تحقيق

تحقيق

08/05/2013

«معتقل غوانتانامو»


«معتقل غوانتانامو»
مختبَر أميركيّ للتّعذيب
ـــــ إعداد: أحمد الحسيني ـــــ


* «معتقل غوانتانامو الأميركيّ، يمثّلُ همجيّةَ هذا العصر»! بهذه العبارة لخّصت «منظمّة العفو الدّوليّة» حقيقةَ ما يجري وراء أسوار السّجن المستحدَث فوق أراضٍ كوبيّة شبه محتلّة من قبل القوّات الأميركيّة.
* جولةٌ في أقسامِ هذا المعتَقَل، ومعرفة كيفيّة التّحقيق مع نزلائه، وطرائق تعذيبِهم جسديّاً ونفسيّاً، تدلُّنا على هوْلِ الفظائع التي ترتكبُها «وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة» لِأخذ اعترافات الموقوفين، أو فَقُل: لتَلقينِهم إيّاها.
* إنّه معتقلٌ لا نظيرَ له في العالم، كيف وقد عُهِد بإدارتهِ إلى حفنةٍ من المجرمين، وأُطلِق العنان لهم لممارسةِ طقوسهم السّقيمة على مئاتٍ من العرب والمسلمين، تبيّن لاحقاً أنّ خمسة أشخاص -على أقصى تقدير- من هؤلاء كان لهم دورٌ ما في هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، وهي الّتي اتُّخذت ذريعةً لاستحداث هذا المعتقَل.
 


يقعُ «معتقل غوانتانامو» على شاطىء خليج «إقليم غوانتانامو» الواقع في جنوب شرقيّ كوبا، على بعد حوالي ألف كلم عن العاصمة «هافانا»، وتبعد كوبا مسافة 145 كلم عن ولاية فلوريدا الأميركيّة.
بُني المعتقل في قاعدةٍ بحريّةٍ عسكريّةٍ على أرضٍ مساحتها 117 كلم مربّع، كانت الولايات المتّحدة الأميركيّة استأجرتها من كوبا بموجب اتّفاقيّة وقّعها الطّرفان في شباط 1903م، مقابل ألفَي دولار سنويّاً تدفعُها الولايات المتّحدة، وفي العام 1934م جرى التّوقيع على اتفاقيّةٍ جديدةٍ بين البلدَين، تؤجِّر بموجبِها كوبا القاعدةَ للولايات المتّحدة مقابل خمسة آلاف دولار سنويّاً، وبحسب النّصّ الجديد لا يستطيعُ أيُّ طرفٍ نقضَ الاتفاقيّة من جانبٍ واحد.
احتَجَّ الثّوارُ الوطنيّون على هذا القرار، وعلى إثر ذلك امتَنَعت السّلطات الكوبيّة عن صرف الشّيكات اعتراضاً على قرار الإيجار. لكن، وعلى الرّغم من ذلك، ترسل الولايات المتّحدة الأميركيّة شيكاً بقيمة 5000 دولار سنويّاً إلى حكومة كوبا.
في تشرين الأوّل من العام 1968م، أثناء «أزمة صواريخ كوبا»، قام الزّعيم الكوبيّ فيدل كاسترو بِزَرْعِ ألغامٍ في القاعدة لاسترجاعِها وإجبار الأميركيّين على الرّحيل عنها، لكنَّ الرّئيس الأميركيّ الأسبق جون كيندي رفض التّخلّي عنها، وأكَّدَ حقَّه في استئجارها.
ومنذ العام 1960م ترفض كوبا تلقّي بدل الإيجار السّنويّ الّذي تدفعه الولايات المتّحدة، وتطالبُ باستردادِ هذا الجَيْب، وضمِّه مجدّداً إلى أراضيها. وقد عزّز الجيش الأميركيّ تواجدَه في غوانتانامو منذ «عمليّة خليج الخنازير» سنة 1961م، حيث قامت جماعات كوبيّة معارِضة ومدرَّبة من قِبَل «وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة» بمحاولة فاشلة للإطاحة بالرَّئيس فيدل كاسترو.





المؤن والمياه في قاعدة غوانتانامو

 للقاعدة العسكريّة الأميركيّة في غوانتانامو شبهُ اكتفاءٍ ذاتيٍّ، فهي تُولِّدُ الطّاقة الكهربائيّة الخاصّة بها، وتملك محطّة لِتَحلية المياه، ويجري تزويدُها بالمؤن بحراً من مدينة جاكسونفيل في ولاية فلوريدا، والإنشاءاتُ الّتي فيها جَعَلَتْها واحدةً من أكبر القواعد المدنيّة والعسكريّة خارج أميركا، كما أصبحت ثالث أكبر ميناءٍ بحريٍّ تابعٍ للولايات المتَّحدة.
كانت هذه القاعدة تضمّ 500 جنديّ قبل إقامة معسكر الاعتقال فيها، وقد ارتَفَع عددُ عناصرها إلى نحو 750 عسكريّاً أميركيّاً، و2500 أجنبيّ من المرتزقة، معظمهم من الفيليبّين وجامايكا يعملون في أقسامها، وخاصّة في المعتقل، كما يعيش ثلاثة آلاف مواطن كوبيّ أيضاً في الأراضي التّابعة للقاعدة.


إقامةُ المعتقل في القاعدة

بُعَيد الهجمات الّتي نجحَت في تدمير «برجَي نيويورك» في الحادي عشر من أيلول 2001م، وعقِبَ الحرب الأميركيّة على أفغانستان (7 تشرين الأوّل 2001م)، باشَرَت القوّاتُ الأميركيّة ببناء المعتَقل بجدرانه الإسمنتيّة، لِسَجنِ مَن تَشتبه بِضلوعه في تلك الهجمات، أو الَّذين تَعتقد أنّهم يُشكِّلون خطراً مباشراً على الولايات المتّحدة، أو على مَصالِحِها في الخارج، وهم الَّذين تُطلِق عليهم صفة «الإرهابيّين» في خطاباتها الخاصّة والعامّة.
كان أوائلُ المعتقلين في المعتقَل المستحدَث حوالي عشرين شخصاً، أُوقِفوا ردّاً على «هجمات البرجَين» في نيويورك، ونُقلوا إليه من أفغانستان مكبّلين داخل أقفاص، وقد انتَشَرَت عبر العالم صُوَرُهم بلباسهم البرتقاليّ والأكياس السّود في رؤوسهم، وذلك في الحادي عشر من كانون الثّاني 2002م.
وفي السّابع من شباط من ذلك العام، صَدَرت توجيهاتٌ رئاسيّة أميركيّة مفادُها أنّ «اتفاقيّات جنيف» لا تَنطبق على «غوانتانامو»، لِتَبدأ بذلك رحلةُ العذابِ والقهرِ في صفوف المعتقلين.
ثمّ أضحى عددُ المعتقلين 779 رجلاً (بينهم عدد كبير من القُصَّر) خلال العام 2003م، وبعد أكثر من عشر سنواتٍ من وصولِ طليعةِ المُعتقَلين، ما زال سجن غوانتانامو المُثير للجَدَل يضمّ 171 معتقلاً، على الرّغم من وعود الرئيس الأميركيّ الحاليّ باراك أوباما بإغلاقه قبل كانون الثاني 2010م، لكنّ «الكونغرس الأميركيّ» أقرّ قانوناً صَدر في نهاية كانون الأوّل 2009م، يَمنع فعليّاً تحقيق هذا الهدف. ورغم كلّ ما يُقال عن سعيٍ أميركيٍّ لِتَمكين المعتقلين من محاكماتٍ مدنيّة وإغلاق المعتقل، فإنّ شيئاً لم يتغيّر في ذلك المكان، «ولَن يتغيّر على الإطلاق» كما تقول كارين بيرغ مديرة «المركز الوطنيّ للقانون في جامعة فوردهام».
هذا، ويُشكِّل معتقل غوانتانامو أكبر تجمُّع للسّجناء وفقاً للجنسيّة في العالم. فقد فاقَ عددُ البلدان الّتي ينتمي إليها السّجناء 42 بلداً، من أربع قارّات، جميعُهم مسلمون، وغالبيّتهم العُظمى من الدّول العربيّة والإسلاميّة.


