حوارات

حوارات

03/12/2013

قراءة في مواقف عابدة آل عليّ عليهم السّلام في رحلة السّبي


العزّة الزينبيّة

قراءة في مواقف عابدة آل عليّ عليهم السّلام في رحلة السّبي

من كربلاء إلى الشّام فالمدينة، مسيرةُ سَبيٍ للموكب الحامل لإرث وارث النّبيّين، مثّلت فيه العقيلةُ زينبُ عليها السّلام النّموذجَ العلويّ الشّامخ؛ في الصّبر، والتّسليم، والرّضا بقضاء الله تعالى، مظهرةً رفعةَ الحقّ ووضاعةَ الباطل. جولةٌ في آفاق الخصائص الّتي أظهرتها محنةُ السّبي لشخصيّة مولاتنا العقيلة عليها السّلام، في حوارٍ مع سماحة الشّيخ باقر الصّادقيّ، أجرته إذاعة إيران العربيّة، ننشره- بتصرّف- تعميماً للفائدة.   

* كيف تجلّى موقف السّيّدة زينب عليها السّلام عند عودتها إلى كربلاء من الشّام لزيارة قبور الشّهداء؟

ج: بسم الله الرّحمن الرّحيم، يذكر بعض رواة حوادث كربلاء أنّه أثناء عودة الرّكب من الشّام إلى المدينة، أخبر الإمام السّجّاد عمّته زينب، أنّهم على مشارف مفترق طُرُقٍ، منها ما يؤدّي إلى المدينة، ومنها إلى كربلاء وذلك بعدما استَشعر رغبتَها في زيارة سيّد الشّهداء، فطلبَت منه أن يأذن للدّليل أن يسير بهم إلى كربلاء؛ وهنا نستحضر أهمّيّة زيارة الإمام الحسين، وما أعدّ الله عزّ وجلّ لزوّاره من الأجر العظيم، ويستوجب على الأمّة مراعاة حقّه المكتسب من القرآن الكريم: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشّورى:23، وهو ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وعلى هذا، فإنّ من تمام أداء الحقّ والوفاء بالعهد، هو زيارة القبر الشّريف وتجديد العهد عنده. أوصلهم الدّليل إلى كربلاء وبقوا ثلاثة أيّامٍ، ينوحون ويبكون كلّما هاجت بهم الذّكريات والأحزان. وكانت العقيلة زينب تقوم من قبرٍ وتجلس عند آخَر، حتّى قرّر الإمام زين العابدين عليه السّلام مغادرة كربلاء، فسأله سائلٌ: ما أكثر حبّك لأبيك الحسين وما أقلّ مكوثك بأرض كربلاء؟! فأخبره الإمام أنّه يرى ما لا يَرون، وأنّه يخشى على عمّته زينب الموتَ إذا بقيتْ أكثر من ثلاثة أيّام من شدّة حزنها على أبي عبد الله. طبعاً هذا الحزن أو البكاء لا ينافي الصّبر الّذي تلحّفت به الحوراء زينب في كربلاء، وأمام طغاة الشّام والكوفة، فالبكاء حالة طبيعيّة، وكما قال الرّسول صلّى الله عليه وآله عندما فَقَدَ ولدَه إبراهيم: «تدمعُ العينُ ويحزنُ القلبُ، ولا نقولُ ما يُسخِطُ الرّبَّ تبارك وتعالى».

* أي: كان هدف مولاتنا السّيّدة زينب عليها السلام طيلة رحلة السّبي ربط الأمة بالإمام الحسين عليه السّلام؟

 ج: بلا شكّ، فهذه من جملة الأمور الّتي دعت الأُمّة إلى إحياء هذه الذّكرى، والاهتمام بإظهار مظلوميّة الحسين وأهل بيته؛ فالوقوف عند القبر، والبكاء، وإظهار الحزن، تجديدٌ للعزاء وإحياءٌ للأمر. وكان وصول جابر بن عبد الله الأنصاريّ لزيارة الحسين تزامنَ مع ورود الموكب، فتلاقوا بالأحزان والبكاء، حتّى صار تجديد العزاء سُنّةً وعادةً عند المؤمنين، وعلامة الإيمان، ولهذا أوصى الأئمّة عليهم السّلام بشدّ الرّحال إلى كربلاء.

