قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

09/07/2013

الخَرائِج والجَرائِح


الخَرائِج والجَرائِح

في معجزات النّبيّ صلّى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام

ـــــ قراءة: سلام ياسين ـــــ

الكتاب: «الخَرائج والجَرائح».

المؤلِّف: الشّيخ سعيد بن عبد الله، المعروف بـ «قطب الدّين الرّاونديّ» (ت: 573 للهجرة).

النّاشر: «مؤسّسة الإمام المهديّ عليه السلام»، قمّ المقدّسة 1409 للهجرة.

 

 


 

قيل في تعريف «الإعجاز» إنّه: «الإتيانُ بشيءٍ يَعجز عنه غيرُ فاعله، وهو خاصٌّ بالله سبحانه». وقد اقتضت الحكمة الإلهيّة أن يَخُصَّ اللهُ تعالى أنبياءَه وأوصياء أنبيائه في مختلف العصور بآياتٍ باهرة، ومعجزاتٍ ظاهرة، تناسبُ العصر والقومَ والمقتضى.

وبما أنّ الإسلام رسالةٌ إلهيّة، ودعوةٌ دينيّة غيبّية، فهي تحتاج إلى البراهين القاطعة والحُجج البالغة، تأتي مرّةً بالمنطق العلميّ الحكيم، والدّليل العقليّ السّليم، ومرّةً بالتّجربة النّاطقة، وأخرى بالمعجزة البيّنة؛ لئلّا يكونَ للنّاسِ على الله حُجّةٌ بعد الرُّسُل، ولِيَهلكَ مَن هلَكَ عن بيّنة، ويَحيى مَن حَيَّ عن بيّنة. وطالما قطعت المعجزاتُ بعد الرُّسل ألسنةَ التّشكيك والتّضليل، وثبّتت الإيمان في قلوب طلّاب الحقائق.. وقد جرى هذا على أيدي أئمّة الحقّ والهدى من أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد جمعَتْ شيئاً منه كتبُ المعاجز والكرامات، منها هذا الكتابُ النّافع: (الخرائج والجرائح) لمؤلّفه الفقيه المتكلِّم، والمُحدِّث المفسِّر، الشّيخ قطب الدّين الرّاونديّ. [انظر: «أعلام» من هذا العدد]

ويُعَدُّ هذا السِّفرُ الجليلُ من أعظم كُتُب المعجزات ودلائل نبوّة نبيّنا صلّى الله عليه وآله وإمامة الأئمّة عليهم السّلام، والّتي انتهت إلينا من تُراث علمائنا الأقدَمين، ترتيباً وتنقيحاً، وتوثيقاً وإحكاماً، وإحاطةً وشمولاً، فهو يُنبئ عن سِعة اطّلاعِ مؤلِّفه قدّس سرّه على كلّ ما سبقه من تآليف في موضوعه، ودرايةٍ تامّةٍ بمعجزاتهم، وما قيل في حقِّهم عليهم السلام. ويتميّز عن غيره من الكُتُب الّتي أُلِّفت في بابه، أنّه استطاع التّوفيق بين المعجزات والدّلائل والمسائل الكلاميّة الواردة عليها.

يُضاف إلى ذلك، أنّ (الخرائج والجرائح) باتَ الأصلَ والمصدرَ لكثيرٍ من الرّوايات والأحاديث الّتي اعتمدَها المؤرّخون والمحدّثون المتأخّرون عنه في أبحاثِهم حول معجزات النّبيّ صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام ودلائلهم. وممّن اعتَمَد عليه من علمائنا:

الأربليّ في (كشف الغُمّة)، والشّيخ زين الدّين النّباطيّ في (الصّراط المستقيم)، والشّيخ الحرّ العامليّ في (وسائل الشّيعة) و(إثبات الهداة)، والشّيخ المجلسيّ في (بحار الأنوار)، والشّيخ عبد الله البحرانيّ في (عوالم العلوم)، والسّيّد هاشم البحرانيّ في (تفسير البرهان) و(غاية المرام) و(مدينة المعاجز).