أقسام المُعتقَل

ينقسم مُعتَقَل غوانتنامو إلى ثلاثة أقسامٍ:
1- Camp Delta (مخيّم دلتا): يحتوي هذا القسم على 612 زنزانة، وفيه ينزل السّجناءُ الجُدُد، وأصحاب «الجرائم الصّغيرة»، أو المُشتَبَه بهم فقط؛ ويُسمح فيه للمحقّقين بالتّكلّم مع المعتقلين، كما تُتيح أنظمة هذا المخيّم للمعتقل «ميزة» تعيين محامٍ للدّفاع عنه.
2- Camp Iguana (مخيّم السّحليّة): هذا المُعسكر أصغر من السّابق، وهو أقلّ رقابة، وفي العام 2002م فرَّ منه معتقلان، فقامت السّلطات في المعتقل بإغلاقه خوفاً من تكرار عمليّة الهروب، لكنّها أعادت فتحه عام 2005م.
3- Camp X-Ray (مخيّم الأشعة السّينيّة): هذا القسم هو قلب معتقل غوانتانامو، وهو أشدُّها قساوةً وإجراماً؛ ففيه يُلاقي المعتقلون كلّ فنون العذاب، إلى جانب حرمانِهم من أبسط الحقوق الشّخصيّة. زنزاناتُ هذا القسم مضاءةٌ دائماً، ومن هنا تسميته بـ «مخيّم أشعّة أكس»، يَقبَعُ فيها المعتقلون طوال أشهر قبل أن يُسمَح لهم بالخروج إلى الباحة الخارجيّة. ويُصنّف المسؤولون في المعتقل سجناءَ هذا القسم، حيث ترتدي كلُّ جماعةٍ لوناً خاصّاً بها، فالمعتقلون «الخطيرون» يرتدون زيّاً برتقاليّ اللّون، والَّذين يتعاونون مع المحقّقين يرتدون زيّاً أبيض، والباقي يرتدون زيّاً عاجيّ اللّون.


تقنيّات وأساليبُ التّحقيق

لقد كُتب الكثير عن تقنيّات التّعذيب وأنماط الاستجواب التي تعتمدُها «وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة» في معتقل غوانتانامو، فهناك مئات التّقارير الصّادرة عن منظّمات حقوقيّة غربيّة، وآلاف التّحقيقات والمقالات في الصّحف العالميّة، كلّها موثّقة ومدعّمة بشهاداتٍ لمعتقلين تمّ الإفراج عنهم، أو لمجنّدين أميركيّين خدموا داخل المعتقل، أو لحقوقيّين أُتيحَ لهم الدّخول إلى غوانتانامو ومعاينة ما يجري بداخله عن كثب، فضلاً عن تسريباتٍ لوثائق حكوميّة أميركيّة، لا سيّما وثائق وزارتَي «العدل» و«الدّفاع» الأميركيّتَين.
وجميع هذه الشّهادات تلتقي عند نقطتَين أساسيّتَين:
أوّلاً: إنّ ممارسات المحقّقين تتّسم «بالوحشيّة المفرطة»، وتقوم على أساليب غير معهودة في تاريخ الإنسانيّة، حتّى في الدّول التي تحكمها أشدّ الأنظمة دمويّة.


ثانياً: إنّ هذه الممارسات تتمّ بمعرفةٍ كاملة وقبولٍ تامّ من قِبل وزارتَي «الدّفاع» و«العدل» الأميركيّتَين، وفي أفضل الأحوال تكتفي الدّوائر المعنيّة في هاتَين الوزارتَين بـ «التزام الصّمت»، أو تمرير أوامر شفهيّة، تهرّباً من مساءلة قانونيّة لاحقة محتملَة.
ونظراً، لكثرة و«تنوّع» أساليب التّعذيب المعتمدة في غوانتانامو، والتي تتمّ تحت عنوانٍ حاضرٍ دائم هو «حماية الأمن القومي الأميركيّ»، نكتفي بالإشارة إلى نماذج منها، تحت عنوانَين رئيسَين: التّعذيب الجسدي، والتّعذيب النّفسي.
أوّلاً: التّعذيب الجسدي: ويشمل عدّة أساليب، منها:
1- الضّرب، في جميع أنحاء الجسد، بما فيها الرّأس، ويُسمح فيه باستخدام الآلات الحادّة، وأن يستمرّ إلى حدّ الإغماء، والمحظور الوحيد هو أن يموت المعتقَل، أو يُصاب بعاهة مستديمة بيّنة، كجَدع الأنف أو الأُذُن.


2- الصّعق بالكهرباء.


3- إجبار المعتقل على التّموضع في حالة جسديّة غير مريحة لمدّة طويلة جدّاً، كالوقوف مدّة 180 ساعة متواصلة، أو الجلوس قرفصاء، أو تقييد رجلَيه ويدَيه إلى مؤخّرة رأسه،

أو حشره في زنزانة ضيّقة جدّاً لأيّام (هذه التّقنيّة اعتمدها الجيش الصّهيونيّ في لبنان).


4- حجزُ المعتقل في مكان ضيّق مليء بالحشرات السّامة، وكشفت وثيقة مسرّبة من «وزارة العدل الأميركيّة» سماحَها بذلك «شرط أن لا يؤدّي لدغ الحشرات إلى موت المعتقل، أو أن يخلّف بُقعاً دائمة وظاهرة».


5- تعريض المعتقل لدرجات حرارة مرتفعة جدّاً، أو متدنيّة جدّاً تفوق قدرة الجسد البشريّ على تحمُّلها، ثمّ تُعاد الكرّة بعد فترة استراحة قصيرة يَستعيد الجسدُ خلالها توازنَه.


6- تعريض المُعتقل على مدى وقتٍ طويلٍ لضجيج وأصوات صاخبة تتراوح بين 110 إلى 120 على مقياس ديسيبيل (آلة ثقب الصّخور تُنتج ضجيجاً يُقارب 95 ديسيبيل).


7- الحقن بالإكراه: يُمنع المعتقلون من إظهار أيّ علامة استياء أو تذمّر، وعندما يعمد أحدُهم أو مجموعة منهم إلى الإضراب عن الطّعام كتعبيرٍ احتجاجيّ، يتمّ حقنُهم بسوائل مغذّية بالقوّة، وصرّح عددٌ من المفرَج عنهم أنّهم حُقنوا أو أُجبروا على تناول عقاقير لا علمَ لهم بطبيعتِها.


وفي العامَين الأخيرين تسرّبت وثائق على صلة بهذا الجانب، منها قضيّة عقار Mefloquine الموصوف لمعالجة مرض «الملاريا» والذي يُسبّب خَللاً عصبيّاً - عقليّاً، فقد تبيّن أنّ جميع معتقَلي غوانتانامو أُجبروا على تناول جرعات عالية منه بَدو وصولِهم إلى المعتقل، ومن دون أن يخضعوا لفحص إصابتهم بالملاريا. وتكمن الخطورة في الآثار الجانبيّة الحادّة التي يخلّفها تناول هذا العقار، ومنها: الهلوسة، والرّغبة بالانتحار. وبالفعل، فقد سُجّلت عدّة حالات انتحار في صفوف المعتقلين، ما أجبر «وزارة الدّفاع الأميركيّة» على فتح تحقيقٍ بالموضوع بعد تفاقُمه، وبحسب إفادة طبيب الجيش المايجور ريمينغتون نيفين، «فقد كانت طريقة استخدام عقار Mefloquine، بأفضل الأحوال، خطأً فاضحاً في ممارسة المهنة».


8- رشُّ المعتقل بموادّ كيماويّة تنجم عنها آلام حادّة، وشعور بالاحتراق، وبعد ذلك يتعرّض للضّرب والرَّكل من قبل 4 أو 5 عسكريّين.


ثانياً: التّعذيب النّفسي، ويدور بشكلٍ أساسيّ على التّلاعب بنفسيّة المعتقل، وبـ «ذِهنِه»، وهذا الشقّ الأخير علامة فارقة ومميّزة للتّعذيب الأميركي. ومن مصاديق «التّعذيب الذّهنيّ»:
1- سلبُ المعتَقل الشّعور بالزَّمان: الزّمان، وليس الوقت، فقد تمرُّ على الإنسان فترات ينعدم عنده الشّعور بالوقت، فلا يُدرك -مثلاً- إذا كان الوقت عصراً أو صباحاً، وينتج ذلك عادةً عن الإرهاق الشّديد، واضطراب أوقات النّوم، أو حالات الاكتئاب الحادّ. لكنّ الهدف من هذا النّمط من التّعذيب في غوانتانامو هو سلب المستجوَب الشّعور والإحساس بالزّمان كلّيّاً، وكَشَفت بعض التّسريبات أنّ عدداً من معتقلي غوانتانامو باتوا غير قادرين على التّمييز بين العشر دقائق والعشر ساعات. وفي إحدى الحالات تمّ استجواب أحد الموقوفين لمدّة سبع ساعات متواصلة، بقي مستيقظاً طوال الوقت. وعندما سُئل عن المدّة التي قضاها أمام المحقّق، تردّد، ثمّ قال: نصف ساعة. يؤدّي هذا النّوع من التّلاعب إلى «إبحار ذهن المعتقل» في دوّامة غير متناهيّة، ولا محدّدة بفواصل، وهي حالةٌ تُلامس مرحلة الجنون.

2- تدمير الإحساس بالقداسة: معروف أنّ نسبةً كبيرةً من معتقلي غوانتانامو مسلمون، وقد شكّل هذا الأمر مادّة غنيّة لاستفزازهم من قِبَل المحقّقين الّذين يعمدون إلى التّطاول اللّفظيّ على المقدّسات الإسلاميّة، وإلى انتهاك حُرمة المصحف الشّريف وتدنيسه عمليّاً، وتعمد المحقّقات الإناث -في حالاتٍ محدّدة- إلى ممارسات غير أخلاقيّة صادمة في مدى انحطاطها، ويُجبر السّجين أيضاً على السّجود للمحقّقين.
3- الإيحاء بالغرَق: يُجبَر المعتقَل على النّوم على وسادة مبلّلة بالماء، وثبت بالتّجربة أنّ هذا الأمر يَخلق لديه -بعد دخوله مرحلةَ السُّبات- شعوراً بالغرَق، فيستيقظ مذعوراً.


4- مخاطبة المعتقل ومناداته ومعاملته كـ «حيوان»، من ذلك: إجبار عددٍ من المعتقلين على النّباح، وتقييد أيديهم إلى الخلف وإجبارهم على تناول الطعام من إناء يوضَع أمام وجوهِهم، وعدم السّماح لهم بالدّخول إلى المراحيض.


5- الحرمان من النّوم: يؤدّي الحرمان من النّوم إلى خَلَلٍ جدّيٍّ في وظائف الجسد، أهونها الصّداع الشّديد، وآلام المفاصل، وغشاوة الرّؤية، واضطراب عمل الكلى. أمّا إذا استمرّ الحرمان من النَّوم مدّة تزيد على 48 ساعة، فيدخل الإنسان ما يُعرف علميّاً بـ «الذّهان العقليّ»، ويُعاني من خداعٍ بصريّ وسمعيّ، حيث يبدأ بسُماع أصوات غير موجودة، أو يتوهّم مثلاً أنّ صوت الماء هو صوت شخص يكلّمه، ويرى الأشياء على غير حقيقتها، ويتطوّر الأمر بعد 96 ساعة -أي أربعة أيّام- إلى فقدانه لأيّ إحساسٍ بالعالَم الذي حوله. وفي غوانتانامو تبيّنَ من الوثائق المسرّبة أنّ مُدَد حرمان المعتقلين من النَّوم تراوحت بين يوم، ويومين، وأربعة أيّام، وصولاً إلى «ثمانية أيّام، وهي المدَّة القصوى المسموح بها»! ونشرت صحيفة «الشّرق الأوسط» اللّندنيّة في العام 2009م مقالاً عن وثائق تابعة لوزارة «العدل» الأميركيّة، فيها أنّ أحد المعتقلين حُرِم من النّوم مدّة أحد عشر يوماً.
ومن أجل إسراع وتيرة التّحقيقات، سمح وزيرُ «الدّفاع» في إدارة بوش الإبن، دونالد رامسفيلد بإجراءاتٍ إضافيّة، منها: حلق اللّحى، التّعرية الكاملة، التّخويف باستخدام الكلاب، الملامسة الجسديّة وغيرها.


وكانت التّحقيقات تجري في غرفة مغطّاة بصوَر لأحداث الحادي عشر من أيلول، ويُرغم المستجوَب على ارتداء قمصان تحمل صوَر قتلى حادثة البرجَين، وعلى النّهوض عند سُماع «النشيد الوطنيّ الأميركيّ»، وتُعرَض عليه صوَر «الإرهابيّين» ويُجبر على شتمِهم والصّراخ عليهم، فضلاً عن حرمانه من أداء الصّلاة، لا سيّما في شهر رمضان.
وممّا تجدر الإشارة إليه، أنّ التّعذيب في غوانتانامو ليس عملاً عشوائيّاً، وإنّما يؤدّى بشكلٍ مُمنهَج وبإشراف وتوجيه أخصّائيّين. على سبيل المثال: هناك تقنية «الهلع الهائل»، ويُراد منها تخويف المعتقل إلى أقصى حدٍّ يحتمله قلبُه قبل أن يتوقّف عن الخفقان، أو قبل أن يؤدّي تدفّق الدّمّ في الأوردة والشّرايين إلى إصابته بعوارض قاتلة. وهناك تقنية «الاقتراب من الهذيان»، ويُراد منها سَوْق المعتقل إلى عَتبة الجنون، مع الحرص على عدم تخطّيها، وهذا لا يُمكن أن يتحقّق إلّا بإشرافٍ مباشر من اختصاصيّ.
من جهة ثانيّة، تَبيّن من الوثائق التي نُشرت في السَّنوات الأخيرة، أنّ محقّقي «وكالة الاستخبارات المركزيّة» زرعوا أجهزة تنصّت داخل الغرَف المُعَدّة لالتقاء المعتقلين مع محامي الدّفاع عنهم. تقول لورا بيتر، خبيرة «شؤون مكافحة الإرهاب» في منظّمة «هيومن رايتس ووتش» Human Rights Watch إنّه جرى اكتشافُ أجهزةِ تنصُّتٍ على هيئة أجهزة كَشْف الأدخنة، وقد جرى تثبيتُها في غرف التقاء المحامين بِموكِّليهم، وهو ما يُعدّ خرقاً فاضحاً لعنصرٍ أساسيٍّ من عناصر «العدالة الأميركيّة»، هو سرّيّة اتِّصالات محامي الدّفاع بموكّله. وتشير إلى أنّ السّجين اليمنيّ وليد بن عطَّاش، كان قد أثار مع موكّلته المحاميّة شيريل بورمان أنّه «كان يجري التّنصّت علينا».
بدوره أكّد عقيد البحريّة توماس ولش، كبير محامِي شؤون الأفراد بمعسكر الاعتقال، أنّ أجهزة كشف الأدخنة كانت بالفعل أجهزةً للتّنصّت.
هذه عيّنة من أبرز أساليب التّعذيب المعتَمَدة في معتقل غوانتانامو، وهي تُبيّن بوضوح أنّ شعار «حقوق الإنسان» الّذي ترفعه الإدارة الأميركيّة، ليس سوى كذبة يُراد منها التّغطية على جرائمِها في العالم.

 
 
 

اخبار مرتبطة

نفحات