أعلام

أعلام

08/02/2013

الفقيهُ المتكلِّمُ العارف، العلّامة ابنُ فهد الحِلّي


الفقيهُ المتكلِّمُ العارف، العلّامة ابنُ فهد الحِلّي
درس في «جِزِّين» بجَبل عامل
ـــــ إعداد: أكرم زيدان ـــــ



* الفقيهُ المتكلِّم، الزّاهِدُ الوَرِع، السّالكُ مسلكَ العارفين، فارسُ مضمار المناظرةِ مع المعاندين، صاحبُ عشرات المؤلّفات الجليلة في شتّى المعارف الإسلاميّة.
* عاش في الحِلّة ودُفن في كربلاء، ويُنسَب له تصريحٌ بحضورِه إلى «جزّين» العامليّة للدّراسة والرّواية على الشيخ عليّ بن الشّهيد الأوّل رضوان الله عليهم.
* أثنَى الفقهاءُ والعلماءُ على عِلمِه ووَرعِه ثناءً منقَطع النّظير، أمّا السيّد محسن الأمين فقد دافعَ عنه بقوّة، فنَفى عنه شبهةَ «التّصوّف» مؤكّداً أنّ كتابه (عدّة الدّاعي): نافعٌ مفيدٌ في تهذيبِ النَّفْس.
* هذه ترجمةٌ موجزَةٌ للشّيخ العلّامة ابنِ فهد الحِلّي، اعتمدنا فيها بشكلٍ أساس على ما وردَ في مقدّمة تحقيق كتاب (المهذَّب البارع) للمترجَم له.

الشّيخ أحمد بن محمّد بن فهد الأسديّ الحِلّيّ، الملقَّب بـ «جمال الدين»، المُكنّى بـ «أبي العبّاس»، وهو غيرُ الشّيخ أحمد بن فهد بن محمّد بن إدريس المُقري الأحسائي الملقّب بـ «شهاب الدين»، الذي كان معاصراً له، وكِلاهما يروي عن ابن المتوّج البَحراني، أحمد بن عبد الله بن سعيد، ومن لطيف الاتّفاق بين الرَّجلين أنّ لكلٍّ منهما شرحاً على كتاب (إرشاد الأذهان) للعلّامة الحِليّ، الشيخ حسن بن يوسف بن المطهّر.
ولادتُه ونشأته

وَلِدَ الشّيخ جمال الدين، ابنُ فهد الحِلّي سنة 757 هجريّة، ونشَأ وترَعرع في الحِلّة التي صارت مركزاً علميّاً بعد سقوط بغداد على يد هولاكو التّتار. وكانت الحِلّة قد سَلِمَت من الغزو المغوليّ، فأخذت تستقطبُ الفقهاءَ والطلّابَ النّاجين من بغداد، وهكذا نشأت مدرسةُ الحِلّة، وبرزَ منها فُقهاءُ فطاحلُ أمثال: المحقِّق الحلّي، والعلّامة الحلّي، وولدِه فخر المحقّقين، وابنِ أبي الفوارس، والشهيدِ الأوّل، وابنِ طاوس، وابنِ ورّام، وغيرهم من العلماء الأعلام.
وفي أجواء هذه المدينة -المدرسة- نشأَ العلّامة ابنُ فهد قدّس سرّه، ولمّا بلغَ سِنِيَّ التّمييز والإدراك اتّجهَ إلى طلبِ العلم، فتَتلمذَ على يد الشيخ عليِّ بن خازن الجابري من تلامذةِ الشّهيد الأوّل، وحصلَ على درجةٍ رفيعةٍ في علمَي الفِقه والحديث. ولم يكتفِ الشيخُ بهذا، بل تطلّعت هِمّتُه إلى مزيدٍ من العمق والرّسوخ في العلوم، فتَتلمذَ أيضاً على أَلْمَعِيِّ أساتذةِ وقتِه، الشّيخ عليّ بن الحميد النّيلي، والشيخ عليّ بن الشّهيد الأوّل، واستمرَّ ينهلُ من فيوضات هؤلاء العلماء حتّى ترقّى إلى درجة الاجتهاد في الفِقه، ثمّ أصبح مرجعاً وملاذاً للعلماء في الحلّة، وفرشَ بساطَ التّدريس في «المدرسة الزّينبيّة»، واجتمعَ حولَه جمعٌ غفيرٌ من الطلّاب ينهلون من ينابيعِ علمِه ومعرفتِه، ويقتبسونَ من أنوارِه وفيوضاتِه.

