ملحق شعائر

ملحق شعائر

10/05/2013

رسالة الفقيه العارف السّيّد القاضي حول رجب وشعبان وشهر رمضان

 

 

 

توجيهات عرفانيّة

رسالة الفقيه العارف السّيّد القاضي حول رجب وشعبان وشهر رمضان

المتن والتّعليقات

 

 

 

 

 

 

 

إصدار المركز الإسلاميّ

بيروت – لبنان

1434 هجريّة – 2013 م


 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

 

تقديم

 

أوصى وليُّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ دام ظلّه بطباعة رسالة المقدّس السّيّد القاضي هذه – وثلاث رسائل غيرها- مستقلّة، و«على حِدة».

جاءت هذه الوصيّة في رسالة بعثَ بها سماحتُه إلى المؤتمر التّكريميّ للسّيّد القاضي، الذي أُقيم في إيران، حيث قال سماحتُه:

 

«في هذا الكتاب الذي ألّفه نجلُه المرحوم السّيّد محمّد حسن، والذي وصلَني قبل عدّة سنوات وكرّرتُ ملاحظتَه، توجَد عدّة رسائلَ له، “..” وإحداها خطابٌ إلى عموم طلّابه بمناسبة حلول شهر رجب أو حلول شهر ذي القعدة إذ يقول: بدأ الشّهرُ الحرام، ويذكر أموراً حول أهميّة الأشهُر الحُرُم. “..” وإنْ أمكن أن تنشروا هذه الرّسائل كُلّاً على حِدة، فإنّ ذلك بنظري ذكرًى جيّدةٌ جدّاً».

 

كان بيانُ الإمام القائد المذكور رقيماً عقائديّاً ومنشوراً ثقافيّاً، لا يدركُ بالغَ أهميّته إلّا المحيطُ بتعدّد الاتّجاهات والمشارب الفكريّة في «الصّراط المستقيم» الحوزويّ كما عبّر وليُّ الأمر دام ظلّه.

دافع سماحتُه بمنتَهى القوّة عن المنهج والصّراط الحوزويّين، وأكّد من بين كلّ ألوان هذا الصّراط وأطيافِه على مسارٍ متميّز هو مسارُ وتيّارُ «خاصّ الخاصّ» الذي هو مدرسة السّيّد القاضي القُدوة، وأقرانه من سلسلة أساتذته وتلامذته ممّن يصدقُ عليهم «الفقهاء العرفاء».

ونغتنم فرصة إطلالة الأشهر الثّلاثة رجب وشعبان وشهر رمضان، لنقدّم إلى القرّاء الكرام رسالة السّيّد القاضي التي هي توصياتُه وتوجيهاتُه قدّس سرّه إلى طلّابه لتكونَ برنامجَهم العباديّ في هذا الموسم الإلهيّ الأوّل الذي يتمُّ التّأسيس فيه -لتمام السّنة والعمر كلّه- في أبعاد الفكر والرّوح والعلم والعمل.

***

 ترجع النّسخة المعتمَدة هنا لهذه الرّسالة إلى ما ذكره السّيّد القائد في الفقرة المتقدّمة، فهي مستنسخة من الكتاب الذي ألّفه نجل السّيّد القاضي، واسمه (صفحات من تاريخ الأعلام) ننقلها من برنامج «كيمياى سعادت = إكسير السّعادة» الإلكترونيّ، وهو يتضمّن كُتب العلّامة الطّهرانيّ وأستاذه العلّامة السّيّد الطّباطبائيّ، ونجله السّيّد محمّد محسن الطّهرانيّ، وسيأتي في مقدّمة الرّسالة ما أورده –الأخير- حول هذه النّسخة.

كما يأتي بيانُ أنّ نجل العلّامة الطّهرانيّ قد أورد الرّسالة نفسها، لكنّها بترجمة والده إلى الفارسيّة، وبعض التّوضيحات منه (الوالد) حولها بالفارسيّة أيضاً -أورده- في كتاب (مكتوبات، مراسلات، مقالات العلّامة الطّهرانيّ) في برنامج «إكسير السعادة» ذاته.

تبقى الإشارة إلى أنّ الهوامش المرقّمة وليس بعدها نجمة هي لسماحة السّيّد محمّد محسن الطّهرانيّ، وقد صرّح بما هو لوالده السّيّد محمّد حسين الطّهرانيّ قدّس سرّه، وأمّا الهوامش المرقّمة التي يلي الرّقم فيها نجمتان (1**) فهي للشّيخ حسين كوراني استناداً إلى بعض المصادر وبالخصوص ما كتبَه المرحوم العلّامة الطّهرانيّ في التّرجمة الفارسيّة، وغيرها.

والأمل أن لا ينسى العاملون بهذه التّوجيهات جميع المؤمنين لا سيّما المجاهدين، والمؤمنين المظلومين، وجميع المعذّبين، من دعواتهم الصّالحة في مظانّ الإحابة.

واللهُ تعالى وليّ الإحسان والنَِّعَم.

«شعائر»

رجب 1434

 

 

 

 


 

 

 

توصياتُ

آيةِ الحقّ، المرحوم الحاج الميرزا السّيّد علي القاضي الطّباطبائيّ

في أَشهُر رجب وشعبان ورمضان

 

تحتَ هذا العنوان كتب سماحة السّيّد محمّد محسن نجل العلّامة السّيّد محمّد حسين الطّهرانيّ قدّس سرّه، ما يلي:

 

«إنّ أصل هذه الأوامر من المرحوم العلّامة آية الله السّيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطّهرانيّ أفاضَ الله علينا من بركات تُربته، حيث تفضّلَ بها في إحدى الجلسات الخاصّة مع رفقائه نقلاً عن آية الحقّ المرحوم الحاج الميرزا السّيّد علي القاضي الطّباطبائيّ من الرّسالة الخطيّة المسمّاة (صفحات من تاريخ الأعلام) والمكتوبة بقلم ولدِه، وقد كان العلّامة يؤكّد على العمل بها والمداومة عليها، وقد أمرَ طلّابَه بالخصوص أن ينسخوها في دفاترهم (ولذا قد قام الحقير بنسخِها من مكتبة المرحوم العلّامة)، وحيث إنّ أصل المتن بالعربيّة فقد قام سماحتُه بترجمته لأحبّائه كما قامَ بتوضيح ما يلزم توضيحُه لهم. وهذا هو المتن: [وأورد نجل السّيّد الطّهرانيّ المتن مع بعض الهوامش للمرحوم والده، وهوامش مختصرة أضافها -ولده- نفسه].[1]

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم


 «الْحمدُ للهِ رَبِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على الرَّسولِ المُبينِ، وَوَزيرِهِ الْوصيِّ الأَمين، وَأبْنائهما الخُلفاءِ الرَّاشدين، والذُّريَّةِ الطّاهرين، والخَلَفِ الصّالح والماءِ الْمَعين
[2]، صَلّى اللهُ وَسلّمَ عليهم أجْمَعينَ.

 

تَنبَّهْ فَقدْ وافَتكُمُ الْأشهُرُ الْحُرُمْ[3]

تَيَقّظْ لكي تَزدادَ في الزَّادِ وَاغْتنِمْ[4]

فقُمْ في لياليها وَصُمْ منْ نهارِها[5]

لِشُكْرِ إلـهٍ تَمّ فِي لُطْفِـه وَعَمّ[6]

وَلا تَهجَعنْ في اللّيْلِ إلّا أقَلّهُ[7]

تَهَجّدْ[8]، وَكمْ صَبٍّ من اللّيْلِ لَمْ يَنَمْ[9]

وَرتِّلْ كتابَ الْحَقِّ واقرأَهُ ماكثاً

بِأَحْسنِ صوتٍ نورُهُ يُشرِقُ الظُّلَمْ[10]

فَلمْ تحْظَ بَلْ لَمْ يُـحظَ بِمِثْلِه

وَأخْطأَ مَنْ غيرَ الذي قُلْتُهُ زَعمْ[11]

وَسلِّمْ على أَصْلِ القُرانِ وفصلِهِ

بَقِيَّةِ آلِ اللهِ كُنْ عبْدَهُ السَّلمْ[12]

