الجهاد الأكبر. -19- ذلك الفوز العظيم

الجهاد الأكبر. -19- ذلك الفوز العظيم

منذ يوم

تقصر الهمم فينا عن ارتياد مواطن الخطر، وتقصر موضوعيتنا عن الإعتراف بالفشل، فنصغِّر من قدر الثواب ونبتدع له مايشبَّه به لنا فنحسبه الثواب، وربما أمضينا العمر عكَّفاَ ببابه، خشّعاً في محرابه! وكما حسبناه الثواب نحسب أننا ن

تقصر الهمم فينا عن ارتياد مواطن الخطر، وتقصر موضوعيتنا عن الإعتراف بالفشل، فنصغِّر من قدر الثواب ونبتدع له مايشبَّه به لنا فنحسبه الثواب، وربما أمضينا العمر عكَّفاَ ببابه، خشّعاً في محرابه! وكما حسبناه الثواب نحسب أننا نحسن صنعه.


يحدثنا تعالى عن فرح الشهداء:

فرحين بما آتاهم الله من فضله[1].

ويبيّن لنا أن أجر الشهداء، يشمل المجاهدين في بعض مراتبه:

ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيماً[2].

ويمتد هذا الأجر ليغطي مساحة كل عمل يقوم به المجاهد ولو كان صغيراً جداً، كخطوة أو موطيء قدم هو أصغر من الخطوة:

ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كُتب لهم به عمل صالح[3].

كما يوضح لنا عز وجل أن جزاء المجاهدين يتناسب مع أحسن ما عملوا:

إن الله لا يضيع أجر المحسنين ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون[4].

ثم يصل بنا إلى القمة، الفوز العظيم:

يا أيها الذين آمنوا هل أدلُّكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم.

وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين[5].

فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم[6].

نستنتج - من الحلقة السابقة وهذه - أننا في مجال الثواب في الجهاد أمام توصيات أساس هي:

* أولاً:إخلاص النية، ويتحقق عندما يكون مرمى العقل والقلب والوجدان والكيان: وجه الله والدار الآخرة كما سمعت.

*ثانياً: البحث عن الثواب في مظانّه، ومنجمها الأول حيث يحمى الوطيس. كلما اشتد الخطر، تعاظم الثواب، وعلامة البحث عنه: استلانوا مااستوعره المترفون.

تقصر الهمم فينا عن ارتياد مواطن الخطر، وتقصر موضوعيتنا عن الإعتراف بالفشل، فنصغِّر من قدر الثواب ونبتدع له مايشبَّه به لنا فنحسبه الثواب، وربما أمضينا العمر عكَّفاَ ببابه، خشّعاً في محرابه! وكما حسبناه الثواب نحسب أننا نحسن صنعه.

نبحث عن الثواب في جلسة، وأكلة، وتقديم اليمنى على اليسرى، أو العكس، وفي ذكرٍ أو مديد ورد، وملء الإهاب الغفلة عن أن كل ذلك دين، ولكنه رهن روح الجهاد المتوثبة.

ليست تصدية القاعد كذكر المجاهد.

لم يخلق الذكر والجهاد إلا حقيقة واحدة لاعوج فيها ولاأمت.

الذاكر مجاهد والمجاهد ذاكر.

ومن هنا كان: الذاكر في الغافلين كالمجاهد في الفارين.

*ثالثاً:الجنة باطن الدنيا القائمة على سلامة النية وطهارة الطوية، فبين الجنة والنوايا الحسنة مايطول شرحه، هذا إن لم يستغلق فهمه.

الفوزالعظيم هوما بلغ بصاحبه الجنة: يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم. إنه المغفرة والزلفى تتجلى بدخول الجنة ولها لوازم من المساكن الطيبة وما يحف بها.

الفوز العظيم إذاً فعل نية، بعض ثمراتها الجنة، ورضوانٌ من الله أكبر، ولذلك كان مرتبطاً بالبيع الذي بايع المجاهدون إلى حد التماهي. إنه هو نفسه لاغير. البيع هو الفوز : فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم.

* رابعاً: ومن كمال البيع حسن الطاعة.

ويرتبط الإستبشار به بطاعة القائد، بل هو الطاعة، سواءً أكان القائد الميداني، أو العام، فلابيع بلا تسليم.

يعني ذلك الترابط بين الفوز العظيم، ومخالفة هوى النفس حيث تجمح عما يأمر به قائد الزحف.

* خامساً: الفاصل الزمني بين تحقق البيع وبين جنات عدن- مهما كان- يشبهه الفاصل الزمني مابين نهاية المرحلة الدراسية، وحفل التخريج. الطبيب طبيب وإن لم يبلغ بعد حفل التخريج، إلا أن ارتكاب جنحة أو جريمة قد يحول بينه وبين ما يأمل.

أيها العزيز: هذا الرصيد العظيم: الفوز العظيم رهن حركة القلب، وخفقاته. إنه ثمرتها فلاغرو أن يكون رهنها. لاتفرط به ليَفْرُط عليك الخسران. اخزن ثوابك بأفضل مما تخزن به ورقك والجواهر.احفظ ثوابك وحافظ عليه. لاتتحدث بمنجزاتك في ميادين الجهاد. سر بينك وبين الله تعالى فلا تطلع عليه أحداً. لايعشق الحب إلا السر. الحب سر.

استحضر في الفؤاد على الدوام قصة ذلك المجاهد المحمدي يحمل في القادسية تاج كسرى تحت طرف ثوبه حتى لايراه المجاهدون فيتداخله العجب، ويمضي به على تلك الحال إلى حيث تجمع الغنائم.

عندما تستمع إلى تكريم الشهداء ويتداخلك إحساس التوق لمثله أو اللهفة، وتكاد تشعر بتجاوز هذا الإحساس شروط الفوز العظيم: ابتغاء وجه الله والدار الآخرة،فاعلم أن طائف الشيطان يطوف، وقد مس أو شارف. أذكر الله تعالى، فإذا أنت مبصر.

لا تدع الشيطان يسرق منك أدنى درجات هذا الفوز العظيم.

والله سبحانه ولي التوفيق.
--------------------------------------------
[1] - آل عمران 171.
[2] - النساء 73.
[3] - توبة 120.
[4] - التوبة 121.
[5] - الصف 9- 13.
[6] - توبة 111.

اخبار مرتبطة

نفحات