أجزاء الفصل الرابع (1) (2) (3)

 

* الزلزال الكوفي
كان مسلم رضوان الله عليه يحاصر قصر الإمارة، وابن زياد يعيش في أحلك ظرف سياسي واجهه، إلا أن النتيجة كانت كما عرفت، فقد تفرق الناس عن مسلم بن عقيل، وتوجهوا إلى منازلهم، وكأن شيئاً لم يكن.

ولئن كان التخاذل في مثل هذا الظرف جريمة، فبماذا ينبغي أن يوصم نقل السلاح من كتف إلى كتف، بل نقل القلب من جبهة إلى أخرى، بل إلى الإرتكاس المدوي، إلى حد خوض الحرب ضد من كان معهم ومنهم.

صحيح أن أكثر أهل الكوفة قد تفرقوا عشية حصار القصر، إلا أن فريقاً منهم التحق بالسلطة، ليؤسس بذلك لإمكانية خروج الكوفيين أنفسهم لحرب الإمام الحسين عليه السلام.

ومن الطبيعي أن يكون بين من حاربوا الشهيد مسلم بن عقيل في صبيحة اليوم الثاني بعض من كانوا معه البارحة!

لم يكن الإنهيار الكوفي إذاً بحجم التخاذل فقط على خطورته وفظاعته، بل كان أبعد من ذلك أثراً وأشد مضاضة بحيث لم تكن ثمة أي حاجة لاستقدام أي قوة من خارج الكوفة لمواجهة المستجدات.

إنها إحدى اللحظات الأشد إيلاماًً في مسار أحداث التاريخ التي تلح على الأحشاء بالزفرات.

سيتولى الكوفيون أنفسهم البحث عن مسلم، ومحاربته، واعتقالَه، و"يستأثرون" وحدهم باستحقاق لعنة التفرج على قتله وقتل الشهيد هانيء، وجرهما في الأسواق! ثم لا يشكل ذلك إلا البداية الكوفية على طريق حمل رأس سيد الشهداء ورؤوس الشهداء وسبي حرم رسول الله إلى الكوفة!

أي حقارة تمثلها النفس الأمارة في مظهرها الكوفي الذي ينبغي البحث عنه في كل نفس خصوصاً تلك التي تصر على حصره داخل حدود الكوفة عام 60-61 للهجرة؟!
وهل يمكن لافتراس الحيوانات المفترسة أن يبلغ سفح إجرام هذه النفس الأمارة؟

إبن زياد، لا يُصدِّق !
بلغت درجة الزلزال الكوفي حداً لم يستطع حتى ابن زياد معه أن يصدق أن الناس تفرقوا عن مسلم، مما يكشف مدى الرعب الذي كان قد استبد به، ويكشف أيضا أنه كان يحدث نفسه بالفرار.

"ولما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل طال { الأمر} على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتاً كما كان يسمع قبل ذلك، قال لأصحابه: أشرفوا فانظروا، هل ترون منهم أحداً؟ فأشرفوا فلم يروا أحداً. قال: فانظروا لعلهم تحت الظلال وقد كمنوا لكم"(1)

كان الطاغية ومن معه لفترة لا يسمعون لغطاً ولكنهم لا يصدقون أن الناس قد تفرقوا، وقد خيم الظلام فليس بالإمكان التثبت بمجرد النظر، ولم يكن وارداً عندهم أن يجرؤوا على فتح باب القصر والخروج منه، لذا أرسل ابن زياد من يستطلع الأمر من أعالي القصر بالطرق المناسبة، وعندما جاء الجواب بأنهم لا يرون أحداً فإنه أيضاً لم يصدق، واعتبر أن في الأمر مكيدة فلعلهم كمنوا تحت الظلال!

" فنزعوا تخاتج المسجد {وبعبارة الطبري: ففرعوا بحابح المسجد} وجعلوا يخفضون شُعَل النار في أيديهم وينظرون فكانت أحياناً تضيء لهم وأحياناً لا تضيء كما يريدون، فدلَّوا القناديل وأطنان القصب تشدُّ بالحبال، ثم تجعل فيها النيران ثم تدلى حتى تنتهي إلى الأرض، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فُعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر، فلما لم يروا شيئاً أعلموا ابن زياد بتفرق القوم".(2)

ولمعرفة معنى هذه العبائر ينبغي التنبه إلى عدة خصائص ترتبط ببناء المسجد والقصر، وهي كما يلي:
1- أن مسجد الكوفة وقصر الإمارة كانا عبارة عن بناء واحد، يقول الطبري:
" وقد بنى سعد في الذي خطوا للقصر قصراً بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم، فشيّده وجعل فيه بيت المال وسكن ناحيته، ثم إن بيت المال نقب عليه نقباً وأخذ من المال، وكتب سعد بذلك إلى عمر ووصف له موضع الدار وبيوت المال من الصحن مما يلي ودعة الدار، فكتب إليه عمر أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جنب الدار، واجعل الدار قبلته، فإن للمسجد أهلاً بالنهار وبالليل وفيهم حصن لمالِهم، فنقل المسجد وأراغ بنيانه، فقال له دهقان من أهل همذان يقال له روزبه بن بزرجمهر: أنا أبنيه لك وأبني لك قصراً فأصلهما ويكون بنياناً واحداً، فخط قصر الكوفة على ما خُط عليه، ثم أنشأه من نقض آجر قصرٍ كان للأكاسرة في ضواحي الحيرة على مساحته اليوم (ولم يسمح به) ووضع المسجد بحيال بيوت الأموال منه إلى منتهى القصر يمنة على القبلة ثم مد به عن يمين ذلك إلى منقطع رحبة علي بن أبي طالب عليه السلام، والرحبة قبلته ثم مد به فكانت قبلة المسجد إلى الرحبة وميمنة القصر وكان بنيانه على أساطين من رخام كانت لكسرى بكنائس بغير مجنبات فلم يزل على ذلك حتى بني أزمان معاوية بن أبي سفيان بنيانه اليوم على يدي زياد".
(3)

* القصر والمسجد: بعض الخصائص
والخلاصة - في ضوء بعض الدراسات الأثرية - أن المسجد والقصر كانا بعد هذا التغيير الطاريء عبارة عن بناء واحد، وكان القصر يمتد من جهة القبلة إلى ما بعد المسجد، فيكون ضلع السور الشرقي للقصر ملاصقاً في أكثره للمسجد ثم يمتد إلى ما بعده، وقد وضع بيت المال قبلة المسجد، فيكون في منطقة سوري المسجد والقصر المتلاصقين.
{ أنظر الملحق الخاص بالخرائط}

2- لم يكن السور مجرد جدار بل كانت فيه مبانٍ تمكن من الإقامة فيه، وهو مقتضى كون جدر السور خطوط الدفاع من الجهات الأربع.

3- ومن الطبيعي أن يراعى في هذا البناء إقامة ممرات سرية بين المسجد والقصر، وأن يكون التحكم بها من داخل القصر، ويأتي مزيد إيضاح حول ذلك، في الحديث عن خروج ابن زياد إلى المسجد بعد تفرق الناس.