فَمنْ دانَ للرَّحْمن في غيرِ حُبِّهمْ

فَقَدْ ضَلَّ في إنكارهِ أعظمَ النِّعَمْ[13]

فَحُبُّهـمْ حُبُّ الإلـهِ اسْتَعذْ بهِ[14]

هُمُ الْعروَةُ الوُثقى فَبِالعُرْوَةِ اعْتَصِمْ[15]

فلا تَكُ باللّاهي عن الْقولِ وَاعْتَبرْ

معانيه كيْ تَرْقى إلى أرْفَعِ الْقِمَمْ[16]

عَليكَ بِذكر الله في كُلِّ حالـةٍ

لا تَنِ فيهِ لا تقُلْ كيْفَ ذا وكَم؟[17]

فهَذا حِمى الرَّحمن فادْخُلْ مُراعياً

لِحُرْماتِه فيها [و[18]] عَظِّمْهُ والتَزِمْ[19]

فَمَنْ يعتَصم باللهِ يُهْدَ صراطهُ

فإنْ قُلْتَ رَبِّيَ اللهُ يا صاحِ فاسْتقِمْ[20]

 

 

قالَ عَزَّ مِن قائلٍ: ﴿..وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ آل عمران:101.[21]

 وقالَ: ﴿..وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ..﴾ الشورى:15.[22]

 وقالَ جلَّ جلالُهُ العَظيمُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ..﴾ فصلت:30.[23]

إنتبهوا إخواني الأعزَّة وَفّقَكمُ اللهُ لطاعتِهِ، فَقَدْ دَخلنا في حِمى الأشَهُرِ الْحُرُمِ، فَما أعظمَ نِعَم الْباري علينا وأتَمّ! فالْواجِبُ علينا قَبْلَ كُلِّ شيءٍ التوبَةُ بشُروطها اللّازمَةِ وصَلَواتِها الْمعْلُومَةِ[24] ثُمَّ الاحتماء مِنَ الكبائرِ والصَّغائرِ بِقدْر القُوَّة.[25]

فَلَيْلَةُ الجُمُعة أوْ يوْمُ الأحدِ، تُصَلوُّنَ صَلاةَ التّوبة ليلةَ الْجمعَةِ أوْ نهارَها؛ ثُمَّ تُعيدُونها يوْمَ الأحَدِ في الْيومِ الثّانِي [الأحد الثّاني] مِنَ الشَّهْرِ،[26] ثُمَّ تلتزمونَ المراقَبَةَ الصُّغْرى[27] والكُبْرى[28] والمُحاسَبَةَ والمُعاتَبَةَ بِما هُوَ أحْرى. فَإنَّ فيها تَذْكرةً لِمَنْ أرادَ أن يَتَذَكَّرَ أوْ يَخْشى.

ثُمَّ أقْبِلوا بقلوبِكُمْ وداوُوا أمراضَ ذُنوبكُمْ وهَوِّنوا بالاسْتغْفار خُطُوبَ عُيوبِكُمْ. وإيّاكُمْ وهَتْكَ الْحرماتِ فَإنَّ مَنْ هَتَكَ وإنْ لَمْ يهتكِ الكريمُ عليِهِ فهُوَ مَهْتوكٌ. وأنّّى يرْجى النجاةُ لِقلبٍ ارتبكَتْ فيهِ الشُّكوكُ[29] حتّى يسلِكَ سَبيلَ المتّقينَ ويَشْربَ منَ الماءِ الْمَعينِ مَعَ الْمُحسنين؟!

واللهُ الْمستعانُ على نَفْسي وأنْفسِكُمْ وهُوَ خيْرُ مُعين.

 

الأوامرُ العمليّة لهذه الأشهر الثلاثة:

 

1- عَليْكُمْ بالْفرائض في أَحْسنِ أوقاتها، وهي مَعَ نوافلِها الإحدى والخمْسين.[30]

2- فانْ لَمْ تتَمَكَّنُوا فبأرْبَعٍ وأرْبعين.[31]

3- وَإنْ مَنعتكُمْ شواغِلُ الدُّنْيا، فَلا أقَلَّ مِنْ صلاة الْأَوَّابين.[32]

4- وأما نَوافلُ اللّيْلِ فلا محيصَ منها عنْدَ المؤْمنين. والعجبُ ممَّنْ يَرومُ مرْتبةً مِنَ الكَمالِ وهُوَ لا يَقُومُ اللّيالي، وما سَمعنا أحَداً نالَ مرْتبةً مِنهُ إلّا بِقيامِها.[33]

 5- وعَليكُمْ بقراءة الْقرآنِ الْكريم في اللّيل بِالصّوتِ الْحَسَنِ الْحَزين[34]، فهُوَ شرابُ الْمُؤمنين.[35]

6- وَعليكُمْ بالتزامِ الْأوْرادِ الْمعْتادَةِ التي هي بيَدِ كُلِّ واحدٍ منْكُمْ[36] والسّجْدَةِ الْمَعهُودَةِ[37] مِن 500 إلى 1000.

 7- وزيارَة المَشْهد الْمعظَّم الْأعظم كُلّ يومٍ.[38] وإتيان الْمساجدِ الْمعظَّمَة ما أمْكنَ. وكذا سائرِ الْمساجدِ. فَإنَّ الْمُؤْمنَ في الْمسجد كالسَّمَكة في الماءِ.[39]

8- وَلا تترُكوا بَعدَ الصّلواتِ الْمفروضاتِ تسبيحةَ الصِّديقة صلواتُ اللهِ عليها، فإنَّها مِنَ الذِّكْر الكبير. ولا أقَلَّ في كلِّ مَجْلِسٍ دوْرَةٌ.[40]

9- وَمِنَ اللّازمِ الْمُهمَّ الدُّعاءُ لفرجِ الْحجَّة صَلواتُ اللهِ عَليهِ في قُنوتِ الْوتر. بَل في كُلِّ يومٍ وفي جميعِ الدَّعوات.[41]

 10- وقراءةُ (الجامعة) في يومِ الجُمُعة أعْني [الزّيارة] الجامعةَ الْمعروفَةَ الْمشروحَة.[42]

11- (وَلا تَكونُ التّلاوة أقلَّ مِنْ جزْءٍ).[43]

12- وأكْثِروا منْ زيارة الإخوان الأبرار؛ فإنّهمْ الإخْوانُ في الطّريق، والرَّفيقُ في المَضيق.[44]

13- وَزيارة القبور في النَّهار غبّاً، ولا تزورُوا ليْلًا.[45]

¨     مَا لنا وللدُّنْيا قَدْ غرَّتْنا، وشَغَلتْنا، واسْتهوَتنا، وليْسَتْ لَنا!!

¨  فطُوبى لرجالٍ أبْدانُهمْ في النّاسوت وقلوبُهُمْ في اللّاهوتِ.. أولئك الأقلّونَ عدَداً.. والأكْثرونَ مَدَداً.. أقولُ ما تسْمعونَ، وأَسْتغفرُ الله».

***

¨  انتهت إلى هنا توصياتُ آية الحقّ المرحوم القاضي، والكلامُ بعدَه للعلّامة الطّهرانيّ رضوان الله عليهما (م = السّيّد محمّد محسن الطّهرانيّ). ** وقد جرى -في ما بين يدَيك- ترقيمُ النّقاط الواردة في نصّ العلّامة الطّهرانيّ لتيسير الاستفادة منها.

***

قال السّيّد الطّهرانيّ قدّس سرّه: هذه هي الأوامرُ التي أعطاها المرحوم القاضي إلى طلّابه، ويجب على الرّفقاء:

1- أن يُؤدّوها في هذه الأشهر الثّلاثة.

2- ولكن على كلِّ شخصٍ أن يؤدّي منها بمقدار طاقتِه، فكلٌّ يصومُ بحسب قدرتِه، ومَن لم يستَطع أن يصومَ يوميّاً، فَلْيَصُم ما أمكنَه: [مثلاً] خمسة أيّام من رجب وعشرة أيّام من شعبان. وبشكلٍ عامّ يجب أن يراعي كلُّ واحدٍ مزاجَه وقدرتَه واستعدادَه.

3- وَلْتَكُن قراءةُ القرآن في اللّيل بمقدارِ الاستطاعة.

4- إذا استطعتَ ألّا تنام فلا تَنَم أصلاً.

5- وإذا لم يستطع الإنسانُ ألّا ينام، فلا بأس.. ولكن لِيَكن عندَه لهفة، وحُرقة قلب.

6- وَلْيَنَم نوماً خفيفاً: ينام مبكّراً، ويسعى أنْ ينام نوماً خفيفاً يسهلُ عليه الاستيقاظُ منه.

7- وَلْيَنم بالمقدار الذي ينالُ الجسد حقَّه من الرّاحة. المرحوم القاضي كان ينامُ أوّلَ اللّيل ثمّ يستيقظ، ويصلّي ثمّ ينام مرّةً أخرى، ثمّ يستيقظ ثانيةً ويصلّي، وهكذا إلى ساعتَين قبلَ الفجر وبعدَها لا ينام، والمرحوم الآخوند كان يستيقظ قبلَ الفجر بثلاث ساعات.

8- إذا لم تصلّوا صلاةَ اللّيل فلا فائدة.. وعندَها فلا معنى للعرفان، فالعرفانُ بالعمل لا بالكلام!

أللّهُمّ صلِّ على محمّدٍ وآل محمّد.

 

***

 

 

 

 

 

 

 



[1] (محاضرات ومقالات العلّامة الطّهرانيّ: ج 38، ص1- 4)، وتجد التّرجمة الفارسيّة في برنامج موسوعة (إكسير السّعادة: مكتوبات - مراسلات – مقالات، ص 186 - 193).

 

[2] ** المقصود هو الإمام المهديّ عليه السلام، وقوله «الماء المعين» إشارة إلى ما رُوي من تفسير «الماء المعين» به عجّل الله تعالى فرجه الشّريف. من ذلك ما نقلَه في (تفسير نور الثّقلين) عن الصّدوق في (كمال الدّين وتمام النّعمة) مسنداً عن عن عليّ بن جعفر عن أخيه (الإمام الكاظم) موسى بن جعفر عليه السلام قال: «قلتُ له: ما تأويلُ قول الله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ الملك:30؟، فقال: إذا فقدتُم إمامَكم فلم تَروه فماذا تصنعون؟

وباسناده إلى أبي بصير عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ الملك:30، فقال: هذه نزلتْ في الإمامِ القائم. يقول: إنْ أصبحَ إمامُكم غائباً عنكم لا تدرونَ أين هو، فمَن يأتيكم بإمامٍ ظاهرٍ يأتيكم بأخبارِ السّماوات والأرض وحلالِ الله وحرامِه؟ ثمّ قال عليه السلام: واللهِ ما جاءَ تأويلُ هذه الآية، ولا بدّ أن يَجيئ تأويلُها».  

(الحويزي، تفسير نور الثّقلين: ج 5، ص 386)

[3] الأشهر الحُرم: وهي رجب وشعبان وشهر رمضان، التي تعدّ عند أهل العرفان من الأشهر الحُرم. ** أو لأنّ شهر رجب شهرٌ حرام، وبحلوله يتحقّق الدّخولُ في الأشهر الحُرم، أو للتّغليب كما في «القمرَين» بلحاظِ الحُرمة الخاصّة لشعبان وشهر رمضان وإنْ لم يكونا من الأربعة الحُرُم.

 

[4] ** «تيّقظ»: يدور البحث بين الفقهاء العارفين هل اليَقَظة أُولى مراتب السّير إلى الله تعالى، أم أنّها الحالُ الذي تبدأ فيه المراحل كما يرجِّح الإمام الخمينيّ رضوان الله تعالى عليه، وعلى أيّهما فالمفيدُ هنا أنّ دلالة «تيقّظ» غير دلالة «تَنَبّه»، فقد ينتبهُ الشّخص من النّوم، ولا يصدقُ عليه التيقّظ. وقولُه: «لكي تزداد في الزّاد» إشارة إلى أنّ رحلة العمر إنّما هي للتّزوّد والازدياد واغتنام الفُرَص. قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ البقرة: 197، وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ..﴾ الفتح:4، ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا﴾ الإسراء:109، ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ..﴾ الشورى:26. وحول اغتنام الفرَص والمبادرة والمسارعة، روى الشّيخ الطّوسيّ في (الأمالي: ص 686): عن أمير المؤمنين عليه السلام: «أيّها النّاس، الآنَ الآنَ من قبل النّدَم، ومن قبل ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الزمر:56-58، فيردّ الجليلُ (جلّ ثناؤه): ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ الزمر:59، فوَاللهِ ما سألَ الرّجوع إلّا ليعملَ صالحاً، ولا يشرك بعبادةِ ربّه أحداً..».

[5] ** تنبيهٌ على أهميّة موقع «قيام اللّيل، وصيام النّهار» من عمليّة التّزكية كَرُكنَين أساسيّين في متن حياة المؤمن واهتمامه، وليسا على الهامش كما يغلبُ علينا، والآيات والرّوايات في ذلك كثيرة جدّاً كما هو واضحٌ ومغيّب. يُكتفى هنا بما يلي: «قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: تَعاونوا بأكلِ السَّحَر على صيام النّهار، وبالنّوم عند القيلولة على قيام اللّيل». (الشّيخ الصدوق، المُقنع: ص 205)

[6] ** «لِشُكر إلهٍ..» إشارة إلى العبادة بنيّة شكر الله تعالى على تمام لطفِه وعمومه. تحدّث السّيّد الدّاماد في (اثنا عشر رسالة: ج 2، ص) عن أنواع النّيّة في الصّلاة، وحول العبادة شكراً لله تعالى، قال: «الثّالثة: فعلُ العبادة شكراً للنِّعَم واستجلاباً للمزيد». (إلى أن قال): «وأمّا كون الطّمع والرّجاء والشّكر والحياء بحيث تنبعثُ عنها العبادة ومن الأسباب الباعثة عليها، وإن لم تدخل في النّيّة حين إيقاعها، فلا كلامَ في عدمِ استضرار صحّةِ العبادة بها».

 

[7] ** إشارة إلى قوله تعالى: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ الذاريات:17.

[8] ** إشارة إلى المبدأ القرآنيّ «التّهجّد» الذي يكاد الغزو الثّقافيّ يجعل تضييعَه مطبقاً. قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ الإسراء: 79. وفيما أوصى به النّبيُّ صلّى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام: «يا عليّ، ثلاثُ فرحاتٍ للمؤمن في الدّنيا: لقاءُ الإخوان والإفطارُ من الصّيام، والتّهجّدُ في آخر اللّيل». (تفسير نور الثّقلين: ج 3، ص 204، نقلاً عن الخصال للشّيخ الصّدوق).

[9] ** في الحديث القدسيّ كما روى الشّهيد الثّاني في كتاب (مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد): أوحى الله إلى بعض الصّدّيقين: «إنّ لي عباداً يحبّوني وأُحبُّهم، ويشتاقون إليّ فأشتاقُ إليهم، ويذكرونني فأذكرُهم، فإنْ أخذتَ طريقَهم أحببتُك، وإنْ عدلتَ عنهم مَقَتُّك. قال: يا ربِّ ما علامتُهم؟ قال: يراعون الظّلالَ بالنّهار كما يُراعي الشّفيقُ غَنَمَه، ويحنّون إلى غروبِ الشّمس كما تحنُّ الطّيرُ إلى أوكارِها، فإذا جنّ اللّيلُ واختلطَ الظّلامُ وفُرشت الفرشُ ونُصبت الأسرّة وخلا كلُّ حبيبٍ بحبيبِه، نصبوا لي أقدامَهم وافترشوا لي وجوهَهم وناجوني بكلامي وتملّقوا لي بأنعامي، فبينَ صريخٍ وباكٍ، وبين متأوّهٍ وشاكٍ، وبين قائمٍ وقاعد، وبين راكعٍ وساجد، بعيني ما يتحمّلون من أجلي، وبسَمعي ما يسألون من حبّي. أوّل ما أُعطيهم ثلاثاً: أقذفُ من نوري في قلوبِهم فيُخبرون عنّي كما أُخبر عنهم. والثّاني: لو كانت السّماواتُ والأرضُ وما فيها في موازينِهم لَاستَقللتُها لهم. والثّالث: أُقبلُ بوجهي عليهم، فتَرى مَن أقبلتُ بوجهي عليه، يعلمُ أحدٌ ما أريدُ أن أُعطيه؟».

 (الحر العامليّ، الجواهر السَّنيّة في الأحاديث القدسيّة: ص 357)

وفي الدّعاء: «هَدَأَتِ الأصواتُ وسَكَنَتِ الحركاتُ وخلا كلُّ حبيبٍ بحبيبِه، وَخَلَوْتُ بِكَ، [أنتَ المحبوبُ إليّ] يا إلهي. فاجعَل خَلوتي منكَ اللّيلةَ العتقَ من النّار». (الشّيخ الطّوسيّ، مصباح المتهجّد: ص 278، وما بين القوسين من الدّعاء إضافة من الوافي للفيض الكاشانيّ: ج 9، ص 1679؛ وانظر: الكافي: ج 2، ص 594).

[10] ** «ورتِّل»: إشارة إلى قوله تعالى ﴿..وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾ المزمل:4، و«ماكثاً»: إشارة إلى قوله تعالى: ﴿..لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ..﴾ الإسراء:106، و«بأحسنِ صوت»: إشارة إلى الرّوايات التي تحثّ على قراءة القرآن بصوتٍ حَسن. منها ما أورده المجلسيّ الأوّل. قال: «رواه الكلينيّ في الموثّق كالصّحيح، عن أبي بصير قال: قلتُ لأبي جعفر عليه السلام إذا قرأتُ القرآن فرفعتُ به صوتي جاءني الشّيطان فقال: إنّما تُرائي بهذا أهلَك والنّاس، قال: يا أبا محمّد، اقرأ قراءةَ ما بين القراءَتين تُسمع أهلَك، ورجِّع بالقرآن صوتَك، فإنّ الله عزّ وجلّ يحبّ الصّوت الحَسن ترجّع فيه ترجيعاً». (روضة المتّقّين: ص 169). وقوله «يُشرق الظُّلَم»: إشارة إلى ما رُوي حول نور قراءة القرآن. من ذلك ما نقلَه الفيضُ الكاشانيّ في (الوافي: ج 9، ص 1737): «قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: نوِّروا بيوتَكم بتلاوةِ القرآن». كما نقلَ الفيضُ عن (الكافي) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: البيتُ الذي يُقرَأ فيه القرآن ويُذكَر اللهُ تعالى فيه تكثرُ بركتُه وتحضرُه الملائكةُ وتهجرُه الشّياطين، ويُضيءُ لأهلِ السّماء كما يُضيء الكوكبُ لأهلِ الأرض، وإنّ البيتَ الذي لا يُقرَأ فيه القرآن ولا يُذكَر اللهُ تعالى فيه، تقلُّ بركتُه وتهجرُه الملائكةُ وتحضرُه الشّياطين».

[11] ** تأكيدٌ على تفضيل قراءة القرآن على سائر الأعمال المستحبّة، وفي المسألة خلاف، ولذلك نبّهَ قدّس سرّه على خطإ كلّ مَن لم يلتزم بهذه الأفضليّة. في الحديث: «قال عليه وآله أفضل الصّلاة: أفضلُ عبادة أمّتي بعد قراءة القرآن الدّعاء..». (القطب الرّاوندي، الدّعوات: ص19).

وليلاحظ مدى عنايتِه قدّس سرّه ببَيانِ أفضليّة قراءة القرآن الكريم ليتنبّهَ القلبُ إلى ما يقتضيه إطلاقُ قوله تعالى:﴿.. فَاقْرَؤوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ..﴾ المزّمل:20. قال القطب الرّاوندي في (الدّعوات، ص33): «والظّاهر في الأخبار أنّ قراءة القرآن أفضلُ من جميع الأدعية، فإنّه عليه السلام قال: يقولُ اللهُ سبحانه: (مَن شغله) قراءةُ القرآن عن دعائي ومسأَلتي أعطيتُه ثوابَ الشّاكرين».

[12] ** «وسلّم على..»: في هذا البيت ثلاثةُ محاور: السّلام على الإمام صاحب الزّمان عليه الصّلاة والسّلام، وأنّه أصلُ القرآن وفصلُه، وأنّ العلاقة به يجب أن تكون علاقة «العبد السّلم، بسيّده الذي ليس له سيّدٌ غيره».

Ø     في المحور الأوّل: أكتفي بالإلفات إلى دوام العلاقة التي يعبِّر عنها دوام السّلام.

Ø  وفي المحور الثّاني: «أصلُ القرآن وفصلُه»، أشير إلى أنّ هذه العبارة نتيجةُ أبحاثٍ  معمّقةٍ تخصّصيّةٍ جدّاً، منها: أنّ «الكتاب المُبين» هو -كما عبّر السّيّد الطّباطبائيّ-  في (تفسير الميزان): «أصلُ القرآن وحُكمُه الخالي عن التّفصيل». ومنها: «العلاقة بين الكتاب المُبين، وبين الخزائن الإلهيّة»، ومنها: «العلاقة بين الكتاب المُبين والإمام المُبين»، الذي هو -أي الإمام- «أصلُ القرآن وفصلُه»، والمستنَد في هذه الأبحاث الآياتُ الكريمة والحديثُ الشّريف. من الآيات: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ يس: 12. ومن الروايات: «في (تفسيرعلي بن إبراهيم): ﴿.. وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ يس: 12، أي في كتابٍ مبين، وهو محكَم، وذكر ابنُ عبّاس عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنّه قال: أنا واللهِ الامام المبين، أُبيِّنُ الحقَّ من الباطل، ورثتُه من رسول الله صلّى الله عليه وآله». وفي كتاب (الاحتجاج) للطّبرسيّ رحمه الله عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله حديثٌ طويل يقولُ فيه: «معاشرَ النّاس، ما من علمٍ إلّا علّمنيه ربّي وأنا علَّمتُه عليّاً وقد أحصاهُ اللهُ فيَّ، وكلُّ علمٍ علمتُه (عُلِّمتُ) فقد أحصيتُهُ في إمام المتّقين، وما من علمٍ إلّا علمتُه عليّاً».

(تفسير نور الثقلين:ج 4، ص 379)

قال السّيّد الطّهرانيّ ما ترجمتُه: «المرادُ من الإمام المُبين، حقيقةُ النّفس الملكوتيّة لمقام الولاية، التي أُحصيَ فيها كلُّ شيء».

(السّيّد الطّهرانيّ، نور ملكوت قرآن "فارسي": ج 1، ص 104 نقلاً عن برنامج «كيمياى سعادت»)

 

Ø  وأما المحور الثّالث، وهو: «أن تكون العلاقة بإمام الزّمان عليه السلام، علاقةَ العبد، بسيّده الذي ليس له سيّدٌ غيره» فهو المعنى المراد بقول السّيّد القاضي قدّس سرّه: «كُنْ عبْدَهُ السَّلمْ». يدلّ على المراد أنّ لفظَ «السّلم» إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الزّمر:29.

قال المازندرانيّ: «﴿.. شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ..﴾: أي مختلفون متنازعون. ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ﴾. «السَّلم»، بالتّحريك: الصّلح والاستسلام والإذعان والانقياد، قال الله تعالى: ﴿..وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ..﴾ النساء:90: أي الانقياد، وهو مصدرٌ يقعُ على الواحد والاثنين والجَمع».

(المازندرانيّ، شرح أصول الكافي: ج 12، ص 300)

وفي (معاني الأخبار): «عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ألا وإنّي مخصوصٌ في القرآن بأسماء، احذروا أن تُغلبَوا عليها فتضلّوا في دينِكم، أنا السّلم لرسولُ الله صلّى الله عليه وآله، يقول اللهُ عزّ وجلّ: ﴿..وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ..﴾».

(الفيض الكاشانيّ، الوافي: ج 2، ص 203)

والنّتيجة العمليّة هي أنّ علاقة العبد السّلم ببقيّة آلِ الله تعالى؛ إمام زمانِنا عليه الصّلاة والسّلام، هي انقيادٌ تامٌّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو تجلّي توحيد الله تعالى.

