كلمة سواء

كلمة سواء

04/11/2013

عن الأقلّيّات المسلمة في المجتمعات الغربيّة


عن الأقلّيّات المسلمة في المجتمعات الغربيّة

هُويّات متأزّمة

____د. صبحي غندور*____

سألتُ أحد أبناء قريبٍ لي مقيم في العاصمة الأميركيّة، كيف يجيب إذا سئل: ما هي هُويّتك أو من أينَ أنت؟ فأجابني: «أقول أنا لبنانيّ». قلت له: لكنّك من مواليد أميركا وتعيش فيها منذ ولدْتَ قبل ثلاثة عشر عاماً، وأنت تحمل الجنسيّة الأميركيّة، وتدرس في مدرسة أميركيّة، وعائلتك هنا منذ عقدَين من الزمن، فلماذا لا ترى نفسك أميركيّاً؟!

فقال: «لأنّ عائلتي جاءت من لبنان وأهل عائلتي موجودون هناك، وأنا زرتُهم في الصَّيف الماضي». قلت له: جميل منك هذا الوفاء لعائلتك ولأصولك الوطنيّة، لكن لماذا لا تقول إنّك أميركيّ - لبنانيّ، فالأميركيّون كلّهم من أصول وطنيّة أخرى تشمل معظم بلدان العالم، ولذلك تسمع عن «الأميركيّين الأفارقة» ذوي الأصول الإفريقيّة، أو «الأميركيّين الآسيويّين» الّذين هاجروا من شرق آسيا، أو «الأميركيّين الأيرلنديّين»، أو «الأميركيّين الإيطاليّين».. والكثير غيرهم من أصحاب الأصول الأوروبّيّة.

وأضفتُ قائلاً: ربّما حتّى من الأفضل أن تقول إنّك أميركيّ - عربيّ، حيث الجمع هنا يصّح بين هويّتَين ثقافيّتَين جامعتَين لخصوصيّاتٍ عديدة، ولا تقوم أيٌّ منهما الآن على أساس العنصر أو العرق أو وحدة الدّم أو الدِّين. فالهويّة الأميركيّة تُعبّر الآن عن بلد فيه جماعات بشريّة من أصولٍ ثقافيّة وعرقيّة ودينيّة مختلفة، وهي تعني أيضاً الانتماء إلى أمّة أميركيّة واحدة، نعرف الآن بأنّها تتألَّف من خمسين ولاية، لكنّها لم تكن كذلك خلال مراحل تاريخها.

وهكذا هي أيضاً «الهُويّة العربيّة» الّتي تجمع تحت سقفها الثّقافيّ الكبير عرباً لهم أصول عرقيّة ولغويّة ودينيّة مختلفة، ويتوزّعون الآن على عدّة بلدان، رغم أنّهم ينتمون إلى أمّةٍ واحدةٍ، تجمعها وحدة الثّقافة والأرض والتّاريخ والمصالح.

فالهويّات المتعدّدة للإنسان، الفرد أو الجماعة، ليست كأشكال الخطوط المستقيمة الّتي تتوازى مع بعضها فلا تتفاعل أو تتلاقى، أو الّتي تفرض الاختيار في ما بينها. فكلُّ إنسان تُحيط به مجموعة من الدّوائر منذ لحظة الولادة، فيبدأ باكتشافها والتّفاعل معها خلال مراحل نموّه وتطوّره: من خصوصيّة الأمّ إلى عموميّة البشريّة جمعاء.

ومشكلة «الهويّة العربيّة» نابعة من الانفصام الحاصل بين وجود ثقافة عربيّة واحدة، وعدم وجود دولة عربيّة واحدة. إنّ معظم شعوب العالم اليوم تكوّنت دولها على أساس خصوصيّات ثقافيّة، بينما الثّقافة العربيّة لا يُعبّر عنها بعدُ في دولةٍ واحدة. ونجد الآن داخل الجسم العربيّ مَن يُطالب بدولٍ لثقافاتٍ إثنيّة [عِرْقِيَّة]، بينما الثّقافة العربيّة نفسها لا تتمتّع بحالة «الدّولة الواحدة».

إنّ إضعاف الهُويّة العربيّة المشتركة، يتمّ الآن لصالح «الهويّات» الطّائفيّة والمذهبيّة والإثنيّة [العِرْقِيَّة] في معظم المجتمعات العربيّة. وبهذا تكمن مخاطر الانفجار الداخليّ في كلّ بلدٍ عربيّ. فحينما تضعف الهُويّة العربيّة، لن تكون بدائلها هُويّات وطنية موحّدة للشّعوب، بل انقسامات حادّة تولِّد حروباً أهليّة من شأنها أن تأكل الأخضر واليابس معاً.

فكيف سأقنع قريبي، هذا الشّابّ اليافع (اللّبنانيّ العربيّ - المسلم) بأن يحبّ «هُويّته الأميركيّة» ويعتزّ بها إذا كان يلمس، ربّما في مدرسته، مظاهر تمييز أو كره لِمَن هم من أصول عربيّة وإسلاميّة.

وإذا كان يقرأ أو يسمع عن سياسات الحكومات الأميركيّة في بعض البلدان العربيّة، أو عن الدّعم الأميركيّ الكبير «لإسرائيل» الّتي مارست أكثر من مرّة الاحتلال والعدوان على وطنه الأصليّ! فعسى أن يشهد العالم قريباً صحوةً شبابيّة تحرص على هويّاتها المتعدّدة، لكنّها تكون أوّلاً وأخيراً «إنسانيّة».

________________________________

* باحث وأكاديميّ عربيّ مقيم في أميركا.

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

04/11/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات