الموقع ما يزال قيد التجربة
* نصُّ المقابلة التلفزيونية التي أجرتها محطّة «سلام» الإيرانيّة مع المحقّق الدكتور السيّد محمد الحسيني القزويني في شهر شباط من العام 2006، ضمن سلسلة من الحوارات تناولت وقائع تاريخيّة حسّاسة. * السيّد القزويني من تلامذة آيات الله السيّد الكلبايكاني والشيخ الأراكي رضوان الله عليهما، والشّيخ الوحيد الخراساني حفظه الله، ومن كبار المحقّقين وأساتذة الحوزة العلميّة في قمّ المقدّسة. * يرأس «مؤسسه تحقيقاتى حضرت ولى عصر عليه السلام» وهو مركز أبحاث متخصّص في الردّ على الشّبهات المثارة ضدّ الإماميّة. * له عشرات المؤلّفات في العقيدة، والسيرة، والرّجال، ومعروفٌ بمناظراته العلميّة مع علماء المسلمين السنّة، كما يرأس «قسم الحديث» في «جامعة آل البيت العالميّة». |
سوف أُشير هنا إلى بضعة نماذج من آراء وأقوال كبار علماء المسلمين السُّنّة في أنَّ يزيد بن معاوية أصدر الأمر بقتل الإمام الحسين عليه السلام، وأُحيل الأعزّاء إلى الموارد التي وَرَدت فيها أقوالهم، وجميعُها من مصادر أهل السُّنَّة:
1- ورد في (تاريخ اليعقوبي): «كَتَب [يزيد] إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وهو عامل المدينة: إذا أتاك كتابي هذا، فأحضِر الحسين بن عليّ، وعبد الله بن الزُّبير، فخذهما بالبيعة لي، فإنِ امتنعا فاضرِبْ أعناقهما، وابعث لي برؤوسهما، وخُذ النّاس بالبيعة، فمَن امتنع فأنفِذ فيه الحكم، وفي الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزّبير، والسّلام». [اليعقوبي: ج 2، ص 241]
2- في كتابه (الفتوح)، يقول ابنُ أعثم الكوفي وهو من وجوه مؤرِّخي السّنة: «من عبد الله يزيد بن معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة: ".." فخُذ الحسين بن عليّ وعبد الرّحمن بن أبي بكر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر بن الخطاب أخذاً عنيفاً ليست فيه رُخصة، فمَن أبى عليك منهم فاضْرِب عنُقَه وابْعَث إليَّ برأسه». [المصدر: ج 5، ص 9]
وقد ورد نظير هذا التّعبير في المصادر التّالية: (تاريخ الطبري، ج 4، ص 250؛ الرّد على المتعصِّب العنيد لابن جوزي؛ مقتل الحسين للخوارزمي)
3- ويقول الذّهبي في (سيَر أعلام النبلاء): «فكتب يزيد إلى ابن زياد نائبه: إنّ حسيناً صائرٌ إلى الكوفة، وقد ابتُلي به زمانُك من بين الأزمان، وبلدُك من بين البلدان، وأنت من بين العمَّال، وعندها تُعتَق، أو تعود عبداً. فقتلَه ابنُ زياد، وبعث برأسِه إليه». [المصدر: ج3، ص305؛ وانظر أيضاً: تاريخ الإسلام، ج 5، ص 10؛ وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 207]
4- رسالة ابن عباس إلى يزيد: ينقل ابن الأثير -وهو من أشهر مؤرِّخي أهل السُّنّة، وموثّقٌ عند جمهور علمائهم- في (الكامل) نصَّ رسالة يزيد إلى ابن عباس [يشكره فيها على تركه بيعة ابن الزُّبير]، ونصَّ رسالة ابن عبّاس الجوابيّة إلى يزيد. وأنا أدعو الأخوة الأعزّاء إلى التّأمُّل في مضمون هذه الرّسالة الأخيرة:
يقول الآلوسي [محمود شهاب الدين، أبو الثناء، ت: 1270 للهجرة] في يزيد وفي مَن يذود عنه: «لا توقُّف في لعن يزيد لكثرة أوصافه الخبيثة وارتكابه الكبائر في جميع أيّام تكليفه، ويكفي ما فعلُه أيام استيلائه بأهل المدينة ومكّة. فقد روى الطّبراني بِسَنَدٍ حسن: أللّهمّ مَن ظلم أهلَ المدينة وأخافَهم فأخِفْهُ وعليه لعنةُ الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يُقبَل منه صرْف ولا عدل.
والطّامةُ الكبرى ما فعله بأهل البيت، ورضاه بقتل الحسين على جدِّه وعليه الصّلاة والسّلام، واستبشارُه بذلك وإهانتُه لأهل بيته ممّا تواتر معناه، وإنْ كانت تفاصيلُه آحاداً، وفي الحديث [النّبوي]: ستّةٌ لَعَنْتُهم [وفي رواية لَعَنَهم الله وكلُّ نبيٍّ مُجابُ الدّعوة]: المُحرِّفُ لكتاب الله [وفي رواية الزّائدُ في كتاب الله] والمكذِّب بقدَر الله، والمتسلِّط بالجبروت ليعزَّ مَن أذلَّ الله ويذلَّ مَن أعزَّ الله، والمُستحلّ من عترتي، والتّاركُ لسنَّتي.
وقد جزم بكفره وصرَّح بلعنه جماعةٌ من العلماء؛ منهم الحافظ ناصر السنّة ابن الجوزي، وسبقَه القاضي أبو يعلي، وقال العلّامة التفتازاني: لا نتوقَّف في شأنه، بل في إيمانه لعنة الله تعالى عليه وعلى أنصاره وأعوانه.
وممَّن صرَّح بلعنه الجلال السّيوطي عليه الرّحمة، وفي تاريخ ابن الوردي، وكتاب (الوافي بالوفيّات) أنَّ السّبي لمَّا ورد من العراق على يزيد، خَرج فلقيَ الأطفال والنّساء من ذريَّة عليّ والحسين رضي الله تعالى عنهما، والرّؤوس على أطراف الرّماح وقد أشرفوا على ثنيّة جيرون، فلمّا رآهم نعب غراب، فأنشأ يقول:
يعني أنَّه قتِل بمَن قتَلَه رسولُ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يوم بدر؛ كجدِّه عُتبة وخاله وَلد عتبة وغيرهما، وهذا كفرٌ صريح، فإذا صحّ عنه فقد كفر به». [تفسير روح المعاني: ج 26، ص 72]
* في أيٍّ من كتبه يزعم ابن تيمية أنَّ يزيد استاء وتألَّم قلبه عندما بلغه نبأ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، وما الذي دفع ابن تيمية إلى إطلاق هذا المدَّعى المزعوم؟
ورد قوله هذا في كتاب (رأس الحسين)، ونظيره في (مجموعة الفتاوى)، وهو يصرِّح في (منهاج السُّنّة) بالقول: «ولمّا بلغ ذلك يزيد أظهر التَّوجُّع على ذلك، وظهر البكاء في داره، ولم يَسْبِ له حريماً أصلاً، بل أكرمَ أهل بيتِه وأجازهم حتّى ردَّهم إلى بلدهم». [المصدر: ج 4، ص 472]
ويقول أيضاً في (مجموعة الفتاوى): «وأمّا قتل الحسين فلم يَأمر به ولم يَرضَ به، بل ظهر منه التّألُّم لقتله». [المصدر: ج 4، ص 486]
وفي بعض مؤلّفاته أنَّ يزيداً أخذ يلعن عبيد الله بن زياد ويشتمُه على قتله الحسين مظلوماً! بل جاء في (منهاج السنّة) ما يلي: «فقاتلوه حتى قُتل شهيداً مظلوماً رضي الله عنه». [المصدر:ج 4، ص 472]
أُلفتُ هنا إلى أنَّ كلّ ما نزل بأبي عبد الله الحسين عليه السلام كان بأمرٍ من شخص يزيد بن معاوية، وإلَّا فهؤلاء لا يُقدِمُون على شيء من غير أن يأمرَهم يزيد بذلك.
يقول أحمد بن يحيى البلاذري: «ولمّا كتب ابنُ زياد إلى يزيد بقتل مسلم وبعثته إليه برأسه ورأس هانئ بن عروة ورأس ابن صلحب [عمارة بن صلحب الأزدي، ناصرَ مسلماً فضُربت عنقُه وحمِل رأسه مع رأسَي مسلم وهانىء إلى الشّام، كما في الأنساب] وما فعل بهم، كتب إليه [يزيد]: إنّك لم تعدُ أنْ كنتَ كما أحبّ، عملتَ عملَ الحازم، وصُلْتَ صَوْلة الشّجاع، وحقّقتَ ظنِّي بك، وقد بلغني أنَّ حسيناً توجَّه إلى العراق، فضَعِ المناظرَ والمسالخ (المسالح) وأذكِ العيون واحترس كلّ الاحتراس، فاحبِس على الظِنَّة، وخُذ بالتّهمة، غير أن لا تقاتل إلَّا مَن قاتلك، واكتب إليَّ في كلِّ يوم بما يحدثُ من خبرٍ إنْ شاء الله». [أنساب الأشراف: ج 2، ص 85]
ومن المؤرِّخين -مثل الطّبري في (تاريخه)- مَن يصرِّح: «لمَّا قَتل عبيدُ الله بن زياد الحسين بن عليّ عليهما السلام وبني أبيه، بَعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية فَسُرَّ بقتلهم أوّلاً، وحسُنت بذلك منزلةُ عبيد الله عنده، ثمَّ لم يلبث إلَّا قليلاً حتّى ندم على قتل الحسين». [وانظر أيضاً: سير أعلام النبلاء للذهبي، ج 3، ص317 ؛ وتاريخ الإسلام للذهبي، ج 5، ص 20]
لكنَّ تعبير ابن الأثير في (الكامل) أبلغ وأتمّ، حيث يقول: «ولمّا وصل رأس الحسين إلى يزيد حَسُنَت حالُ ابنِ زياد عنده، وزاده ووَصَله وسرَّه ما فعل، ثمَّ لم يلبث إلَّا يسيراً حتى بلغَه بُغْض النّاس له ولعنُهم وسبُّهم، فندم على قتل الحسين».[المصدر: ج 4، ص 87]
فليلتفت الأعزّاء إلى أنَّ هؤلاء الذين أضمروا البغض ليزيد في صدورهم لم يكونوا شيعة، ولا من أهل المدينة، وإنّما أهل الشّام أنفسهم، ومردُّ ذلك إلى الخُطب التي ألقاها الإمام السجّاد والسيّدة زينب والسيّدة أم كلثوم عليهم السلام في الشّام، وفضحوا فيها جرائمَ يزيد، فاتَّضح للنّاس أنّه سفَّاحٌ ومجرم، وأضمروا بغضَه والحقد عليه في نفوسهم، وشَرَعوا في لعنِه والطَّعن فيه.
وللسّيوطي في (تاريخ الخلفاء) نظير هذا التعبير، حيث يقول: «ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه بعث ابنُ زياد برؤوسهم إلى يزيد، فَسُرَّ بقتلهم أولاً، ثمّ ندم لمّا مقتَه المسلمون على ذلك، وأبغضه النّاس وحقَّ لهم أن يبغضوه». [المصدر: ص 227]
لقد بلغ الأمر إلى حيث أنَّ معاوية بن يزيد بن معاوية ارتقى المنبر بعد هلاك أبيه، وقال: «.. إنَّ هذه الخلافة حبلُ الله، وإنَّ جدِّي معاوية نازعَ الأمرَ أهلَه، ومَن هو أحقُّ به منه، عليَّ بن أبي طالب، وركبَ بكم ما تعلمون حتّى أتتْه منيَّتُه فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمَّ قلَّد أبي الأمر، وكان غيرَ أهلٍ له، ونازعَ ابنَ بنت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فقصفَ عمرَه، وانبَتَر عقبُه، وصار في قبره رهيناً بذنوبه.
