الملف

الملف

03/09/2013

مختصّات سَفَر الحجّ

 

آدابُ السّفر ومستحبّاته

مختصّات سَفَر الحجّ

ـــــ الفقيه السّيّد محمّد كاظم اليزديّ – صاحب (العروة الوثقى) ـــــ

 

«من أهمّ ما ينبغي رعايتُه في هذا السّفر:

1- احتسابه من سفر آخرته بالمحافظة على تصحيح النّيّة، وإخلاص السّريرة.

2- وأن لا يجعل سَفره هذا على ما عليه كثير من مُترَفي عصرنا من جعله وسيلةً للرّفعة والافتخار، ومشاهدة البلدان.

3- وأن يراعي أسراره الخفيّة ودقائقَه..».

* في (العروة الوثقى) محورِ أبحاث الفقهاء التّخصصيّة، قال المرجع الدّينيّ الكبير الرّاحل السّيّد اليزديّ قدّس سرّه:

 

مقدّمة في آداب السّفر ومستحبّاته -لحجٍّ أو غيره- وهي أُمور:

O أوّلُها ومن أوكدها: الاستخارة، بمعنى طلب الخير من ربّه، ومسألة تقديره له عند التّردّد في أصل السّفر أو في طريقه أو مطلقاً، والأمرُ بها للسّفر وكلّ أمر خطير أو موردٍ خَطِر مستفيض، ولا سيّما عند الحيرة والاختلاف في المشورة، وهي الدّعاء لأن يكون خيره في ما يستقبل أمره، وهذا النّوع من الاستخارة هو الأصل فيها، بل أنكر بعض العلماء ما عداها ممّا يشتمل على التّفأّل والمشاورة بالرّقاع والحَصَى والسّبحة والبُندُقة وغيرها لضعف غالب أخبارها، وإنْ كان العمل بها للتّسامح في مثلها لا بأس به أيضاً، بخلاف هذا النّوع لورود أخبار كثيرة بها في كُتب أصحابنا، بل في روايات مخالفينا أيضاً عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله الأمر بها والحثّ عليها.

* وعن الباقر والصّادق عليهما السلام: «كنّا نتعلَّم الاستخارة كما نتعلَّمُ السّورةَ من القرآن».

وعن الباقر عليه السلام أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلام كان يعمل به إذا همّ بأمر حجٍّ أو عُمرة أو بيع أو شراء أو عتق. بل في كثير من رواياتنا النّهي عن العمل بغير استخارة، وأنّه مَن دخل في أمر بغير استخارة ثمّ ابتُلي لم يؤجر. وفي كثيرٍ منها: «ما استخار اللهَ عبدٌ مؤمن إلَّا خارَ له، وإنْ وقعَ ما يكره»، وفي بعضها: «إلَّا رماه الله بخيرة الأمرَين»، وفي بعضها: «استَخِرِ اللهَ مائة مرّة ومرّة، ثمّ انظر أحزم الأمرَين لك فافعله، فإنّ الخيرة فيه إن شاء اللهُ تعالى»، وفي بعضها: «ثمّ انظر أيّ شيء يقعُ في قلبك فاعمل به»، وليكن ذلك بعنوان المشورة من ربّه، وطلب الخير من عنده، وبناءً منه أنّ خيرَه في ما يختاره الله له من أمره.

* ويستفاد من بعض الرّوايات أن يكون قبل مشورته، ليكون بدءُ مشورته منه سبحانه، وأن يقرنَه بطلب العافية، فعن الصّادق عليه السلام: «ولْتكن استخارتك في عافية، فإنّه ربّما خِيرَ للرّجل في قطع يده وموت ولده وذهاب ماله»، وأخصَرُ صورة فيها أن يقول: «أستخيرُ الله برحمتِه»، أو «أستخيرُ الله برحمتِه خِيَرَةً في عافية»، ثلاثاً، أو سبعاً، أو عشراً، أو خمسين، أو سبعين، أو مائة مرّة ومرّة، والكلّ مَرْويّ، وفي بعضها في الأمور العظام مائة، وفي الأمور اليسيرة بما دونه، والمأثور من أدعيته كثيرة جدّاً (..).

***

O ثانيها: اختيار الأزمنة المختارة له من الأُسبوع والشّهر، فمن الأسبوع يختار السّبت، وبعده الثّلاثاء والخميس، والكلّ مرويّ، وعن الصّادق عليه السلام: «مَن كان مسافراً فليُسافر يوم السّبت، فلو أنّ حجراً زال عن جبلٍ يوم السّبت لردّه اللهُ إلى مكانه».

* وعنهم عليهم السلام: «السّبت لنا والأحد لبني أُميّة». وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله:«أللّهمّ بارك لأُمّتي في بكورها يوم سَبْتِها وخميسِها».

ويتجنّب ما أمكنه صبيحة الجمعة قبل صلاتها، والأحد، فقد رُوي: «أنّ له حدّاً كحدّ السّيف»، والاثنين فهو لبني أُميّة، والأربعاء فإنّه لبني العبّاس، خصوصاً آخر أربعاء من الشّهر، فإنّه يومُ نحسٍ مستمرّ، وفي رواية ترخيص السّفر يوم الاثنين مع قراءة سورة ﴿هَلْ أَتَى﴾ في أوّل ركعة من غداته، فإنّه يقيه اللهُ به من شرّ يوم الاثنين، وورد أيضاً اختيار يوم الاثنين، وحُملت على التّقيّة.

* ولْيتجنّب السّفر من الشّهر والقمر في المحاق (اللّيالي الثّلاثة الأخيرة من الشّهر)، أو في برج العقرب أو صورته (صورة برج العقرب هي حواليه، أي ينبغي إحراز الخروج من البرج وحاشيته)، فعن الصّادق عليه السلام: «مَن سافر أو تزوّج والقمر في العقرب لم يرَ الحُسنى» (..).

وعن الصّادق عليه السلام: «تصدّق واخرج أيّ يومٍ شئتَ». (..) ولو عارضَه في طريقه ما يتطيّر به النّاس ووجدَ في نفسه من ذلك شيئاً، [فـ] ليَقل حينئذٍ: «اعتصمتُ بك يا ربّ من شرّ ما أجدُ في نفسي فَاعْصِمني». وليَتوكَّل على الله وليَمضِ خلافاً لأهل الطّيَرة.

* ويستحبّ اختيار آخر اللّيل للسّير، ويُكره أوّله، ففي الخبر: «الأرض تُطوى من آخر اللّيل». وفي آخر: «إيّاك والسّير في أوّل اللّيل، وسِر في آخرِه».

***

O ثالثها، وهو أهمّها: التّصدّق بشيءٍ عند افتتاح سفره، ويستحبّ كونها عند وضع الرِّجل في الرّكاب، خصوصاً إذا صادف المنحوسة أو المتطيّر بها من الأيّام والأحوال، ففي المستفيضة رفعُ نحوستها بها، وليشتريَ السّلامة من الله بما يتيسّر له، ويستحبّ أن يقول عند التّصدّق: «أللّهمّ إنّي اشتريتُ بهذه الصّدقة سلامتي وسلامةَ سفري، أللّهمّ احفظني واحفظْ ما معي، وسلِّمني وسلِّم ما معي، وبلِّغني وبلِّغ ما معي ببلاغك الحَسن الجميل».

***

O رابعها: الوصيّة عند الخروج، لا سيّما بالحقوق الواجبة.

***

O خامسها: توديع العيال، بأن يجعلهم وديعةً عند ربّه ويجعله خليفةً عليهم، وذلك بعد ركعتَين أو أربع يركعها عند إرادة الخروج، ويقول: «أللّهمّ إنّي أستودعُك نفسي وأهلي ومالي وذرّيّتي ودنياي وآخرتي وأمانَتي وخاتمةَ عملي». فعن الصّادق عليه السلام: «ما استخلفَ رجلٌ على أهله بخلافةٍ أفضلَ منها، ولم يدعُ بذلك الدّعاء إلَّا أعطاه عزّ وجلّ ما سأل».

***

O سادسها: إعلام إخوانه بسفره، فعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «حقٌّ على المسلم إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانَه، وحقٌّ على إخوانه إذا قَدِم أن يأتوه».

