الملف

الملف

10/05/2013

مواعظُ الإمام عليّ عليه السلام، والمشروعُ الإسلاميّ العالميّ

 
مواعظُ الإمام عليّ عليه السلام، والمشروعُ الإسلاميّ العالميّ
نهجُ البلاغة، نهجُ «الكوثر»
ـــــ الشّيخ حسين كوراني ـــــ

* «لم نُغْزَ في عُقْرِ دُورنا -أيّها الأحبّة- ولم تُصبح بلادُنا «نَهباً صِيحَ في حُجُراتِه»، ولم نُصبح غُثاءً كغُثاء السَّيْل، إلّا حينَ أصبحتِ المواعظُ تقبعُ في هامشِ اهتمامنا. هذا إذا سمَحنا لها أن تدخلَ إلى دائرةِ الاهتمام».
*« ليس بينَنا وبين أن نشربَ من «الكوثر» إلّا أن نفتحَ (نهج البلاغة)، بشرطِ أن تكون قلوبُنا نقيّةً طاهرة، عندها سنَشعرُ أنّ هذا الطَّعمَ، هو طعمُ الكَوثر..»
من درسٍ في «مسجد الحوزة الدّينيّة» في صور، عام 1994م، بعد أن أعدتُ النّظر فيه، وأضفتُ إليه بعضَ الأَسطر.
 

تحتلُّ الموعظةُ في القرآن الكريم موقعاً شامخاً سامقاً كما سَنرى.
إنّها المحورُ والأساس، نحن في أحسنِ حالاتنا نعدُّها أمراً من الأمر، وشأناً من الشأن، شيئاً مّا، أمّا أن نعدُّها المحورَ الذي ينبغي أن تدورَ عليه رَحى كلِّ الأعمال، فهذا أمرٌ لا يتحقّقُ عادةً.
ترى، هل نحتاجُ بعد نهجِ أبي الحسن عليٍّ عليه السلام إلى دليلٍ على التّوأمةِ الكاملة بين الموعظة والجهاد، وهل أبقى حديثُ شفرَتي (ذي الفقار) مجالاً للتّساؤل عن جَدوى الموعظة، أو عن إمكانيّة الاهتمامِ بأمور المسلمين والجهاد إذا غلبَ على المؤمن طابعُ الوَعظ .
سَلْ (ذا الفقار) يُنبئْك أنّ الجهاد لا يُمكن أن يكون ماضياً كحدِّ السّيف إلّا إذا انطلقَ من الشّخصيّة المتّعظة .
كان الإمام عليّ عليه السلام في مجال الطّعام والأَخْذِ من الدّنيا مكتفياً بقرصَيه، ومع ذلك كان بعضُ فعلِه (الإستراتيجيّ) في ساحة الجهاد دقَّ عُنُقِ عمرو بنِ وِد، وقَلعَ بابِ خيبر، وحصاداً -في بدر- هو نصفُ القتلى، والنّصف الآخر للملائكة ولسائر الجيش .
كان عليٌّ عليه السلام قد اكتفى من لباسه بطِمرَيه -بثوبَين قديمَين- متّعظاً بما سمعَه من رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إلّا أنّه ألبسَ الأجيالَ كلّها أبرادَ العزِّ والكرامةِ والسّؤدَد .كان عليٌّ عليه السلام واعظاً متّعظاً، زاهداً في الدّنيا، معرضاً عنها، طلّقها ثلاثاً، ولذلك فإنّه عليه السلام ما يزال -وسيظلّ- هاجس الطّواغيت، كلِّ الطّواغيت .
وفي عصرنا الحاضر -أيّها الحبيب- ترجمة وافية لمواعظه عليه السلام، تحدِّثنا ببعض ما بذره عليٌّ عليه السلام في ظَهر الغَيب، ليَنبت في هذا العصر من خلال أبي مصطفى الإمام الخمينيّ رضوان الله عليه.
ترجمةُ مواعظ الأمير هذه، هي ما نعرفه باسم (خطّ الإمام) و ما نعرفه بـ (المقاومة الإسلاميّة) الرّائدة.
كان الإمام الخمينيّ زاهداً عابداً واعظاً متّعظاً، و لذلك مكّن له اللهُ عزّ وجلّ فاستطاعَ أن يهـزّ الخافقَين. شَهِدَ الإمام انهيارَ المعسكر الشّرقيّ، وهذا هو المعسكرُ الغربيّ رغم أنّه يبدو منتصراً فإنّ تحليلات كبار الاقتصاديّين الأميركيّين تحدّثنا عن مستقبلٍ مرعبٍ للشّيطان الأكبر.
لقد قال الإمام رضوان الله عليه: (هذا القرن قرنُ انتصارِ الإسلام، قرنُ غَلَبةِ المستضعَفين على المستكبرين). ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ ص:88.
وها هم أبطالُ المقاومة الإسلاميّة، ونحن نرى ونلمسُ فعلَهم الإستراتيجيّ في مختلَف العمليّات، لا يحتاجُ إلى إقناعِ الآخَرين بقوّة تأثيره وخطورةِ آثاره.
عمليّة الدّبشة -العمليّة الأخيرة- هذا الرّدُّ الذي أتى بعد أقلِّ من يومٍ على متفجّرة العدوّ في (الصّفير)، إلى ما يستندُ هذا الفعل؟
يستندُ إلى توفيق الله تعالى لمجاهدينَ متّعظين بالقرآن الكريم، وبما جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبـ (نهج البلاغة)، محاولين الاقتداء بأبي الحسن عليه السلام، وبأهلِ البيت عليهم السلام، ليتحقّقَ ما يتيسّر من حُسن الاقتداء بسيّد النّبيّين صلّى الله عليه وآله.
نحن نعرفُ هؤلاء الشّباب في الظّاهر، لكنّنا لا نعرفُ حقائقَهم.
أيّها الحبيب: ربّما نكتشفُ في يوم القيامة أنّ الصّورة الحقيقيّة لهذا المجاهد أو ذاك من هؤلاء الشّباب الذين نعرفهم هي كصورةِ الإمام الحسين عليه السلام الآن التي في أذهاننا، لأنّ الإمام الحسين عليه السلام أعظمُ بكثيرٍ وبما لا يُقاس، وبما لا يُمكننا إدراكُه ولو من بعيد. أن يصبحَ شهيدٌ جارَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، (وَشِيعَتُكَ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُورٍ مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلِي فِي الجَنَّةِ وَهُمْ جِيرانِي)، ومن أُمراء الجنّة، فهذا شأنٌ آخر فوقَ الدّنيا وما فيها.
لماذا هذا القُربُ في الآخرة من رسول الله صلّى الله عليه وآله؟
إنّه تجسيدٌ لقُربٍ كان في الدّنيا. هؤلاء الشّباب الذين نعرفُهم في الظّاهر، لا يمتلكُ أحدُهم أحياناً كثيرةً حتّى ثمنَ ثوبَيه -طمرَيه- لا يمتلكُ حتّى هذا الثّمنَ الصّغير، إلّا أنّه ينسجُ للأمّة حُلَل العزّ والفَخار، ولولاهم لكنّا عراةً في سوق النّخّاسين.
كرامتُنا، عنفوانُنا، شعورُنا بوجودنا مرتبطٌ بتوفيق الله عزّ وجلّ لهؤلاء المجاهدين.
ما هو السّرُّ في شخصيّتهم يا تُرى؟
إنّه (الاتّعاظ). الاهتمام بالموعظة، والحرصُ عليها، وبذلُ الجهد في تحويلِها إلى سلوكٍ وعمل. أدرَكوا حقائق الدّنيا وأطلّوا على حقائق الآخرة واستَشرفوها، فهم يستعدّون للآخرة، يستعدّون ليوم العرضِ على الله تعالى. إقرأ وصايا الشّهداء، تَجِدْ أنّ المحورَ هو اتّعاظُهم.
لأنّهم اتّعظوا تَعَمْلَقَ الفعلُ عندَهم فإذا هو استراتيجيّ. لأنّهم عاشوا مع أمير المؤمنين عليه السلام في (صفات المتّقين)، وفي موقفه من المال، وفي نظرتِه إلى الدّنيا، وفي حنينِه إلى الشّهادة، شربوا مع الحليب حبَّ أبي الحسن، الذي أمرَ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله بحبِّه، وعندما بدأت مداركُهم تنمو -رُوَيْداً رويداً- تفتّحتْ على مواعظِ أبي الحسن عليه السلام.
الموعظة -إذاً- هي السّرُّ في هاتَين التّرجمتَين الوافيتَين لحديث (نهج الكوثر) وشفرتَي (ذي الفقار) :
التّرجمة الأولى الشّاملة والأمّ: خطُّ الإمام الخمينيّ رضوان الله عليه.
التّرجمة الثّانية: المقاومة الإسلاميّة، وهي أنضجُ ثمرَات (خطّ الإمام).
تكشفُ هاتان التّرجمتان عن أهميّة الوعظ والاتّعاظ، وتكشفان كم نذهبُ في الخطأ بعيداً وعريضاً حين تبقى الموعظةُ تقبعُ في هامش اهتمامنا، حتّى في هامشِ اهتمام الكثير من (المشايخ) منّا، وليس حديثُ الشّيخ مثلي عن الموعظة كاشفاً عن أنّ الموعظة تحتلُّ في ذهنِه موقعَها الطبيعيّ. أبداً، فقد يكون مرضُ تهميش الموعظة قد ضربَ حتّى هذا الشّخصَ (الواعظ).
لِيسأل كلٌّ منّا نفسه. ماذا يتبادر إلى ذهنِه عندما يسمعُ كلمةَ موعظة؟ لماذا صارت (المَسكَنة) و(الدَّرْوَشة) مقترنةً بالموعظة؟!
من أين جاءَنا هذا الفهمُ المُعْوَجُّ الخاطئ؟



* الواعظُ الأوّل هو اللهُ تعالى، والقرآنُ الكريم مواعظُه تعالى 

للموعظة في الإسلام تلك المكانة العالية. اللهُ عزّ وجلّ هو الواعظُ الأوّل. الأنبياء عليهم السلام وُعّاظ. أهلُ البيت -والإمام عليّ عليه وعليهم السلام- سادةُ الواعظين.
* لنتأمّل بعض النّصوص :يعرّف اللهُ تعالى نفسَه بأنّه واعظ، يقول سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ النساء: 58. وفي آية ثانية:﴿.. يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل:90. وفي آية ثالثة: ﴿يَعِظُكُمَ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ النور:17.
وفي آية رابعة: يقولُ عزّ وجلّ للنّبيّ نوح -على نبيّنا وآله وعليه السلام: ﴿.. يَا نُوحُ ... إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ هود:46. اللهُ عزّ وجلّ هو الواعظُ الأوّل، والقرآنُ الكريم موعظتُه سبحانَه وتَعالى. والآياتُ كثيرةٌ في وصفِ القرآن بالموعظة منها: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ..﴾ آل عمران:138.


وأنبياءُ الله تعالى وعّاظ

وصفَ القرآنُ الكريم الأنبياءَ بأنّهم وعّاظ. والآياتُ في ذلك كثيرة. منها حول سيّد النّبيّين صلّى الله عليه وآله: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا ﴾ النساء:63. (إلى غير ذلك من الآيات التي تُعرَف وتُقرَأ كثيراً).
كما نجدُ أنّ أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله كانوا إذا أُتيحت لأحدهم فرصة، يقول:( يا رسولَ الله ،عِظْنِي).
لا يُسأل عن الأوضاع السّياسيّة، وكيف يقرأُها ويحلِّلُها! بل، يا رسولَ الله ،عِظْني.
كذلك أصحاب الأئمّة عليهم السلام، كان أحدُهم إذا أُتِيحَت له فرصة، يسألُ الإمام: (يا أميرَ المؤمنين عِظْني، يا ابنَ رسول الله، عِظْني). أحياناً يطلبُ أن تكونَ الموعظةُ موجزةً ليحفظَها: (عِظْني وَأَوْجِز)، وما أكثرَ المواعظ التي جاءَت في سياق قولِ القائل: عِظْني. أنبياءُ الله تعالى وأولياؤه سبحانه وعّاظ.


ضرورةُ إعادة الاعتبار للمَوعظة

عندما نقارنُ بينُ هذا الموقع المتميّز للموعظة، وبين ما هو الغالبُ علينا والسّائدُ فينا في التّعامل مع الوعظ والمواعظ، نجدُ الفرقَ الهائلَ إلى حدِّ أنّنا نجدُ التّناقضَ العجيب -في الغالب- لدى مَن يهتمّ بالموعظة نسبيّاً، فهو يهتمُّ بها نظريّاً ويهمّشُها عمليّاً. يستحي أن يتمحّض حديثُه في الموعظة، بل يستحي أن يغلبَ على عملِه التّبليغيّ طابعُ الوعظ، إلى حدّ أنّ (أسابيع الموتى) ومناسبات الحديث عن الموتى لا تكادُ تشهَد حديثاً عن الوعظ والإرشاد، إلّا النَّزر اليَسير، وعندما يتضمّنُ البرنامج كلمةً في الوعظ والإرشاد، فهي كلمةٌ ثانويّة.
أصبحنا نعتبرُ أنّ التّحليل السّياسيّ، والقراءة السّياسيّة أهمّ من الموعظة!
صحيحٌ أنّه لا بدّ من التّحليل السّياسيّ، ويجب أن نُعنى به، إلّا أنّ الذي يصنعُ المحلِّل السّياسيّ هو ضرامُ لهيبِ الباطن المتصاعدِ من أَتون المواعظ، وإلّا فإنّ الإنسان يغرقُ في أوحال تحليلِه، ويقضي على نفسِه والآخرين.
بالموعظة، ببناء النّفس، بالجهادِ الأكبر، يُمكننا أن نحقّقَ ليس التّوازن الإستراتيجي مع الأعداء فحسب، وإنّما بالموعظة يُمكننا أن نحقِّقَ التّفوّق على الأعداء ونُحرِزَ النّصر. إنّ هذا الأمر يحتاجُ إلى بذل جُهدٍ في مجاله يتناسبُ مع المسؤوليّات الجسام الملقاةِ علينا. نحتاجُ إلى إعادة الاعتبارِ في نفوسنا إلى الموعظة، ثمّ نثبّتُ حضورَها في التّخطيط الثّقافيّ والإعلاميّ بمختلفِ أساليبِه ووسائلِه، وفي مناهج الدّورات، خصوصاً تلك التي تُعنى بالإرادة وقيادة الذّات، وعلم النّفس والبَرمجة العصبيّة، والإرشاد الأُسَريّ. وحيث قد تفاقمت في هذا العصر المنكَرات وخيّمت أجواؤها، فإنّنا دائماً بأَمَسِّ الحاجة إلى التّواصل مع الوعظِ والإرشاد.
هنا أسألُ نفسي وغيري: نحن بشكلٍ عامّ أين يجري تَواصلُنا مع الوعظ والإرشاد؟ أين نتّعظ؟ أين (نشحن بَطارّياتنا) بالوَقود الإيمانيّ، أين؟ لأنّنا لا نُعير هذا الأمر الاهتمامَ الكافي أصبحت النّتيجة كما نحسُّ ونرى. النّتيجة، ضعْفُ الرّادع الدّاخليّ فينا، والتّأثّر بالأجواء العامّة الماديّة، وإذا كان في شخصٍ منّا بقيّةُ وقودٍ إيمانيّ، فإنّ وسائل الإعلام -وفي طليعتِها التّلفزيون- كفيلةٌ بالقضاء على هذه الثُّمالة الباقية.
حقّاً، متى وأين نزوِّد أنفسَنا بالمخزون الرّوحيّ والوَقود الإيمانيّ؟
هل يتمّ ذلك من خلال الصّلاة؟
إنّنا نعرفُ كيف نصلّي، نصلّي ونحن نفكّر بفلان والمسألة الفلانيّة و(الشّغلة) الفلانيّة!!
أو يتحقّق عبر قراءة القرآن؟ إذا كانت قراءةُ القرآن من دون تدبّر وتأمّل فإنّ القلبَ لم يتّصل ليُمكن أن ينتقلَ إليه المخزون الرّوحيّ (بطاريّة القلب لا تشحن) حيث لم توجَد وسيلة مناسبة لنقلِ الوَقود الإيمانيّ. أم هل نزوّد أنفسنا بالمخزون الرّوحيّ من خلال قراءة كُتبٍ تذكّرنا بالآخرة؟
وأحاديثُنا مع بعضنا، هل يغلبُ عليها -أو يحضرُ فيها بوضوح- طابعُ التّذكُّر والإرشاد؟
صحيحٌ أنّه لا بدّ من التّرفيه عن النّفس، والمزاح، واللّهو الحلال والضَّحِك، وليس سليماً أن يبقى الشّخصُ دائماً يتكلّم عن الآخرة والقبر. لكن ليس صحيحاً أن يكون الغالب -فضلاً عن الدّائم- سوءُ الفعلِ والقول وإطباقُ الغَفلة عن المسار والمصير، وكيف يُمكن لمَن هذه حالُه أن يكفَّ الأذى عن النّاس، ويُحسنَ اختيارَ الصُّحبة، ويحفظَ كراماتِ الآخرين، ويشتغل بما خُلِقَ له.
على كلٍّ منا أن يتنبّهَ جيّداً إلى كيفيّة تزويد نفسِه بالوقود الإيمانيّ، فيهتمّ بالموعظة، وسيقودُه ذلك تلقائيّاً إلى علاقةٍ خاصّةٍ بـ (نهج البلاغة) ومواعظِ أمير المؤمنين عليه السلام، ليسيرَ بها ومعَها في آفاق النّفس والقرآن الكريم والحديث الشّريف.


(نهجُ البلاغة) حوضُ الكَوثر

ثمّ إنّ (نهج البلاغة) هو (حوضُ الكوثر) وهو (نهرُ الكوثر)، مَن شَرِبَ من (نهج البلاغة) سيشربُ من (الكَوثر).
أيّها الحبيب، نسمعُ كثيراً أنّ علياً عليه السلام ساقي الحوض، ما معنى (ساقي الحوض)؟
حوضُ الكوثر هو حَوضُ رسول الله صلّى الله عليه وآله ، إلّا أنّ الذي يَسقي منه هو عليٌّ عليه السلام، ما هو السَّبب؟
لأنّ حوضَ الكوثر هو صورةٌ معنويّة، صورةٌ مَلَكوتيّة عن الهداية المحمّديّة في الدّنيا، فهو حوضُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله، ولأنّ الشّربَ والأَخذَ والاقتداءَ برسول الله صلّى الله عليه وآله، والشّربَ من حوضِه والأخذَ منه في الدّنيا لا يُمكِنُ أن يتحقّق إلّا من خلال عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، لأجلِ ذلك، كان السّاقي على الحوض في يومِ القيامة هو أميرُ المؤمنين عليه السلام.
بلى.. (أنا مدينةُ العِلم وعليٌّ بابُها)، و(عليٌّ ساقي الحوض)، معناهما: لا يُمكن، على الإطلاق، أن يهتديَ مهتَدٍ في الدّنيا بنورِ المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله إلّا إذا تمسَّكَ بعليٍّ عليه السلام، وعندَها يُمكنُه أن يشربَ من حوض الكوثر، من يدِ السّاقي الذي شربَ منه في الدّنيا، لأنّ الآخرةَ هي باطنُ الدّنيا، تتجسّمُ الأمورُ في الآخرة، الأمور الدّنيويّة تتجسّم وتُصبح في الآخرة بشكلٍ يتناسبُ مع ذلك العالَم.
وحدّثينا يا روايات الكوثر عن طَعم الكوثر، ماذا تقولُ الرّوايات عن طَعم الكوثر؟ (أَحْلَى من العَسل، وأَلْيَنُ من الزَّبد). حدّثينا يا روايات الكوثر. تقول: (في كلِّ رشفةٍ مَذاق، ولكلّ شربةٍ طَعم). ما هذه الرَّشفة من الكوثر؟ ألا تحنُّ نفسُك -أيّها الحبيب- إلى شربةٍ من يدِ أبي الحسن عليه السلام لا ظَمَأَ بعدَها؟
نحن أمامَ دفّتَي (نهج البلاغة )على ضفافِ الكوثر، ليس بينَنا وبين أن نشربَ من الكوثر إلّا أن نفتحَ (نهج البلاغة)، بشرطِ أن تكونَ قلوبُنا نقيّةً طاهرة، عندها سنشعرُ أنّ هذا الطَّعم هو طعمُ الكوثر، غفرانَك اللّهمّ وحَنانيك، فإذا كان القلبُ مظلماً بالذّنوب، إذا كانت حُجُبُ المعاصي تحولُ بينَ القلبِ و(النّهجِ الكوثر)، فهَل إلى خلاصٍ من سبيل؟ بلى أيّها الحبيب، حبُّ عليٍّ عليه السلام يُطفِئُ بحاراً من نار، والمُحبُّ مطيعٌ لمَن أحبّ. أللّهمّ ارزُقنا الحبَّ الحقيقيّ الذي لا ينفصلُ عن الطّاعة.



اخبار مرتبطة

نفحات