وصايا

وصايا

08/03/2013

عليكَ بالفقه


من وصيّة الفقيه ابن حمزة الطّوسيّ لولدِه: 
عليكَ بالفِقه، ولن يتيسّرَ ذلك إلّا بطَهارة الأخلاق 
_____ابن حمزة الطُّوسيّ رحمه الله_____

الشّيخُ الفقيهُ المتكلِّم، أبو جعفر، عماد الدّين محمّد بن عليّ الطّوسيّ المشهديّ، المُشتَهر عند الفقهاء بـ «ابن حمزة الطّوسيّ»، من علماء القرن الهجريّ السّادس، ومن تلامذة الشّيخ أبي عليّ الطّوسيّ، نجل شيخ الطّائفة رضوان الله عليهم.
لم يُعرَف تاريخ ولادته، ولا تاريخُ وفاته رحمه الله، لكنّ مرقدَه الواقع خارج النّجف الأشرف على الطّريق المؤدّي إلى مدينة الهنديّة (طويريج)، مزارٌ مشهور.
له عدّة مصنّفات، جلُّها في الفقه، وأشهرُها (الوسيلة إلى نيل الفضيلة)، صرّحَ في مقدّمتِه أنّه صنّفَه لولدِه، وقد ضمّنَها وصيّةً أخلاقيّةً، هذا نصُّها:


بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، أمّا بعد: حَمْداً لله الكريمِ الآلاء، العظيمِ النَّعماءِ، والصَّلاةُ على نبيِّه محمَّدٍ خاتم الأنبياء وسيِّد الأولياء، وعلى آلِهِ سادةِ الأتقياء، الأئمَّة الهُداة النُّجباء.
فإنِّي أُوصيكَ يا بُنَيَّ بتقوى الله، والاعتصام بِحَبْله، والتَّمسُّكِ بطاعتِه، والتَّحرُّجِ عن معصيتِه، والإخلاصِ في العملِ بِما يُرضيه، والتَّوفُّرِ على التَّفكُّر في ما يزيدُ في معرفَتِكَ ويَقينك، ويُعينُك على أمورِ مَعادِكَ ودِينِكَ، ويمنعُكَ عن التَّورُّط في الشُّبُهات، ويَردَعُك عن التّميُّل إلى الشَّهوات، ويَزَعُك [يكفُّك ويمنعك] عن رُكوب المَحارم، ويَكبَحُك عن التَّسرُّع إلى المآثم. وإيَّاك وغفلة الاغترار، وفترة الإصرار، وعليكَ بالاستعانة باللهِ سبحانه على أمورِ دِينِكَ ودُنياك، فإنَّك إنْ توكَّلْتَ عليه كَفاك.

القرآنُ والسُّـنّة

وعليك بتِلاوةِ كِتابه في آناءِ لَيْلِك ونهارك، وحالتَي استقرارِكَ وأسفارِكَ، فإنَّ ذلك شفاءٌ لِما في الصُّدور، ونورٌ يوم النُّشور، ونجاةٌ يوم تَزِلُّ فيه الأقدام، وتُقضى فيه الأحكام. وعليك بالعمل بِما فيه، والتَّنبُّه على ما في مَطاوِيه، فإنّه «شافِعٌ مشفَّع، أو (و) ماحلٌ [الماحل: الخصم المُجادِل] مصدَّق».
وعليك بِسُنَّة نبيِّه محمَّدٍ صلى الله عليه وآله فإنَّها جلاءُ القلوب، واستراحةُ الكُرُوب، وعليكَ بِما سَنَّ لك الأئمَّةُ الهُداة. فإنَّهم إلى الجنَّةِ الدُّعاةُ، ومن النَّارِ الحُماةُ. وعليك بِسِيرة الصَّالحين، والاقتِناصِ من شوارِدِهم، والاقتباسِ من فوائدهم. والاشتغالِ بنفسِكَ عن غيرِكَ، والتَّوفُّر على الإكثار من خَيْرِك. وليَكُن ما تَعرِف مِن نَفسكَ شاغلاً لكَ عمَّن سِواك، فتحمد مُنْقَلبكَ ومَثواك. وعليك بالإكباب على طَلَبِ العلوم، فإنَّه أرجحُ ميزاناً، وأنجحُ أمراً وشأناً. وليس يُمكنك البلوغ إلى نهايتِه والوصول إلى غايتِه، فعليك بما هو أكثر فائدة، وأَغْزَر عائدة، وأَعْوَد عليكَ في أُولاك وأُخراك، ودُنياكَ وعُقْباك.

عليكَ بالفِقه

وعليكَ بالفِقْهِ، وعليكَ بالفِقْهِ، وعليكَ بالفِقْهِ. فإنَّه شرفٌ لك في الدُّنيا، وذُخْرٌ لك في الآخرة. ولن يتيسَّرَ لك ذلك إلَّا بِحُسنِ السِّيرة، ونقاءِ الجَيْبِ، وطهارةِ الأخلاق، والتَّوقِّي من العَيْبِ، وإقامةِ دعائمِ الإسلام، والإذعان لِقَواعدِ الأحكام، والتّعظيم لأمرِ الله؛ فإنَّ اللهَ سبحانَهُ لم يَخلُقِ الخَلْقَ عبثاً، ولم يَتركهُم مهملاً، بل خَلَقَهُم لِيبلوَهم أيُّهم أحسن عملاً، وعَلِمَ ضمائرَهُم وخَبر سرائرَهم، وأَحْصى أعمالَهُم، وحَفِظَ أحوالَهُم. واحتجَّ عليهم بإرسال الرُّسُل مُبشِّراً ومُنذراً، وبإنزالِ الكُتُب آمراً ومخبراً وداعياً وزاجراً، ولله الحُجَّةُ البالغةُ، والنّعمةُ السَّابغةُ، ولَه الحمدُ على نِعَمِه، والشُّكرُ على فَيْضِ كَرَمِه، حَمْداً وافياً، وشُكراً كافياً.
ثمَّ إنِّي رأيتُ أنْ أجمعَ لكَ كتاباً في الفقه لتَحفَظَه، على ترتيبٍ يُسَهِّلُ على المتيقِّظ الشُّروعَ في التّحفُّظ. وقد بيَّنتُه على بيانِ الجُمَل وحصرها، ونَظْمِ العقود ونثرِها، وانقسام أبوابه على التّمييز بين الواجِب والمَنْدوب، والمَحْظور والمكروه، والفعل والتَّرك، والكيفيّة والكمّيّة. على وجهٍ لا يَلحقه خَلَلٌ، ولا يَبلغ طالبه مَلَلٌ، وقد سمَّيتُه بـ (الوسيلة إلى نَيْلِ الفضيلة) مستَمِدّاً من الله تعالى التَّوفيق.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

نفحات