***

 

O سابعها: العمل بالمأثورات من قراءة السّور والآيات والأدعية عند باب داره، وذِكر الله والتّسمية والتّحميد وشُكره عند الرّكوب، والاستواء على الظّهر، والإشراف والنّزول، وكلّ انتقال وتبدّل حال، فعن الصّادق عليه السلام: «كان رسول الله صلّى الله عليه وآله في سَفره إذا هبط سبّحَ، وإذا صعد كبّرَ». وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن ركب وسمّى رَدِفَه ملَكٌ يحفظُه، ومَن ركب ولم يسمّ رَدِفَه شيطانٌ يُمنّيه حتّى ينزل».

* ومنها: قراءة «القدر» للسّلامة حين يسافر، أو يخرج من منزله، أو يركب دابّته، و«آية الكرسيّ» و «السّخرة» و«المعوّذتين» و«التّوحيد» و«الفاتحة» والتّسمية وذِكر الله في كلّ حال من الأحوال.

 

(آية السُّخرة) ثلاث آيات من سورة الأعراف، وهي:

﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الأعراف:54-56.

                                   «شعائر»

 

* ومنها: ما عن أبي الحسن (الكاظم عليه السّلام) أنّه يقوم على باب داره تلقاء ما يتوجّه له، ويقرأ «الحمد» و«المعوّذتين» و«التّوحيد» و«آية الكرسيّ» أمامه، وعن يمينه وعن شماله، ويقول: «أللّهمّ احفَظني واحفَظ ما معي، وبلِّغني وبلِّغ ما معي ببلاغك الحَسن الجميل» يُحفَظ ويبلّغ ويسلم هو وما معه.

* ومنها (أي: ممّا يقرأه في بداية السّفر): ما عن الرّضا عليه السلام: «إذا خرجتَ من منزلك في سَفر أو حَضَر فقل: (بسمِ الله وبالله، توكَّلتُ على الله، ما شاءَ الله لا حولَ ولا قوّةَ إلَّا بالله)، تضرب به الملائكةُ وجوهَ الشّياطين، وتقول [الملائكة]: ما سبيلُكم عليه وقد سمّى الله وآمنَ به وتوكَّلَ عليه».

* ومنها: كان الصّادق عليه السلام إذا وضع رِجلَه في الرّكاب يقول: ﴿..سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ الزّخرف:13، ويسبّح الله سبعاً، ويحمد الله سبعاً، ويهلَّل الله سبعاً.

وعن زين العابدين عليه السلام: «أنّه لو حجّ رَجلٌ ماشياً وقرأ (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ما وجد ألمَ المشي». وقال: «ما قرأ أحدٌ (إنّا أنزلناه) حين يركب دابّتَه إلَّا نزل منها سالماً مغفوراً له، ولَقارئُها أثقلُ على الدّوابّ من الحديد».

وعن أبي جعفر عليه السلام: «لو كان شيءٌ يسبق القدَر لقلت: قارئ (إنّا أنزلناه في ليلة القدر) حين يسافر أو يخرج من منزله سيرجع». والمتكفّل لبقيّة المأثور منها على كثرتها الكُتب المعدّة لها.

* وفي وصيّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «يا عليّ، إذا أردتَ مدينةً أو قريةً فقل حين تعاينُها: أللّهمّ إنّي أسألكَ خيرَها، وأعوذُ بكَ من شرّها، أللّهمّ حبّبنا إلى أهلها، وحبّب صالحي أهلها إلينا». وعنه صلّى الله عليه وآله: «يا عليّ، إذا نزلتَ منزلاً فقُل: (أللّهمّ أنزِلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين)، تُرزق خيرَه ويدفَع عنك شرُّه».

وينبغي له زيادة الاعتماد والانقطاع إلى الله سبحانه، وقراءة ما يتعلَّق بالحفظ من الآيات والدّعوات وقراءة ما يناسب ذلك كقوله تعالى: ﴿..كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ الشعراء:62،  وقوله تعالى: ﴿..إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا..﴾ التوبة:40، ودعاء التّوجّه، وكلمات الفَرَج ونحو ذلك.

 

وعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، يسبّح تسبيح الزّهراء عليها السّلام ويقرأ آية الكرسيّ عندما يأخذ مضجعَه في السّفر، يكون محفوظاً من كلّ شيء حتّى يصبح.