أقوالُ العلماء بحقّه

أثنى على العلّامة ابنِ فهد العلماءُ وأربابُ المعاجم ثناءً جميلاً، وفضلاً عن إجماعِهم على علوِّ رتبتِه العلميّة كما يتبيّنُ من العبارات الآتية، يلفتُ الانتباهَ أنْ لا شهادةَ في حقِّه رضوان الله تعالى عليه تخلو من الإشارة إلى وَرَعِه أو زهدِه أو عبادته، أو إليهم جميعاً، كما في غالبِها.
وإليك نماذج ممّا سطَّرته أقلامُ العلماء في شأن شيخِنا الحِلّيّ:
* الشيخ يوسف البحراني (ت: 1186 للهجرة) في (الكشكول): «الشيخ جمال الدين، أبو العبّاس، أحمد بن شمس الدين محمّد بن فهد الحلّيّ الأسديّ، الفاضل، العالم، العلّامة، الفَهّامة، الثّقة، الجليل، الزّاهد، العابد، الوَرِع، العظيم القَدر، المعروف بـابنِ فهد».
* الشيخ محمّد بن الحسن، الحرّ العاملي (ت: 1104 للهجرة)، في القسم الثاني من (أمل الآمل): «فاضلٌ، عالمٌ، ثقةٌ صالح، زاهدٌ، عابدٌ، وَرِعٌ، جليلُ القدر».
* الشيخ أسد الله التّستري الكاظمي (ت: 1237 للهجرة)، وصفَه في (المقابس) بهذه العبارات: «قدوةُ الموحّدين، فارسُ مضمار المناظرة مع المخالِفين والمعاندين، أسوةُ العابدين، نادرةُ العارفين والزّاهدين، أبو المَحامد..».
* السيد محمد باقر الخوانساري (ت: 1313 للهجرة)، في (روضات الجنّات): «كاشفُ أسرار الفضائلِ بالفَهْمِ الجِبِلِّي [الفِطري] ".." له من الاشتهار بالفضل والإتقان، والذّوقِ والعرفان، والزُّهدِ والأخلاق، والخوفِ والإشفاق ".." ما يكفينا مؤونةَ التّعريف ".." وقد جمعَ بين المعقولِ والمنقول، والفروعِ والأصول، والقِشر واللُّبّ، واللّفظِ والمعنى، والظّاهر والباطن، والعِلمِ والعمل، بأحسنِ ما كان يُجمَع..».
* المحدّث الميرزا حسين النّوري (ت: 1320 للهجرة): في (المستدرَك): «صاحب المقامات العالية في العِلم، والعمل، والخصال النّفسانيّة التي لا توجَد إلّا في الأقلّ ".." المُتَبرَّك بمزارِه».
* السيّد محسن الأمين (ت: 1371 للهجرة) في (أعيان الشيعة) أثنَى عليه نحوَ ما مرّ، ثمّ نقلَ عن العلّامة المجلسيّ وغيره أنّ للشّيخِ ابنِ فهد مجادلاتٍ ومناظراتٍ كثيرةً مع المخالفين في العقيدة، وفي زمان الميرزا إسبند التّركمانيّ، الذي كان والياً على عراق العرب، تصدّى لإثباتِ المذهبِ الحقِّ في مجالس الميرزا المذكور، فغلبَ المخالفين، وانتقلَ الميرزا التّركماني إلى مذهبِه، وجعل السِّكّةَ [العُملة] والخطبةَ باسم أمير المؤمنين وأولادِه الأئمّة الأحد عشر عليهم السلام.

شيوخُه وأساتذتُه

تتلمذَ الشيخُ ابنُ فهد قدّس سرّه على يد مجموعةٍ من أساتذة ومُدرِّسي الحوزة العلميّة في الحلّة في زمانه، نذكرُ أشهرَهم مع شيءٍ ممّا يتعلّقُ بهم، ليتّضحَ الجوُّ العلميُّ الذي نشأَ فيه الشّيخ، ومنابع تأثُّره الفكريّ والسلوكيّ:
1- الشيخ عبد الحميد النّيلي. قال عنه الحرُّ العامليّ: «الشّيخ عبد الحميد النّيلي، فاضلٌ صالحٌ فقيه، يروي عنه ابنُ فهد». وقال الميرزا التّبريزي في (رياض العلماء): «الفاضل، العالم، الفقيه، المعروف بالنّيلي، وهو تلميذُ الشّيخ فخر الدّين وَلد العلّامة الحِلّي قدّس سرّه، وأستاذ ابن فهد الحلّي».
2- الشيخ عليّ بن خازن الجابري الحائري. قال الحرّ العاملي: «الشيخ زين الدين عليّ بن خازن الحائري، كان فاضلاً، عابداً، صالحاً من تلامذة الشّهيد، يروي عنه أحمد بن فهد الحلّي».
3- السيد عليّ بن عبد الكريم النسّابة الحسينيّ، صاحب كتاب (الأنوار المُضيئة في الحكمة الشرعيّة). قال في (الذّريعة): «تلميذ فخر المحقّقين، والسيّدَين الأخوَين العميدَين، والشّيخ الشّهيد، ويروي عنه الشيخ أبو العبّاس أحمد بن فهد الحلّي ".." وله (الأنوار المضيئة) الذي صرّح في أوائله، بأنّ له ثمانمائة إيراد على كتاب (الكشّاف)، في مجلّدَين».
وقال عنه في (رياض العلماء): «السّيد المرتضى، النّقيب، الحَسيب، النسّابة ".." الفقيه، الشّاعر، الماهر، العالم، الفاضل، الكامل، صاحبُ المقاماتِ والكرامةِ العظيمة ".." وكان معاصراً للشّهيد».
4- الشيخ عليّ بن محمّد بن مكّي، ابن الشهيد الأوّل، فقد نُقل أنه وُجِدَ بخطِّ الشيخ ابن فهد هذا النَّصّ: «حدّثني بهذه الأحاديث الشّيخُ الفقيه، ضياءُ الدّين أبو الحسن، عليُّ بنُ الشّيخ الإمام الشّهيد أبي عبد الله، شمس الدين محمّد بن مكيّ، جامع هذه الأحاديث قدّس سرّه، بقَريةِ جزّين حرسَها اللهُ تعالى من النّوائب، في اليوم الحادي عشر من شهر محرّم الحرام، افتتاحَ سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وأجازَ لي روايتَها بالأسانيد المذكورة، وروايته، وروايةَ غيرِها من مصنّفاتِ والده».
إضافةً إلى أساتذته، فقد روى الشّيخ ابنُ فهد عن مجموعةٍ أخرى من علماء عصرِه وشيوخِه في الإجازة، منهم: الشيخ عليّ بن يوسف النّيلي، والفاضل المقداد بن عبد الله السُّيوري، وابنُ المتوَّج، أحمد بن عبد الله بن سعيد البحراني.

تلامذتُه والرّاوونَ عنه

تخرّج على يدَي الشيخ ابن فهد الحلّي قدّس سرّه مجموعةٌ من العلماء، منهم:
1- الشيخ زين الدين، عليّ بن هلال الجزائري. قال عنه الحرّ العاملي: «الشيخ زين الدّين عليّ بن هلال الجزائري، كان عالماً، فاضلاً، متكلّماً ".." يروي عن الشّيخ أحمد بن فهد، ويروي عنه الشّيخ علي بن عبد العالي العاملي الكَركي».
2- الشيخ زين الدين، عليّ بن محمد الطّائي العاملي. قال في (رياض العلماء): «الفاضلُ، العالمُ، الفقيهُ المجتهد، الشّاعر، المعروفُ بابنِ طَي، ويُعرَف بأبي القاسم بن طَي أيضاً، وهو صاحبُ كتاب (مسائلُ ابنِ طَي) والمعاصرُ لابنِ فهد الحلّي، وصاحب الأقوالِ المعروفةِ في الفِقه».
3- الشيخ عبد السّميع بن فيّاض الأسدي. قال عنه صاحب (روضات الجنّات): «كان عالماً فاضلاً فقيهاً متكلّماً، من أكابر تلامذة ابن فهد الحلّي، وهو صاحبُ كتاب (تحفةُ الطّالبين في أصول الدّين)، وكتاب (الفرائد الباهرة)».
4- الشيخ عليّ بن فضل بن هَيكل. قال عنه السيّد محسن الأمين: «كان تلميذَ ابنِ فهد، له مجموعةُ الأدعية والأوراد والخُتوم».
5- الشيخ مُفلح بن الحسن الصّيمري. قال عنه الحرّ العاملي: «فاضلٌ، علّامةٌ، فقيه، له كُتُب».