* بعد عودة العقيلة زينب عليها السّلام من كربلاء إلى المدينة المنوّرة، كيف بدت ملامح سيرتها؟

ج: حينما رجعت الحوراء إلى المدينة، ذهبت مباشرةً إلى قبر جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله لتجديد العهد وتقديم العزاء إليه بولده الحسين؛ يقول الرّواة إنّها أقبلت إلى قبر جدّها فصاحت: «واأبتاه، وامحمّداه، إنّي ناعيةٌ إليك أخي الحسين، فقد ذبحوه إلى جنب الفرات ظمآناً".."»، ثمّ ذهبت إلى دار الحسين لتجدّد العهد بتلك الدّار الّتي طالما صلّى فيها الإمام، وأكرم فيها الضّيف، وآوى الفقير، والمسكين، واليتيم. وانشغلت بناتُ الرّسالة بالنّياحة والبكاء على سيّد الشّهداء في داره، حتّى أنّ الإمام زين العابدين عليه السّلام كلّف بعض الخدم بإعداد الطّعام، لكي يتفرّغن للعزاء والنّياحة والبكاء.

وكان النّاس في المدينة يأتون لتقديم العزاء، وكانت الحوراء زينب تذكر مظلوميّة الحسين، وكيف قُتل.

 وكان الحسين عليه السّلام مهوى أفئدة أهل المدينة، يُجِلّه الصّحابة والتّابعون والخواصّ والعوامّ، فضجّت المدينة لِهول المُصاب، ووصل الخبر إلى يزيد، فكَتب إلى واليها بإخراج السّيّدة زينب وزوجها، فخرجت، على رواية، إلى الشّام، وقيل إلى مصر.

* ما هي مظاهر تجلّي التّسليم والرّضا لله تعالى في سيرة مولاتنا زينب عليها السّلام؟

ج: عندما يتعلّق قلبُ العبد بالله تبارك وتعالى، فكلّ شيءٍ يصيبه أو يأتيه، يتقبّله بعين الرّضا وعين التّسليم، وهذا في الحقيقة من جملة الأشياء الّتي تجعل العبد وجيهاً عند الله عزّ وجلّ وقريباً منه. وحالة الرّضا هذه لا تأتي إلّا بعد الرّياضة والمجاهدة والوصول إلى درجةٍ عاليةٍ من المحبّة الإلهيّة بحيث يَقبل وهو راضٍ، ولا يعترض على القضاء الإلهيّ، وهذا ما نلاحظه في سيرة زينب عليها السّلام، ففي اللّيلة الأخيرة قبل شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام قالت: «أبه! حدّثْني بحديث أمّ أيمن..»، وهو الحديث الّذي يَنقلُ ما يجري على الحسين وعليها، فهي كانت على علمٍ بما سيجري، ومع ذلك احتَسبت وصبَرت.

ويُروى أنّ ابن عبّاس حاول ثني الإمام الحسين عليه السّلام في المدينة عن التّوجّه إلى العراق، ولمّا رأى إصراره على الذّهاب، طلب منه عدم أخذ النّساء معه، فسمعته السّيّدة زينب من خلف السّتار، فقالت: «يا ابن عبّاس، تُشيرُ على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا ها هنا ويمضي وحده؟! لا والله، بل نحيى معه ونموت معه، وهل أبقى الزمانُ لنا غيره؟»، فهي وطّنتْ نفسَها على الوقوف إلى جنب الحسين عليه السّلام من أجل نُصرته. فهي الرّاضية، كأمّها الزّهراء عليها السّلام وهي المرضيّة، رضيت بقضاء الله فسلَّمت.

وينقل أرباب السِّيَر والتّاريخ قرائن لهذا الرّضا: فحينما قال لها الطّاغية في الكوفة: «أرأيتِ كيف صنعَ اللهُ بأخيك الحسين؟» قالت: «ما رأيتُ إلّا جميلاً»، وهذا في الحقيقة صورة واضحة تعكس الرّضا في قلبها بالقضاء الإلهيّ.


* هل قولها عليها السلام لابن زياد: «أولئك قومٌ كتبَ اللهُ عليهم القتل".."» مؤشّرٌ إلى التّسليم بقضاء الله تعالى؟

ج: نعم، «أولئك قومٌ كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم». هذه العبارة واضحة في الرّضا بالقضاء الإلهيّ، وفي الحقيقة هذه من جملة ما يطلبه الإنسان المؤمن في زيارة (أمين الله) المرويّة عن الإمام زين العابدين عليه السلام لمّا زار قبر جدّه أمير المؤمنين عليه السلام، فأوّل شيءٍ طَلَبه: «اللّهمّ اجعلْ نفسي مطمئنّةً بقدَرِك راضيةً بقضائك»، فمقولتُها عليها السّلام، تعكس إيمانَها وحبَّها لله تبارك وتعالى، فانعكس ذلك في رضاها بقضاء الله عزّ وجلّ.

 

* حبّذا لو سلّطنا الضّوء على مظاهر اليقين بالله تعالى عند السّيّدة زينب عليها السّلام.

ج: عندما ننظرُ في سيرة الحوراء زينب عليها السّلام، نجدُ أنّها ذاتُ معرفةٍ وذاتُ عِرفانٍ في سنواتها الأولى، فعندما أجلسها أميرُ المؤمنين في حِجْره، وكانت صغيرة، سألتْه: «يا أبه، أتحبُّنا؟»، قال: «بلى»، قالت: «إذا كان ولا بدّ يا أبه، فالمحبّةُ لله، والشّفقةُ لنا»؛ فقبّلَها أميرُ المؤمنين عليه السّلام. فهذا إنّ دلَّ على شيءٍ، فيدلّ على نبوغها في العلم، وما قول الإمام السّجّاد عليه السّلام لها: «أنتِ بحمدِ الله عالمةٌ غيرُ معلَّمة، وفهِمَةٌ غيرُ مفهَّمة» إلاّ دلالة على مدى علمها، وكأنّه أُفيض عليها إلهاماً. وهذا هو العلم اللّدُنّيّ الّذي كان عندها.

ويذكر أربابُ السِّيَر والتّاريخ أنّه لمّا مرّوا بالرَّكب يوم الحادي عشر إلى مصارع الشّهداء، أخذ النّساء يَصِحنَ ويبكينَ ويلطمنَ الخدود، فهدّأتْهنّ الحوراء، والتفتت إلى زين العابدين عليه السّلام، وقالت له: «ما لي أراكَ تجودُ بنفسك يا بقيّةَ جدّي وأبي وإخوتي... فواللهِ إنّ ذلك لَعهدٌ من رسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ أُناسٍ من هذه الأُمّة، لا تعرفهم فراعنةُ هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السّماواتِ أنّهم يجمعون هذه الأعضاءَ المتفرّقةَ فَيوارونها وهذه الجسومَ المضرّجة، وينصبون لهذا الطّفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّد الشّهداء لا يُدرسُ أثَرُه، ولا يعفو رسمُه على كُرور اللّيالي والأيّام، ولَيجتهدنّ أئمّةُ الكفر وأشياعُ الضّلالة في مَحوه وتطميسه، فلا يزدادُ أثرُه إلاّ ظهوراً وأمرُه إلاّ علوّاً».

 فهذه الصّورةُ واضحةٌ لعلمِها بما سيجري لقبر الإمام الحسين عليه السّلام من محاولاتٍ لطمسِ هذا المَعْلَم، ولكنّه بقي شامخاً إلى يومنا هذا.

* لا يُطلع الله سبحانه على غيبه إلّا مَن ارتضى، فهل السّيّدة زينب عليها السّلام مرضيّة عنده تعالى؟

ج: لا شكّ في أنّها مرضيّة، فمن جملة المؤهّلات أو الأسباب التي أهّلتْها لذلك، هو اتّصالها بالله تبارك وتعالى، من خلال العبوديّة الصّادقة. العبوديّة، في الحقيقة، درجةٌ يؤهَّلُ بها الإنسانُ ليصلَ إلى مراتب فيضِ العلم الإلهيّ، فكانت السّيّدةُ زينب عليها السّلام من أولياء الله. وفي شاهدٍ آخَر قالت عليها السّلام في الشّام: «يا يزيد، كِدْ كيدَك واسعَ سعيَك وناصِبْ جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا".."»، سبحان الله! هذا الذّكر إلى يومنا، وسيستمرُّ حتّى خروجِ صاحبِ العصر والزّمان؛ فكأنّ المستقبلَ كان مكشوفاً للعقيلة عليها السّلام.

* لو بيّنْتم بعض مواقف العقيلة زينب عليها السّلام وسلوكها في السّبي، لِنَستلهمَ ما يفيدنا في حياتنا.

ج: أوّلاً: كانت عليها السّلام ترعى الأطفال وأيتامَ أبي عبد الله، والنّساء المفجوعات.

ثانياً: كانت تهتمُّ بالإمام السّجّاد وتحافظُ عليه، لكي لا ينقطعَ نسلُ آل محمّد صلوات الله عليه وعلى آله، وقد دلّل بعض الرّواة على تصدّيها للأمر في مرض الإمام السّجاد عليه السّلام؛ جاء في (توحيد الصّدوق) عن أحمد بن إبراهيم، قال: «دخلتُ على حكيمةَ بنت محمّد بن عليّ الرّضا أختِ أبي الحسن العسكريّ عليهم السّلام [بعد شهادة الإمام العسكريّ] فقلتُ لها: فأين المولود؟ فقالت: مستور. فقلت: فإلى من تفزعُ الشّيعة؟ فقالت: إلى الجدّة، أُمِّ أبي محمّد عليه السّلام. فقلت لها: أقتدي بِمَن وصيّتُه إلى المرأة؟

فقالت: اقتداءً بالحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام». إنّ الحسين عليه السّلام أوصى إلى أخته زينب عليها السّلام في الظّاهر، تستّراً على عليّ بن الحسين عليهما السّلام، فكانت العلوم، في الظّاهر، تخرج عن السّيّدة زينب حمايةً للإمام زين العابدين، والعلوم بالسّرّ تخرج عنه، كي لا تتعرّضَ حياتُه للخطر أو القتل بعد شهادة الحسين عليه السّلام، وعندما أمرَ ابنُ زياد بضرب عنقه عليه السّلام، ألقتِ الحوراءُ بنفسها عليه، وقالت: «يا ابن زياد، حسبُكَ ما سفكتَ من دمائنا، إنْ كنتَ عزمتَ على قتله فاقتلني معه".."».

 فقد كان على عاتقها المحافظةُ على الإمام عليه السّلام في السّبي، وهذا يعني أنّ الأُمّة ينبغي أن تحافظ على إمامها، وحرمةُ الإمام حيّاً، كحرمته ميتاً، والاعتداءُ على مقامات الأئمّةِ وأهل البيت عموماً إنّما يكشف عن عداءٍ لله، وعداءٍ للرّسول صلّى الله عليه وآله لأنّهم أبناؤه، والمرءُ يُحفَظ في ولده.

ثالثاً: تبيان مظلوميّة الحسين عليه السّلام من خلال خطبتها في الكوفة والشّام، وفضح الطّغاة والظّلمة حتّى خلّد الرّواةُ قولَها ليزيد: «يا يزيد! كِد كيدك، واسعَ سعيَك، وناصِب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميتُ وَحيَنا»، وقولها: «أمِن العدل يا ابن الطُّلَقاء تخديرُك حرائرك، وسوقُك بناتِ رسول الله سبايا قد هَتَكْتَ ستورهنّ".."».

رابعاً: صبرُها على بلاء السّبي، والصّبرُ نفسه من جملة ما ينبغي للمرأة المؤمنة أن تصبو إليه اقتداءً بالحوراء زينب، فعند المصائب والشّدائد لا بدّ من الصّبر، وصبرُها عليها السّلام كان واضحاً وجليّاً، فهي لم تنقطع عن ذكر الله تعالى وعبادته، وفي هذا يُروى أنّ الإمام زين العابدين رآها تصلّي صلاة اللّيل من جلوس، فسألها عن السّبب، فقالت: «على الضّعف الّذي نزل بي». ونستوحي من هذا أنّ الإنسان المؤمن عند الشّدائد ينبغي أن يقوّي ارتباطه بالله تعالى، فلا يقطع تهجّده وعبادته، فالرّوح القويّة تعلو على الجسد الضّعيف لأنّها ترنو إلى الله تعالى.

