بصائر

بصائر

04/11/2013

المصادر المعتبرة للسِّيرة الحسينيّة


المصادر المعتبرة للسِّيرة الحسينيّة

من تحقيقات السّيّد جعفر مرتضى العامليّ

 

يتناول النّصّ التّالي لسماحة العلّامة السّيّد جعفر مرتضى العامليّ تحقيقاً في المصادر المعتبرة للسّيرة الحسينيّة، وهو يندرج في سياق إجابات سماحته على السُّؤال رقم 166 من تحقيقاته تحت عنوان «مختصر مفيد»، ومؤدّى السُّؤال: هناك من يقول: إنَّ علينا أن نأخذ بالأقدم في ما يرتبط بنصوص السّيرة الحسينيّة، فما رأيكم؟ وبماذا تنصحون قرَّاء المنبر الحسينيّ؟

وفي ما يلي الجواب:

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على محمَّدٍ وآله..

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..

أوَّلاً: فإنَّ المصادر المعتبرة للسّيرة الحسينيّة كثيرةٌ ومتنوِّعة، فمن المصادر كُتب الحديث مثل (أمالي) الصَّدوق، والمفيد، وغيرهما..

وقد جُمِع في (البحار) كمّيّة كبيرة من النّصوص المأخوذة من المصادر المُعتبرة على اختلافها، فلا بأس باعتمادها كأساسٍ للانطلاقة الأوسع والأتمّ للحصول على كثيرٍ من النّصوص الأخرى المبثوثة في مختلف المصادر الإسلاميّة، ولا نستثني منها كُتُب الحديث والأدب، والأنساب والبلدان، والتّراجم وغيرها. فبالإمكان جمع جزئيّاتٍ كثيرة منها وضمّ بعضها إلى بعض للحصول على سياقٍ عامٍّ للأحداث الّتي تحكي لنا ما جرى في كربلاء، أو قبلها وبعدها.

وقد حاول السّيّد عبد الرّزاق المقرّم أن يفعل ذلك، كما يظهر من مراجعة كتابه (مقتل الحسين عليه السّلام)، وهذا ما فَعَله آخرون سَبَقوه، كابن طاوس، وابن نما وغيرهما.

 

ثانياً: إنّ استهجان بعض الأمور لا يصلح دائماً لردِّها، والحُكم عليها بالبطلان.

فكما أنَّه قد يكون منشأ الاستهجان هو آفّة يعاني منها النّصّ، فإنّه قد يكون أيضاً ناشئاً عن عدم وجود تهيُّؤ ذهنيّ ونفسيّ لقبول أمرٍ ما، بسبب فقدان الرّكائز والمنطلقات الّتي تساعد على المزيد من الوعي للحقائق -خصوصاً في ما يرتبط بمقامات الأولياء والأصفياء- الّتي يحتاج تكوُّن القناعات، بما لها من آثارٍ، إلى سبق المعرفة اليقينيّة بمناشئها. وقد يكون سبب هذا الاستهجان هو افتراضات غير واقعيّة في ما يرتبط بالمؤثِّرات في الحدث التّاريخيّ. وفي كلتا هاتَين الحالتيَن، فإنَّ اللّازم هو تصحيح المنطلقات الّتي أوجَبَت الوقوع في أَسْر التّصوُّر الخاطئ، الّذي يدفع إلى الاستهجان، ثمّ إلى الرّفض.

وإنَّ الإعداد القويّ والرّصين لإنجاز عملٍ معرفيٍّ وتربيةٍ إيمانيّةٍ وروحيّةٍ ونفسيّةٍ، ليُمكن من خلال ذلك تحقيق درجة من الانسجام بين المعارف الإيمانيّة ويقينيّاتها وبين ما ينشأ عنها من آثارٍ في حركة الواقع، وفي وعي الأحداث، إنَّ الإعداد لإنجاز عملٍ كهذا يُعتبَر أمراً ضروريّاً ولازماً وله مقام الأفضليّة بالقياس إلى ما عداه من مهام.

وبدون ذلك فإنّ أيّ عمل يكون من قبيل القفز في الهواء من دون مبرِّر معقولٍ ومقبول، وكذلك من دون نتيجةٍ مقنعةٍ ومُرضِيَة.

ولأجل ذلك، فإنَّني أقترح توثيق المعلومات المرتبطة بالحركة الجهاديّة للإمام الحسين عليه السّلام، وفق نظامِ الأولويّات المرتبطة بالمستوى الّذي يخضع لاعتباراتٍ كثيرةٍ تجعله يتنوَّع ويتخالف بحسب الأفكار والثّقافات، ويتأثّر بالحالات الرّوحيّة والفكريّة، وسواها ممّا لا بدّ من أخذه بنظر الاعتبار في رصد الواقع وجدولة أولويّاته.

 

ثالثاً: إنَّ علينا أن لا نشارك في هَدْمِ المنبر الحسينيّ، عن طريق تشكيك النّاس به، إنْ من خلال إطلاق العبارات العامّة والغائمة والرّنانة، أو من خلال إطلاق التُّهم بالكذب، والتّحريف، والافتعال.

فإنَّ كلَّ عملٍ يُسهمُ في إفقاد النّاس الثّقة بالمجالس الحسينيةّ يُعتَبَر خيانةً للدِّين، ويُعتبر اعتداءً على عاشوراء.

وإنَّ الطّريقة الّتي تُوَجَّه فيها التُّهَم إلى قرَّاء العزاء، تجعلُ النّاس يَرَونهم أناساً جَهَلة لا يرجعون إلى خُلُقٍ ولا إلى دينٍ، ولا همَّ لهم إلَّا تزييف الحقائق، وتزيين الخرافات والأباطيل للنّاس.

مع أنَّهم لا ذنبَ لهم سوى أنّهم ينقلون ما وجدوه ويتلون علينا ما قرؤوه. فإنْ كان ثمَّة من ذنبٍ، فإنَّما يقع على غيرهم.

إنّني أؤكِّد أنَّه لا بدَّ من أن يكون ثمّة دعوةٍ جادّة، وعملٍ دائبٍ في سبيل توطيد الثّقة بين النّاس وبين خطباء المنبر الحسينيّ.

والخلاصة: إنَّ وجود فرد أو أفراد يسيئون الاستفادة من هذا المنبر المقدّس ولو عمداً، لا يعني ذلك أن نبادر إلى مهاجمة كلّ أهل هذا المنبر، تماماً، كما لو أنَّ البعض أساء الاستفادة من الصَّلاة، وجَعَلَها وسيلةً لخداع النّاس والمَكر بهم، فإنَّ ذلك لا يخوِّلنا شنَّ هجومٍ ساحقٍ على جميع المصلِّين.

 

رابعاً: إنَّه لا بدَّ من الإقلاع عن تضخيم الأمور، بإطلاق الدّعاوى العريضة حول وجود مكذوبات في أمر عاشوراء، إذ أنَّ حَدَثاً خالداً عظيماً بدأت أحداثه قبل عشرات السّنين، ولم يزل هو الشّغل الشّاغل لطائفةٍ كبيرةٍ من النّاس، ويتناقلونه عبر القرون والأحقاب، إنَّ هذا الحدث رغم أنّه يشتمل على المئات من الخصوصيّات والأحداث والتّفاصيل الكثيرة والمتنوّعة، ثمّ رغم المحاولات الكثيرة الّتي تستهدف النَّيل منه في كلِّ جيلٍ، ورغم كلّ هذا الضّجيج والعجيج الّذي يثيره المغرضون حوله وضدّه، فإنَّه لم يستطع، ولن يستطيع أحدٌ مهما جدّ واجتهد، إثبات التّزوير والخرافة إلَّا في مقدارٍ يسيرٍ جدّاً قد لا يصل إلى عدد أصابع اليدّين.

وذلك يعني: أنَّ الله قد حفظ هذا الدّم الزّاكي ليكون وسيلةً لحفظ هذا الدِّين، وظهر بذلك مصداق قوله صلّى الله عليه وآله: «إنَّ الحسين مصباحُ هدًى وسفينةُ نجاةٍ».

 

خامساً: إنَّنا إذا أردنا أن نستعمل أسلوب الاستنساب في اختيار الأحداث والنّصوص من جهة، ثمّ نتحصَّن خلف الادّعاءات العريضة وغير المسؤولة من جهة أخرى، ثمّ نستعمل أسلوب التّهويل والتّضخيم لأمورٍ جزئيّة وخارجة عن الموضوع الأساس من جهةٍ ثالثة، لتكون النّتيجة هي استبعاد هذا النّصّ، والتّشكيك بذاك، واستنساب هذا وعدم استنساب ذاك، فإنَّ ذلك سيكون جريمة ما بعدها جريمة تُرتَكَب بحقِّ الدّم الزّاكي الّذي سَفَكَتْهُ سيوفُ الحقد والشّرّ في كربلاء.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

04/11/2013

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات