قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

10/05/2013

كتابٌ جامعٌ لِأشتاتِ المُتفرّقات

عَوالي اللّآلي
كتابٌ جامعٌ لِأشتاتِ المُتفرّقات
ـــــ قراءة: سلام ياسين ـــــ



الكتاب: عوالي اللّآلي العزيزيّة في الأحاديث الدّينيّة.
المؤلّف: الشّيخ محمّد بن عليّ ابن أبي جمهور الأحسائيّ، (ح: 901 للهجرة).
تقديم: آية الله السّيّد شهاب الدّين المرعشيّ النّجفيّ قدّس سرّه.
تحقيق: الشّيخ مجتبى العراقيّ.
سنة ومكان النّشر: 1403 للهجرة - قمّ المقدّسة.
 


قال الشّيخ آقا بزرك الطّهرانيّ في (الذّريعة) مُعرّفاً بهذا الكتاب: «(عوالي اللّآلي العزيزيّة في الأحاديث الدّينيّة) للشّيخ محمّد بن عليّ بن إبراهيم بن أبي جمهور الأحسائيّ [انظر: «أعلام» من هذا العدد]... له مقدّمة ذات عشرة فصول. ذَكر في الفصل الأوَّل من المقدّمة طُرُقه السّبعة في الرّواية، ومنها ما يُروى عن عليّ بن هلال الجزائريّ تلميذ أبي العبّاس بن فهد الحلّيّ، وهو عن شيخه المقداد.
وقد يُقال: الغوالي -بالغين المعجمة- كما في المشهور ولا أصلَ له. وشرحُه للسّيّد المحدِّث نعمة الله الجزائريّ، اسمه (الجواهر الغوالي) أو (مدينة الحديث) كما صرَّح بها في أوَّله».
وفي مقدّمته على الطّبعة الحديثة من (العوالي) قال آية الله السّيّد المرعشيّ النّجفيّ قدّس سرّه: «لا يَخفى أنّ مِن أحسَنِ الكُتُب الحديثيّة هو كتاب (عوالي اللّآلي)، أَوْدعَ فيه مؤلِّفُه الجليل أحاديث قِصار المُتون، صِحاح الأسانيد، صراح الدَّلالات، نَظَمَها على أحسنِ أسلوبٍ وخيرِ نَمَطٍ..».
ونسبة «العزيزيّة» في عنوان الكتاب مردُّها إلى إهدائه إلى خزانة -أي مكتبة- السّيّد النّقيب عزيز الحسينيّ الرّضويّ، كما صرّح بذلك المؤلّف رضوان الله عليه.
وتَكمنُ ميزةُ كتاب (عوالي اللّآلي) أنّه أُلّف دَفْعاً لاشتباهاتٍ سادَت في زمنِ المُصنِّف، حيث يقول: «ولمّا اقتُطِعَ أهلُ هذه الأزمان، وأبناءُ هذه الأوان، عن مشاهدة هذه الأنوار [أنوار المعصومين عليهم السلام]، بِغَيْبَة إمامِهم، واستيلاءِ مُخالفيهم على جميع أحوالهم، وانطماسِ سُبُلِ الهداية بِغَلَبَة أهلِ الغِوايةِ والغَباوةِ، صار عَوامُّ أهل هذه الطّائفة وأبناءُ هذه الحجّة الأنيقة، كالأيتام الّذين لا كافلَ لهم ولا مُوصِلَ يوصلُهم إلى حقائق أسلافِهم، حتّى ظَنَّ كثيرٌ منهم أنّه ليسَ لأصحابِنا من الأحاديث مثلَ ما لِخُصومِهم، وأنّهم قطعوا التّعلُّق والعلاقةَ بينهم وبين الأحاديث الواردة عن سيّد البَشر ".." فحداني ذلك وحثّني على وضْع هذا الكتاب تذكرةً لِأُولي البَصائر من الإخوان، وإنقاذاً للأيتام، عوامّ الطّائفة من عماية الجهلِ الحاصلِ لهم بِمُخالطة أهلِ الزَّيْغ والبُهتان».
وأيضاً من الأسباب الموجِبة لِتأليف الكتاب، كما يصرّح رضوان الله عليه: «.. حداني ذلك إلى جَمْعِ كتابٍ جامعٍ لأشتاتِ المُتفرِّقات، من جُمَل ما رواهُ الثُّقات، عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة الهُداة، لِيكونَ منهجاً يُقتدى به إلى معرفة الحلالِ والحرامِ، ومَسلكاً يُعوَّل عليه في استظهارِ خفايا الأحكام..».
ومن خصائص الكتاب أنّ الشّيخ الأحسائيّ اعتمد في روايتِه طُرُقاً سبعة تنتهي جميعاً إلى العلّامة الحلّيّ، الحسن بن يوسف بن المطهّر (ت: 726 للهجرة)، ومنه بطُرقٍ أربعة إلى الشّيخ الطُّوسيّ، محمّد بن الحسن (ت: 460 للهجرة)، ومنه بطريقَين إلى الشّيخ المفيد، محمّد بن محمّد النّعمان (ت: 413 للهجرة)، ومنه بطريقَين ينتهيان إلى المعصوم عليه السلام.
وبعد ذِكرهِ طُرُقَه إلى مصادر أحاديث الكتاب، يقول المؤلّف: «..فبهذه الطُّرق، وبما اشتَمَلت عليه من الأسانيد المُتّصلةِ المُعَنْعَنةِ الصّحيحةِ الأسانيد، المشهورةِ الرِّجال بالعدالةِ والعلمِ وصحّةِ الفتوى وصِدْقِ اللّهجة، أَروي جميعَ ما أَرويه وأَحكيه من أحاديث الرّسول وأئمّة الهُدى عليه وعليهم أفضل الصّلاة والسّلام، المُتعلّقة بالفقه والتّفسير، والحِكَم والآداب والمواعظ، وسائر فنون العلوم الدّنيويّة والأُخرويّة».
يقول السَيَد نعمة الله الجزائريّ في شرحه على (العوالي): «على أنّنا تتبّعنا ما تضمَّنه هذا الكتاب من الأخبار، فحصَل الاطّلاعُ على أماكنها الّتي انتَزَعها منها، مثل (الأصول الأربعة) وغيرها من كُتُب الصَّدوق، وغيره من ثقات أصحابنا أهل الفقه والحديث. ولعلَّنا نشير في تضاعيف هذا الشَّرح إلى جملةٍ وافيةٍ منها».


محتوى الكتاب

يتضمّن كتاب (العوالي) للشّيخ الأحسائيّ 5058 حديثاً، في مقدّمةٍ وبابَين وخاتمة. والمقدّمة في عشرة فصول، خصّص الأوّلين منها لبيان طُرقه في رواية الأحاديث، وبيان الأسباب الدّاعية إلى جَمعها «واستخراجها من أماكنها المتباعدة». أمّا الأخيران فقد أوْرَد فيهما «أحاديث تتضمّن شيئاً من أبواب الفقه»، و«أحاديث تتضمّن شيئاً من الآداب الدّينيّة»، والفصول المتوسّطة رُتّبت فيها الأحاديث وفقاً لِطُرقها وأسانيدها.
والبابان، كلاهما في الفقه، يمتاز الثّاني عن الأوّل بأنّ أحاديثه رُتّبت ترتيباً منسَّقاً من كتاب الطّهارة إلى كتاب الدّيات، وفقَ التّرتيب الّذي اعتَمَده العلّامة الحلّيّ في كُتُبه. والباب الأوّل في أحاديث فقهيّة غير مرتّبة بالتّرتيب المُتداول، رواها -في أربعة مسالك- عن الشّهيد الأوّل، والفاضل المقداد السّيوريّ، والعلّامة الحلّيّ، وعن بعض المتقدّمين عن المعصوم عليه السلام.
هذا وتضمّنت الخاتمة «الأخبار المتفرّقة في الفنون المختلفة وعدّة من الكرامات».


شُبُهات وردود

يُشير آية الله المرعشيّ النّجفيّ قدّس سرّه إلى أنّ كتاب (العوالي) بقي -وهو «الدّرّة اليتيمة والجوهرة الثّمينة»- مُهمَلاً لسنواتٍ طوال، مردُّ ذلك إلى «انتقاداتٍ أُوردت بعضُها على المؤلِّف وبعضها على المؤلَّف، وكلُّها واهية غير واردة، ناشئةٌ من قلَّة التّتبُّع والغَوْر في الكتاب، تُحومِل عليه بحيث حتّى خَمل ذكرُه ونُسيَ اسمُه..».
ثمّ شَرع رضوان الله عليه في تعداد الانتقادات الواردة على الكتاب، ومن ثمّ تفنيدها. ونحن هنا نشير إلى ثلاثةٍ منها:


1- إنَّ كلّ المرويّات فيها مراسيل وليس فيها خبرٌ مُسند، والإرسال من أقوى موجبات الضّعف في الأخبار.
وقد أجاب عن ذلك السّيّد المرعشيّ بالقول: «وأمَّا إشكالُ الإرسال، فغَير واردٍ أصلاً لأنَّ كلّ ما أُودِعَ فيه، إلّا ما صرّح بإرساله، مُسنداتٌ ببركة المَشيخة الّتي ذَكَرَها، وهذه المشيخة كمشيخة شيخنا الصَّدوق في (الفقيه)، والفارق أنَّ هذا الشّيخ ذَكَر المشيخة في أوَّلِ الكتاب في رسالةٍ مستقلّةٍ منحازة، والصَّدوق جَعل المَشيخة في آخِر الكتاب .
فإنَّ هذا الشّيخ قال: "إنَّ ما أَوْدَعْتُ في هذا الكتاب فإنِّي أَرْوِيها بهذه الطُّرُق السّبعة"، وأكثر تلك المودَعات فيه مرويّة مسموعة عن شيخه العلّامة الثّقة الجليل، الشّيخ رضيّ الدِّين عبد الملك بن الشّيخ شمس الدّين إسحاق بن الشّيخ رضى الدِّين عبد الملك بن الشّيخ محمّد الثّاني ابن الشّيخ محمّد الأوّل ابن فتحان القمّيّ الأصل نزيل كاشان المتوفّى بعد سنة 851 للهجرة بقليل، وكان هذا الرَّجل مِن أعلامِ عصرِه، وكان يروي عن الفاضل المقداد وابن فهد وغيرهما، فليُراجع إلى معاجم التّراجم. وإنّي رأيتُ عدّة نسخ من هذا الكتاب في خزائن الكُتُب مشتملة على المشيخة ونُسَخاً غير مشتملة، فمِن ثمّ اشتَبَه الأمرُ على مَن نَسَبَ الإرسالَ إليه».


2- إنَّه مشتملٌ على بعض مرويّات العامّة والمخالفين.
قال السّيّد المرعشيّ: «وأمّا اشتمالُه على بعض مرويَّات العامّة، ففيه أنَّ غَرَضه كون هذه الرّوايات، مع قَطعِ النّظَر عن نقل الأصحاب، منقولة في كُتُب العامّة أيضاً كما لا يَخفى مَن جاس خلال تلك الدِّيار، مُضافاً إلى أنَّ المعيار حجِّيّةُ الخبر الموثوق بصدوره، أيّاً مَن كان الرّاوي، كما هو التّحقيق عند المتأخِّرين».


3- إنّه تفرَّد بنقل أحاديث لا توجد في غيره.
جرى على أَلسِنَة الفقهاء، وفي مطاوي الكُتب الفقهيّة، ذكرُ عدّة أحاديثٍ هي مورد النّقض، والإبرام، والاستدلال، والتّحليل بينهم قدّس الله أرواحهم الطّاهرة، كـ: «النّاس مُسلَّطون على أموالهم»، و«النّاس في سعةٍ ما لم يعلموا»، و«المَيسور لا يَسقط بالمَعسور»، و«صلّوا كما رأيتموني أُصلّي»، وغيرها من الأحاديث الشّريفة المعروفة، والّتي لا مَرجع ولا مدرك لها سوى هذا الكتاب. ومن هنا وُجّه النَّقد إلى كتاب (العوالي) بأنّه تفرَّد بنقل أحاديث لا توجد في غيره.
وقد علّق السّيّد المرعشيّ قدّس سرّه على ذلك بالقول: «وأمّا تفرُّده بِنَقل ما لا يوجد في غيره، فهذا أيضاً ممَّا يُرَدُّ عليه بعد تفرُّق كُتُب الشِّيعة كـ (الأصول الأربعمائة) وغيرها من الكُتُب الموجودة في أقطار العالم، وتوَجُّه الفِتَن والمُوبقات إليها، فالمُحتمَل قويّاً عثوره على بعض تلك النُّسخ، فهذه الخصوصيّة [التّفرُّد بنقل أحاديثٍ بِعَينها] موجودة في بعض كُتُب الحديث أيضاً، مُضافاً إلى أنَّ نقل مثل هذا الشّيخ الجليل بتلك الطُّرق السَّبعة يورثُ الطّمأنينة والوثوق بالصُّدور».



اخبار مرتبطة

نفحات