***

O ثامنها: التّحنّك بإدارة طرف العمامة تحت حَنَكِه، ( كان كلّ عربيّ ومسلم يلبس العمامة وهي عبارة عن قماش يدوّر على الرّأس) ففي المستفيضة عن الصّادق والكاظم عليهما السلام الضّمان لمَن خرجَ من بيتِه معتمّاً تحت حَنَكِه أن يرجعَ إليه سالماً، وأن لا يصيبَه السّرق ولا الغَرق ولا الحَرَق.

***

O تاسعها: استصحاب عصاً من اللّوز المُرّ، فعنه صلّى الله عليه وآله: «مَن أراد أن تُطوى له الأرض فليتّخذ النَّقدَ من العصا»، والنّقد: عصا لوز مرّ، وفيه نفيٌ للفَقر، وأمانٌ من الوحشة والضّواري، وذوات الحَمَة، (أنظر: باب استحباب حمْل العصا من لوز مرّ في السّفر، وما يستحبّ قراءته حينئذٍ. الحرّ العامليّ - وسائل الشّيعة: ج 11/ ص 377). (الحَمَة بتخفيف الميم: السّمّ، أو وسيلة اللّدغ به).

* ولْيَصحب شيئاً من طين الإمام الحسين عليه السلام ليكون له شفاءً من كلّ داء وأماناً من كلّ خوف، ويستصحب خاتَماً من عقيق أصفر مكتوبٌ على أحد جانبَيه: «ما شاءَ الله، لا قوّةَ إلّا بالله، أستغفرُ الله»، وعلى الجانب الآخر: «محمّد وعليّ»، وخاتماً من فيروزج مكتوب على أحد جانبَيه: «الله الملك»، وعلى الجانب الآخر:«المُلكُ لله الواحد القهّار».

***

 

O عاشرها: اتّخاذ الرّفقة في السّفر، ففي المستفيضة الأمر بها، والنّهي الأكيد عن الوحدة. ففي وصيّة النّبي صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السلام: «لا تخرج في سفرٍ وحدَك. فإنّ الشّيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد» (..) ومن اضطرّ إلى السّفر وحده فليَقل:«ما شاءَ اللهُ لا حولَ ولا قوّة إلّا بالله، أللّهمّ آمِن وحشتي، وأَعِنّي على وحدتي، وأدِّ غيبَتي».

وينبغي أن يرافق مثلَه في الإنفاق، ويكرَه مصاحبته دونَه أو فوقه في ذلك، وأن يصحبَ من يتزيّن به، ولا يصحب من يكون زينةً له.

 

* ويستحبّ معاونة أصحابه وخدمتهم، وعدم الاختلاف معهم، وترك التّقدم على رفيقه في الطّريق.

***

O الحادي عشر: استصحاب السّفرة والتّنوّق فيها، وتطييب الزّاد والتّوسعة فيه، لا سيّما في سفر الحجّ.

وعن الصّادق عليه السلام: «إن من المُروّة [المروءة] في السّفر كثرةَ الزّاد وطيبَه، وبذلَه لمَن كان معك».

 

نعم يُكره التّنوّق في سفر زيارة الحسين عليه السلام، بل يقتصر فيه على الخبز واللّبن لمن قَرُب من مشهده، كأهل العراق، لا مطلقاً في الأظهر، فعن الصّادق عليه السلام: «بلغَني أنّ قوماً إذا زاروا الحسين عليه السلام حملوا معهم السّفرة فيها الجِداء والأخبصة وأشباهَه، ولو زاروا قبورَ آبائهم ما حملوا معهم هذا».

وفي آخر: «تَاللهِ إنّ أحدَكم ليَذهب إلى قبر أبيه كئيباً حزيناً، وتأتونه أنتم بالسُّفَر (جمع سُفرة)، كلّا حتّى تأتوه شُعْثاً غُبراً».

***

 

O الثّاني عشر: حُسن التّخلُّق مع صَحبِه ورفقتِه.

فعن الباقر عليه السلام: «ما يعبأ بمن يؤمّ هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاثُ خصال: خُلُقٌ يخالقُ به مَن صَحِبَه، أو حِلمٌ يملكُ به غضبَه، أو وَرَعٌ يحجزُه عن معاصي الله».

 

وفي (الرّوايات) المستفيضة: «المروّة [المروءة] في السّفر ببَذل الزّاد، وحُسن الخُلق والمُزاح في غير المعاصي». وفي بعضها: «قلّة الخلاف على مَن صَحِبَك، وترك الرّواية عليهم إذا أنت فارقتَهم».

وعن الصّادق عليه السلام: «ليس من المروّة [المروءة] أن يحدّث الرّجل بما يتّفق في السّفر من خيرٍ أو شرّ».

وعنه عليه السلام: «وطّن نفسك على حُسن الصّحابة لمَن صحبت في حُسن خُلقك، وكُفَّ لسانك، واكظُم غيظَك، وأقِلّ لَغْوَك، وتَفْرُشُ عفوَك، وتُسخي نفسَك».

***

 

O الثّالث عشر: استصحاب جميع ما يحتاج إليه من السّلاح والآلات والأدوية، كما في (..) وصايا لقمان لابنِه، وليَعمل بجميع ما في تلك الوصيّة.

***

 

O الرّابع عشر: إقامة رُفقاء المريض لأجله ثلاثاً، فعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «إذا كنتَ في سَفَرٍ ومرض أحدُكم فأَقيموا عليه ثلاثة أيّام». وعن الصّادق عليه السلام: «حقّ المسافر أن يقيم عليه أصحابُه إذا مرض ثلاثاً».

***

 

O الخامس عشر: رعاية حقوق دابّته. (من فوائد ذلك في كلّ عصر التّنبّه إلى حُسن استعمال وسيلة النّقل، إضافة إلى الدّرس الأعظم وهو: إن كان للتّعامل مع الدّابة أو الجماد حقوقٌ وآداب، فكيف هي عَظَمة حقوق رفقاء السّفر وسائر النّاس). فعن الصّادق عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: للدّابة على صاحبها خصال: يبدأ بعلَفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضرب وجهَها، فإنّها تُسبّح بحَمد ربّها، ولا يقف على ظهرِها إلّا في سبيل الله، ولا يحمِّلها فوقَ طاقتِها، ولا يكلّفها من المَشي إلّا ما تُطيق».

ويكره التّعرّس (النّزول للاستراحة) على ظهر الطّريق (جعل الطّريق محطّة)، والنّزول في بطون الأودية، والإسراع في السّير، وجعل المنزلَين منزلاً إلّا في أرض جدبة، وأن يطرقَ أهله (يرجع إليهم) ليلاً حتّى يعلمَهم، ويستحبّ إسراع عَوده إليهم، وأن يستصحب هديّةً لهم إذا رجع إليهم.

وعن الصّادق عليه السلام: «إذا سافر أحدُكم فَقَدِمَ من سفرِه فليَأتِ أهلَه بما تيسّر، ولو بحَجَر..».

 

(الحر العاملي، وسائل الشّيعة: ج11/459).

ولْيُنادِ إذا ضلّ في طريق البرّ: «يا صالح، يا أبا صالح، اَرشِدونا رحمَكم الله».

وفي طريق البحر: «يا حمزة»، وإذا باتَ في أرض قَفر فليَقل: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ الأعراف:54.

***

 

 

هذه جملةُ ما على المسافر، وأمّا أهله ورفقتُه فيستحبّ لهم:

 

1- تشييعُ المسافر وتوديعُه وإعانتُه والدّعاءُ له بالسّهولة والسّلامة، وقضاء المآرب عند وداعِه.

 

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن أعان مؤمناً مسافراً فرّجَ الله عنه ثلاثاً وسبعين كُربة، وأجاره في الدّنيا والآخرة من الغمّ والهمّ، ونفّسَ كربَه العظيم يوم يغصّ النّاس بأنفاسهم».

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ودّع المؤمنين قال: «زوَّدكم اللهُ التّقوى، ووجَّهكم إلى كلّ خير، وقَضى لكم كلَّ حاجة وسَلَّمَ لكم دينَكم ودنياكم، وردّكم سالمينَ إلى سالمين».

وفي آخر: «كان إذا ودّعَ مسافراً أخذَ بيده ثمّ قال: أحسنَ لك الصّحابة، وأكملَ لك المعونة، وسهّل لك الحُزونة، وقرّبَ لك البعيد، وكفاكَ المهمّ، وحفظَ لك دينَك وأمانتَك وخواتيمَ عملك، ووجَّهَكَ لكلّ خير. عليك بتقوى الله، استَودعِ اللهَ نفسَك، سِرْ على بركة الله عزّ وجلّ».

وينبغي أن يقرأ في أُذنه: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ..﴾ القصص:85،  ثم يؤذّن خلفَه وَلْيُقم (أذان، وإقامة) كما هو المشهور عملاً (لا فتْوى).

2- وينبغي رعاية حقّه في أهله وعياله وحُسن الخلافة فيهم، لا سيّما مسافر الحجّ. فعن الباقر عليه السلام: «مَن خلفَ حاجّاً (في أهله) بخير كان له كأجرِه كأنّه يستلمُ الأحجار».

 

(..) ويختصّ سفر الحجّ بأمور أُخَرَ.

 

1- منها: اختيار المَشي فيه على الرّكوب على الأرجح، بل الحفاء على الانتعال إلّا أن يضعفَه عن العبادة، أو كان لمجرّد تقليل النّفقة. وعليهما يُحمل ما يستظهر منها أفضليّة الرّكوب. ورُوي: ما تقرّب العبد إلى الله عزّ وجلّ بشيءٍ أحبّ إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمَين، وإن الحجّة الواحدة تعدل سبعين حجّة، وما عُبد الله بشيءٍ مثل الصّمت والمشي إلى بيتِه.

2- ومنها: أن تكون نَفَقة الحجّ والعمرة حلالاً طيِّباً، فعنهم عليهم السلام: «إنّا أهلُ بيتٍ حجُّ صَرورتنا (الصّرورة: الذي يحجّ أوّل مرّة) ومهور نسائنا وأكفاننا من طَهور أموالنا».

وعنهم عليهم السلام: «مَن حجّ بمالٍ حرام، نُوديَ عند التّلبية: لا لبّيكَ عبدي ولا سعدَيك».

3- ومنها: استحباب نيّة العَود إلى الحجّ عند الخروج من مكّة، وكراهة نيّة عدم العود.

فعن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن رجعَ من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيدَ في عمره، ومَن خرج من مكّة ولا يريدُ العودَ إليها، فقد اقتربَ أجلُه ودنا عذابُه»، وعن الصّادق عليه السلام مثله مستفيضاً.

وقال (الإمام الصّادق عليه السلام) لعيسى بن أبي منصور: «يا عيسى، إنّي أحبُّ أن يراك اللهُ فيما بين الحجّ إلى الحجّ وأنت تتهيّأ للحجّ».

4- ومنها: أن لا يخرج من الحرمَين الشّريفَين بعد ارتفاع النّهار إلّا بعد أداء الفرضَين بهما.

5- ومنها: البدءة بزيارة النّبي صلّى الله عليه وآله لمن حجّ على طريق العراق.

6- ومنها: أن لا يحجّ ولا يعتمر على الإبل الجَلّالة (التي تتغذّى بغائط الإنسان) ولكن لا يبعد اختصاص الكراهة بأداء المناسك عليها، ولا يسري إلى ما يُسَار عليها من البلاد البعيدة في الطّريق.

7- ومن أهمّ ما ينبغي رعايته في هذا السّفر، احتسابه من سفر آخرتِه بالمحافظة على تصحيح النّيّة، وإخلاص السّريرة، وأداء حقيقة القُربة، والتّجنب عن الرّياء والتّجرد عن حبّ المدح والثّناء، وأن لا يجعل سفرَه هذا على ما عليه كثيرٌ من مترَفي عصرنا من جعله وسيلةً للرّفعة والافتخار، بل وصلةً إلى التّجارة والانتشار ومشاهدة البلدان وتصفّح الأمصار، وأن يراعي أسرارَه الخفيّة ودقائقَه الجليّة.

العروة الوثقى: ج 4، ص 322 – 341.

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

05/09/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات