مرابطة

مرابطة

منذ 0 ساعة

حزبُ الله ذخرٌ استراتيجيٌّ للأمّة


حزبُ الله ذخرٌ استراتيجيٌّ للأمّة

نموذج الاعتقاد النّظريّ، والتّطبيق العمليّ

ـــــ د. فايز رشيد ـــــ

 

«لو لم يكُن حزبُ الله موجوداً، لكان على لبنان والأمّة العربيّة بِرُمّتها إنشاء هذا الحزب الّذي لا يزال يتعرّض لحملةٍ شرِسةٍ، واتّهاماتٍ تحريضيّة. ما يجري هو شَتمٌ من أجل الشّتم، وبعيدٌ كلّ البُعد عن الحقيقة والموضوعيّة، ويتمُّ بطريقةٍ تنمُّ عن الحقد، أكثر منها انتقاداً لموقف».

النّص التّالي، مختصَر مقال الباحث الفلسطينيّ الدّكتور فايز رشيد، نقلاً عن جريدة «القدس العربيّ»، حزيران 2013.

 

مستفيداً من أخطاء حركة المقاومة الفلسطينيّة، انطلق حزبُ الله متبنِّياً مقاومة العدوّ الصّهيونيّ، والرّدّ على اعتداءاته، ومساعدة المقاومة الفلسطينيّة، وتبنِّي استراتيجيّة تصبُّ في مجرى تحرير فلسطين.

أثناء الاعتداء الصّهيونيّ على لبنان، وعندما كان يحتاج مقاتلوه إلى اللّجوءَ إلى أحد المنازل، كان أولئك يتركون رسالةً إلى أهل ذلك البيت، يتأسَّفون فيها لاضطرارهم الدّخول إليه من دونِ إذنٍ، تاركين عليها رقم هاتف للاتّصال به من أجل التّعويض على أصحابه، إذْ اضطرُّوا لاستعمال بعض تموينه. بعد الدّمار الهائل لمنازل كثيرةٍ في الجنوب والضّاحية الجنوبيّة في بيروت، الّتي بدت وكأنّها مدمَّرة مثل مدينة ليننغراد السّوفياتيّة، وقف الحزب ليساهم في إعمار ما جرى تدميره، إلى أن عاد كلُّ شيءٍ بأفضل ممّا كان عليه.

نقول: إنَّ حزبَ الله هو ذخرٌ استراتيجيٌّ ليس للبنان وحده، وإنّما للأمّة العربيّة بكاملها، ليس لِكونِه أحرَز انتصارَين على العدوّ الصّهيونيّ في عامَي 2000م و2006م، وإنّما أيضاً لأنّه قام بضربِ العديد من الأهداف الصّهيونيّة أثناء الحرب؛ الحزبُ سَنَدٌ استراتيجيٌّ للعرب والمسلمين للأسباب التّالية:

أوّلاً: إنّه كسر مبدأً صهيونيّاً، «في نقل المعركة إلى أرض العدوّ»، ولأوّلِ مرّة يُضطرُّ «الإسرائيليّون» إلى الهجرة من شمال فلسطين المحتلّة عام 1948م، إلى مناطق أخرى فيها، هرباً من صواريخ حزب الله، الّتي رأوها بأمّهات أعينهم وهي تتساقط على المواقع «الإسرائيليّة». هذا الأمر ليس بسيطاً في حسابات الحروب، «إسرائيل» لا تحتمل الحــرب عندما تصل إليها، لذلك سارعت إلى طلب وقف إطلاق النّار في عام 2006م، بعد أن كان هدفها القضاء على حزب الله وسلاحه. والّذي حصل هو العكس؛ فقد هُزمت «إسرائيل»، وتشكَّلت لجنة للتّحقيق في أسباب الإخفاق «الإسرائيليّ». تكرَّر الطّلب «الإسرائيليّ» بوقف إطلاق النّار حين العدوان الأخير على قطاع غزّة، بعد أن وصلت الصّواريخ الفلسطينيّة إلى القدس، وتل أبيب. هذه الصّواريخ لم تكن لتمتلكها المقاومة الفلسطينيّة لولا وجود حزب الله، ولولا وجود إيران الّتي أمدّت المقاومة الفلسطينيّة بهذه الأسلحة. حركة حماس تمدّدت في سورية، ولم يعطِ النّظام السّوريّ أيّ تنظيمٍ فلسطينيٍّ آخَر، من حريّة التّحرّك، مثلما أعطى لحركة حماس.

ثانياً: لقد وصل الحزب إلى حالة توازنٍ في الرّدع مع العدوّ الصّهيونيّ، الّذي لولا خشيته من صواريخ حزب الله، لقامَ بِحَرثِ لبنان من شماله إلى جنوبه، ولاستمرّ الجَيب الانعزاليّ في جنوب لبنان، الّذي خطَّطت «إسرائيل» لإقامته بُعيد إنشائها، في استراتيجيّتها الدّفاعيّة عمَّا تُسمِّيه حدودها. إنّها المرّة الأولى الّتي تصلُ فيها حركةُ مقاومةٍ عربيّةٍ إلى مرحلة توازن الرّدع (أو الرّعب) مع الكيان الصّهيونيّ.

ثالثاً: حدّد الحزبُ استراتيجيّةً واضحةً في رؤية المشروع الصّهيونيّ في فلسطين والمنطقة، من خلال، رفض السّلام مع «إسرائيل»، وأنّ الحلَّ الاستراتيجيّ يتمثّل في تدمير مشروعها الصّهيونيّ، واجتثاثِها من عموم الأرض العربيّة، وبذلك خرج الحزب من نطاقه اللّبنانيّ إلى إطاره العربيِّ الواسع، ولم يتراجع عن أيٍّ من مبادئه الاستراتيجيّة، بل مع مرور الزّمن يعزِّز هذه المبادئ بالمزيد من الحقائق واسعة الأفق، الّتي تُقيّم المشروع الصّهيونيّ ليس باعتباره خطراً على الفلسطينيّين فحسب، وإنّما على الأمّة العربيّة من المحيط إلى الخليج، وعلى الإنسانيّة جمعاء.

رابعاً: استطاع الحزبُ، وبوضوحٍ شديدٍ، المزجَ بين توجُّهه الدّينيّ وبين العروبة، الأمر الّذي يشكِّل نواةً جاذبةً لكلِّ القوى الوطنيّة والقوميّة العربيّة، والوطنيّة الإسلاميّة، في نضالٍ جَمعيٍّ مُشترَكٍ لإفشال المشروع الصّهيونيّ في المنطقة، والتّصدّي لكافّة المشاريع الأخرى، أميركيّةً كانت أو غربيّةً.

خامساً: استطاع الحزبُ أن يعيدَ إلى الأذهان حقيقةَ موقفِ الدِّين الإسلاميّ من قتال الأعداء، والاستعداد لهم، وليس الدِّين الّذي يحوِّره البعض بقصد استغلاله لأهدافٍ سياسيّة، كما سوّغ العديدُ من الفقهاء لأنور السّادات عقدَه للصّلح مع الكيان الصّهيونيّ، في اتّفاقيّة العار في «كمب ديفيد». بهذا شكّل الحزبُ خطّاً دينيّاً، وطنيّاً، قوميّاً بين اتّجاهاتٍ دينيّةٍ عديدةٍ موجودةٍ فــي هذه المرحلة: السّلَفيّة الّتي ترى القتال في البلدان العربيّة أهمّ من القتال ضدّ «إسرائيل»! والاتّجاه المُتصالِح مع الوجود «الإسرائيليّ»، بعد تسلُّمه للحكم في بعض البلدان العربيّة، وكانوا إبّان وجودهم في صفوف المعارضة ينظِّرُون لتحرير فلسطين، من دون أن يطلقوا طلقةً واحدةً باتّجاه «إسرائيل»، والاتّجاه الّذي يرى أهمّيّة تحرير العالم العربيّ وإقامة الخلافة الإسلاميّة قبل تحرير فلسطين، والاتّجاه الّذي لا يعتبر قضيّةَ فلسطين بنداً مركزيّاً استراتيجيّاً في منطلقاته الأيديولوجيّة.

سادساً: زاوَجَ الحزبُ بين الاعتقاد النّظريّ والتّجربة العمليّة، فلم يُبْقِ قتالَ العدوّ الصّهيونيّ قضيّةً نظريّةً؛ فكم وقف الحزبُ في سنوات عمره القليلة وخاض معارك قتاليّة مع القوّات «الإسرائيليّة» الغازِيَة، كما يعلنُ استعدادَه الكامل للمزيد من قتال «الإسرائيليّين»، إذا ما قاموا بالاعتداء على لبنان.

سابعاً: ساهمَ الحزبُ وبفاعليّةٍ كبيرة، وما زال يساهم، في مساندةِ الفصائل المقاتلة الفلسطينيّة بكلِّ أشكال الدَّعم.

ثامناً: مارسَ الحزبُ الصِّدقَ التّامّ في أدبيّاته، فلم يَسبق له أنْ أطعمَ نفسَه بطولاتٍ لم يمارسها، ولم يُخلِف ما كان يَعِد به.

لكلِّ ذلك، فإنّه وفقاً لإحصائيّاتٍ «إسرائيليّةٍ» كثيرة: فإنَّ غالبيّة «الإسرائيليّين» يصدِّقون ما يقوله الحزب في بياناته، خاصّةً ما يقولُه أمينُه العامّ في خطاباته العديدة حول الصّراع العربيّ - الصّهيونيّ، وما يتعلّق بحقيقة المعارك الّتي خاضها الحزب في مواجهة أشكالِ العدوان «الإسرائيليّ».

بالنّسبة إلى الموقف من الصّراع في سوريا، وقف الحزبُ، وما يزال، دفاعاً عن حليفِه الاستراتيجيّ في مثلَّث المُمانَعة والمقاومة، بعد اتِّضاح حقيقة المؤامرة الدّوليّة ضدّ سوريا. لم يدخل الحزب المعركة القائمة بين النّظام والقوى التّكفيريّة السّلفيّة إلّا بعد مرور سنتَين من القتال، وبعد اتّضاح تدخُّل العديد من الجنسيّات من خلال المسلَّحين ضدّ النّظام السّوريّ. الحزب يمارس قناعاته على هذا الصّعيد، وينفِّذها بالإعلان عنها وبوضوحٍ تامٍّ، ولم يفعل ذلك سرّاً ومن تحت الطّاولة.

أخيراً، وأمام اتِّضاح حقيقة المواقف «الإسرائيليّة» المتمثِّلة في رفض حلّ الدّولتَين، ومن خلال الإعلان عن العمل لتحقيق شعار «يهوديّة الدّولة»، والإعلان بين الفَينة والأخرى من قِبَل أحزابٍ «إسرائيليّة» عديدة، بأنَّ الأردنّ هو«الوطن البديل للفلسطينيّين»، فإنّ استراتيجيّة حزب الله تجاه «إسرائيل» هي الاستراتيجيّة السّليمة والصّحيحة في الصّراع العربيّ - الصّهيونيّ. بهذا المعنى، يشكِّل حزب الله ذُخراً استراتيجيّاً للأمّة العربيّة.

 

 

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

منذ 0 ساعة

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات