بسملة

بسملة

28/03/2014

نهايةُ صنَمِ التّحريف


نهايةُ صنَمِ التّحريف

§     بقلم: الشّيخ حسين كوراني

 

ما يجري الآن في عدّة مفاصل من العالم الإسلاميّ، يرسمُ نهايةَ صَنَمِ التّحريف.

والمقصودُ بالتّحريف، المشروعُ الأمويّ الذي جسّدَ الثّورة المضادّة للجاهليّة على الوحي والقرآن والسّيرة النّبويّة، وقيام الدّولة الإسلاميّة على يد رسول الله صلّى الله عليه وآله.

لا يختلفُ مسلمان في أن تحوّلَ الخلافة إلى «مُلكٍ عَضُوض» كان تعبيراً صارخاً عن بلوغ «مشروع التّحريف» مداه، حيث تسلّقَ «معاوية بن أبي سفيان» إلى موقع الحُكم باسم رسول الله والقرآن، وهو لم ينطق بالشّهادتين إلّا قبل وفاة النّبيّ الأعظم بخمسة أشهر.

يُجمِعُ علماءُ المسلمين، من الأوَّلين والآخِرين، على أنّ خلافة عليٍّ عليه السّلام كانت الخلافةَ الشّرعيّة، وأنّ معاويةَ بَغى عليه، فهو من وجهة نظر القانون الفقهي الإسلامي من «البُغاة». ويُجمعون أيضاً على أنّ خلافةَ الإمام الحسن عليه السّلام كانت الخلافةَ الإسلاميّة الشّرعيّة، ولا يُقِرّون لمعاوية بالخلافة، ولم يكن أهلاً لها حتّى لو كان قد وفى بشروطِ الصّلح التي تنكّر لها، وصرّح بأنّه كان يطلبُ المُلكَ والتّسلّط، فقال على المنبر في الكوفة: «مَا قاتلتُكم لتَصوموا ولا لِتُصَلّوا، قد علمتُ أنّكم تفعلون ذلك، وإنّما قاتلتُكم لأَتأَمَّرَ عليكم».

***

باستثناء «عمر بن عبد العزيز»، ليس من «رموز أهل السّنّة» أيٌّ من آل أبي سفيان، وآل أبي العاص الأمويّين.

تلتقي كلمةُ الشّيعة مع السّنّة في أنّهم حَكموا باسم الإسلام وهو منهم بريء، وقد حذّر رسولُ الله صلّى الله عليه وآله من الأُسرتَين الأمويّتَين، وبلغ حدَّ التّواتر قولُه صلّى الله عليه وآله: «إذَا بلغَ بنو أبي العاص ثلاثينَ رجلاً اتّخذوا دينَ الله دَخَلاً، وعبادَ الله خوَلاً، ومالَ الله دُولاً».

يرتكز المشروعُ الأمويُّ إلى الأُسسِ التّالية:

أوّلاً: إظهارُ الإسلام، وإسرارُ الإلحاد.

ثانياً: اعتمادُ اسمِ رسول الله «سُلَّماً» إلى التّسلّط والحكم. قال عليٌّ عليه السّلام: «ولولا أنّ قريشاً جعلتِ اسمَه ذريعةً إلى الرّياسة، وسُلَّماً إلى العزِّ والإمْرَة، لَما عبدتِ اللهَ بعدَ موتِه يوماً واحداً..».

ثالثاً: فصلُ الأمّة عن أهل البيت عليهم السّلام لضمان استمرار مشروع التّحريف.

رابعاً: إطلاقُ الأخطبوط الإعلامي التّحريفي القائم على الوَضع والاختلاق، لإنجاز مسحِ ذاكرةِ أجيالِ صدر الإسلام، والتّأسيس لذاكرةٍ أمويّةٍ حولَ الأشخاص والمفاهيم، يُديرُها علماءُ البلاط الوضّاعون الذين باعوا دينَهم بدنيا غيرهم، ليُحرِّفوا الكَلِمَ عن مواضعِه.

وخلال ألفِ شهرٍ من «المُلك العضوض» الذي أرسى التّحريفُ الأمويُّ - السّفيانيُّ أُسسَه المادّيّة، تكاملَ مشروعٌ تحريفيٌّ يُمَكِّنُ اعتمادُه من التّسلُّل إلى الحكم باسم الإسلام.

***

وجاءَ العبّاسيّون كنقيضٍ للأمويّين، إلّا أنّهم تنبَّهوا إلى أنّ استمرار حكمِهم يحتّمُ استمرارَ نفس المشروع التّحريفيّ السّفيانيّ، لتحقيقِ الفصلِ بين الأمّة وبينَ أهلِ البيت عليهم السّلام.

طالَ ليلُ الأمّة التّحريفيّ، ودارت دورةُ الزّمن و التّظاهر بالإسلام مع العبّاسيّين وبعدهم، إلى القرن السّابع، حيث شكّلَ «ابنُ تيميّة» ظاهرةً أمويّةً بامتياز، تتحرّكُ في العقيدة والفقه خارجَ دائرة إجماع علماء الأمّة، فتصدّى له العلماءُ السّنّة، قبل الشّيعة. قال الإمامُ السَّبْكيّ: «يَحسنُ التّوسلُ بالنّبيّ إلى ربّه، ولم يُنكره أحدٌ من السّلَف ولا الخَلف، إلّا ابنُ تيميّة، فابتدعَ ما لم يَقله عالمٌ قبلَه». وقال «العِزّ بن جماعة»: «إنه ضالٌّ مُضِلّ».

وقال الإمام الذّهبيّ لابن تيميّة: «يا ليتَ أحاديثَ الصّحيحَين تسلمُ منك، بل في كلِّ وقتٍ تُغِيْرُ عليها بالتّضعيفِ والإهدار، أو بالتّأويلِ والإنكار».

وتمّت محاكمتُه، و«استُتيبَ مرّاتٍ في أمورٍ خَطِرَةٍ، وهو ينقضُ مواثيقَه وعهودَه في كلّ مرّة».

وقال أحدُ العلماء السّنّة فيه وفي جمهورِه وأتباعِه: «والغريبُ أنّ أتباعَ هذا الرَّجل يسيرون وراءَه ويتَشبّهون به في إثارةِ القلاقلِ والفِتَنِ بينَ الأُمّة، بمواجهتِها بالحُكم على أفرادِها بالشّركِ والزَّيْغِ والكفرِ وعبادةِ الأوثان والطّواغيت، يَعنونَ أحبابَ الله الأنبياء والأولياء، يقولون إنّ مَن يزورُهم يكونُ عابدَ الأوثان والطّواغيت، ومن هذا الطّراز في زمنِنا كثيرٌ، نَراهم بأَعيُننا ونسمعُهم بآذاننا، طهَّرَ اللهُ الأرضَ منهم وأراحَ العبادَ من شرِّهم».

***

 ودارت دورةُ الزّمن إلى أن وجدَ المستعمرُ البريطانيُّ بُغيتَه في هذا المشروع الأمويّ السّفيانيّ الذي تقمّصَه الإبن تَيميّون الوهّابيّون، فهو السّبيلُ الوحيدُ والحصريّ إلى فصلِ الأمّة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، والقضاء على الإسلام.

توصّلَ العقلُ التّآمريُّ الاستعماريُّ إلى اعتمادِ هذا المشروع وتثبيتِ «صَنَمِه» ليُعبَدَ من دون الله باسمِ «الدّفاع عن التّوحيد»، وأقاموا له أَزْلاماً ونُصُباً في كلِّ بلدٍ.

زادَ البريطانيّين قناعةً بصنمِ التّحريف هذا، سببان رئيسان:

1-  التّداخلُ النَّسَبيُّ والسَّببيّ بين الإبن تيميّين المعاصرين، وبين اليهود، كما كان الحالُ في زمن «معاوية»، حيث كان «آل أبي مُعيط» خطّاً يهوديّاً أُلحِقَ ببَني أميّة، ومن أبرز أركانِه الوليدُ بن عقبة، الذي نزلَ القرآنُ بالتّحذيرِ منه.

2-  الموقعُ الجغرافيُّ والثّرواتُ المتاحةُ التي يُمكِنُ أن توظَّف - وقد وُظِّفَت بالفعل - لتحويلِ هذا المشروع إلى تيّارٍ شعبيٍّ في العديدِ من البلدان الإسلاميّة، يعتمدُ نفسَ أُسسِ المشروعِ الأمويّ، خصوصاً في شبكة الوضعِ وَوُعّاظ السّلاطين، وشراءِ الذِّمَم.

***

ليست ظاهرةُ التّكفير وفتنتُها الرّاهنةُ إلّا نتائج هذا المشروع الأمويّ التّحريفيّ.

ما يجري الآن، هو بدايةُ نهاية صنمِ التّحريف الأمويّ – اليهوديّ - الإبن تَيميّ - الوهّابيّ.

في الشّام تعاظمَ هذا التّحريفُ في بداياته، وفي الشّام يجري الآنَ دفنُه وبئسَ المصير.

وتَمضي الأمّةُ قُدُماً، شيعةً وسُنّةً، في صراطِ الله المستقيم، نحوَ مستقبلِ عالميّةِ الإسلام والتّوحيد، والمهديِّ المنتَظر عجّل الله تعالى فرجه الشّريف، ليتَحقَّقَ وعدُ الله تعالى بإظهار دينِه على الدّين كلِّه ولو كَرِهَ الكافرونَ والمُشركون.

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

28/03/2014

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات