الجهاد الأكبر. -23- بين الذكر، وعمق التوحيد

الجهاد الأكبر. -23- بين الذكر، وعمق التوحيد

14/06/2005

بذكر الله خارج ساحات المعركة يدرب المجاهد نفسه على التنبه للمحور الحقيقي، الذي يجب أن يطوف قلبه حوله باستمرار، وحين البأس بشكل خاص، بدلاً من محور الأنا الذي يشد الإنسان إليه، تلقائياً عند ترك ذكر الله.

بذكر الله خارج ساحات المعركة يدرب المجاهد نفسه على التنبه للمحور الحقيقي، الذي يجب أن يطوف قلبه حوله باستمرار، وحين البأس بشكل خاص، بدلاً من محور الأنا الذي يشد الإنسان إليه، تلقائياً عند ترك ذكر الله.


يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون

في الحديث السابق وقفت معك، عند ضرورة الذكر خارج المعركة ليصبح الذكر ملكة تمكنك من التدرب على الذكر القلبي عند لقاء العدو، بل واللساني حيث يمكن،

أيها العزيز:

أجواء الرعب تذهل الإنسان عن كل ما ليس راسخاً في مستقر القلب وسويدائه، وكلما ازدادت حلقات الرعب ترادفاً وضغطاً على الأعصاب، كلما اتسعت دائرة المنسيات، حتى لا يبقى للخائف إلا محور الأهداف، والمحرك الأساس من بين دوافعه.

لذا نجد في الحديث عن سكرات الموت أن شدة الرعب، وأهوال الغمرات التي تتلاطم أمواجها في المحتضر، وعليه، تذهله عن إيمانه وتوحيده، إذا لم يكن مستقراً في قلبه، ملامساً لشغافه، نافذاً فيها.

ونجد كذلك في الحديث عن سؤال القبر أن الميت لا يستطيع الإجابة على سؤال: من ربك وما دينك ومن نبيك وإمامك؟ وما ذلك إلا لأن الشدائد أذهلته عما لم يرسخه في قلبه وعقله.

قال تعالى:

يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد.

من هنا يؤكد العلماء على تعميق الإيمان بالله تعالى حال السلامة لتظهر ثمرة ذلك في شدائد السكرات.

والمعركة، ساحة خوف، إلا للقلة الذين وصلوا إلى الطمأنينة عن طريق ذكر الله: ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

أما نحن، سائر الناس، فغاية ما يمكن أن نصل إليه في بداية الأمر، وربما في نهايته، أن نعيش أجواء الرعب، فنصبر عليها، نخاف، ولكننا لا ننهزم، على ما وصف به الشاعر نفسه:

أقول لها وقد طارت شعاعاً من الأعداء ويحك لا تراعي

فإنك إن سألت بقاء يومٍ على الأجل الذي لك لن تطاعي

فصبراً في سبيل الله صبراً فما نيل الخلود بمستطاع

سبيل الموت غاية كل حي وداعية لأهل الأرض داع

ومن لا يغتبط يهرم ويسأم وتسلمه المنون إلى انقطاع

وما للمرء خير في حياة إذا ما عدَّ من سقط المتاع

يصف الشاعر نفسه بأنها انتشرت من شدة الخوف، كشعاع الشمس المنتشر، إلا أنه يصبّرها لتواجه المخاطر، في سبيل الله، ليقوم بواجبه، وينال رضوانه.

من الطبيعي إذاً أن يستشعر الإنسان الخوف في المعركة، ولكن ليس من الطبيعي أن يستسلم لهذا الخوف، بل لا بد له من التحدي والمواجهة.

فكيف يمكن أن يقوى على ذلك في المعركة إذا لم يكن من الذاكرين خارجها.

بذكر الله خارج ساحات المعركة يدرب المجاهد نفسه على التنبه للمحور الحقيقي، الذي يجب أن يطوف قلبه حوله باستمرار، وحين البأس بشكل خاص، بدلاً من محور الأنا الذي يشد الإنسان إليه، تلقائياً عند ترك ذكر الله.

وقد ورد في الذكر من الأحاديث ما يدل على عظيم منزلته، من ذلك:

إن أهل الجنة لا يندمون على شيء من أمور الدنيا إلا على ساعة مرّت بهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها.[1]

فيا أمير الجنة، بحوله تعالى، عليك بذكر الله في كل حال، حتى لا تندم، أُدع الله تعالى يوفقك لذلك، فهو قريب يجيب دعوة الداع، خصوصاً في مثل مواقعك، وصادق نيتك.

والسلام عليك ورحمة الله.

اخبار مرتبطة

نفحات