مرابطة

مرابطة

08/02/2013

..ادعُ لنا بِذِكْر الله في كلِّ حال


يا أميرَ الجنّة..
..ادعُ لنا بِذِكْر الله في كلِّ حال
ـــــ الشّيخ حسين كوراني ـــــ


﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الأنفال:45.
أيُّها العزيز!
أجواءُ الرُّعب تُذهِلُ الإنسانَ عن كلِّ ما ليس راسخاً في مستقَرِّ القلب وسُويدائه، وكلَّما ازدادت حلقاتُ الرُّعب ترادُفاً وضغطاً على الأعصاب، كلَّما اتَّسعت دائرةُ المَنسيَّات، حتى لا يبقى للخائفِ إلَّا محورُ الأهداف، والمحرِّكُ الأساسُ من بين دوافعِه.
نَجِدُ في الحديثِ عن سَكَرات الموتِ أنَّ شدَّةَ الرُّعب، وأهوالَ الغَمَرات التي تتلاطمُ أمواجُها في المُحتَضِر، وعليه، تُذهِلُه عن إيمانِه وتَوْحيدِه، إذا لم يكن مُستقِرّاً في قلبِه، متمكّناَ من ِشِغافِه، نافِذاً فيها.
وفي الحديث عن سؤالِ القبرِ أنَّ الميتَ لا يستطيعُ الإجابة على سؤال: مَنْ ربُّك، وما دينُك، ومَنْ نبيُّك وإمامُك؟ لأنَّ الشَّدائدَ أَذهلَتْهُ عمَّا لم يرسِّخه في قلبِه وعقلِه.
قال تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾ الحج:2.
من هنا، يؤكِّد العلماءُ على تعميقِ الإيمان بالله تعالى حالَ السَّلامة، لِتَظهرَ ثمرةُ ذلك في شَدائد السَّكَرات.
والمعركةُ، ساحةُ خوفٍ، إلَّا للقلَّة الّذين وصَلوا إلى الطّمأنينة عن طريقِ ذِكرِ الله: ﴿..أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ الرّعد:28.
أمَّا نحن، سائرَ النّاس، فغايةُ ما يُمكن أن نصلَ إليه في بداية الأمر، وربَّما في نهايتِه، أنْ نعيشَ أجواءَ الرُّعب، فنَصْبِر عليها. نخاف، ولكنَّنا لا نَنهزم، على ما وَصَف به الشّاعرُ نفسه:

أقولُ لها وقد طارتْ شُعاعاً من الأعداءِ ويحَك لا تَراعي
فإنَّكِ إنْ سألتِ بقاءَ يومٍ على الأَجَلِ الذي لكِ لنْ تُطاعي
فصبراً في سبيلِ اللهِ صبراً فما نَيْلُ الخُلودِ بمُستَطاعِ
سبيلُ الموتِ غايةُ كلِّ حيٍّ وداعيه لأهلِ الأرضِ داعي
ومَن لا يعتبط يَهرَم ويَسأَم وتُسلِمُه المَنونُ إلى انقطاعِ
وما للمرءِ خيرٌ في حياةٍ إذا ما عُدَّ من سِقْطِ المَتاعِ

يَصِفُ الشّاعرُ نفسَه بأنَّها انتشرتْ من شدَّة الخوف، كَشُعاعِ الشَّمس المُنتشِر، إلَّا أنَّه يُصبِّرُها لتواجهَ المخاطر، في سبيلِ الله، ليقومَ بواجبِه، وينالَ رضوانَه.
من الطّبيعيِّ إذاً أن يستشعرَ الإنسانُ الخوفَ في المعركة، ولكنْ ليس من الطبيعيّ أن يَستسلمَ لهذا الخوف، بل لا بدَّ له من التّحدِّي والمواجهة.
فكيف يُمكن أن يَقْوى على ذلك في المعركة إذا لم يكن من الذَّاكرين خارجَها.
بِذِكْرِ الله تعالى خارجَ ساحاتِ المعركة يدرِّبُ المجاهدُ نفسَه على التَّنبُّه للمحوَر الحقيقيّ، الذي يجب أن يطوفَ قلبُه حولَه باستمرار، وحينَ البَأْسِ بشكلٍ خاصّ، بَدَلاً من محوَر الأنا الذي يشدُّ الإنسان إليه، تلقائيّاً عندَ تركِ ذكرِ الله.
وردَ في الذِّكر من الأحاديث ما يدلُّ على عظيمِ منزلتِه، من ذلك: أنَّ أهلَ الجنَّة لا يندَمون على شيءٍ من أمور الدُّنيا، إلَّا على ساعةٍ مرّت بهم في الدُّنيا لم يذكروا اللهَ فيها.
فيَا أميرَ الجنَّة، في ِذِكْرك الله على كلِّ حال، حتّى لا تَندم، أُدعُ اللهَ تعالى لنا يوفِّقنا لذلك، فهو قريبٌ يجيبُ دعوةَ الدَّاع، خصوصاً في مثل مواقعِك، وصادقِ نيِّتِك.

والسَّلام عليك ورحمة الله

___________
* من فقرات برنامج كان يقدّم عن عمليّات «المقاومة الإسلاميّة» في «إذاعة النّور»

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

08/02/2013

دوريات

نفحات