ومن علماء المسلمين السُّنّة: ابن الصّبّاغ المالكيّ في (الفصول المهمّة)، والقندوزيّ في (ينابيع المودّة)، وغيرهما ممّن يطول المقامُ بذكرهم واستقصائهم.

تسميةُ الكتاب، وسببُ تأليفه

يقول المؤلّف القطب الرّاونديّ في سرّ تسمية الكتاب ووجه ذلك: «وسمّيته بـ (كتاب الخرائج والجرائح)، لأنّ معجزاتهم الّتي خرجت على أيديهم مصحِّحةٌ لدعاويهم، لأنّها تُكسب المدّعي ومَن ظهرت على يدِه صدقَ قولِه». فـ «الخرائج» للتّدليل على ما خرجَ على أيدي المعصومين عليهم السلام من المعجزات والكرامات، و«الجرائح» جمعُ «الجَرح» وهو إشارة إلى ما اجترَحوه صلوات الله عليهم من المعاجز.

ويقول القطب رحمه الله حول السّبب الدّاعي إلى تأليف (الخرائج والجرائح): «..ما أخبر اللهُ تعالى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله من: شَقّ القمر، والإسراء إلى بيت المَقْدِس، والمعراج... وما نقله عنه المسلمون مِن الآيات والدّلائل والمعجزات.. كلُّ ذلك قد شُوهد وعليه الإجماع. وكذلك ما رواه الشّيعة الإماميّة خاصّةً في معجزات أئمّتهم المعصومين عليهم السلام، صحيح؛ لإجماعهم عليه، وإجماعُهم حُجّة.. وقد جمعتُ -بعون الله سبحانه- في ذلك جملةً لا توجَدُ في كتابٍ واحد؛ ليستأنسَ بها النّاظرون، وينتفعَ بها المؤمنون».

محتوى الكتاب

يقول المؤلّف في تقسيمه للكتاب: «وجعلتُه على عشرين باباً، منها ثلاثة عشر باباً في معجزات النّبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله والاثنَي عشر إماماً ".." و[الأبواب] السّبعة الأُخَرَ:

الباب الرّابع عشر: في أعلام النّبيّ والأئمّة عليهم السلام. ويشتمل على أربعة عشر فصلاً. [المقصود بالأعلام هنا هي الدّلائل والآيات]

الباب الخامس عشر: في الدّلائل على إمامة الاثنَي عشر من الآيات الباهرات لهم.

الباب السّادس عشر: في نوادر معجزات الرّسول والأئمّة عليه وعليهم أفضلُ الصّلاة والسّلام.

الباب السّابع عشر: في الموازاة بين معجزات نبيّنا صلّى الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام، ومعجزات الأنبياء المتقدّمين عليهم السلام.

الباب الثّامن عشر: في أمّ المعجزات (وهي المعجز الباقي الّذي هو القرآن المجيد).

الباب التّاسع عشر: في الفرق بين الحِيَل وبين المعجزات، والفصل بين المَكر والإعجاز.

الباب العشرون: في علامات ومراتب نبيّنا وأوصيائه عليه وعليهم أفضل الصّلاة والسّلام».

التّبويب

يلحظُ المتصفّح لكتاب (الخرائج والجرائح) أنّ مؤلّفه القطب الرّاونديّ اعتنى عنايةً بالغة في تبويب مطالبه. فَعلى سبيل المثال، عمدَ إلى تصنيف المعجزات التي ظهرت على يدَي رسول الله صلّى الله عليه وآله تصنيفاً زمنيّاً، حيث يقول: «ونذكر أوّلاً: معجزاته صلّى الله عليه وآله المُوجزة الّتي ظَهرت عليه في حياته، وتلك على أنحاء ومراتب:

فمنها: ما ظَهَرت عليه قبل مبعثه؛ للتّأنيس، والتّمهيد، والتّأسيس.

ومنها: ما ظَهَرت عليه بعدَ مبعثه لإقامة الحجّة بها على الخَلق. ".."

ومنها: ما أخبر به ثمّ ظهر بعد وفاته صلّى الله عليه وآله».

ومن هذا الفصل الأخير ننقل ما جاء في الصّفحة 65 من الجزء الأوّل:

«ومنها: أنّه صلّى الله عليه وآله أخبر أبا ذرّ بما جرى عليه بعد وفاته، فقال: كيف بك إذا أُخرجتَ؟ قال: أذهبُ إلى المسجد الحرام. فقال صلّى الله عليه وآله: كيف بك إذا أُخرجتَ منه؟ قال: أذهبُ إلى الشّام. قال صلّى الله عليه وآله: كيف بك إذا أُخرجتَ منها؟ قال: أعمَدُ إلى سيفي، فأضرب حتّى أُقتل. قال صلّى الله عليه وآله: لا تفعل، ولكن اِسمَع وأَطِع. وكان ما كان حتّى أُخرجَ إلى الرّبذة.

ومنها: أنّه صلّى الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام: إنّك أوّلُ أهل بَيتي لُحوقاً بي..».

وإلى التّصنيف الزّمنيّ، تصنيفٌ موضوعيّ وهو الأهمّ. يقول القطب الرّاونديّ: «اِعلم أنّ معجزاته عليه وآله السّلام على أقسام:

منها: ما انتشر نقلُه وثَبتَ وجودُه عامّاً في كلّ زمانٍ ومكانٍ حين ظهوره، كالقرآن الّذي بين أيدينا ".." وإنّما دخلت الشّبهةُ على قوم لم ينكشف لهم وجهُ إعجازه، وقد كشفنا ذلك ببَيانٍ قريبٍ في كتابٍ مُفرَد.

والقسم الثّاني على أقسام، منها:

* ما رواهُ المُسلمون وأجمَعوا على نقلِه ".." وهم الجماعة الكثيرة الّتي لا يجوز على مثلها نقلُ الكَذب بما لا أصل له. ".."

* ما شاهدَهُ بعضُ المسلمين فنقلوه إلى حضرةِ جماعتِهم وكان المعصومُ وراءَه، فلم يوجَد منهم إنكارٌ لذلك، فاستُدِلَّ بتركهم النّكير عليهم على صدقِهم. ".."

ومنها: ما ظهر في وقته صلوات الله عليه وآله قبل مبعثه تأسيساً لأمره.

ومنها: ما ظهر على أيدي سراياه في البلدان البعيدة، إبانةً لِصدقهم في ادّعائهم نبوَّته، لأنّهم ممّن لا تظهر منهم المعجزات، إذ لم يكونوا من أوصيائه، فيُعلم بذلك تصديقُه في دعواهم له.

ومنها: ما وُجد في كُتُب الأنبياء قبلَه من تصديقه، ووَصفِه بِصفاته، وإظهاِر علاماته، والدّلالة على وقته، ومكانه، وولادته، وأحوال آبائه وأمّهاته عليهم السلام.

ومن معجزاته أيضاً: أخلاقُه، ومعاملاته، وسيرته، وأحوالُه الخارقة للعادة.

ومن معجزاته أيضاً: شرائعُه الّتي لا تزداد على طول البحث عنها والنّطق فيها إلّا حُسناً، وترتيباً، وإتقاناً، وصحّةً، واتّساقاً، ولُطفاً».

***

يُشار إلى أنّ العلّامة الشّيخ محمّد الشّريف الخادم نقلَ كتاب (الخرائج والجرائح) إلى اللّغة الفارسيّة، وسمّاه (كفاية المؤمنين في معجزات الأئمّة المعصومين عليهم السلام)، ورتّبه على أربعة عشر باباً. وهناك نُسخَ خطيّة ومطبوعات حجريّة من (الخرائج والجرائح) اختُزلت فيها أحاديث الكتاب بنسبة كبيرة، وهي أقربُ شيءٍ إلى (مُنتخَب الخرائج والجرائح) إنْ صحَّ التّعبير.

أخيراً، يُعَدُّ (الخرائج والجرائح) من أقدم المصادر وأوثقِها في بابه، ويمتاز بأسلوب صياغتِه وطريقة عرضه للرّوايات، جامعاً بين الاختصار غير المُخِلّ مِن جهة، والدّقةِ والأمانة في نقل مقاصد الرواية من جهةٍ أُخرى.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

09/07/2013

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات