(صحاح الجوهري) .و انظر: والمجلسي،البحار 44/334، ومقتل أبي مخنف(ج: الغفاري)/16.
(24) الطبري4/323والشيخ المفيد، الإرشاد 2/98.
(25) الطبري4/320-321. والإرشاد 2/95-96 .
(26) هو الذي أنفذه يزيد تلك السنة في عسكر عظيم وولاّه أمر الحج، وقتل الإمام، كما تقدم عن السيد ابن طاوس والمجلسي. ويعرف بالأشدق لاعوجاج أصابه في شدقه من كثرة سبّه لأمير المؤمنين عليه السلام. أنظر: المقرم، مقتل الحسين335 نقلاً عن معجم الشعراء للمرزباني231. وقيل غير ذلك. أنظر: الزبيدي، تاج العروس6/391. والقرشي، حياة الإمام الحسين2/316 نقلاً عن الجاحظ في البيان والتبيين. ويلقب ب" لطيم الشيطان" أنظر: إبن الدمشقي، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي 2/299. وابن عساكر، تاريخ دمشق33/209. وقد ذكر ابن أبي الحديد، في شرح النهج20/202 أنه سمي لطيم الشيطان لأنه كان ملقوا، أي مصاباً باللقوة، وهي اعوجاج الفم ، وهو يقوي مانقله المقرم عن معجم الشعراء، وعمرو هذا من مردة شياطين بني أمية وفراعنتهم، ولاه يزيد المدينة بعد أن امتنع الوليد عن قتل الإمام الحسين عليه السلام، وكان عمرو هذا والي مكة، فجمع له مكة والمدينة، وولاه موسم الحج لقتل الإمام عليه السلام، وقد أرسل إليه يزيد الرأس الشريف، فقال وهو على المنبر: يارسول الله يوم بيوم بدر. إبن أبي الحديد، شرح النهج4/72. وكان يزيد قالها قبله. إبن شهراشوب، مناقب آل أبي طالب3/260. وكذلك ابن زياد. الشيخ الصدوق، الأمالي229. وقد تصدى عمرو الأشدق للخلافة وكاد الأمر أن يستتب له، ثم قتله عبد الملك بن مروان. أنظر: إبن خلدون، تاريخ ابن خلدون3/136. وابن أبي الحديد، شرح النهج11/125. والطبري4/301
(27) الشيخ المفيد، الإرشاد2/68. الطبري4/289. واللفظ للطبري.
(28) انظر: المسعودي، مروج الذهب3/60. (ط: دار الأندلس، بيروت). والشيخ المفيد، الإرشاد2/66 و84.
(29) يأتي في ترجمة الشهيد قيس بن مسهر أن المدة التي كان يستغرقها السفر بين مكة والعراق حوالي العشرة أيام. وفي بعض المصادر تصريح بأن المسافة بين المدينة والشام كانت تطوى في اثني عشر يو ما للراكب المجد، .انظر: الشيخ اليوسفي، مقتل أبي مخنف 76(ط: جماعة المدرسين).، هامش التحقيق رقم 1،نقلاً عن الطبري5/482. والمسافة الى العراق أقصر بحوالي اليومين على الأقل
(30) الدينوَري، الأخبار الطوال 245.

(31) الطبري3/144. والحموي، معجم البلدان4/490. وفيهما أقوال أخرى. وابن خلدون، تاريخ ابن خلدون. ق2ج2/111.
(32) أورد الحموي في معجمه4/490 آراء عديدة في سبب تسميتها الكوفة، إلى أن قال:" وقال ابن الكلبي : سميت بجبل صغير في وسطها كان يقال له كوفان وعليه اختطت مهرة موضعها وكان هذا الجبل مرتفعا عليها فسميت به ".
(33) الحموي، معجم البلدان4/491. واستشهد ببيت عبدة بن الطبيب: " إن التي وضعت بيتاً مهاجرة * بكوفة الجند غالت وُدَّها غول ".
(34) الطبري3/243.
(35) الطبري3/148-149.
(36) أنظر: الطبري3/151-152. وقد جاء فيه قوله:" وعرفوهم على مائة ألف درهم فكانت كل عرافة من القادسية خاصة ثلاثة وأربعين رجلاً وثلاثاً وأربعين امرأة وخمسين من العيال لهم مائة ألف درهم وكل عرافة من أهل الأيام عشرين رجلاً على ثلاثة آلاف وعشرين امرأة وكل عيل على مائة ألف درهم وكل عرافة من الرادفة الأولى ستين رجلا وستين امرأة وأربعين من العيال ممن كان رجالهم ألحقوا على ألف وخمسمائة على مائة ألف درهم ثم على هذا من الحساب وقال عطية بن الحارث قد أدركت مائة عريف وعلى مثل ذلك كان أهل البصرة كان العطاء يدفع إلى أمراء الأسباع وأصحاب الرايات، والرايات على أيادي العرب فيدفعونه إلى العرفاء والنقباء والأمناء فيدفعونه إلى أهله في دورهم". والمناكب مفردها منكب وهو أيضاً اسم رتبة إدارية، اختلفت المصادر بين كونه أعلى من العريف أو هو دونه، فقيل إن لكل عدد من العرفاء منكباً يدير عملهم، وقيل هو معاون للعريف،والأول أرجح. والنقيب: أيضاً رتبة إدارية ، وقيل: هو العريف، والأرجح أنه رأس الهرم بين الثلاثة، و يشهد به تسلسلها في بعض النصوص، وملاحظة موارد استعمالها، ومعانيها اللغوية. أنظر: إبن قتيبة، غريب الحديث2/9. وابن الأثير، النهاية في غريب الحديث5/113. والخليل الفراهيدي، العين5/385.
(37) البراقي(المؤرخ الشهير السيد حسين بن السيد أحمد البراقي النجفي المتوفى سنة 1332، تاريخ الكوفة205. ( حرره وأضاف إليه أكثر المواضيع المهمة العلامة الكبير السيد محمد صادق بحر العلوم. ط: دار الأضواء، بيروت 1407هـ1987م).
(38) الحجموي، معجم البلدان4/492.
(39) البراقي، تاريخ الكوفة141. نقلاً عن: مجلة الإعتدال النجفيةج1/41 من المجلد 4 تحت عنوان" عروبة المتنبي، للشيخ علي الشرقي. بتصرف.
(40) الحموي، معجم البلدان4/491.
(41) المصدر143 عن: الشيخ علي الشرقي، في مجلة الإعتدال. وتجدر الإشارة إلى أن مراده بالشوارع والسكك واحد، وليلاحظ أن العرض المذكور يختلف عما ذكره الطبري عن عرض كل منهج حسب ما كتبه عمر إلى سعد، حيث قال. أرسل سعد إلى أبي الهياج فأخبره بكتاب عمر في الطرق أنه أمر بالمناهج أربعين ذراعا وما يليها ثلاثين ذراعا وما بين ذلك عشرين وبالأزقة سبع أذرع ليس دون ذلك شئ وفي القطائع ستين ذراعا إلا الذي لبنى ضبة أنظر: الطبري3/148.
(42) د.كاظم الجنابي، تخطيط مدينة الكوفة26. (م.م).
(43) البلاذري، فتوح البلدان2/343. والصحيح في تسمية الفرس المذكورين: جند شاهنشاه: أي جند الشاه أو الملك
(44) د.كاظم الجنابي، تخطيط الكوفة43.
(45) أنظر: السمعاني، الأنساب5/454. والحموي، معجم البلدان1/310: كانوا ينزلون ببابل. و2/42: كانوا ملوكا بالعراق قبل الفرس و2/329 في أن الحيرة من مراكزهم وكذلك الأنبار. و3/279و281في أنهم السريانيون. و4/488 في أن نبي الله إبراهيم عليه السلام منهم فهم أصل قريش. وانظر:السيوطي، لب اللباب في تحرير الأنساب260: بفتحتين قوم من العجم. والخليل، العين: سموا به لأنهم أول من استنبط الأرض.وقال: قوم ينزلون سواد العراق.وابن قتيبة، غريب الحديث2/330: سمي النبط نبطاً لاستخراجهم المياه، والجوهري، الصحاح: بطائح النبط بين العراقين. وأورد القرشي في حياة الإمام الحسين عليه السلام2/438 عن "الحضارة الإسلامية97أنهم من العرب وأن لغتهم الدارمية، وأنهم كانوا يستوطنون بلاد العرب الصخرية وانتقلوا منها إلى العراق. اه. وقد روي أن أم الشهيد مسلم بن عقيل كانت منهم، كما تقدمت الإشارة في ترجمته.
(46) ليلاحظ أن التفريق بين السريان والنبط إنما هو بناء على ماورد في المصادر الخاصة بالكوفة من التفريق بينهما، وهو غير ثابت في ضوء ماتقدم عن النبط في الهامش السابق..
(47) د. الجنابي، تخطيط الكوفة26، نقلاً عن : ماسينيون، خطط الكوفة25. بتصرف يسير. وانظر: القرشي، حياة الإمام الحسين عليه السلام2/438.
(48) المصدر43. بتصرف.
(49) المصدر26، نقلاً عن البلاذري،أنظر: فتوح البلدان78. قال: ونزل بعضهم النجرانية بناحية الكوفة ، وبهم سميت.
(50) المصدر.
(51) المصدر43. بتصرف جمع بين المتن وبعض الهامش الذي أورد فيه كلاماً للرحالة اليهودي بنيامين التطلي الأندلسي في كتابه" الرحلة" 146. ترجمها عن العبرية عزرا حداد.ط: بغداد 1945.
(52) البراقي، تاريخ الكوفة148. وقد ذكر القرشي في حياة الإمام الحسين عليه السلام2/444أن ابن زياد اقترض منهم الأموال فوزعها على وجوه الكوفة وأشرافها.
(53) د. كاظم الجنابي، تخطيط الكوفة94. نقلاً عن البلاذري. أنظر: البلاذري، فتوح البلدان347و348.
(54) البراقي، تاريخ الكوفة146. بتصرف. والظاهر أنه من كلام البحاثة الشيخ علي الشرقي.
(55) البراقي، تاريخ الكوفة134. ود.كاظم الحنابي، تخطيط الكوفة39. وانظر: الحموي، معجم البلدان4/492.
(56) البراقي، تاريخ الكوفة134.
(57) البراقي، تاريخ الكوفة126، نقلاً عن: اليعقوبي، كتاب البلدان39 (ط: ليدن).
(58) المصدر، مترجماً عن : المستوفي القزويني، نزهة القلوب.
(59) المصدر. مقدمة الكتاب، للمقدس آية الله الشيخ محمد رضا المظفر.
(60) جاء في تاريخ الطبري3/155 ما يلي: "كان لعمر أربعة آلاف فرس عُدة لكَوْنٍ، إن كان يشتيها في قبلة قصر الكوفة وميسرته، ومن أجل ذلك يسمى ذلك المكان الآري إلى اليوم، ويربعها فيما بين الفرات والابيات من الكوفة مما يلي العاقول فسمته الاعاجم آخر الشاهجان يعنون معلف الأمراء وكان قيمه عليها سلمان بن ربيعة الباهلي في نفرٍ من أهل الكوفة يصنع سوابقها ويجريها في كل عام وبالبصرة نحو منها وقيِّمه عليها جزء بن معاوية وفي كل مصر من الأمصار الثمانية على قدرها فإن نابتهم نائبة ركب قوم وتقدموا إلى أن يستعد الناس ".
(61) الطبري3/243.
(62) الطبري4/238. وحديثه في السياق عن العراق يؤكد أنه يقصد الكوفة.
(63) الدينوري، الأخبار الطوال143.
(64) ميرزا خليل كمره إي، عنصر شجاعت يافداكاري هفتاد ودو تن، ويك تن (فارسي) ج4/ 115. بتصرف. (نسخة مصورة عن نسخة مكتبة السيد المرعشي النجفي بقم. الرقم11544).