مَن تُبعث أمام أبيها

مَن تُبعث أمام أبيها

01/04/2011

هو إِمام العالم، وهي أَمامه؟

لمرجع الديني الشيخ وحيد الخراساني

* كما أنّ في نظام المُلك نيّراتٍ لا يُمكن للبصر النّظر إليها، قدَرُ ما يتيسّر، أن ينظر إلى شعاعها على الجدران، فكذلك في عالم الملكوت أنوارٌ وشموسٌ لا يُمكن للعقل النّظر إليها وإدراكُ كُنهها.
* أسماء الله الحسنى في نظام التكوين تلك النفوس الفانية في معرفة الله وعبادة الله، من تلك الأسماء: فاطمة. فاطمة اسمٌ من أسماء الله الحسنى.
* تقدّم «شعائر» محاضرة باللّغة العربيّة تناول فيها سماحة المرجع الشيخ الوحيد  بعض «خصائص الزهراء» عليها السلام.

لا يمكننا مراعاة القواعد الأدبيّة، ولكنّ الأمر سهلٌ لأنّ الألفاظ لها طريقيّة لا موضوعيّة. واللّفظ كما هو مستفادٌ من مفهوم اللّفظ، ما يُلفظ. يؤخذ منه اللبّ، وبعد، القشر متروك.
الألفاظ وسيلة إلى المعاني، ولكنْ لا بدّ من التأمّل في هذا التّقسيم، فالأمور على أقسام ثلاثة:
1- قسمٌ يُدرك ويُوصف.
2- وقسمٌ يُدرك ولكن لا يُوصف، لأنّ البيان قاصرٌ عن إفهام ما يُدركه الإنسان.
3- والقسم الثالث ما لا يُدرك ولا يُوصف، وهي القضايا التي ما فوق الإدراك بجميع مراتبه من الإحساس والتخيّل والتوهّم والتعقّل، كما أنّ في نظام المُلك نيّراتٍ لا يُمكن للبصر النّظر إليها، قدَرُ ما يتيسّر، أن ينظر إلى شعاعها على الجدران، فكذلك في عالم الملكوت أنوارٌ وشموسٌ لا يُمكن للعقل النّظر إليها وإدراكُ كنهها، (بل) قدرَ ما يتيسّر للعقل من الكُمّل أن يرى شعاعاً من أشعّتها. وتلك الأنوارُ النفوسُ المستغرقة في معرفة الله وعبادة الله، الذين بلغوا إلى حدٍّ صاروا أسماء الله، فإنّ لله سبحانه وتعالى الأسماءَ الحسنى كما نطق به الكتاب: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها..﴾ الأعراف:180.
أسماء الله تنقسم إلى الأسماء اللّفظية وإلى الأسماء التّكوينيّة، فكما أنّ الاسم سِمة المُسمّى، كذلك أسماء الله سماتُ الله. كلّ جملةٍ تحتاج إلى بسطٍ من الكلام.
لا يُعرف اسم الله لأنّ المضاف لا يُعرف إلّا بالمضاف إليه، فإذا كان المضاف إليه فوق المعرفة، فلا محالة يؤثّر في المضاف على طبق القاعدة العقليّة.
وأسماء الله الحسنى في نظام التكوين تلك النفوس الفانية في معرفة الله وعبادة الله.
فالنتيجة أنّ من تلك الأسماء: فاطمة. فاطمة اسمٌ من أسماء الله الحسنى. كيف تُُدرك حقيقة هذا الإسم، ؟
إذا تأمّل الإنسان في هذا الأمر {وكان من يتأمل} مثل الشيخ الطوسي، أو الشهيد الأول، أو المحقّق الحلّي، أو صاحبِ (جامع المقاصد)، ومثلِ الشيخ الأنصاري، يفهم هذا الأمر.
في العالم الكليّ المنحصر بالفرد، هو الخاتَم، بلغ في معرفة الله وعبادة الله تلك المنزلة، قام في محرابه حتّى تورّمت قدمُه، فأنزل الله سبحانه وتعالى سورة لهذا الأمر، وتلك السورة سورة طه: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ طه:1-2.
 تصدّرُ هذه السورة بكلمة طه، وتصدّرُ سورة يس بكلمة يـس، في الأمرين أسرارٌ. «سلامٌ على آل طه ويـس..»، طه اسم الرسول، يـس اسمه، ولهما خواصُّ وأسرارٌ، وفيهما دقائق ولطائف وحقائق، ليست مثل هذه الأوقات مجالاً للبحث عن تلك الأمور. ﴿طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى﴾ طه:1-2، فهذا الأمر يُنبىء عن عظمة الأمر، يعني لم يبلغ موسى بن عمران، لم يبلغ عيسى بن مريم، لم يبلغ ابراهيم الخليل إلى هذا المقام. اجتماع المعرفة والعبادة في النّفس القدسيّة، حتّى قام في المحراب حتى تورّمِ القدم. والأمر المحيِّر للعقول أنّه لا تالي أبداً لهذا الفرد إلّا الصّديقة الطاهرة، قامت في محرابها حتى تورّمت قدماها. كيف يُمكن بيان مقام تلك الشخصيّة؟
إنّ الرسول الذي قال الله في كتابه: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..﴾ الإسراء:1، سبّح نفسه لإسراء الرّسول الأعظم والنبيّ الخاتم، سبّح نفسه. ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..﴾ الإسراء:1، فهو إنْ قام في المحراب حتى تورّم قدمُه لا عجب، فإنّه خلاصة العالَم ومَن عنده جميعُ حروف الاسم الأعظم إلّا حرفاً واحداً. مرتبة الخاتَم هي هذه. ولكنّ العجب كلّ العجب أنّ بنته في صِغر سنّها وضعت قدمها في مقامٍ وضع الخاتَم قدمه. فهذا يكفي لكلّ حكيم ولكلّ فقيه أن يُدرك معنى كلام الإمام، قال الصادق عليه السلام: «إنّما سُمِّيت فاطمةُ فاطمة، لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها».
الخلق كلمة من مصاديقه جبرائيل، من مصاديقه ميكائيل، إسرافيل. هذه الكلمة أعمُّ الكلمات، فما يُحيّر عقل الحكيم هو هذا: «..لأنّ الخلق فُطموا عن معرفتها».

فخلاصة الكلام: نحن بالنسبة إليها بين الأمرين: نتردّد بين القصور والتّقصير. أمّا القصور فهو هذا. لا بدّ لكم بما أنّكم من أهل العلم والتعمّق في المسائل العلميّة، بعد السير في مراحل الفقه والأصول وإعمال النظر في القواعد الدقيقة، لا بدّ لكم من أن تُدقّقوا النّظر في الكتاب والسّنة، فإنّ العمدة الدراية لا الرواية، فقهُ الحديث ودركُ إشاراتِه ولطائفه. لا بدّ من أن تُعرّفوا لكلّ من هو تحت تربيتكم وتعليمكم عظمة الأمر. نحن نختصر في الكلام.
وهذه الرواية، الرواية التي روتها العامّة والخاصّة، والعجب هو هذا، ولكن أين دركُ فقهِ الحديث، ودراية الرواية؟ إنّ يوم القيامة هو يوم الحقّ كما نصّ عليه الكتاب. هو يومُ ﴿..وبرزوا لله الواحد القهّار﴾ إبراهيم:48. كلّ ما هو كامنٌ في هذا العالم يصل في ذلك اليوم إلى مرتبة البروز، ﴿..وبرزوا لله الواحد القهّار﴾ إبراهيم:48، ﴿ونضع الموازين القسط ليوم القيامة..﴾ الأنبياء:47، يومٌ لا يُمكن لنا وصفه. ﴿يومئذٍ يصدر النّاس أشتاتاً ليُروا أعمالهم﴾ الزلزلة:6. في مثل هذا اليوم، يعني يوم البروز، يوم الظهور، يوم الحقّ، يوم ﴿ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا﴾، لا بدّ لكم من التأمّل في هذه الجملة بعد هذه الجلسة.
الرّواية المتّفِق على روايتها الفريقان، متنها هذا: قال صلّى الله عليه وآله: «أُبعث على البُراق..». يُبعث يوم القيامة على البُراق، بمصداق ما قلنا، لأنّه يوم ظهور الحقيقة. في هذه الدنيا، في ليلةٍ واحدة، ركب على البراق وهو عند السير إلى الملأ الأعلى ﴿..دنا فتدلّى * فكان قاب قوسين أو أدنى﴾ النجم:8-9، حتى إذا بلغ  إلى مقام ﴿فأوحى إلى عبده ما أوحى﴾ النجم:10. في هذه الليلة فقط ركب على البُراق، لأنّ تلك الليلة أيضاًً كانت قيامة، [إلّا أنّها] قيامةً لنفس الرسول عند العروج إلى ساحة الكبرياء. يقول: «أُبعث يوم القيامة على البُراق وفاطمة أمامي».
هذا أمر يُنبىء عن ما قلتُ أولّ الكلام، من الأمور التي لا تُدرك ولا تُوصف، «..وفاطمة أمامي». هو إمام العالم ولكنّ فاطمة أمامه. كيف يُمكن إدراك هذا المقام؟
وأمّا أثرها في الدِّين، الدِّين منها. التأمّل في خطبتها يكفي لكلّ حكيم وفقيه أن يعترف بالعجز: «الحمد لله على ما أَنْعَم، وله الشكر بما ألهم، ابتدأ الأشياء لا من شيءٍ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلةٍ امتثلها، كوّنها بقدرته وذَرَأَها بمشيّته».
في كلِّ جملةٍ «شقُّ القمر» [أي معجزة كمعجزة شقّ القمر] في سماء العلم والمعرفة. «ابتدأ الأشياء»، لم تقل خلق، قالت: «ابتدأ». لا يَعرف سرَّ الابتداء إلّا مَن بلغ إلى الغاية في العلم والمعرفة. بعد، قالت: «لا من شيء»، لم تقل من لا شيء، قالت: «لا من شيء»، «ابتدأ الأشياء لا من شيء كان قبلها». هذا شعاعٌ من علمها وحِكمتها ومعرفتها، وأسرار الحقّ والخلق. أنشأت مثل هذه الخطبة بعدما أُصيبت بمصيبةٍ لا يُمكن وصفها. أنشأت هذه الخطبة ارتجالاً، في أيّ زمان؟ وأيّ حال؟ كيف يُمكن أن يُقال مَن هي فاطمة؟ على أيّ حال، قلَّ البيان وكلَّ اللسان في هذه الجملة: «أُبعث على البُراق وفاطمة تُبعث أمامي».
كيف يُمكننا أن نقول في شأن مَن يكون حشرها بهذه الكيفيّة، هي أمام إمام العالم، وسيّدِ بني آدم، واتّفقت رواية العامّة والخاصّة على هذه الجملة: «إنّ أوّل من يدخل الجنّة فاطمة». هذه الأوّليّة بأيّ مناطٍ؟ بأيّ وجه؟ بعد، وهو العمدة، الذي نختم به الكلام، بعدما استقرّت في الجنة زارها «..آدم ومَن دونه من النبيّين». آدمُ ومَن دونه من النبيّين، أوّلُ عملهم في الجنّة زيارة فاطمة الزهراء. مثل هذه الشخصيّة دُفنت ليلاً. هذا أوّل التقصير.
* اتفق الشيعة والسنّة على هذه الرواية عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أُبعث يوم القيامة على البراق".." وتبعثُ فاطمة أمامي».
* «..آدم ومَن دونه من النبيّين». آدمُ ومَن دونه من النبيّين، أوّلُ عملهم في الجنّة زيارة فاطمة الزهراء.
* اتّفقت رواية العامّة والخاصّة على هذه الجملة: «إنّ أوّل من يدخل الجنّة فاطمة». ما هو سبب هذه الأوّليّة.
* مثل هذه الشخصيّة، دُفنت ليلاً.

إلى هنا، كان موجزاً من القصور.
من هذا الكلام نشرع في التقصير. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿..قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى..﴾ الشورى:23.
كان أجر الرسالة هذا. بقي منه أحبُّ الخلق إليه. بعدما قُبضت نفسُها القدسيّة، كيف قُبضت؟ الله يعلم. بعدما قُبضت، دُفنت ليلاً.
مَن دُفِنتْ في الليل؟ التي قال الله سبحانه وتعالى:
﴿فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين﴾ آل عمران:61.
ما معنى هذه الجملات؟ ﴿..ثمّ نبتهل..﴾

خلاصة الكلام: دعاءُ الخاتم، دعاء سيّد الأوصياء، دعاء سيّدَي شباب أهل الجنة، مشروطٌ بدعاء فاطمة الزهراء.
مثل هذه، في هذا اليوم، دُفنت في اللّيل. أوصت، وفي هذه الوصيّة جهاتٌ من الكلام. الدّفن في الليل له وجهٌ تعرفونه، ولكنّ الأمر كيف كان حتّى قالت الغسل في الليل، الكفن في الليل، الدّفن في الليل، بعدما اختارت سبعةً، «بهم يُرزقون وبهم يُمطرون»، الذين اجتمعوا حول جنازتها منزلتُهم هذه، «بهم يُرزقون وبهم يُمطرون». الرّزق النازلُ من السماء والمطر الجاري من السماء ببركة مُشيّعي جنازة فاطمة الزهراء. سبعة «بهم يُرزقون وبهم يُمطرون». لا بدّ لكلّ مسلمٍ في كلّ قُطرٍ من أقطار العالم من أن يعمل بما في وُسعه وفي قدرته وفي تمكّنه لإحياء الشّعائر الفاطميّة. والتقصير في هذا الأمر، بلا تأمّلٍ وبلا إشكال، يكون متعقّباً بحسرةٍ لا يمكن بيان تلك الحسرة: ﴿وأنذرهم يوم الحسرة إذ قُضي الأمر..﴾ مريم:39. الآن وظيفتنا هذه، أن نقول لرسول الله ولأمير المؤمنين ولأولاده المعصومين: ما كان في وسعنا جبراً لهذا الكسر العظيم أن نُقيم شعائر عزائها في ذلك اليوم، إن شاء الله في القطيف، في لبنان، في كلّ قُطرٍ من الأقطار الذي يعيش فيه المسلم، كلّ مسلمٍ، الأمر ليس مربوطاً بطائفةٍ من دون طائفة أخرى، فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال بالحديث الصحيح عند كلّ العامّة: «انبساط فاطمة انبساطي، وانقباض فاطمة انقباضي».
فلا محالة، في إقامة شعائر عزائها انبساطُها، وانبساطها انبساطُ الخاتم، وانبساطُ الخاتم أفضلُ القُرُبات عند الله.

أللّهمّ كن لوليّك الحجّة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كلّ ساعة، وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً، حتّى تُسكنه أرضك طوعاً، وتمتّعه فيه طويلاً.
أللّهمّ صلِّ وسلّم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها، أللّهمّ بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسرّ المستودع فيها، عجّل في فرج وليّك، وأصلِح كلَّ فاسدٍ من أمور المسلمين، وارزقنا شفاعتها برحمتك يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

04/04/2011

  إصدارت

إصدارت

  إصدارات

إصدارات

نفحات