* ما هي أوجه الشّبه بين سيرة الصّديقة الكبرى فاطمة الزّهراء والسّيّدة زينب عليهما السّلام على هذا الصّعيد؟

ج: ورثت السّيّدة زينب أمّها السّيّدة الزهراء في عفّتها، ونورد روايةً دليلاً على مقدار عفّتها، وفيها أنّه لمّا أقبل رجل أعمى سائلاً، احتجبت عنه الزّهراء عليها السّلام، فسألها النّبيّ صلّى الله عليه وآله وهو العارف والعالم: «لمَ حجبتِهِ وهو لا يراك؟» فأجابته: «إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشمّ الرّيح». وقد ورثت زينب عليها السّلام من أمّها هذا العفاف، فعن يحيى المازنيّ أنّه قال: «جاورتُ أميرَ المؤمنين ثلاثين سنة، فوالله ما رأيتُ لسيّدتي ومولاتي زينب شخصاً، وما سمعتُ لها صوتاً». وعندما اقتضى الواقعُ الأمرَ بالمعروف والنّهيَ عن المنكر، وقفَتْ بين يدي ظالمٍ لِتُلقيَ عليه الحجّة، والموقف نفسُه وقفتْه أُمّها الزّهراء عليها السّلام حينما غُصِب حقّها، فتوجّهت إلى مسجد النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وخطبت خطبتَها المعروفة، وكانت السّيّدةُ زينب في ذلك الوقت صغيرةً، وكانت مع أمّها، وحفظت الخطبة عن ظهر قلب، ورَوَتْها، فوصلتْ إلينا.

* ما هي دلالات خطبة السّيّدة زينب عليها السّلام في دمشق الشّام؟

ج: قال العلّامة كاشف آل الغطاء في كتاب (السّياسة الحسينيّة) بعد أن وَصف هذه الخطبة: «أتستطيعُ ريشةُ أعظمِ مصوّرٍ وأبدع ممثّل أن يمثّل لك حالَ يزيد وشموخَه بأنفه، وزهوَه بعرشه، وسرورَه باتّساق الأمور وانتظام المُلك، ولذّةَ الفتح والظّفَر والتّشفّيَ والانتقام، بأحسن من ذلك التّصوير والتّمثيل؟! وهل يقدرُ أحدٌ أن يدفعَ خصمه بالحجّة والبيان والتّقريع والتّأنيب؟»، إشارة إلى أنّ السّيّدة زنيب أنّبت وقرّعت يزيد بكلّ شجاعة، حتّى قال قائلٌ عندما سمعها: «ورأيتُ زينبَ بنتَ عليّ عليه السّلام، فلم أرَ والله خَفِرَةً أنطقَ منها، كأنّما تُفرغُ عن لسان أمير المؤمنين» [الخَفَر يعني حالةً من الخجل والحياء] ويتابع العلّامة: «ثمّ لم تقتنع منه بذلك حتّى أرادتْ أن تمثّل له وللحاضرين عنده ذلّة الباطل، وعزّة الحقّ، وعدمَ الاكتراث بالقّوة، والقدرة، والسّلطة، والهيبة، والرّهبة؛ أرادت أن تعرّفه خِسّةَ قدْره، وضِعةَ مقداره، ولؤمَ فَرعه، وشناعةَ فعله».

* الكلمة الأخيرة لكم سماحة الشّيخ في محضر مولاتنا السّيّدة زينب عليها السّلام.

ج: أقول: هي الصّديقة الصّغرى، وهي عقيلة الطّالبيّين، وهي عابدة آل عليّ، وهي أنموذج مثاليّ للمرأة المؤمنة الّتي تقف بوجه الباطل، نطقت بتلك الصّرخة المدويّة لنصرة الحقّ، ووقفت مع الإمام الحسين، وكانت بحقّ شريكته في مصائبه كما يقول الشّاعر:

وشاركتِ الحسينَ في كلِّ خَطْبٍ        يهدُّ الرّاسياتِ من الجبالِ

رأتْ إخوانَها الأبرارَ صرعى           مُجَزّرةَ على وجه الرّمال

سلامٌ على الحوراء ما بقيَ الدّهر، وسلامٌ على القلب الكبير، وسلامٌ على عقيلة بني هاشم بما صَبرتْ واحتَسبت، وقد قدّمتْ رسالتها وكانت إلى جنب الحسين عليه السلام. اشتَركت معه في هذه النّهضة الّتي نقطفُ ثمارَها في عصرنا هذا، وسيستمرُّ القطاف حتّى خروج صاحب الأمر الإمام المهديّ عجلّ الله فرجه، الّذي يملأُ الأرضَ قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئتْ ظلماً وجَوراً.

 

 

 

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

05/12/2013

دوريات

نفحات