تاريخ

هؤلاء سرّاقُ الله!

أَقْبَلَ قَوْمٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، فَأَوْصَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِلْكَعْبَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ الْوَصِيُّ مَكَّةَ سَأَلَ فَدَلُّوه عَلَى بَنِي شَيْبَةَ، فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ، فَقَالُوا: قَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُكَ، اِدْفَعْهَا إِلَيْنَا.

فَقَامَ الرَّجُلُ فَسَأَلَ النَّاسَ، فَدَلُّوه عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الباقر عليه السَّلام.

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السَّلام: فَأَتَانِي فَسَأَلَنِي فَقُلْتُ لَه: إِنَّ الْكَعْبَةَ غَنِيَّةٌ عَنْ هَذَا، انْظُرْ إِلَى مَنْ أَمَّ هَذَا الْبَيْتَ فَقُطِعَ بِه، أَوْ ذَهَبَتْ نَفَقَتُه، أَوْ ضَلَّتْ رَاحِلَتُه، أَوْ عَجَزَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِه، فَادْفَعْهَا إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمَّيْتُ لَكَ.

فَأَتَى الرَّجُلُ بَنِي شَيْبَةَ فَأَخْبَرَهُمْ بِقَوْلِ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السَّلام، فَقَالُوا: هَذَا ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ، لَيْسَ يُؤْخَذُ عَنْه ولَا عِلْمَ لَه، ونَحْنُ نَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا وبِحَقِّ كَذَا وكَذَا لَمَّا أَبْلَغْتَه عَنَّا هَذَا الْكَلَامَ.

قَالَ فَأَتَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السَّلام، فَقُلْتُ لَه: لَقِيتُ بَنِي شَيْبَةَ فَأَخْبَرْتُهُمْ فَزَعَمُوا أَنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ، ثُمَّ سَأَلُونِي بِالْعَظِيمِ إِلَّا بَلَّغْتُكَ مَا قَالُوا.

قَالَ عليه السَّلام: وأَنَا أَسْأَلُكَ بِمَا سَأَلُوكَ لَمَّا أَتَيْتَهُمْ فَقُلْتَ لَهُمْ: إِنَّ مِنْ عِلْمِي أَنْ لَوْ وُلِّيتُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لَقَطَعْتُ أَيْدِيَهُمْ، ثُمَّ عَلَّقْتُهَا فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ أَقَمْتُهُمْ عَلَى الْمِصْطَبَّةِ، ثُمَّ أَمَرْتُ مُنَادِياً يُنَادِي: «أَلَا إِنَّ هَؤُلَاءِ سُرَّاقُ اللهِ، فَاعْرِفُوهُمْ».

وفي روايةٍ أُخرى قولُه عليه السَّلام: «أَمَا إِنَّ قَائِمَنَا لَوْ قَدْ قَامَ لَقَدْ أَخَذَهُمْ، وَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ، وَطَافَ بِهِمْ، وَقَالَ: هَؤُلَاءِ سُرَّاقُ اللهِ». 

     (الكافي، الكلينيّ)

* بنو شيبة هم سَدَنةُ الكعبة، يُسمّون أنفسَهم خدمةَ الحَرَم أو شبهَ ذلك.

بلدان

مدينة النّباطيّة بقسمَيها: التّحتا والفَوقا

النّباطيّة التّحتا: قصبةُ الشّقيف ومحلُّ تجارته، من أمّهات بلاد جبل عامل، فيها الدّارات الشّامخة والحدائق النّاضرة، وفيها قبرٌ يقال إنّه قبر الشّيخ عليّ بن يونس النّباطيّ الشّهير صاحب (الصّراط المستقيم). سَكَنَها من العلماء: السّيّد حسن بن السّيّد يوسف الحبُّوشيّ وأنشأ بها مدرسةً بناها له الحاج حيدر جابر انتَهت بوفاتِه، وسَكَنها العالم الشّاعر الشّيخ عبد الحسين صادق وتوفّي فيها سنة 1362 وأنشأ فيها حسينيّة.

ومِن علمائها: الكاتب الشّاعر المؤلِّف الشّيخ أحمد رضا، والشّاعر البارع المؤلِّف الشّيخ سليمان ظاهر من ذرّيّة الشّهيد الثّاني. ومن كُتّابها ومؤرِّخيها الأديب محمّد جابر. وكانت مقرّ الأمراء الصّعبيّة، من مشاهيرهم: الشّيخ علي الفارس، والشّيخ حيدر الفارس، وذرّيّاتهم بها إلى اليوم.

النّباطيّة الفَوقا: في مكانٍ أعلى من التّحتا، وبينهما مسافة يسيرة. واليوم قد اتَّصل البناءُ بينهما وفيها بعض الرُّهبان ويملكون قِسماً من أرضها، وهي منبعُ علماء جبل عامل، تضاهي جُبَع وجزّين ومشغرى وعيناثا. خرج منها من العلماء: أحمد بن الحسين بن سليمان العامليّ النّباطيّ، قرأ على الشّيخ زين الدّين بن محمّد سبط الشّهيد الثّاني، وتوفّي في النّباطيّة سنة 1079 للهجرة. وأحمد بن سليمان النّباطيّ عالم فاضل شاعر معاصر للشّهيد الثّاني. والشّيخ حسن بن عبد النّبي ووالدُه عبد النّبي أخو الشّهيد الثّاني من تلامذة ابن عمّه صاحب (المعالم)، والشّيخ حسن الفتوني النّباطيّ المعاصر للشّهيد، والشّيخ عليّ بن يونس النّباطيّ البيّاضيّ صاحب (الصّراط المستقيم) وغيره، ويُقال: إنَّ قبرَهُ في النّباطيّة التّحتا.

ومن علمائها في عصرنا: السّيّد محمّد آل نور الدّين، أَنشأَ بها مدرسةً تَحوي عدداً وافراً من الطّلّاب، وأخوه السّيّد مهدي، هاجر للعراق وصار في عِدادِ الفُضلاء، والسّيّد عبد الحسين نور الدّين، تُوفّي بها.

(السيد محسن الأمين، خُطط جبل عامل – مختصَر)