4- كان ارتفاع المسجد آنذاك ثلاثين ذراعاً أي حوالي عشرين متراً كما تقدم ما يؤيده في الحديث عن القصر، ويدل عليه بوضوح كلام المعمار الذي تولى بناءه مع زياد بن أبيه الذي أوكل إليه هذه المهمة، حين " دعا ببنائين من بنائي الجاهلية فوصف لهم موضع المسجد وقدره وما يشتهي من طوله في السماء، وقال أشتهى من ذلك شيئاً لا أقع على صفته فقال له بنَّاء قد كان "بنى" لكسرى: لا يجيء هذا إلا بأساطين من جبال أهواز، تنقر ثم تثقب ثم تحشى بالرصاص وبسفافيد الحديد فترفعه ثلاثين ذراعاً في السماء، ثم تسقفه وتجعل له مجنبات ومواخير، فيكون أثبت له فقال هذه الصفة التي كانت نفسي تنازعني إليها ولم تعبِّرها".(4)

والمجنبات هي جدران المسجد الذي كان من قبل بدون جدر كما يصرح بذلك ما رواه الطبري عن عطاء مولى إسحاق بن طلحة وهو قوله: " كنت أجلس في المسجد الأعظم قبل أن يبنيه زياد وليست له مجنبات ولا مواخير فأرى منه دير هند وباب الجسر ".(5) كما روى عن الشعبي قوله: " كان الرجل يجلس في المسجد فيرى منه باب الجسر ".(6)

والمواخير – هنا وعلى الأرجح(7) - المسقفات المستطيلة التي كانت تمتد بإزاء جدران المسجد، ما عدا جهة القبلة التي كانت تقع في وسطها الظلة،كما يأتي.

والمراد بالظلة مكان مسقف يتظلل به، وكانت الظلة تقع في مقدمة المسجد، بقرينة تحديدها بأنها "التي فيها المنبر" و يدل عليه أيضا حديث الطبري عن" الظلة" التي أقيمت في زمن سعد حيث يقول: " وبنى ظلة في مقدمه ليست لها مجنبات ولا مواخير ".." وكان ظلته مائتي ذراع على أساطين رخام كانت للأكاسرة سماؤها كأسمية الكنائس الرومية ".(8)  { أنظر الملحق الخاص بالخرائط}

ولئن أمكن النقاش في التفاصيل لعدم الجزم بها فإن القدر المتيقن أن المسجد كان يضم مناطق مسقوفة وكانت الظلة إحداها، وهو ما يحتاجه استيضاح النص المتقدم حول عملية البحث في الظلال التي قام بها من كان حول الطاغية عندما هدأت ضجة الذين كانوا متجمهرين في المسجد والساحات.

* عمليات البحث المضنية
وقد بدأت عملية تثبتهم هذه بإنزال شعل النار وخفضها لينظروا في ضوئها هل يرون أحداً، ثم لجأوا إلى القناديل يربطونها بالحبال ويدلونها إلى حيث تكشف أرض المسجد، ثم لجأوا إلى ربط حزم القصب بالحبال، وإشعال النار في كل حزمة ثم تدليتها إلى أرض المسجد.

فالأطنان جمع طن وهو الحزمة من القصب واحده طنة.(9)

وفي" تجارب الأمم"  أنهم : "دلَّوا أنصاف الطنان تشد بالحبال.."(10)

وحيث كانت هناك أماكن مسقفة، فمن الطبيعي أن يضطرهم هذا البحث إلى نزع بعض السقف لتدلية الشعلة أو القنديل أو حزمة القصب.

وبنزع بعض السقف في أماكن متعددة، فسرت عبارة الشيخ المفيد " ونزعوا تخاتج المسجد" بلحاظ أن التخاتج جمع تختج ولعله - كما قال العلامة المجلسي- معرب "تخته".(11)

وحيث إن عملية البحث هذه استدعت التثبت من خلو مختلف مساحات المسجد - المسقفة بشكل خاص وغيرها أيضاً - ممن يظن أنهم كمنوا في الظلال- أو الظلام- فلعبارة الطبري وجه حيث قال: ففرعوا بحابح المسجد. لأن فرع الشيء، اعتلاؤه، وما يشبه الذرع والمسح، والبحابح جمع بحبوحة وهي الساحة.(12)

ويؤكد أنهم لجأوا إلى نزع بعض سقف المسجد ما رواه الطبري عن أبي عوانة عمن أخبره بقوله: " قيل لابن زياد والله ما نرى كثير أحد ولا نسمع أصوات كثير أحد، فأمر بسقف المسجد فقلع، ثم أمر بحرادى فيها النيران فجعلوا ينظرون فإذا قريب خمسين رجلاً ".(13)

ويضيف "الدينوَري" خصوصية أنهم كانوا يشعلون النار في الحُزم ويرمون بها في باحة المسجد لتضيء ما حولها، فيقول:

"ثم إن ابن زياد لما فقد الأصوات ظن أن القوم دخلوا المسجد، فقال: أنظروا ، هل ترون في المسجد أحداً؟ - وكان المسجد مع القصر - . فنظروا فلم يروا أحداً ، وجعلوا يشعلون ( أطنان ) القصب، ثم يقذفون بها في رحبة المسجد ليضئ لهم، فتبينوا، فلم يروا أحداً. فقال ابن زياد: إن القوم قد خذلوا، وأسلموا مسلماً. وانصرفوا".(14)

ويتفرد أبو عوانة بما رواه عنه الطبري من أن عمليات البحث كشفت وجود حوالي خمسين رجلاً، فنزل ابن زياد ومن معه، ودارت بين الطرفين مواجهة، قال أبو عوانة:
"فبلغ ذلك مسلم بن عقيل فخرج ومعه ناس كثير فبلغ ابن زياد ذلك فأمر بباب القصر فأغلق وأمر منادياً فنادى يا خيل الله اركبي. فلا أحد يحيبه فظن أنه في ملأ من الناس، قال حصين فحدثني هلال بن يساف، قال لقيتهم تلك الليلة في الطريق عند مسجد الأنصار فلم يكونوا يمرون في طريق يميناً ولا شمالاً إلا أن ذهبت منهم طائفة الثلاثون والأربعون ونحو ذلك قال فلما بلغ السوق وهى ليلة مظلمة ودخلوا المسجد قيل لابن زياد والله ما نرى كثير أحد ولا نسمع أصوات كثير أحد فأمر بسقف المسجد فقلع ثم أمر بحرادى فيها النيران فجعلوا ينظرون فإذا قريب خمسين رجلاً قال فنزل فصعد المنبر وقال للناس تميزوا أرباعا أرباعا فانطلق كل قوم إلى رأس ربعهم فنهض إليهم قوم يقاتلونهم فجرح مسلم جراحة ثقيلة وقتل ناس من أصحابه وانهزموا فخرج مسلم فدخل داراً من دور كندة".
(15)

ومن الوضوح بمكان أهمية التدقيق في نصوص هذه اللحظة الحاسمة، لأنه يكشف بما لا مزيد عليه ولا بديل له مدى الرعب الذي كان قد استبد بابن زياد ومن حوله، وهو ما يعني بجلاء أن الإنتفاضة التي سرعان ما تلاشت كانت تملك من عناصر القوة ما يفرض احترامه حتى على العدو.

تدل عمليات البحث المضنية هذه في الظلال، وفي ظلة المنبر، على أن الطاغية لم يصدق بتفرق الناس، كما تدل أيضاً على أن نهضة الشهيد مسلم كانت قد تجاوزت مرحلة الإنطلاقة المحفوفة بالمغامرة، لتدخل عتبة الإستقرار، والسيطرة الفعلية على الوضع في الكوفة ثم كانت الفعلة التي ذهبت مثلاً، حين تخاذل الكوفيون وتفرقوا، ولم يجد مسلم من يدله على الطريق.

ولك أن تستنتج كيف كان الوضع في الكوفة خلال هذه الفترة، فقد خلت الساحات حتى لم يبق فيها " إنسان" يدل الشهيد الغريب مسلم بن عقيل على الطريق، وابن زياد ومن معه خائفون من أن يكونوا قد كمنوا تحت الظلال!

من هو الخائف؟ ومن هو المخيف؟ أهل الكوفة خائفون من الطاغية، والطاغية خائف منهم!

والحق الذي يمثله الشهيد مسلم يواجه الغربة، وطوبى للغرباء.

إنها من لحظات التاريخ المفصلية، بل اللحظات التاريخ، وهل هو - كما مر وفي الغالب - إلا لحظات من هذا النوع محيِّرة ومذهلة، وهل الأمرُّ فيها والأدهى إلا اقتناص الطواغيت لها، ونكوص "الناس" وأهل الحق عن امتطاء صهوتها والتحكم بالزمام.

ومما يضحك الثكلى خوف الطاغية - أي طاغية يستعبد الناس بخوفهم منه - فإذا هم مطيعون له وسامعون! وهو منهم خائف ذَعِر!! وفي " فقه القعود" ألف مسوِّغ للخوف من الخائف! بدءاً من المصلحة الشخصية مروراً بالسلامة العامة ووصولاً إلى الحكمة وعدم التهور والعقلانية المدعاة.

* وامتلأ المسجد مجدداً
بمثل هذا "المنطق" المتهافت تربَّع الطاغية ابن زياد ومولاه يزيد على كرسي التلاعب بالمصائر، وسترى أن المسجد سرعان ما امتلأ ب "أهل السمع والطاعة" البريئين من "أهل الشقاق والنفاق".

" فلما لم يروا شيئاً أعلموا إبن زياد، ففتح باب السدة التى في المسجد، ثم خرج فصعد المنبر، وخرج أصحابه معه فأمرهم فجلسوا حوله قبيل العتمة، وأمر عمرو بن نافع فنادى: ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة والعرفاء، أو المناكب، أو المقاتلة، صلى العتمة إلا في المسجد. فلم يكن له إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة، فقال الحصين بن تميم: إن شئت صليت بالناس، أو يصلي بهم غيرك، ودخلت أنت فصليت في القصر، فإني لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك. فقال: مُرْ حرسي فليقوموا ورائي كما كانوا يقفون، ودُرْ فيهم فإني لست بداخل إذاً. فصلى بالناس، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل، قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره، ومن جاء به فله ديته، إتقوا الله عباد الله، والزموا طاعتكم، وبيعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً، يا حصين بن تميم، ثكلتك أمك إن صاح باب سكة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك، وأصبح غداً واستبر الدور، وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل وكان الحصين على شرطه وهو من بنى تميم، ثم نزل ابن زياد فدخل وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره على الناس".(16)

ويلاحظ في النص ما يلي:

1- أن الطاغية مايزال شديد الحذر، ويعني ذلك أنه مايزال خائفاً، فهو لم يدخل المسجد إلا من باب السدة الذي هو أحد الممرات الخاصة بين المسجد والقصر، وهو يؤدي إلى مساحة "متخت" مرتفعة في المسجد كان المؤذن يقف عليها، ويبدو أن السدة كانت في منتصف الحائط القبلي للمسجد وربما كانت تحت " الظلة" وفي منتصفها.(17) { أنظر الملحق الخاص بالخرائط}

ثم إن قائد الشرطة ينصحه بعدم البقاء في المسجد، و لم يقرر البقاء إلا تحت حراسة مشددة يشرف عليها قائد الشرطة مباشرة : "ودر أنت فيهم".

2- أنه لجأ إلى محاولة ملأ المسجد بالموظفين الذين يتسلمون رواتبهم من السلطة، فقد أمر المنادي أن يأمر بالحضور كل عريف وهو ما يشبه المختار في عصرنا كما تقدم، أو منكب وهو المسؤول على عشرة عرفاء أي ما يشبه القائممقام في بعض النظم الإدارية، أو المقاتلة وهم الجنود الذين كانوا إحتياطي الطواريء وكان في الكوفة منهم عشرة آلاف.(18)

3- إصدار الأمر بتشديد الأحكام العرفية التي كانت قائمة أصلاً، وتكثيف الحواجز فوراً، والبدء بتفتيش الدور منذ الصباح.

* ماذا جرى لمسلم
في الوقت الذي كان ابن زياد ومن معه لا يصدقون أن الناس قد تفرقوا، ولا يجرؤون على مغادرة القصر لاستطلاع خبر الشوارع والساحات والمسجد ميدانياً، كان الشهيد مسلم غريباً في الكوفة لا يجد من يدله على الطريق.

قال الدينوري:
" فصلى مسلم العشاء في المسجد، وما معه إلا زهاء ثلاثين رجلاً. فلما رأى ذلك مضى منصرفاً ماشياً، ومشوا معه، فأخذ نحو كندة، فلما مضى قليلا التفت فلم ير منهم أحداً، ولم يُصب إنساناً يدله على الطريق، فمضى هائماً على وجهه في ظلمة الليل حتى دخل على كندة. فإذا امرأةٌ قائمة على باب دارها تنتظر ابنها - وكان ممن خف مع مسلم - فآوته وأدخلته بيتها، وجاء ابنها، فقال : من هذا في الدار ؟ فأعلمته ، وأمرته بالكتمان ".
(19)

وقال البلاذري:
" فتفرق أصحاب ابن عقيل عنه ، حتى أمسى وما معه إلا نحو من ثلاثين رجلاً، فلما رأى ذلك خرج متوجهاً نحو أبواب كندة، وتفرق عنه الباقون حتى بقي وحده يتلدد في أزقة الكوفة ليس معه أحد !! ودُفع إلى باب امرأة يقال لها طوعة، فاستسقى ماء فسقتة ثم قال: يا أمة الله، أنا مسلم بن عقيل بن أبي طالب، كذبني هؤلاء القوم وغروني فآويني. فأدخلته منزلها وآوته، وجاء ابنها فجعل ينكر كثرة دخولها إلى مسلم وخروجها من عنده، فسألها عن قصتها فأعلمته إجارتها مسلماً ".
(20)

وقال ابن كثير:
"فتخاذل الناس وقصروا، وتصرموا، وانصرفوا عن مسلم بن عقيل، حتى لم يبق إلا في خمسمائة نفس، ثم تقالُّوا حتى بقي في ثلاثمائة، ثم تقالوا حتى بقي معه ثلاثون رجلاً، فصلى بهم المغرب وقصد أبواب كندة فخرج منها في عشرة، ثم انصرفوا عنه فبقي وحده ليس معه من يدله على الطريق، ولا من يؤانسه بنفسه، ولا من يأويه إلى منزله، فذهب على وجهه واختلط الظلام وهو وحده يتردد في الطريق لا يدري أين يذهب، فأتى باباً فنزل عنده وطرقه فخرجت منه امرأة يقال لها طوعة".
(21)

وقال المسعودي:
"فلم يمس مسلم ومعه غير مائة رجل، فلما نظر إلى الناس يتفرقون عنه سار نحو أبواب كندة، فما بلغ الباب إلا ومعه منهم ثلاثة، ثم خرج من الباب فإذا ليس معه منهم أحد، فبقي حائراً لا يدري أين يذهب، ولا يجد أحداً يدله على الطريق، فنزل عن فرسه ومشى متلدداً في أزقة الكوفة لا يدري أين يتوجه، حتى انتهى إلى باب امرأة للأشعث بن قيس، فاستسقاها ماءً فسقته، ثم سألته عن حاله فأعلمها بقضيته فرقت له وآوته".
(22)

وقال سبط بن الجوزي:
" فتفرق من كان مع مسلم، وتسللوا عنه، ودهمه الليل، وقد بقي وحده، فجاء إلى باب فجلس عليه، فجاءته امرأة أو خرجت إليه، فقال لها: يا أمة الله اسقيني ماءً، فسقته وقالت: من أنت؟ فقال: أنا مسلم بن عقيل، فقالت: أدخل، فدخل. وكانت المرأة أم مولى لمحمد بن الأشعث..".
(23)

وقال الشيخ المفيد والطبري:
" فما زالوا يتفرقون ويتصدعون حتى أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفساً في المسجد، حتى صُليت المغرب فما صلى مع ابن عقيل إلا ثلاثون نفساً، فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر، خرج متوجهاً نحو أبواب كندة فما بلغ الأبواب ومعه منهم عشرة، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان. والتفت فإذا هو لا يُحس أحداً يدله على الطريق، ولا يدله على منزل، ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو، فمضى على وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدرى أين يذهب حتى خرج إلى دور بنى جبلة من كندة، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها طوعة - أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالاً، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره - فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه، فقال لها يا أمة الله اسقيني ماءً، فدخلت فسقته، فجلس، وأدخلت الإناء ثم خرجت، فقالت: يا عبد الله ألم تشرب؟ قال: بلى. قالت فاذهب إلى أهلك، فسكت، ثم عادت فقالت مثل ذلك فسكت، ثم قالت له في الثالثة: سبحان الله يا عبد الله قم إلى أهلك عافاك الله، فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي، ولا أحلّه لك. فقام وقال: يا أمة الله، ما لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة، فهل لك إلى أجر ومعروف ولعلِّي مكافئك به بعد اليوم. فقالت: يا عبد الله وما ذاك؟ قال أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغرونى. قالت: أنت مسلم. قال: نعم. قالت: أدخل، فأدخلته بيتاً في دارها غير البيت الذى تكون فيه، وفرشت له، وعرضت عليه العشاء، فلم يتعش، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها، فرآها تكثر الدخول في البيت، والخروج منه. فقال: والله إنه ليريبنى كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة، وخروجك منه. إن لك لشأناً قالت يا بني أُلْهُ عن هذا قال لها: والله لتخبرني قالت: أقبل على شأنك، ولا تسألني عن شيء، فألح عليها فقالت: يا بني لا تحدثن أحداً من الناس بما أخبرك به، وأخذت عليه الأيمان، فحلف لها فأخبرته، فاضطجع وسكت، وزعموا أنه قد كان شريداً من الناس، وقال بعضهم كان يشرب مع أصحاب له ".
(24)

وبملاحظة مختلف النصوص واعتماد نصي الشيخ المفيد والطبري سنداً رئيساً لا يمكن تجاوزه إلا في ما يقوم على خلافه دليل، يتضح الآتي:
أولاً: كان خروج الشهيد مسلم من باب كندة. والمراد به الباب الذي كان يقع في يمنة قبلة المسجد.
(25)
ثانياً: أن وقت خروجه كان بعد أن صلى المغرب، وليس العشاء أو العتمة كما ورد في بعض المصادر.
ثالثاً: يسلط ما أورده ابن كثير الضوء على تفاصيل في التفرق التدريجي عن الشهيد، وبديهي أن مسؤولية آخر المتخاذلين أشد إيلاماً في قلوب المؤمنين إلى يوم القيامة.
رابعاً: لا تنسجم مع شخصية الشهيد مسلم بعض التفاصيل الواردة في نص أبي مخنف بروايتي الشيخ المفيد والطبري، حول طلب الشهيد من طوعة أن تؤويه، وليس في ما ذكره المسعودي ما يدل على ذلك، ويَحمل على الشك في هذه التفاصيل أسلوبها " الحكواتي" خاصة مع وجود نص يخلو من ذلك نهائيا، وهو ما أورده سبط بن الجوزي، وقد تقدم.

* من هو الأشعث، مولى طوعة؟
كان الأشعث بن قيس - الذي كانت طوعة مولاته - شيخ العشيرة الكبيرة في الكوفة "كندة" التي منها شُريح القاضي.

ومنها أمثال الشهيد حجر بن عدي رضوان الله تعالى عليه.

أُسر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ردّة أهل ياسر, وهناك قول بأنه ارتد فعلاً، وقول آخر بأنه لم يرتد بدليل أن أبا بكر زوجّه عندما أطلق سراحه أخته أم فروة، وأنجبت له ابنه محمد بن الأشعث، الذي كان دوره أساسياً في إحباط ثورة مسلم وشهادته. والأرجح هو الرأي الأول.(26)

والأشعث بن قيس شريك في بيعة الضَّب المعروفة، والتي بايع فيها الأشعث، وعمرو بن حُريث ، وشبث بن ربعي وآخرون، ضباً اصطادوه أثناء رحلة ترفيهية في الصحراء، ثم أخذوا يبايعونه ويتندرون ويقولون : هذا أمير المؤمنين. والقصة معروفة.(27) وقد كان للأشعث دور رئيس في شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، فقد روي أن الشهيد حجر بن عُدي رضوان الله تعالى عليه دخل المسجد، فسمع الأشعث بن قيس يقول لعبد الرحمن بن ملجم : النجاء النجاء بحاجتك، فقد فضحك الصبح ، فقال له حجر : قتلته يا أعور . ثم خرج من بابٍ لإخبار الإمام فدخل الإمام عليه السلام من باب آخر.(28)

وهناك كثير من النصوص حول سوء دور الأشعث بن قيس تكشف بوضوح أنه كان أحد أعمدة الإنحراف، جنباً إلى جنب مع أبي سفيان ومعاوية، وأصحابهما بل لم يكن معاوية ليحقق شيئاً من أهدافه لولا "عُرف النار" الأشعث هذا كما سماه أمير المؤمنين عليه السلام.(29)

وقد ورد ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الأشعث وذريته "فقد استأذن رجلان من ولد الأشعث على الإمام الصادق عليه السلام فلم يأذن لهما فقال الراوي للإمام : إن لهما ميلاً ومودةً لكم، فقال عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن أقواماً فجرى اللعن فيهم وفي أعقابهم إلى يوم القيامة".(30)

ولا ينافي ذلك قوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" فلا يمكن أن يصدر ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله إلا لعلمه بأن أعقابهم مثلهم بسوء اختيارٍ منهم لا بالإكراه، فيكون دعاؤه عليهم على غرار دعاء نبي الله نوح عليه السلام على قومه:

"إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" نوح - 27

وإبنة الأشعث "جعدة" هي التي دسّت السم للإمام الحسن عليه السلام.