ثمَّ بكى وقال: إنَّ من أعظم الأمور خسارةً علينا علمُنا بسوءِ مصرعه، وبئسِ منقلبه، وقد قَتَل عترة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وأباح الخمر، وخرَّب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة، فلا أذوق مرارتَها، ولا أتقلَّدها، فشأنكم في أمركم. واللهِ لَئِن كانت الدّنيا خيراً فقد نِلنا منها حظّاً، وإنْ كانت شرّاً فكفى ذريّةَ أبي سفيان ما أصابوا منها». [ابن حجر، الصواعق المحرقة: ص 224]
* صدرت مؤخَّرا في بعض الحواضر الإسلاميّة بيانات فيها تَبَنٍّ ليزيد ودفاعٌ عنه. برأيكم ما هو سبب ذلك؟
صحيح، وأنا شخصيّاً اطَّلعتُ على أحد هذه البيانات وقد عُنون بـ: «موقف أهل السّنةّ من يزيد بن معاوية»، وفيه اقتباسٌ من كلامٍ للذّهبي في أنَّ أهل السّنّة لا يلعنون يزيداً، لأنّه لا يجوز لعن ميتٍ لم يلعنه الله ورسوله.
وفيه أيضاً: أنّه لم يصدر عن يزيد أيّ فسقٍ يستوجب به اللّعن، فلا يجوز الطّعنُ في مسلمٍ لم يخرج عن الملّة، وإن بَدَر منه الفسق!
لقد ساءني جدّاً ما ورد في هذا النّصّ ".." أنا على صلة بكثير من علماء أهل السّنَّة، والحقُّ أنّني أُحبُّهم، وأعمل على تمتين صلتي بهم، وأعلم أنَّهم -وإنْ بفارقٍ ضئيل- يكنُّون المودَّة لأهل البيت عليهم السلام، حيث إنَّ مودّتهم عليهم السلام جُعلت أجراً لتبليغ الرّسالة: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشورى:23.
ولا رَيب أنَّ الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام هما من مصاديق هذه المودَّة المفروضة بنصِّ القرآن الكريم. مع ذلك، نرى أنَّ ثمَّة مَن يتأثَّر بالدّعاية الوهابيّة ويبادر إلى إصدار هكذا بيانات.
سوف أنقل عبارةً للآلوسي التي أوردها عقب نقله لآراء الغُلاة في يزيد: «وأنا أقول: الذي يغلب على ظنّي أنَّ الخبيث لم يكن مصدِّقاً برسالة النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، وأنَّ مجموع ما فعل مع أهل حرَم الله تعالى، وأهل حُرَم نبيِّه عليه الصّلاة والسّلام وعترته الطيِّبين الطَّاهرين في الحياة وبعد الممات، وما صَدر منه من المخازي، ليس بأضعف دلالة على عدم تصديقه من إلقاء ورقة من المصحف الشّريف في قذر. ولا أظنُّ أنَّ أمرَه كان خافياً على أجلَّة المسلمين إذ ذاك، ولكن كانوا مغلوبين مقهورين لم يَسَعهم إلَّا الصّبر ليقضي الله أمراً كان مفعولاً، ولو سُلِّم أنَّ الخبيث كان مسلماً، فهو مسلمٌ جمعَ من الكبائر ما لا يُحيط به نطاقُ البيان، وأنا أذهبُ إلى جواز لعن مثله على التّعيين، ولو لم يُتصوَّر أن يكون له مثل من الفاسقين، والظّاهر أنَّه لم يَتُب، واحتمال توبته أضعف من إيمانه، ويلحَق به ابنُ زياد وابنُ سعد. لعنةُ الله عزَّ وجلَّ عليهم أجمعين، وعلى أنصارهم وعلى أعوانهم وعلى شيعتهم ومَن مال إليهم إلى يوم الدِّين، ما دمعتْ عينٌ على أبي عبد الله الحسين». [روح المعاني: ج 26، ص 72-74]
إنَّ جرائم يزيد وَصْمةُ عارٍ لا يُمكن مَحْوها على الإطلاق، وإنِ اجتَهَد ابنُ تيمية في ذلك. وأنا أدعو الأخوة السُّنّة من علماء وطَلَبة علوم دينيّة إلى تقصّي الحقائق التّاريخيّة، وإذا بدا لهم أنّني مُنْحاز في عَرضي للوقائع، فليبادروا إلى النّقد الموضوعي، كما أدعوهم للحذر من التِّيه والإنحراف عن سبيل أهل البيت عليهم السلام تأثُّراً بالدّعاية الوهابيّة. (مختَصر)
* المصادر المثبتة في النّصّ نقلاً عن البرنامج الإلكتروني «مكتبة أهل البيت عليهم السلام - الإصدار الثاني»
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.