آثارُه العلميّة

برع العلّامة الشيخُ ابن فهد الحِلّي في العلوم المعقولة والمنقولة كما تبيّنَ من كلماتِ الأعلام بحقِّه، ويتّضحُ بعضُ ذلك بمراجعةِ الكُتُب الكلاميّة على سبيل المثال، فإنّ الباحثَ يجدُ فيها مناظراتِه واحتجاجاتِه، لا سيّما في أمر الإمامة والخلافة، وظهورَه على علماءِ المذاهب المخالفة. كذلك يتّضحُ من مطالعة الكُتب الفقهيّة الاستدلاليّة؛ من أبواب الطّهارات إلى الدّيات أنّ أقوالَه قدّس سرّه مرجعٌ علميّ، وآراءَه مُستنَدٌ فقهيٌّ للعلماء والفقهاء. وهذه قائمة بأبرز مؤلّفاتِه:
1- (الرّسائل العشر): وهي عشرُ رسائل فقهيّة صغيرة، طُبعت في كتابٍ واحد بإشراف السيّد محمود المرعشي، وتحقيق السيّد مهدي الرّجائي، تناولتْ مختلفَ أبواب الفقه، وهي: (الموجزُ الحاوي لتّحرير الفتاوي)؛ (المحرّر في الفتوى)؛ (اللّمعة الجليّة في معرفة النيّة)؛ (مصباحُ المُبتدي وهدايةُ المُقتدي)؛ (غايةُ الإيجاز لخائفِ الإعواز)؛ (كفايةُ المحتاج إلى مناسكِ الحاجّ)؛ (رسالة وجيزة في واجباتِ الحجّ)؛ (جواباتُ المسائل الشاميّة الأولى)؛ (جواباتُ المسائل البحرانيّة)؛ (نبذةُ الباغي فيما لا بدّ من آداب الدّاعي).
2- كُتب فقهيّة أخرى حول الصّلاة، منها: (الدرُّ النّضيد في فِقه الصّلاة)؛ (رسالة في واجبات الصّلاة)؛ (المصباح في واجبات الصّلاة ومَندوباتِها)؛ (الهداية في فقه الصّلاة)؛ (رسالة في معاني أفعال الصّلاة وترجمة أذكارها)؛ (الخَلَل في الصّلاة)؛ (رسالة في السَّهو في الصّلاة).
3- كُتب فقهيّة مختلفة: (رسالة في العباداتِ الخَمس)؛ (رسالة في نيّات الحجّ)؛ (رسالة في منافيات نيّة الحجّ)؛ (رسالة في كثيرِ الشكّ)؛ (مسائلُ ابن فهد)؛ (اللّوامع)؛ (رسالة في تحمُّلِ العبادة عن الغَير)؛ (رسالة إلى أهلِ الجزائر)؛ (شرح الألفيّة للشّهيد الأوّل)؛ (شرح الإرشاد للعلّامة الحلّي).
4- (المهذَّب البارع في شرح المختصَر النافع)، وهو أيضاً في الفقه. [انظر: «قراءة في كتاب» من هذا العدد]
5- (المقتصَر من شرح المختصر). وهو اختصارٌ لكتاب (المهذَّب البارع).
6- (الدرُّ الفريد) في التّوحيد.
7- كُتُب في الدّعاء وآدابه: (عدّةُ الدّاعي ونجاحُ السّاعي)؛ (الفصول في الدّعوات)؛ (الأدعية والختوم).
يقول الشيخ مجتبى العراقي محقِّق كتاب (المهذِّب البارع)، في معرض كلامِه عن كُتب الشّيخ ابن فهد: «لو أَمْعَنّا النَّظَرَ إلى مصنّفاتِه قدّس سرّه في الدّعاء، كَكتاب (عدّة الدّاعي ونجاح السّاعي)، وكتاب (الفصول في الدّعوات)، وكتاب (الأدعية والخُتوم) وغيرها، نراها في الذّروة العليا في الإسناد، مقتدياً بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام، حيث كان صلوات الله عليه رجلاً دعّاءً -كما في الخبر- فكانتْ فيوضُ دعواته لها الأثرُ الكبيرُ على حياتِه الشّريفة في النُّسْكِ والعبادة. ومن هنا نرى بأنّ له تبَلْورٌ خاصٌّ في العرفان، وتهذيبِ النَّفْس، والسّير إلى الله تعالى، والإعراض عن زخارفِ الدّنيا وزينتِها، حتّى وُصِفَ كتابُه (عدّة الدّاعي) بأنّه نافعٌ مفيدٌ في تهذيبِ النَّفْس [والوصف للسيّد الأمين في أعيان الشيعة]».
8- (تاريخ الأئمّة) و(التّواريخ الشرعية عن الأئمّة المهديّة).
9- (التّحصين في صفات العارفين). وفيه حثٌّ على العِزلة وتجنُّب الشُّهرة. وكتابُه هذا من دواعي نسبةِ مؤلّفِه إلى التّصوّف على ما سيأتي بيانُه.
10- (المحرّر في فقه الإثنَي عشر). يظهر أنّه كتاب (المحرّر في الفتوى) المطبوع ضمنَ (الرّسائل العشر)، وقد يُسمّى (التّحرير)، وهناك من يناقشُ باختلافِه عن (المحرّر). وقد نقلَ العلّامة المجلسيّ قدّس سرّه في مقدّمة (بحار الأنوار) أنّه يُروى «أنّ الشّيخ ابنَ فهد رأى في الطَّيف أميرَ المؤمنين صلوات الله عليه، آخذاً بيد السيّد المرتضى رضي الله عنه، في الرّوضة المطهّرة الغرويّة يَتماشَيان، وثيابُهما من الحريرِ الأخضر، فتقدّمَ الشّيخ أحمدُ بنُ فهد وسلّمَ عليهما، فأجاباه، فقال السيّد له: أهلاً بناصرِنا أهلَ البيت، ثمّ سأله السيّدُ عن تصانيفِه. فلمّا ذكرَها له، قال السيّد: صَنِّفْ كتاباً مشتملاً على تحريرِ المسائل وتسهيلِ الطُّرُق والدّلائل، واجعلْ مفتتَح ذلك الكتاب: بسم الله الرّحمن الرّحيم، الحمدُ للهِ المتقدّسِ بكمالِه عن مشابهةِ المخلوقات. فلمّا انتبهَ الشّيخُ شرعَ في تصنيفِ كتاب التّحرير، وافتتحَه بما ذكرَه السيّد».
11- (استخراجُ الحوادث). وهو رسالةٌ في بعضِ الإخباراتِ المستفادَةِ من كلام أميرِ المؤمنين عليه السلام، وقد نُسِبَ للشّيخ ابن فهد أنّه ذكرَ فيها علوماً غريبةً كالسِّحر ونحوه.
يقولُ السيّدُ الأمين في (الأعيان): «والذي أظنُّه أنّ ابنَ فهد له رسالةٌ في استخراجِ بعضِ الحوادثِ المستقبلة من كلامِ أمير المؤمنين عليه السلام، لا غير، وهذا ممكنٌ ومعقول، أمّا أنّ فيها جملةً من أسرار العلوم الغريبة فهو من التّقوّلات التي تقعُ في مثل هذا المقام ".." فإنّ ذلك ليس عندَ ابنِ فهدٍ ولا غيره، ولكنّ النّاسَ يُسرعون إلى القول في حقِّ من اشتُهر عنه الزُّهد والعبادة بأمثال ذلك، ويُسرِعُ السّامعُ إلى تصديقِه».

اتّهامُه بالتّصوّف

نسبَ بعضُ المحقّقين الشيخَ ابنَ فهد إلى التّصوّف، منهم الشّيخ يوسف البحراني (ت: 1186 للهجرة) في كتابه (لؤلؤة البحرين)، حيث قال بعد الثّناء على عِلمِه وزُهدِه ووَرعِه: «..إلّا أنّ له ميلاً إلى مذهب الصّوفيّة، بل تفوّهَ به في بعضِ مصنّفاته».
وقد علّق السيّد محسن الأمين في (الأعيان) -بعد نقله الكلام المتقدِّم للشّيخ البحراني- بقوله: «وربّما يُستَشَمُّ منه الغمزُ فيه بذلك، وهذا منه عجيب، فالتّصوَّفُ الذي يُنسَبُ إلى هؤلاء الأجّلاء مثل: ابن فهد، وابن طاوس، والخواجة نصير الدين، والشّهيد الثاني، والبهائي، وغيرهم ليس إلّا الانقطاع إلى الخالقِ جلَّ شأنُه، والتَّخلّي عن الخَلْق، والزّهد في الدّنيا، والتّفاني في حبِّه تعالى وأشباه ذلك، وهذا غايةُ المدح، لا ما يُنسَب إلى بعض الصوفيّة ممّا يَؤول إلى فساد الاعتقاد؛ كالقولِ بالحلول ".." وشِبْهِ ذلك، أو فسادِ الأعمال، كالأعمالِ المخالفةِ للشّرعِ التي يرتكبُها كثيرٌ منهم».

وفاتُه ومدفنُه

توفّي العلّامة ابن فهد رضوان الله عليه سنة 841 هجريّة عن عمرٍ ناهزَ خمساً وثمانين عاماً، ودُفِنَ في كربلاء، حيث له قبرٌ يُزار ويُتبرَّك به.
جاء في (أعيان الشيعة): «تُوفّي سنة 841 عن 85 سنة، ودُفن بكربلاء بالقرب من مخيّمِ سيّدِ الشهداء عليه السلام في بستانٍ هناك تُسمّيه العامّة (بستان ابن فهد)، وقبرُه مَزورٌ متبرَّكٌ به، وعليه قبّة».
وقال السيّد مهدي الرّجائي محقّق كتاب (الرّسائل العَشر): «وكان قبرُ ابنِ فهد وسطَ بستانٍ بجنبِ المكانِ المعروفِ بالمخيّم، وعليه قبّةٌ مبنيّةٌ بالقاشاني، وقد جُدِّد بناؤه في عصرِنا، وفُتِحَ بجنبِه شارعٌ باسمِه، وبُنيت حولَه دورٌ ومساكن. وفي الأخير، وقعَ قبرُه الشّريف في رصيفِ الشّارعِ المذكور، وكان السيّد صاحب (الرّياض) قدّس سرّه في عصرِه كثيراً ما يتردَّدُ إلى قبرِه، ويتبرَّكُ به».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

08/02/2013

دوريات

نفحات