وإبنه محمد كما تقدم، كان له الدور الأبرز في تثبيط الناس عن مسلم، وفي اعتقال هانيء بن عروة، واعتقال مسلم نفسه، ثم خرج في من خرج من قادة الجيش لحرب الإمام الحسين عليه السلام ، وكان أخوه قيس بن الأشعث مثله، ويكفي أن الإمام الحسين عليه السلام قال له: " أنت أخو أخيك".(31) وتأتي إشارة إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث وغدره.

* طوعة: الموقف المدرسة
تعاظم موقف هذه المرأة الطاهرة طوعة حتى أصبح مدرسة ينبغي أن تتعلم منها الأجيال حسن اختيار الموقف مهما كان مكلفاً، حتى إذا كان انعدام الوزن هو السمة الطاغية، فقد أقدمت حين أحجم الجميع، وفي ظرف هو بالتأكيد من أحلك الظروف.

ونزداد إكباراً لطوعة رضوان الله عليها عندما نلاحظ أنها كانت مولاة لهذا الأشعث بن قيس الذي كان شديد العداء لأمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام، فقد عاشت في أجوائه، ولكنها لم تتأثر بها، واستطاعت أن تكون صاحبة هذا الموقف الكربلائي التاريخي في الزمن الصعب، الذي حرم "الأبدال" في الكوفة من التوفيق لفيضه العميم.
إن "مولاة" تقف موقفاً فريداً من هذا النوع وتحتفظ بسلامة عقيدتها رغم معايشتها لرجل كالأشعث هي امرأة عظيمة بإيمانها فعلاً.

ومن الجدير بالذكر أن البحث الموضوعي في دوافع "الموالي" من أمثال طوعة ينبغي أن لا يجردها من المنطلق الديني، لأن ذلك يجعل البحث مرتكزاً إلى افتراض مسلمة أن الدوافع عادةً مصلحية، وهو إسقاط وتعميم وكلاهما ينافيان موضوعية البحث واستقراء الواقع وشمول التحليل.

ويلاحظ في موقف طوعة، حضور العامل الديني بوضوح خصوصاً إذا أخذنا برواية الشيخ المفيد والطبري لنص أبي مخنف، أو أخذنا برواية الخوارزمي حول أن الشهيد وهو يغادر بيتها حدثها عن نصيبها من شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن الواضح أن ذلك ليس حديثاً لمولاة قامت بدور عادي بدافع من عداء مصلحي للنظام، أو نحو ذلك ، وإنما يدل على أن عملها كان من منطلق عقائدي.

ومن دروس هذه المدرسة "طوعة" بالإضافة إلى الموقف الصعب في الزمن الصعب:

1- أن كل فرد مسؤول، فالمسؤولية من لوازم الإنسانية، والتنصل منها والتخاذل عن القيام بمقتضاها إستقالة من الإنسانية، وذلك هو جوهر شمول التكليف الشرعي لجميع الناس.
2- أن الموقف الفردي يجب أن يستند إلى الحق والقيم، أو فقل المصلحة العامة، وهو ما يعبر عنه بالتكليف، ولا يصح أن يستند إلى المصلحة الشخصية وتقدير الربح والخسارة الشخصيين.
3- لايجوز في منطق العقل وهو منطق الشرع أن يرتهن الموقف للموجة العامة، فإن ذلك يحيل صاحبه إلى "إمّعة" يقول: أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس.
(32)
طوعة ليست من هذا النوع، إنها تفكر وتقرر أين يجب أن تكون، فالمسلم الحق صاحب رأي وموقف، يعتقد بشيء ويستعد للصمود في خطه، والثبات عليه، والدفاع عمّا يعتقد به.
4- والمرأة والرجل في ذلك على حد سواء، فلا يجوز إطلاقاً أن تعفي المرأة نفسها من الشأن العام بدعوى أن ظلم الرجل عادة يفقدها القدرة على النهوض بأعباء جسام ينكص عنها الرجال.
ومن المؤسف أن التاريخ يضن بتفصيل ما جرى لهذه المرأة المجاهدة - هل هدم دارها؟ وماذا كان من أمرها مع ابنها، وغير ذلك من قبيل الجائزة التي يبدو أنه منَّى نفسه بقبضها! فذلك هو الأنسب بشريد من الناس - غير ما ورد من إشارات تكشف لا عن شخصيته فحسب، بل عن شخصية كل معقل وبلال من العملاء والمخبرين، بل وعن شخصية مثل محمد بن الأشعث الذي قد يكون نافس هذا الشريد على الجائزة، فقد نقل الخوارزمي أن ابن زياد وعد ابن الأشعث بما بذل من الجائزة الكبرى والحظ الأوفى.
(33)

* وشاية آل الأشعث
طبيعي أن يكون الطاغية قد استنفر كل ما يمكنه توظيفه من أجل إحكام الحصار على الكوفة وهو ما يعبر عنه بوضوح ما تقدم من قوله: " يا حصين بن تميم، ثكلتك أمك إن صاح باب سكة من سكك الكوفة، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك ".

كما يدل عليه اعتماد الطاغية الترهيب والترغيب في آن بقوله: " فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله ديته ".

وهي نفس العبارات التي جال المنادون أرجاء الكوفة ينادون بها.(34)

ويبدو أن أسلوب الترغيب هو الذي مكنه من معرفة مكان مسلم من حيث لا يتوقع.

فلقد أمضى بلال بن أسيد ليله - في ما يبدو- يحلم بالجائزة!

و"إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم" التغابن 14. وهو مبدأ مضيَّع في التربية وعلم الجهاد والثورة.

" فلما أصبح - ابن زياد - جلس مجلسه وأذن للناس فدخلوا عليه، وأقبل محمد بن الأشعث، فقال { الطاغية} :  مرحباً بمن لا يُستغشّ ولا يُتَّهم، ثم أقعده إلى جنبه. وأصبح ابن تلك العجوز وهو بلال بن أسيد الذى آوت أمه ابن عقيل، فغدا إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه، قال: فأقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فسارّه، فقال له ابن زياد: ما قال لك؟ قال أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، فنخس بالقضيب في جنبه ثم قال قم فأتني به الساعة".

وانظر مجدداً في طريقة تعامل الطاغوت مع الدمى! إنها لغة " فنخسه بالقضيب في جنبه".

وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث واحد ممن يضرب بهم المثل في الغدر والدناءة(35)

• إبن الأشعث يقود المهاجمين
من هو قائد الذين توجهوا لاعتقال الشهيد مسلم؟

وكم هو عددهم؟

تختلف المصادر في الموردين وحيث أن الشهيد مسلم بن عقيل كان في محلة الكنديين، فإن وجود محمد بن الأشعث في مثل هذا الظرف ضروري، وبما أنه عند ابن زياد " من لا يستغش ولا يتهم " فطبيعي أن تكون القيادة له حتى إذا كان غيره يتولى التعامل الميداني مع الموقف، ولا يغني عنه وجود ابنه عبد الرحمن الذي كان حاضراً(36) وأما عمرو بن حريث(37) فقد كان أمير الكوفة من قبل ابن زياد الذي عقد له لواء الإمرة بعد تفرق الناس كما تقدم، وطبيعي أن يتردد اسمه بلحاظ أنه سيختار من يتم إرسالهم، وتدعو الحاجة إلى أن يكون على صلة وثيقة بما يجري، وقد استدعي ذلك حضوره، نظراً لأهمية الموقف.

