من هو الإنسان الكامل

من هو الإنسان الكامل

03/04/2011

الفرق بين الكمال والتمام

العلّامة الشيخ مرتضى مطهّري


من هوالإنسان الكامل؟ هل هوَ العابد المحض، أو الزاهد، أو المجاهد ، أو الحرّ، أو العاشق، أو العاقل المحض؟ من منهم؟ 
أبداً، ليس أيَّاً من هؤلاء. الإنسان الكامل هو ذاك الذي تربّت فيه كل هذه القيَم، ونمت إلى حدودها العليا، في انسجام وتناسب.
ما يلي مقتطف بتصرّف من كتاب (الإنسان الكامل) للعلّامة الشهيد الشيخ مطهّري رحمه الله تعالى.

إنَّ معرفة الإنسان الكامل، أو النموذجيّ، في نظر الإسلام واجبة علينا نحن المسلمين، لأنّ الإنسان الكامل هو المثال، والقدوة، والأُسوة. وإذا شئنا أن نكون مسلمين كاملين -والإسلام يريد صنع الإنسان الكامل- وأن نصل إلى كمالنا الإنسانيّ بالتربية والتعليم الإسلاميَّين، فعلينا أن نعرف من هو الإنسان الكامل، وما هي ملامحه الروحيّة والمعنويّة، وما هي مميّزاته، حتّى نستطيع أن نصنع أفراد مجتمعنا، وأنفسنا على شاكلته. وإذا أخفقنا في ذلك، فلن يستطيع أحدنا أن يكون مسلماً كاملاً، أو على الأقل، لن يستطيع أن يكون في نظر الإسلام إنساناً ذا كمال نسبيّ.
إنّ لمعرفة الإنسان الكامل، في المنظور الإسلاميّ، طريقتين.

طُرُق التعرّف إلى الإنسان الكامل

* الطريق الأوّل: هو أن نرى كيف يصف القرآن الكريم الإنسان الكامل، ثم كيف تصفه السُنّة النبويّة، ولو أنّ التعبير لا يكون «الإنسان الكامل» بل يكون بتعبير المسلم الكامل أو المؤمن الكامل. ولكن من الواضح أنّ المسلم الكامل هو الإنسان الذي بلغ كمالَه في الإسلام. والمؤمن الكامل يعني الإنسان الذي بلغ كماله في ضوء الإيمان. فعلينا أن نرى كيف يميّز القرآن والسنّة الإنسان الكامل، وما هي الخطوط التي يرسمانها لملامحه.

* والطريق الثاني: هو أن نعتبر أشخاصاً عينيّين من الإنسان الكامل، وأشخاصاً نثق بأنّهم قد صِيغوا على وفق ما يريد الإسلام. أي أن نجد أشخاصاً لهم وجود عيني، وهم أمثلة للإنسان الإسلاميّ الكامل، الذي ليس مجرّد صورة ذهنيّة خياليّة لا وجود لها في الخارج، بل أنّ له مصاديق عديدة، على اختلاف حدودها، من الحدِّ الأعلى جدّاً، إلى حدٍّ أدنى من ذلك بدرجة أو درجتين.
النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله نفسه نموذج للإنسان الكامل. وعليّ عليه السلام نموذج آخر للإنسان الكامل.
معرفة عليّ عليه السلام هي معرفة الإنسان الإسلاميّ الكامل، لا من حيث اسمه ونسبه وهويّته، بل معرفة شخصيّتة، لا شخصه وحسب.
وبمقدار ما نعرف شخصيّة عليّ عليه السلام الجامعة، نكون قد عرفنا الإنسان الإسلاميّ الكامل. وبمقدار ما نقتدي به عمليّاً نكون من شيعته، كما قال الشهيد الأوّل: «الشيعة من شايع عليّاً». وشيعة عليّ، هم الذين يشايعون عمليّاً، لا فلسفيّاً وعلميّاً.
إذن فهذان هما طريقا معرفة الإنسان الكامل. إلّا أنّ سؤالاً يتبادر للذهن حول معنى كلمة «كامل». فهي واضحة في كثير من الموارد، لكنّها هَهنا أحوج من كثير من المعضلات إلى الشرح والتوضيح. فما معنى الإنسان الكامل؟

معنى الإنسان الكامل

ثمّة كلمتان في اللّغة العربيّة متقاربتان في المعنى، ولكنّهما ليستا بمعنى واحد، وثمّة كلمة أخرى هي ضدّ تينك الكلمتين، تُستعمل مرّة ضدّه هذه، ومرّة أخرى ضدّ تلك. والكلمتان هما: «الكمال»، و«التمام». فمرّة يقال: «كامل»، ومرّة يقال: «تامّ»، وضدّهما «الناقص». هذا كامل وذاك ناقص. وهذا تامّ وذاك ناقص. وقد وردت كلتا الكلمتين في إحدى الآيات القرآنية: ﴿..اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي..﴾ المائدة:الآية 3.
يقولون: لو كان قد قال: أتممت لكم دينكم، لما صحَّ ذلك لغويّاً. فما الفرق بين المعنَيين؟ 
تُطلق لفظة «التمام» على الدرجات التي يتطلّبها وجود جميع الأشياء اللّازمة لوجود شيء ما، أي إذا لم يوجد بعضها، فيكون الشيء في ماهيّته ناقصاً. فهو لم يُوجد كلُّه، بل وُجد بعضه. فهذا شيء قابل للزيادة والنقصان، فيُمكن أن يقال نصفه موجود، أو ثُلثه موجود، أو ثلثاه موجودان. كالعمارة التي يجب أن تُبنى على وفق خريطة معينة، وعندئذٍ يُقال: البناء تام. ويقابله: البناء ناقص.
أمّا «الكمال» فهو درجات يُمكن أن يصل إليها الشيء بعد أن أصبح تامّاً، درجة بعد درجة. إذا لم يكن هذا الكمال، فالشيء موجود بتمامه، ولكن إذا أُضيف إليه الكمال، ارتفع درجة واحدة. يعتبرون الكمال خطاً عموديّاً، والتمام خطاً أفقيّاً. أي أنّ الشيء عندما يبلغ نهايته أفقيّاً يقال أنّه قد تمّ، وعندما يتحرّك عموديّاً، يكون متّجهاً نحو الكمال. يُقال إنّ فلاناً قد كَمُل عقله، فهو كان عاقلاً قبل ذاك ولكن عقله قد ارتفع الآن درجة. لذلك، فإنَّ الإنسان الكامل معناه وجود إنسان تامّ في قبال إنسان لم يزل أفقيّاً غير تامّ، لم يزل نصف إنسان، كَسر إنسان، ربع إنسان، ثلث إنسان، ليس إنساناً تامّاً.
إذاً، فمن تُرى يكون الإنسان الكامل؟ أهوَ العابد المحض، أو الزاهد المحض، أو المجاهد المحض، أو الحرّ المحض، أو العاشق المحض، أو العاقل المحض؟ مَن منهم؟ 
أبداً، ليس أيٌ من من هؤلاء هو الإنسان الكامل. الإنسان الكامل هو ذاك الذي تربّت فيه كلّ هذه القيَم، ونَمَت إلى حدودها العليا، في انسجام وتناسب.

عليّ عليه السلام نموذجاً

إنّنا إذا كنّا نريد أن نتّخذ من عليّ صلوات الله عليه مثالاً وإماماً لنا، أي من الإنسان كامل، الإنسان الذي تربّت ونَمَت فيه جميع القِيم الإنسانيّة نموّاً متّسعاً ومتجانساً، الإنسان الذي إذا جاء الليل لا يبلغ شأوه أيّ عارفٍ عابد، لأجل تلك الروح العباديّة الجاذبة نحو الله، والمحلِّقة في عليائه، المنطلقة نحوه، والتي كانت تضطرم فيه اضطراماً. لعلّك تعلم أنّه عندما يشتدّ حماس المرء تفتر جوارحه، هكذا كان عليٌّ عليه السلام في العبادة، إذ كان على درجة من الفناء في الله تعالى، حتى لكأنّه ليس في هذا العالم. وهو نفسه يصف أقواماً بذلك فيقول: «..وَصَحِبُوا الدَّنْيا بأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بالمَحَلِ الأَعْلى».
إنَّه مع الناس وليس مع الناس. عندما يكون مع الناس تكون روحه مرتبطة بالمحلّ الأعلى. عندما يكون في حال العبادة يستخرجون السهم من بدنه بغير أن يحسّ بما يفعلون، لأنّه غارق في العبادة ومُنجذب نحو الله. وإنّه ليبكي في محراب العبادة ويتململ تململ السليم بما لم يشهد مثلَه أحد. هكذا هو حاله في الليل. ولكن في النهار، كأنّه هذا الإنسان غير ذاك. فهو إذ يجالس أصحابه يكون متفتّح الوجه، بشوشاً، باسماً.
الليل للعبادة والنهار للحياة والاندماج في المجتمع. أو قل إنّه في الليل شخصيّة وفي النهار شخصيّة. هذا هو عليٌّ عليه السلام في ليله ونهاره. إنّه جامع الأضداد. ومنذ أكثر من ألف سنة وهو معروف بهذه الصفة، حتى أنَّ السيد الشريف الرضي يعبّر عن دهشته في تقديمه (نهج البلاغة) ويتحدّث عن العوالم المتنوّعة في كلام عليّ عليه السلام؛ عالَم العبّاد، عالم الزهّاد، عالَم الفلاسفة، عالَم العرفان، عالم الجند والجيش، عالم الحكّام العدول، عالم القضاة، عالم الفُتيا... فما من عالم من عوالم البشر غاب عنه أمير المؤمنين عليه السلام.
وفي هذا يقول صفيّ الدين الحلّي في القرن الثامن الهجري:
                 جُمِعَت في صفاتك الأضدادُ    ولهذا عزّت لك الأندادُ 
لقد تجمّعت فيك الأضداد، فأنت حاكم وأنت حكيم، وقلّما ائتلف هذان. وأنت حليم غاية الحلم، وأنت شجاع غاية الشجاعة. وأنت الفارس الوحيد الذي لا يُعتبر الفرار من بين يديه عاراً على الفرسان، وأنت ناسك وعابد في غاية النُسك والعبادة.
ويمضي صفيّ الدين الحلّي في وصفه عليّاً، حتى يقول:
             خلق يُخجِلُ النسيمَ من اللّطفِ       وبأسٌ يذوب منه الجمادُ.
فما ألطفه من إنسانٍ روحُه أرقّ من النسيم، وهو في الوقت نفسه بهذه القدرة والصلابة والقوّة.
إذاً، فالإنسان الكامل هو ذلك الذي بلغ القمّة في جميع القيَم الإنسانية. إنّه قمّة في جميع الميادين الإنسانيّة. ولكن علينا أن نحذر كي لا نتبنّى بعض هذه القِيم دون الأخرى. بديهيٌّ أنّنا لن نقدر على أن نكون أبطالاً في جميع القِيَم، ولكن علينا، على قدر الإمكان، أن نلتزم جميع القِيَم في وقت واحد. وإذا لم نبلغ مرحلة الإنسان الكامل، فلا أقلّ من أن نبلغ مرحلة الإنسان المتوازن، وعندئذٍ نكون في صورة إنسان مُسلم حقّاً، وفي جميع الميادين.
 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

04/04/2011

  إصدارت

إصدارت

  إصدارات

إصدارات

نفحات