[13] ** أجمع المسلمون على أنّ حبّ أهل البيت عليهم السلام علامةُ الإيمان، وهو ما أكّده رسول الله صلّى الله عليه وآله أشدّ تأكيد وأوضحَه حتّى صار حبُّ أهل البيت عليهم السلام أعظمَ دليلٍ على  سلامةِ التّوحيد. «جاء أعرابيٌّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله، فقال: يا رسولَ الله هل للجنّة من ثمن؟ قال: نعم، قال: ما ثمنُها؟ قال: لا إله إلّا الله، يقولُها العبدُ مخلصاً بها، قال: وما إخلاصُها؟ قال: العملُ بما بُعثِتُ به في حقّه، وحبُّ أهلِ بيتي، قال: فداكَ أبي وأمّي، وإنّ حبَّ أهل البيت لَمِن حقِّها؟ قال: إنّ حبَّهم لأَعظمُ حقّها».

(المحدّث النوري، مستدرك الوسائل: ج 5، ص 359؛

وانظر: الشّيخ الطّوسيّ، الأمالي: ص 583)

يوضحُ ما تقدّم بعض معاني قوله قدّس سرّه:

«فَمنْ دانَ للرَّحْمن في غيرِ حُبِّهمْ                فَقَدْ ضَلَّ في إنكارهِ أعظمَ النِّعَمْ»

ويوضح كونَ حبِّهم عليهم السلام أعظمَ النِّعم ما رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «.. لكلّ شيءٍ أساس، وأساسُ الإسلام حبّنا أهلَ البيت». (الوافي: ج 4، ص 142). وكذلك قولُه صلّى الله عليه وآله: «لي فضلٌ على النّبيّين، فما من نبيٍّ إلّا دعا على قومِه بدَعوة، وأنا أخّرتُ دعوتي لأُمّتي لأشفعَ لهم يوم القيامة، وأمّا فضلُ أهلِ بيتي وذرّيّتي على غيرِهم كفضلِ الماء على كلّ شيء، وبه حياةُ كلِّ شيء، وحبُّ أهل بيتي وذرّيّتي استكمالُ الدّين، وتلا رسول الله هذه الآية: ﴿..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..﴾ المائدة:3.

                                                                                 (الشّيخ الصّدوق، الأمالي: ص 259)  

 

[14] ** «فحبُّهم حبُّ الإله»: ممّا يدلّ عليه ما رُوي عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: «سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: أنا سيّدُ وُلدِ آدم، وأنت يا عليّ والأئمّة من بعدك سادةُ أُمّتي، مَن أحبّنا فقد أحبّ الله، ومَن أبغضنا فقد أبغضَ الله، ومَن والانا فقد والى الله، ومَن عادانا فقد عادى الله، ومَن أطاعَنا فقد أطاعَ الله، ومَن عصانا فقد عصى الله». (الريّشهريّ، أهل البيت في الكتاب والسّنّة: ص391، نقلاً عن أمالي الصّدوق، وبشارة المصطفى).

وفي «الزّيارة الجامعة»: «.. ومَن أحبَّكم  فقد أحبَّ الله..». ويدلّ عليه قولُه صلّى الله عليه وآله: «لا يؤمنُ أحدُكم حتّى..». قال العلّامة الطّهرانيّ قدّس سرّه: «وينبغي أن نعلم بأنّ العبادة يمكن أن تكون على ثلاثة أوجُه: الأوّل: عبادةٌ من أجل الطّمع في الجنّة؛ الثّاني: عبادةٌ بسبب الخوف من النّار؛ الثّالث: عبادةٌ لأجل حبّ الله وتقرّباً إليه ابتغاءً لِوَجْهِه؛ لا طَمعاً ولا خَوفاً. وينبغي على السّالكين إلى الله الذين يقصدون بلوغَ الولاية وخالصَ العبوديّة أن يؤدّوا عباداتهم بل وأعمالَهم جميعها على نحو الوجه الثّالث الذي يعني الحبّ والعشق لله سبحانه تعالى. ".." وحبُّ أحبّاء الله هو حبُّ اللهِ نفسه».

(الطّهرانيّ، معرفة الإمام: ج 5، ص 32 و135 - برنامج إكسير السعادة)

 

[15] ** إشارةٌ إلى قوله تعالى ﴿.. فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى..﴾ البقرة:256، حيث رتّب التّمسّك بالعُروة الوثقى على الإيمان وهو حبّ الله تعالى -وحبُّهم عليهم السلام حبُّه سبحانه- والرّوايات حول أنّهم عليهم السلام «العروة الوثقى» كثيرة، أكتفي هنا بروايتَين منها: في (عيون الأخبار) بإسناده إلى أبي الحسن الرّضا عن أبيه عن آبائه عن عليٍّ عليهم السلام قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: مَن أحبّ أن يركب سفينةَ النّجاة ويستمسكَ بالعروة الوثقى، ويعتصمَ بحبلِ الله المتين فليُوالِ عليّاً بعدي، وَلْيُعادِ عدوّه، وَلْيَأتمَّ بالأئمّة الهداةِ من وُلده». وفيه فيما جاء عن الرّضا عليه السلام من الأخبار المجموعة وبإسناده قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: الأئمّةُ من وُلد الحسين. مَن أطاعهم فقد أطاع الله، ومَن عصاهم فقد عصى الله، هم العروةُ الوثقى وهم الوسيلةُ إلى الله تعالى».

(الحويزي، تفسير نور الثّقلين: ج 1، ص 263)

[16] ** قوله: «فلا تَكُ باللّاهي عن الْقول»: الظّاهر أنّه تأكيدٌ على التّدبّر في ما تقدّم عن محوريّة حبّ أهل البيت، والسّلام على بقيّتهم عليهم السلام، ويحتمَل أن يكون هذا البيت تأكيداً على التّدبّر أثناء ترتيل القرآن الكريم، بقرينَتين:

1-   «كي ترقى إلخ» لمجانستِه للمرويّ في قراءة القرآن: «اقرأ وارقَ».

2-   أنّه تحدّث عن الذِّكر في البيت التّالي، ممّا يوضحُ أنّه ليس بصدد التّأكيد على حضور القلب في الذّكر.

 

[17] ** قوله: «عليك بذكرِ الله..»: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «سيّدُ الأعمال إنصافُ النّاس من نفسك، ومواساةُ الأخ في الله، وذِكرُ الله على كلّ حال». «وفي الصّحيح، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ثلاثٌ من أشدّ ما عمل العباد، إنصافُ المرء من نفسِه، ومواساةُ المرء أخاه، وذِكرُ اللهِ على كلّ حال، وهو أن يذكرَ الله عند المعصية يهمُّ بها فيَحول ذكرُ الله بينَه وبين تلك المعصية، وهو قولُ الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ الأعراف:201».

(المجلسي الأوّل، روضة المتّقين: ج 13، ص 184)

 

[18] ** في الأصل: «لحرْماته فيها عظِّمه» من دون الواو، وقد أضفتُها ليستقيمَ الوزن، وَلْيلاحظ تسكينُ (راء) حرماته.

[19]** قوله: «فهذا حِمى الرّحمن..». المراد بـ «حمى الرّحمن» الأشهر الحُرم؛ وهي رجب وذو القعدة، وذو الحجة ومحرّم. وقد ورد في أدعية رجب: «وهذا رجبُ المرجّب المكرّم الذي أكرمتنا به، أوّل أشهُر الحرم». وسُمّيت «الحُرُم» لأنّها معظّمة عند الله تعالى، فلها حرمة خاصّة، من مظاهرها حرمةُ القتال فيها إلّا مع مَن يستحلُّ حرمتَها. هذه الحرمة العظيمة تجعل لهذه الأشهر جوّاً خاصّاً تصبحُ الطّاعة فيه عظيمةً والمعصيةُ خطيرة، وجوّ هذه الحرمة ومناخها هو المعبّر عنه بـ «الحمى»، تشبيهاً بحمى الملوك والسّلاطين، فيجب على المسلم أن يعظّم الدخول في هذا الحمى. «فادْخلْ مُراعياً لِحُرْماته فيها [و] عَظِّمْهُ والتزمْ». قال السّيّد ابن طاوس عليه الرّحمة: «وأنت إن كنت مسلماً تجد فرقاً بين الدّخول في حَرَم الملوك وحِماهم لرعاياهم، وبين الخروج عن الحِمى والحرم الذي شرّفهم به وحفظَهم بسببه ووقاهم» (إقبال الأعمال: ج 3، ص 285)، وقال: «واعلم أنّه إذا كانت أشهُر الحُرم قد اقتضت في الجاهليّة والإسلام تَرْكَ الحروب والسّكون عن الفعل الحرام، فكيف يحتمل هذه الشّهور أن يقع محاربةٌ بين العبد ومالكه في شيءٍ من الأمور، وكيف يعظّم وقوع المحارم بين عبدٍ وعبدٍ مثله ولا يعظّم أضعافَ ذلك بين العبد وبين مالكِ أمره كلّه، فالحذَر الحذر من التّهوين بالله في هذه الأوقات المحرّمة، وأن يهتكَ العبدُ شيئاً من شهورها المعظّمة».

(السّيّد ابن طاوس، إقبال الأعمال: ج 3، ص 172)

 

[20] ** «فَمَنْ يعتَصِم بالله..». مضمون الآيات التي أوردَها قدّس سرّه في مستهلّ النّصّ، بعد هذا البيت مباشرة.

 

[21] ذيل الآية 101 من سورة آل عمران.

 

[22] جزء من الآية 15 من سورة الشورى.

 

[23] صدر الآية 30 من سورة فصِّلت.

 

[24] المقصود طريقة التّوبة التي بيّنها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهي مذكورة في كُتب الأدعية مثل (مفاتيح الجنان) في أعمال شهر ذي القعدة، يقول في (المفاتيح) في أعمال شهر ذي القعدة: «وصِفتُها أن يغتسلَ في يوم الأحد ويتوضّأ ويصلّي أربعَ ركعات، يقرأ في كلٍّ منها (الحمد) مرّة و(قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ) ثلاث مرّات و(المعوّذتين) مرّة، ثمّ يستغفر سبعين مرّة، ثمّ يختم بكلمة (لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلّا بِاللهِ الْعَليِّ الْعَظيمِ) ثمّ يقول: (يا عَزيزُ يا غَفّارُ، اغْفِرْ لي ذُنُوبي وَذُنُوبَ جَميعِ المؤمِنينَ وَالْمُؤمِناتِ، فَإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلّا أنْتَ)». ** في التّرجمة الفارسيّة أضاف العلّامة الطّهرانيّ: «وأوجبُ شيءٍ علينا بعد التّوبة هو الحذر من الذّنوب الصّغيرة والكبيرة، إلى أقصى ما نقدر عليه ونستطيعُه».

 

[25] ** أي إلى أقصى حدٍّ ممكن.

 

[26]  المقصود هنا الأحد الثّاني من الشّهر.

 

[27] منعُ النّفس من أيِّ عملٍ لا يرضى اللهُ به.

 

[28] منعُ القلب من كلّ ما لا يُعجِبُ المحبوب.

 

[29] أي أنّ أحد أهمّ الواجبات الحتميّة للسّلوك إلى الله تعالى، اليقين بالمبدأ والمعاد وحقّانيّة الطّريق ".." والأستاذ، وفي حالة وجود أقلّ شكّ أو ترديد فإنّ السّالك سيمنع نفسه بنفسه من الحركة، ولذا فمن المستحيل مع وجود الشّكّ أن يحصل السّالك على النّجاة.

[30] وذلك أنّ الصّلوات الواجبة سبعة عشر ركعة، وبضمّ نوافل كلّ واحدة بهذا التّرتيب: ركعتَين نافلة الصّبح، ووقتُها قبل صلاة الصّبح، وثمان ركعات نافلة الظّهر وثمان ركعات نافلة العصر تُصلّى قبل فريضتَي الظّهر والعصر، وأربع ركعات نافلة المغرب، ووقتُها بعد المغرب، وركعة واحدة من وقوف أو ركعتَين من جلوس نافلة العشاء، ووقتُها بعد صلاة العشاء، ومجموعها ثلاثة وعشرون، يضاف عليها إحدى عشرة ركعة لصلاة اللّيل ليكون مجموع كلّ النوافل أربعاً وثلاثين ركعة، وهكذا يكون مجموع الفرائض والنّوافل اليوميّة واحداً وخمسين ركعة.

 

[31] وذلك بحذف أربع ركعات من نافلة العصر، وركعتين من نافلة المغرب، و(الوتيرة)، ليصبح مجموعها سبع ركعات. (هذا التّوضيح من العلّامة الطّهرانيّ روحي فداه).

 

[32] المقصود بها نافلة الظّهر. ** وبالرّجوع إلى ترجمة السّيّد الطّهرانيّ لهذه التّوصيات نجد هنا -إضافةً إلى ما تقدّم- قوله قدّس سرّه: «وأدّوا صلاة الظّهر في وقت الفضيلة، فقد ورد التّأكيد عليها في القرآن، إذ المراد بالصّلاة الوسطى هو صلاة الظُّهر». وحول أنّ «صلاة الأوّابين» هي نافلةُ الظّهر، نجد في تسمية النّوافل في كتاب (فقه الرّضا عليه السلام): «ثمان ركعات قبل زوال الشّمس وهي صلاة الأوّابين، وثمان ركعات بعد الظّهر وهي صلاة الخاشعين، وأربع ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة وهي صلاة الذّاكرين، وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس تحسَب بركعة من قيام وهي صلاة الشّاكرين، وثمان ركعات صلاة اللّيل وهي صلاة الخائفين، وثلاث ركعات الوتر وهي صلاةُ الرّاغبين، ورَكعتان عند الفجر وهي صلاة الحامدين».              

(علي بن بابويه، فقه الرّضا عليه السلام: ص 99)

 

[33] ** يشير قدّس سرّه إلى قانونٍ هو الحدّ الفاصل بين مَن يريد المقامات العالية وبين مَن لا يريدها، ويضع هذا القانون حدّاً للمغالطة السّائدة من أنّ أقصى درجات فضيلة المستَحبّ أنّه مُستحبّ، وبالتّالي فلا مسوّغ شرعاً للَوم النّفس والغَير على عدم الالتزام به. يريد السّيّد هنا أن يوضح أنّ ما تقدّم مقبولٌ ممّن لا يريد المقاماتِ العالية، أما مَن يريدها فينبغي أن يلتزم بالمستحبّ ويضعه في المرتبة التي رتّبهَ اللهُ تعالى فيها. إنّه ملزَم بهذا أو الانتباه إلى أنّه ليس له أن يطلب الدّرجات العالية من الثّواب لأنّه  قرّر أن لا يتعامل مع ثقافة فعل المستحبّ وتَرْك المكروه، وحيث إنّ مخاطَب السّيّد القاضي -والفقهاء العرفاء عموماً- هو المؤمن الطّالب للمقامات العالية، فإنّ هذا التأكيد في محلّه تماماً، بل هو ضروريٌّ جدّاً. وفي هذا السّياق يقع ما يُنقل عن السّيّد بحر العلوم قدّس سرّه عندما عطّل درسَه الذي كان يحضرُه كبار العلماء والفضلاء، ولمّا سُئل عن السّبب قال: «إنّكم لا تصلّون صلاةَ اللّيل». وسيأتي مزيدُ تأكيدٍ على صلاة اللّيل في كلام العلّامة الطّهرانيّ، الذي يلي توصيات السّيّد القاضي قدّس سرّهما. 

 

[34] ** عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «اقرَأوا القرآن بالحُزْن، فإنّه نزلَ بالحُزْن». وعن أمير المؤمنين عليه السلام -في صفة المتّقين: «أمّا اللّيل فصافّون أقدامَهم، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونها ترتيلاً، يُحزنون به أنفسَهم، ويَستثيرون به دواءَ دائهم».

 

[35] ** قوله: «شرابُ المؤمنين»: ينبغي الوقوف جيّداً عند هذا الوصف للقرآن الكريم، وَلْيُلاحظ:

أوّلاً: أنّه قدّس سرّه أورد الحثّ على التّلاوة بعد الحثّ على صلاة اللّيل، وهو منسجمٌ مع ما في سورة المزّمّل: ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾. المزمل:2-4.

ثانياً: لم أجد في الرّوايات –في حدود تَتبُّعي- وصفَ القرآن بأنّه «شراب المؤمنين»، ولكن رُوي عن الإمام الإمام عليّ عليه السلام -في صفة القرآن: «جعلَه اللهُ ريّاً لعَطشِ العلماء، وربيعاً لقلوبِ الفُقهاء، ومحاجّ لطُرق الصُّلحاء، ودواءً ليس بعدَه داء، ونوراً ليس معه ظُلمة».

ثالثاً: في القرآن الكريم آياتٌ عديدة حول الشّراب الطَّهور، والكأس، والعَين، وغير ذلك ممّا يرتبط بالشّراب. من هذه الآيات العديدة قولُه تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا﴾ الإنسان:20-21. وحول كلٍّ من المضامين القرآنيّة المتقدّمة روايات متكثّرة منها: في (تفسير البرهان)، قال السّيّد البحرانيّ: «عن أبي جعفر عليه السلام، في قوله عزّ وجلّ: ﴿وإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً ومُلْكاً كَبِيراً﴾: يعني بذلك وليَّ اللهِ وما [هو] فيه من الكرامة والنّعيم والمُلك العظيمِ الكبير، إنّ الملائكة من رُسل الله عزّ ذِكرُه يستأذنون عليه فلا يدخلون عليه إلّا بإذنِه، فذلك المُلكُ العظيمُ الكبير»، وقال: «على باب الجنّة شجرة، إنّ الورقة منها لَيَستظلّ تحتَها ألفُ رجلٍ من النّاس، وعن يمين الشّجرة عينٌ مطهّرةٌ مُزَكِّيَة، قال: فيُسقون منها شربةً فيُطهِّرُ اللهُ بها قلوبَهم من الحسَد، وتسقطُ من أبشارِهِم الشَّعر، وذلك قول الله عزّ وجلّ: ﴿..وسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً﴾».  

(السّيّد هاشم البحرانيّ، البرهان في تفسير القرآن: ج 5، ص 554)

رابعاً: إذا استحضرنا حقيقة أنّ الآخرة هي باطن الدّنيا، وهي عالَمُ تظهيرِ ما كان في الدّنيا من نوايا وعقائد، وأخلاق وعمل، أمكن الاستنتاج -والله العالم- أنّ المواظبة على قراءة القرآن الكريم في الدّنيا، هي الشّرابُ الطَّهور في الآخرة. يحتاجُ الجسدُ في الدّنيا إلى قُوت وشراب، وتحتاج الرّوح في الدّنيا إلى قُوت وشراب، أما القُوت فهو الذِّكر. قال الإمام عليّ عليه السلام: «مداومةُ الذِّكرِ قوتُ الأرواح ومفتاحُ الصّلاح». وأمّا الشّراب فهو تلاوةُ القرآن الكريم.

خامساً: ويحتمَل أن يكون مراد السّيّد قدّس سرّه المقارنة بين سُكر القرآن الذي يصونُ العقلَ ويقوّيه، وبين سُكر الشّراب (الخمر) الذي يُذهب العقل، فَلِلحقائق سُكرُها الخاصّ المنزّه عن اللّوثات والنّقائص.

 

[36] ** من الواضح أنّ هذه الأوراد المعهودة هي غير هذه التّوصيات، ممّا يعني أنّ المؤمن يلتزم المواظبة والمداومة على أوراد خاصّة، إلّا أنّ التّدرّج في اختيار الأوراد من بين المرويّ عن المعصومين عليهم السلام أمرٌ في غاية الأولويّة عملاً بما رُوي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا عليّ، إنّ هذا الدّين متين، فَأَوْغِل فيه بِرِفق، ولا تُبَغِّض إلى نفسِك عبادةَ ربّك، [فـ] إنّ المُنْبَتَّ –يعني المُفْرِط- لا ظَهراً أبقى ولا أرضاً قطَع، فاعمَل عملَ مَن يرجو أن يموتَ هَرِماً، واحذَر حذرَ مَن يتخوّفُ أن يموتَ غداً».

(الكلينيّ، الكافي: ج 2، ص 87)

 

[37] أي السّجدة اليونسيّة [وهي سجود] مع ذِكر ﴿.. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَالأنبياء:87. ** تلتقي كلماتُ العلماء المختصّين عند أهميّة الذّكر اليونسيّ، ويمكن القول بأنّه يأتي في المرتبة التّالية للصّلاة على النّبيّ وآله صلّى الله عليه وآله، وهي تقعُ في مرتبة الذِّكر الأولى. في شرح فقرةٍ من «دعاء عرفة» تضمّنت الذّكر اليونسيّ، قال المرجع الشّيخ الوحيد الخراسانيّ: «بدأ بقوله عليه السلام: "يا مولاي أنتَ الذي مَنَنْتَ" وختمَ بقولِه عليه السلام: "أنتَ الذي أكرمتَ تباركتَ ربّنا [ربّي] وتعاليتَ" وبعدما بيّنَ ما هو حقُّ الربّ بنِعَمِه ومِنَنِه، وما يستحقُّه العبدُ بقصورِه وتقصيره، خاطبَ الله سبحانَه بالتّهليل اليونسيّ، الذي هو منتَهى سير الكُمَّل من الأولياء الذين وصلوا إلى معرفةِ الله، ومعرفةِ النّفس، فقال: ﴿.. لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾».

 

[38] ** قوله: «المَشهد الأعظم»: جاء في النّسخة التي ترجَمها العلّامة السّيّد الطّهرانيّ قدّس سرّه ما ترجمتُه: «المراد هو حَرمُ أمير المؤمنين عليه السلام والقبرُ المنير لذلك المعظّم، وأيضاً سائر المشاهد المشرّفة لأهل البيت والمساجد المعظّمة كالمسجد الحَرام. مسجد النّبيّ. مسجد الكوفة. مسجد السَّهلة. وبشكلٍ عامّ كلّ مسجدٍ من المساجد لأنّ المؤمنَ في المسجد كالسَّمَكة في الماء». 

 

[39]** لا فصلَ إطلاقاً بين توحيدِ الله تعالى وبين العلاقة الدّائمة ببَيت الله سبحانه (المسجد). الموحِّدُ مَسْجِدِيٌّ. هذه المَسجديّة هي للمسلم كالماء للسّمكة. ثبّتَ القرآنُ الكريم مبدأَ التّلازم بين رحلة عمر الموحِّد وبين المسجدِ الحرام: ﴿..فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ...﴾ البقرة:144. ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ البقرة:150، لتَتفرّع على ذلك العلاقةُ الحميمةُ بكلّ بيوت الله تعالى في أرجاءِ الأرض، والقريبِ منها بشكلٍ خاصّ، والأقدَمِ منها بشكلٍ أخصّ، وفي سياق هذه العلاقة المركزيّة للقلب الموحّد بالمساجد -بيوت الله تعالى- تقعُ ثقافةُ المسجد وآداب العلاقة بالمسجد التي يجمعُها عنوان: لا صلاةَ لمن جارُه المسجد إلّا في المسجد، كما يشيرُ إلى محوريّتها أدبُ صلاة ركعتَي تحيّة المسجد بعد الدّخول إليه مراعياً تقديمَ اليُمنى. خلاصةُ هذه الثّقافة المسجديّة أنّ حاجة الرّوح إلى العلاقة الدّائمة بالمسجد أهمّ من حاجة الجسد إلى الماء والهواء والنّور، فضلاً عن الطّعام.

 

[40] ** يناسب المقام الإلفات إلى نيّة القُربة في تسبيح الزّهراء عليها السلام. قال العلّامة الحلّيّ: «وتستحَبّ فيه النّيّة، فيقول: أُسبِّحُ تسبيحَ الزّهراء لنُدبِه قربةً إلى الله». (العلّامة الحلّيّ، الرّسائل الفخريّة: ص 50).

وكذلك يناسب الإلفات إلى استحباب الإخفات في تسبيح الزّهراء عليها السلام. قال الشّيخ ابن فهد الحلّيّ: «والأفضلُ السّرُّ عملاً بعموم: "الذِّكرُ سرّاً يعدلُ سبعين ضعفاً من الجَهر" لقربِه من الإخلاص وبُعده من الرياء». (إبن فهد الحلّيّ، الرّسائل العشر: ص 354)

ويبدو أنّ عبارة: «ولا أقلّ في كلّ مجلسٍ دورة» إشارة إلى استحباب تكرار تسبيح الزّهراء عليها السلام، ولم أجِد مَن صرّحَ بذلك. نعم ورد في رواية عن الإمام الباقر عليه السلام الرّخصة بالتّسبيح «ما شاء –المسبِّح– تطوّعاً»، وهو يشمل تكرار تسبيح الزّهراء عليها السلام، وإليك الرواية: «محمّد بن مسلم قال: سألتُ أبا جعفر عليه السلام عن التّسبيح فقال: ما علمتُ شيئاً موظّفاً غيرَ تسبيحِ فاطمة صلوات الله عليها، وعشرَ مرّاتٍ بعد الغداة تقول: (لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، يُحيي ويُميت، ويُميتُ ويُحيى، بيَدِه الخير، وهو على كلِّ شيءٍ قدير)، ولكنّ الإنسانَ يسبّحُ ما شاءَ تطوُّعاً».

 (الشّيخ البهائي، الحبل المتين، ط.ق:  ص 259)

[41]**  قال السّيّد العلّامة الطّهرانيّ قدّس سرّه: «إحدى الوظائف الهامّة للسّالك إلى الله تعالى، الدّعاء لفرج حضرة الحجّة صلوات الله عليه في قنوتِ الوِتر، بل ينبغي الدّعاء لفَرَجه عجّل الله تعالى فرجه في كلِّ يوم وكلِّ وقت، و[في] جميع الأدعية». وأوضح السّيّد الطّهرانيّ أنّ المراد بدعاء الفَرَج هو الموجود في (مفاتيح الجنان) والذي يبدأ بهذه الجملات: «إلهي عَظُمَ الْبَلاءُ وبَرحَ الْخفاءُ..». ومن أهمّ آداب المراقبة تطهيرُ القلب من لَوثة العداوة لدعاء الفَرَج كما هو حالُ أبرزِ مؤسِّسي الوهّابيّة المقنّعة حيث يصرّح بالمَنع عن قراءة دعاء الفَرَج لأنّه لم يفهم أنّ خطاب «يا محمّدُ يا عليّ إكفياني فإنّكما كافيان» لا يتنافى مع ما في الدّعاء: «يا مَن يكفي من كلّ شيءٍ ولا يَكفي منه شيء». وبعد أن أطنبَ في المَنْع -في ما بُثَّ مؤخّراً وشاهدتُه وسمعتُه- ردَّ على نفسِه فقالَ ما حاصلُه: «لا دليلَ على أنّ الذين يقرَأونه يقصدون الطّلبَ من محمّد وعليّ، على نحو الاستقلال». الأمر الذي ينسفُ أصلَ محاربتِه لدعاء الفَرَج، إذ من بديهيّات التّوحيد أن لا يكون الطّلبُ على نحو الاستقلال إلّا من الواحدِ الأحد جلَّ ثناؤه وتقدّست آلاؤه، وهو الأصلُ الذي تُثبتُه «الزّيارة الجامعة» بقول الإمام الهادي عليه السلام: «أللّهُمّ إنّي لو وجدتُ شفعاءَ أقربَ إليك من محمّدٍ وأهلِ بيتِه الأخيارِ الأئمّةِ الأبرار لَجعلتُهم شُفعائي..». وأمّا مَن يحيدُ عن قراءة دعاء الفَرَج لوجود فقرة: «يا عليُّ يا محمّد» حيث جرى تقديم لفظ «عليّ»، فَلْيَتنبّه إلى أنّ تقديم اللّفظ يهدفُ إلى تثبيت الوحدة والاتحاد في خطّ قولِه تعالى: ﴿..وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ..﴾ آل عمران:61، بمعنى أنّ مَن اتّبعَ عليّاً فقد اتّبعَ رسولَ الله صلّى الله عليهما وآلهما، وإلّا فلا.

 

[42] ** «الزّيارة الجامعة»: يُجمِعُ الفقهاء على صحّة مضامين الزّيارة الجامعة، وهي وِردُ العلماء والصّالحين عبر الأجيال والقرون، فلا تَأبَه بتَشكيكات الوهّابيّة المقنّعة التي لم يتمكّن مؤسِّسُها الأبرز من ردِّ الدّليل الذي يُبطلُ ادّعاءَه التّعارضَ بين بعض مضامين هذه الزّيارة وبين القرآن الكريم. في جوابٍ على سؤال، قال السّيّد الخوئيّ رحمه الله: «الاعتقادُ بأنّ للأئمّة مقاماً لا يبلغُه مَلَكٌ مقرّب، ولا نبيٌّ مرسَل -ما عدا نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وآله- أو الاعتقاد بالمضامين التي جاءت في الزّيارة الجامعة الكبيرة بنوعِها صحيح، يوافقُ عقيدةَ المؤمن».

(صراط النّجاة: ج 3، ص 418)

 

[43] ** تحدّث السّيّد القاضي عن تلاوة القرآن الكريم في الفقرة رقم 5، وتحدّث بعدَها عن جملةٍ من الأوراد والأعمال، قد تستغرقُ وقتاً يضيِّق وقتَ قراءةَ القرآن ويكون على حسابِها. لذلك -في ما يبدو- عاد إلى تثبيتِ الوقت المطلوب يوميّاً لقراءة القرآن، وهو الوقتُ الذي يمكِّنُ من تلاوة جزءٍ على الأقل.

 

[44] ** كما قد يؤدّي الاشتغال بالصّلوات والأذكار المؤقّتة -التي يلتزم بها كلُّ شخص- إلى تَضييق مساحة تلاوةِ القرآن الكريم، فلذلك اقتَضى الأمرُ التّوكيد الخاصّ، كذلك قد يؤدّي الاشتغال بالبرامج العباديّة بما فيها تلاوة القرآن الكريم إلى غَلَبة التّفرّد والوحدة وقطع العلاقة بالإخوان أو ضعفِها، لذلك اقتضى الأمر التّوكيد على التّوازن، ومن الواضح أنّ المراد بالإخوان هم الذين يسلكون صراطَ الجهاد الأكبر المستقيم، فهم الذين ينطبق عليهم «الرّفيق في المضيق» أي يُعينون على سفَر الآخرة. والنّتيجة أمران: حُسن اختيار الإخوان في الله. والتّوازن في البرامج العباديّة بحيث لا تُضعف التّواصل معهم، بل اعتبار هذا التّواصل وفقَ الضّوابط الشّرعيّة من البرنامج العباديّ، كما يدلّ عليه مجيءُ التّوكيد على عدم التّساهل في زيارة الإخوان -في سياق أعمال الأشهر الثّلاثة- التي هي إضافةٌ إلى الأوراد التي جرى الالتزام بها قبل دخول شهر رجب.

 

[45] ** كي ندركَ أهميّة زيارة القبور وموقعَها من عمليّة التّزكية، يكفي التّأمّل في هذه الآيات الكريمة: ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ الحج:7، ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ الانفطار:4-5. ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ *  وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ﴾ العاديات:9-10. بَعْثُ مَن في القبور، وبَعثَرتُهم، وكذلك بَعْثَرَةُ قبورِهم، كلّ ذلك مدخلٌ إلى يوم العرض الأكبر. زيارةُ القبور -إذاً- ركنٌ ركينٌ في دوام اليَقَظة والتّأهُّب ليوم البَعث من هذه القبور إلى أرضِ المَحشر. من هنا تبدأُ الرّحلةُ الحاسمة والولادةُ الحقيقيّة للحياة الحقيقيّة، وما عدا ذلك منامٌ مزعِج. «النّاسُ نيامٌ إذا ماتوا انتبَهوا». تُذكِّر زيارةُ القبورة بأنّ اليقَظة على مراتب، ليتمنّى القلبُ أعلاها وتنتظمَ الجوارحُ بإمرتِه في صراطها المحمّديّ المستقيم. أللّهُمّ ارزقنا.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

10/05/2013

دوريّات

نفحات