وبناءً عليه فإن القائد لهؤلاء المهاجمين كان محمد بن الأشعث، وكان غيره يرجع إليه وقد صرح السلمي – الذي هو القائد الميداني في المواجهة كما سيأتي - عند كلام ابن الأشعث عن إعطاء الأمان لمسلم بأنه لا ناقة له في ذلك ولا جمل.(38)

قال الشيخ المفيد: " وبعث معه (أي مع محمد بن الأشعث) قومه، لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم ( مثل) ابن عقيل، فبعث معه عبيدالله بن عباس السلمي في سبعين رجلاً من قيس، حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله ".(39)

أما عدد الذين أرسلهم ابن زياد مع محمد بن الأشعث فقد قيل إنهم كانوا سبعين رجلاً كما تقدم - أو ما يقرب من ذلك- بحسب بعض الروايات(40) وقيل إنهم مائة(41) وقيل ثلاثمائة" من "الصناديد" بحسب رواية أخرى(42) ويمكن الجمع بين هذه الأعداد بملاحظة أن محمد بن الأشعث مضى لاعتقال مسلم مع عدد من الجنود ثم طلب المدد من ابن زياد، ولما استكثر ابن زياد ما يطلبه ابن الأشعث أرسل إليه الأخير يقول : أتظن أنك أرسلتني إلى بقّال من بقالي الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة ؟(43) إنما " بعثتني إلى "أسد ضرغام".(44)

وقد واجه الشهيد مسلم هذه الجموع بجرأة ورباطة جأش منقطعي النظير، وفي كلامه رضوان الله تعالى عليه ما يدل على احتشاد أعداد غفيرة لمحاصرته وحربه.

* المواجهـــــة
قال البلاذري:
" فوجه ابن زياد من الوجوه من يأتيه به، وفيهم محمد بن الأشعث، فلما أحس مسلم برسل ابن زياد، خرج بسيفه، واقتحموا عليه الدار، فاختلف هو وبكير بن حمران الأحمري ضربتين، فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا، وأسرع في شفته السفلى، فنصلت ثنيتاه، وضرب [ مسلم ] بكيراً ضربة على رأسه وأخرى على حبل عاتقه. [ وأُخذ مسلم ] فأتي به ابن زياد ، وقد أمنه [ محمد ] ابن الأشعث فلم ينفذ أمانه ".
(45)

وقال ابن نما:
" فسمع مسلم وقع حوافر الخيل "و" علم انه قد أُتي، فلبس لامته، وركب فرسه، وضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا فشدوا عليه، فقتل منهم جماعة ثم أشرفوا عليه فوق البيت ورموه بالحجارة.. ".
(46)

وقال ابن كثير:
" وبعث ابن زياد عمرو بن حريث المخزومي - وكان صاحب شرطته - ومعه عبد الرحمن ومحمد بن الأشعث في سبعين أو ثمانين فارساً، فلم يشعر مسلم إلا وقد أحيط بالدار التي هو فيها، فدخلوا عليه فقام إليهم بالسيف فأخرجهم من الدار ثلاث مرات، وأصيبت شفته العليا والسفلى، ثم جعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في "أطنان" القصب فضاق بهم ذرعاً، فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم، فأعطاه عبد الرحمن الأمان فأمكنه من يده ".
(47)

ولا يمكن الركون إلى ما أورده ابن كثير من أن الذي أعطى الأمان للشهيد مسلم هو عبد الرحمن هذا، فقد صرح سيد الشهداء في كربلاء بأن المسؤول عن دم الشهيد مسلم هو محمد بن الأشعث نفسه، وهو يجتمع مع كونه هو الذي أعطاه الأمان، كما ينسجم مع كونه قائد المواجهة التي أدت إلى قتله.

وبالتلي فليس عبد الرحمن هو الذي أعطى الأمان كما يقال.

وقال أبو الفرج الأصفهاني:
" فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال، عرف أنه قد أُتي فخرج إليهم بسيفه، فاقتحموا عليه الدار، فشد عليهم كذلك، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق السطوح، وظهروا فوقه، فأخذوا يرمونه بالحجارة، ويلهبون النيران في أطنان القصب ثم يقذفونها عليه من فوق السطوح، فلما رأى ذلك قال: أكل ما أرى من الأَجلاب
(48) لقتل ابن عقيل ؟ يا نفس اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص فخرج - رضوان الله عليه - مصلتاً سيفه إلى السكة فقاتلهم فأقبل عليه محمد بن الأشعث فقال: يافتى لك الأمان لا تقتل نفسك. فأقبل يقاتلهم وهو يقول :

أقـسمت لا أقـتـل إلا حـرا               وإن رأيت الموت شيئـاً نكرا
أخـاف ان أكـذب أو أغـرا                أو يخلط البارد سخنـاً مـرا
رد شعـاع الشمس فاستقـرا               كـل امرئ يوماً ملاقٍ شـرا

قال له محمد بن الأشعث : إنك لا تُكذب ولا تُغر. إن القوم ليسوا بقاتليك ولا ضاربيك (كذا) وقد أثخن بالجراح وعجز عن القتال، فانبهر وأسند ظهره إلى دار بجنب تلك الدار، فدنا منه محمد بن الأشعث فقال له: لك الأمان فقال له مسلم: آمنٌ أنا ؟ قال: نعم. أنت آمن فقال القوم جميعاً: نعم، غير عبيدالله بن العباس السلمي لأنه قال: " لا ناقة لي في هذا ولا جمل " وتنحى فقال ابن عقيل. إني والله لولا أمانكم ما وضعت يدي في أيديكم ".(49)

وقال المسعودي:
"فمضى ابن الأشعث إلى ابن زياد فأعلمه، فقال: انطلق فأتني به. ووجّه معه عبد الله بن العباس السلمي في سبعين رجلاً فاقتحموا على مسلم الدار، فثار عليهم بسيفه، وشد عليهم فأخرجهم من الدار، ثم حملوا عليه الثانية، فشد عليهم وأخرجهم أيضاً، فلما رأوا ذلك عَلَوْا ظهر البيوت فرموه بالحجارة، وجعلوا يلهبون النار بأطراف القصب، ثم يلقونها عليه من فوق البيوت، فلما رأى ذلك قال : أكلّ ما أرى من الأجلاب لقتل مسلم بن عقيل؟ يا نفس، اخرجي إلى الموت الذي ليس عنه محيص، فخرج إليهم مصلتـاً سيفه إلى السكة فقاتلهم، واختلف هو وبكير بن حمران الأحمري ضربتين، فضرب بكير فم مسلم فقطع السيف شفته العليا وشرع في السفلى، وضربه مسلم ضربة منكرة في رأسه، ثم ضربه أخرى على حبل العاتق فكاد يصل إلى جوفه، وهو يرتجز ويقول:

أقـسـم لا أقـتـل إلا حـرا           وإن رأيت الموت شيـئاً نكـرا
كـل امريءٍ يوما ملاقٍ شرا            أخـاف أن أُكــذب أو أُغـرا

فلما رأوا ذلك منه تقدم إليه محمد بن الأشعث فقال له: فإنك لا تُكذب ولا تُغر، وأعطاه الأمان، فأمكنهم من نفسه".(50)

وقال الشيخ المفيد والطبري:
" فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه قد أُتي، فخرج إليهم بسيفه، واقتحموا عليه الدار، فشدَّ عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك، فاختلف هو وبكير بن حمران الأحمري فضرب فم مسلم فشق شفته العليا وأسرع السيف في السفلى ونصلت له ثنيتاه، وضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت فأخذوا يرمونه بالحجارة، ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يلقونها عليه من فوق البيت، فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتاً بسيفه في السكة، فقال له محمد بن الأشعث: لك الأمان، لا تقتل نفسك، وهو يقاتلهم ويقول:

أقسمت لا أقـتل إلا حـرا               إني رأيـت الموت شيئاً نكرا
ويجعل البارد سخنا مـرا                رد شعـاع الشمس فاستقرا
كل امرئٍ يوما ملاقٍ شرا                أخـاف أن أكـذب أو أغرا

فقال له محمد بن الأشعث : إنك لا تكذب ولا تغر، فلا تجزع، إن القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك. وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال، فانبهر وأسند ظهره إلى جنب تلك الدار، فأعاد ابن الأشعث عليه القول: لك الأمان، فقال : آمنٌ أنا ؟ قال : نعم. فقال للقوم الذين معه: لي الأمان؟ فقال القوم له: نعم، إلا عبيدالله بن العباس السلمي فإنه قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وتنحى؟ فقال مسلم : أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم ".(51)

وتجمع المصادر على أن الشهيد قد حارب المهاجمين، وخاض معهم مواجهة يقع الإختلاف في مدتها والتفاصيل بما يتراوح بين مواجهة حسمت سريعاً(52) وبين معركة حامية الوطيس قتل فيها الشهيد واحداً وأربعين من المهاجمين.(53) أو اثنين وأربعين(54) أو "جماعة كثيرة".(55) أو ثلم فيهم ثلمة عظيمة(56)

والمؤكد أن هذه المواجهة كانت معركة حقيقية طال وقتها، والدليل على ذلك أن الثابت من النصوص يؤكده، فهو صريح نص أبي مخنف بروايتي الشيخ المفيد والطبري، وهو كذلك صريح نص المسعودي، أما استبعاد أن يكون الشهيد قد قتل هذا العدد فيضعفه كثيراً أن كلاً من مصادره يمكن تجاوزه وحده، وإن كان لايمكن تجاوزها جميعاً.

إن اضطرار القوم للجوء إلى الرمي "بالحجارة" وإلى " أطنان القصب" يلهبون النار فيها ثم يلقونها عليه، يكشف بجلاء عجزهم عن منازلته وجهاً لوجه.

وفي مواجهة الشهيد عابس بن أبي شبيب الشاكري في كربلاء، حين كان" يكرد أكثر من مائتين من الناس"(57) ما ينبغي استحضاره هنا ليتم التقييم بموضوعية بعيداً عن "الحكواتية" بشقيها الذي يستسهل التهويل فيطمس كل الحقائق أو يساعد على ذلك، والذي يتخذ الإستغراب دليلاً، فيضيِّع الحقائق المتميزة.

وقد تقدم أن الشهيد مسلم بن عقيل كان أحد قادة ميمنة عمه أمير المؤمنين عليه السلام في صفين، كما تقدم حديث رسول الله صلى الله عليه وآله: و " لله درأبي طالب! لو وَلَدَ الناس كلهم كانوا شجعاناً ".(58)

وعلى هذا الأساس ينبغي التعامل بعناية مع ما ورد من أن الشهيد " كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده، فيرمي به فوق البيت".(59)

والملفت في شخصية الشهيد القائد مسلم بن عقيل، أنه - كما لاحظتَ - مظهر الصلابة ورباطة الجأش، لم يهن ولم يضعف، وهو ما يكشف عن أنه عندما غادر المسجد كان "ينحاز إلى فئة" ولم يفر من الزحف رغم أن كل الزحف قد فر عنه وتلاشى، ولما لم يجد من "الفئة" عيناً ولا أثراً كان هو الفئة والجيش.

"وخرج إليهم مصلتاً سيفه وقد اقتحموا عليه الدار فأخرجهم منها ثم عادوا إليه وأخرجهم وهو يقول :

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صـانـع               فـأنـت بـكأس الـموت لابد جـارع
فـصـبـراً لأمـر الله جـل جـلالـه                فحـكم قضاء الله في الـخـلـق ذايع
(60)

ويلاحظ هنا سمو الحالة النفسية للشهيد مسلم، رغم الظرف الصعب الذي كان يواجهه، فلو لم يكن غريباً في الكوفة، وتفرّق الناس عنه وعاد إلى بيته، لا إلى بيت طوعة، لكان هذا الأمر كافياً في النيل من عزيمته لولا أنه كان قمة في الصلابة ورباطة الجأش، فهو رضوان الله تعالى عليه، يواجه على أقل التقادير سبعين رجلاً ويخرجهم من الدار، وهو يسبّح الله تعالى بالشعر الذي ارتجزه.

ما أعظم أن لا يهزم الإنسان من الداخل، حتى إذا تداكّت عليه المشاكل والصعاب ويبقى رغم ذلك رابط الجأش ، تماماً كما لو كان في سرّاء لا تضاهى.

إنها الميزة الكربلائية الأم، " وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين".

لهجة مسلم عندما حوصر، هي نفسها قبل أن يحاصر، وكذلك في مجلس ابن زياد ، بل حتى عندما قدّم لتضرب عنقه كما سنرى.

الفهارس


(1) الشيخ المفيد،الإرشاد3/55والطبري4:278. باختلاف يسير، واللفظ للشيخ.
(2) الشيخ المفيد، الإرشاد2/56. والطبري4/278.
(3) الطبري3/149-150.
(4) الطبري3/150.
(5) الطبري3/151.
(6) المصدر.
(7) المواخير في اللغة: الحانة وما أشبهها من أماكن المنكرات، و بمعنى المؤخرات، وحيث أن المسقفات - في ما يبدو من الخرائط والنصوص- لم تكن مقتصرة على القسم الخلفي من المسجد، فالراجح أن المراد بها المسقفات التي تشبه المواخير، وقد تحرج بعض الباحثين من استعمال اللفظ لاشتهاره في المعنى اللغوي الأول، إلا أن المعمار الذي اقترح إقامة المجنبات والمواخير واستعمل هذين اللفظين لم يكن مسلماً، ويبدو أن من استعمل اللفظة استعملها تبعاً له.
(8) الطبري3/149.
(9) الصحاح للجوهري، وغيره.
(10) أبو علي مسكويه الرازي، تجارب الأمم2/50.
(11) "قال العلامة المجلسي في البحار: التختج : لعله معرب " تخته " اي نزعوا الأخشاب من سقف المسجد لينظروا هل فيه أحد منهم . هامش الإرشاد، تعليقاً على النص المتقدم. وانظر: البحار44/ 362. وقد أورد الطبري مفردة التخاتج على لسان هارون الملقب بالرشيد في قصة البرامكة عندما كان في "الزو" وهي سفينة ضخمة، وأمر برفع التخاتج عنها. أنظر: الطبري6/493.وانظر: الطبري7/225. والزبيدي، تاج العروس10/166.
(12) أنظر: إبن منظور، لسان العرب، والزبيدي، تاج العروس10/462. وغيرهما.
(13) الطبري4/294. والحرادي هي أطنان القصب وقد تقدم تفسيره. قال الجوهري في الصحاح: "وتحريد الشيء: تعويجه كهيئة الطاق، ومنه قيل: بيتٌ محرَّدٌ، أي مسنَّم".." والحردى من القصب، نبطي معرب، ولايقال: الهردى. وغرفة محردة: أي فيها حرادى القصب. ".
(14) الدينوري، الأخبار الطوال239.(15) الطبري4/294.
(15) الطبري4/294.
(16) الطبري4/ 278-279. والشيخ المفيد، الإرشاد2/56-57. باختلاف، حيث لم يورد الشيخ كلام الحصين، فاللفظ للطبري.
(17) أنظر: محمد قلعجي، معجم لغة الفقهاء243. وإبن أبي الحديد، شرح النهج2/88. والطريحي، مجمع البحرين2/353.
(18) البراقي، تاريخ الكوفة141.
(19) الدينوري، الأخبار الطوال239. بتصرف يسير اقتضاه التصحيف.
(20) البلاذري، أنساب الأشراف81.
(21) إبن كثير، البداية والنهاية8/166.
(22) المسعودي، مروج الذهب3/58.
(23) سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص242.
(24) الطبري4/277-278. والشيخ المفيد، الإرشاد2/54-55. واللفظ للطبري مصححاً في مواضع يغلب عليها التصحيف على عبارة الشيخ.
وانظر: الطبرسي: إعلام الورى بأعلام الهدى1/441.ومحمد بن حبيب البغدادي، المحبر244.

(25) البراقي، تاريخ الكوفة53. قال:".. باب كندة وهي من طرف يمين المسجد من جهة الغرب، وأقرب ما يكون من الزاوية الغربية بإيوانين".
(26) المامقاني،تنقيح المقال 1/149.
(27) أنظر: الشيخ الصدوق، الخصال645. وابن شهراشوب، المناقب2/98.والمجلسي، البحار41/278.وقطب الدين الراوندي، الخرائج والجرائح2/747.
(28) المجلسي، البحار 44/142.
(29) الشيخ المفيد، الأمالي/147 وانظر: محمد بن حبيب البغدادي، المحبر244. في غدر الأشعث وبنيه.
(30) المامقاني، تنقيح المقال 1/.149
(31) الطبري3/323.
(32) إشارة إلى ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وعن وصيه الإمام الكاظم عليه السلام. أنظر:إبن سلام، غريب الحديث4/49. وفيه: عنه صلى الله عليه وآله:"لايكونن أحدكم إمَّعة. قيل: ما الإمَّعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع الناس. ". والشيخ المفيد، الأمالي210 والجوهري، الصحاح. والطريحي، مجمع البحرين: وفيه: " الإمعة بكسر الهمزة والتشديد في الميم : الذي لا رأي له ، فهو يتابع كل أحد على رأيه ، والهاء للمبالغة ، ويقال فيه إمع أيضا ، وهمزته أصلية . ومنه الخبر " كن عالما أو متعلما ولا تكن إمعة " . ورجل إمع وإمعة : ضعيف الرأي ".
(33) الخوارزمي، مقتل الحسين300. "ولك مابذلتُ من الجائزة الكبرى والحظ الأوفى".
(34) إبن شهراشوب، المناقب3/244.
(35) محمد بن حبيب البغدادي، المحبر244.
(36) ورد اسمه في رواية الطبري عن الإمام الباقر عليه السلام، وليس فيها أنه قائد المهاجمين.أنظر: الطبري4/260 ولعل اسم محمد بن الأشعث سقط تصحيفاً، فقد ورد اسمه في ما نقله ابن كثير بعد اسم ابنه. أنظر: إبن كثير، البداية والنهاية8/167.
(37) ورد اسمه في رواية الطبري عن عمار الدهني عن الإمام الباقر عليه السلام، وذكره ابن شهر اشوب، المناقب244.
(38) أنظر: الشيخ المفيد، الإرشاد2/59 ذكره الطبرسي، إعلام الورى1/443.
(39) الشيخ المفيد، الإرشاد3/57.
(40) الطبري 4/279 (ستون أو سبعون). والمسعودي، مروج الذهب 3/58 (سبعون) .وابن كثير، البداية والنهاية8/167." سبعون أو ثمانون".
(41) الدينوري، الأخبار الطوال240.
(42) الخوارزمي، مقتل الحسين300.
(43) المصدر301. بتصرف يسير.
(44) المصدر. وابن شهراشوب، المناقب3/244.
(45) البلاذري، أنساب الأشراف81.
(46) إبن نما، مثير الأحزان24.
(47) إبن كثير، البداية والنهاية8/167.
(48) استعمل لفظ الأجلاب- من جلب- بفتح الألف، بمعنى الباعة الذين يجلبون المتاع لبيعه، ومنه نهي النبي صلى الله عليه وآله عن تلقي الأجلاب قبل أن يأتوا سوقهم. أنظر: الهيثمي، مجمع الزوائد4/82-83. والزبيدي، تاج العروس1/184. كما استعمل نفس اللفظ بالفتح بمعنى الخليط الذي يجلب. والإجلاب بكسر الألف- من الجلبة وهي الضجيج- بمعنى: بذل الجهد وحشد ما أمكن، ومنه قوله تعالى: وأجلب عليهم بخيلك ورجلك. والمعنيان الأخيران يمكن إرادتهما هنا.
(49) أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين69.
(50) المسعودي، مروج الذهب3/58-59.
(51) الشيخ المفيد، الإرشاد2/57-58. والطبري4/ 279-280 . واللفظ للشيخ، مع تصحيح اسم بكير. وانظر: الطبرسي،إعلام الورى1/443.
(52) الدينوري، الأخبار الطوال240.
(53) إبن شهراشوب، المناقب244.
(54) المحدث القمي، نفس المهموم109، نقلاً عن: الكامل البهائي في السقيفة2/275. وقد مر في الهوامش التعريف بالكتاب.
(55) المجلسي، البحار44/354. نقلاً عن : محمد بن أبي طالب، تسلية المجالس.
(56) إبن أعثم، الفتوح5/53.والخوارزمي، مقتل الحسين301.
(57) الطبري4/339.
(58) الإربلي، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح (الوفاة 963هج) كشف الغمة في معرفة الأئمة2/235(ط:مطبعة النجف،النجف الأشرف،1385هج)
(59) المجلسي، البحار44/354. قال مالفظه: " روي في بعض كتب المناقب عن علي بن أحمد العاصمي، عن إسماعيل ابن أحمد البيهقي، عن والده، عن أبي الحسين بن بشران، عن أبي عمرو بن السماك عن حنبل بن إسحاق، عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال : أرسل الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل إلى الكوفة وكان مثل الأسد، قال عمرو وغيره : لقد كان من قوته أنه يأخذ الرجل بيده ، فيرمي به فوق البيت".انتهى. أقول: وقد أعدت النظر في استغرابي لذلك حين رأيت في موسم الحج بمكة من يمسك بما يعادل وزن الرجل ويرمي به إلى ظهر "الباص" الكبير الذي لم تكن أكثر البيوت في الكوفة آنذاك أكثرارتفاعاً منه.
(60) إبن شهراشوب،المناقب3/244 وقد أورد له الطبري، والمسعودي رجزاً آخر كما مر