يذكرون

يذكرون

05/08/2013

ذِكْرُ المَوت


ذِكْرُ المَوت

هل يُحشَر مع الشّهداء أحد؟

ـــــ الفقيه الشّيخ محمّد مهديّ النّراقيّ قدّس سرّه* ــــ

 

ذكرُ الموت يقصِّر الأمل ويدفعُ طولَه، ويوجبُ التّجافي عن دار الغرور والاستعداد لدار الخلود، ولذا وَرَد في فضيلته والتّرغيب فيه أخبارٌ كثيرةٌ، قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أكثِروا ذكرَ هادم اللّذات: قيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: الموت، فما ذكَرَه عبدٌ على الحقيقة في سَعَةٍ إلَّا ضاقت عليه الدُّنيا، ولا في شدَّةٍ إلَّا اتَّسعت عليه».

عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «مَن أحبَّ لقاءَ الله أحبَّ اللهُ لقاءَه، ومَن كَرِهَ لقاءَ الله كَرِهَ اللهُ لقاءَه».

[اِعلم أنّ] النّاس بين منهَمكٍ في الدُّنيا خائضٍ في لذّاتها وشهواتها، وبين تائبٍ مبتدئٍ، وعارفٍ مُنتهي.

فالأوّل: لا يَذكر الموت، وإنْ ذَكَرَه فيذكره لِيَذمَّه لِصَدِّه عمّا يُحبُّه من الدُّنيا، وهو الّذي يفرُّ منه، وقال اللهُ تعالى فيه: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ..﴾ الجمعة:8.

وهذا يزيده ذكرُ الموتِ بُعداً من الله، إلَّا إذا استفادَ منه التَّجافي عن الدُّنيا، ويتنغَّصُ عليه نعيمُه، ويتكدَّر صفوُ لذَّتِه، وحينئذٍ يَنفعه، لأنَّ كلّ ما يكدِّر على الإنسان اللّذّات فهو من أسبابِ نجاتِه.

والثّاني: يُكثر ذِكرَ الموت ليَنبعثَ من قلبه الخوفُ والخشية، فيَفِيَ بتمامِ التّوبة، وربّما يكرهُه خيفةً من أنْ يَختطفه قبل الاستعداد وتهيئة الزّاد وتمام التّوبة، وهو معذورٌ في كراهة الموت، ولا يدخل تحت قوله صلّى الله عليه وآله: «مَن كَرهَ لقاء الله كَرهَ اللهُ لقاءَه»، لأنَّ هذا ليس يكرهُ الموتَ ولقاءَ الله، وإنَّما يَخافُ فَوْتَ لقاء الله لِقصورِه وتقصيرِه، وهو الّذي يتأخَّر عن لقاء الحبيب مشتغلاً بالاستعداد للقائه على وجهٍ يَرضاه، فلا يُعَدّ كارهاً للقائه. وعلامةُ هذا: أن يكون دائمَ الاستعداد للموت لا شُغلَ له سِواه، وإن لم يَكُن مستعدّاً له عاملاً بما يَنفعه في الآخرة التَحَق بالأوَّل.

وأمّا الثّالث: فإنَّه يذكر الموتَ دائماً، لأنَّه موعدٌ للقاءِ حبيبِه، والمُحبُّ لا ينسى قطّ موعد لقاء الحبيب، وهذا في غالبِ الأمر يَستبطئ مجيء الموت ويُحبُّ مجيئَه، ليتخلَّص من دار العاصين وينتقل إلى جوار ربِّ العالمين، كما روي: «أنَّ حذيفة لمّا حضرته الوفاة قال: حبيبٌ جاءَ على فاقةٍ لا أفلحَ مَن ردَّه، أللّهُمَّ إن كنتَ تعلم أنَّ الفقر أحبُّ إليَّ من الغنى، والسُّقمَ أحبُّ إليَّ من الصّحّة، والموتَ أحبُّ إليَّ من الحياة، فسَهِّل عليَّ الموت حتّى ألقاك». وأعلى رتبةً منه: مَن يفوِّض أمره إلى الله، ولا يختار لنفسه شيئاً: من الموت أو الحياة، والفقر والغِنى، والمرض والصّحّة، بل يكون أحبُّ الأشياء إليه أحبُّها إلى مولاه، وهذا قد انتهى بفرط الحبِّ والولاء إلى درجة التّسليم والرِّضا، وهو الغاية والانتهاء.

ذِكرُ الموت في الرّوايات

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «تحفةُ المؤمن الموت». وقيل له صلّى الله عليه وآله: «أَهَل يُحشَر مع الشُّهداء أحد؟ قال: نعم، مَن يذكر الموت في اليوم واللّيلة عشرين مرّة». وذُكِر عنده صلّى الله عليه وآله رجلٌ، فأحسَنُوا الثّناء عليه، فقال صلّى الله عليه وآله: «كيف ذِكرُ صاحبكم للموت؟ قالوا: ما كنّا نكاد نسمعُه يَذكر الموت، قال: فإنَّ صاحبَكم ليس هنالك». وسُئل صلّى الله عليه وآله: «أيُّ المؤمنين أَكيَس وأَكرَم؟ فقال: أكثرهم ذكراً للموت، وأشدّهم استعداداً له، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرف الدّنيا وكرامة الآخرة». وقال الإمام الباقر عليه السلام: «أكثِروا ذكر الموت، فإنَّه لم يُكثر ذكرَه إنسانٌ إلَّا زَهد في الدُّنيا». وقال الإمام الصّادق عليه السلام: «إذا أنت حملتَ جنازةً فكُن كأنَّك أنت المحمولُ، وكأنّك سألتَ ربَّك الرُّجوع إلى الدُّنيا ففعلَ، فانظُر ماذا تَستأنف». وقال عليه السلام: «مَن كان كَفَنُه معه في بيته لم يُكتَب من الغافلين، وكان مأجوراً كلّما نَظَر إليه». وقال عليه السلام: «ذِكرُ الموت يُميتُ الشّهواتِ في النّفس، ويقلعُ منابتَ الغفلة، ويقوِّي القلبَ بمواعد الله، ويُرِقُّ الطّبعَ، ويَكسر أعلامَ الهوَى، ويُطفئ نارَ الحِرْص، ويحقِّر الدُّنيا».       

* من كتابه (جامع السّعادات)

اخبار مرتبطة

  أيُّها العزيز

أيُّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

05/08/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات