أحسن الحديث

أحسن الحديث

25/04/2014

الرّوح من عالم الأمر


﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صفّاً..النّبأ:38

الرُّوحُ مِنْ عالَمِ الأَمْرِ، وَالإِنْسانُ مِنْ عالَمِ الخَلْقِ

ـــــ العلّامة السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ قدّس سرّه ـــــ

ثلاثة أسئلةٍ وجّهها العلّامَةُ السّيّدُ محمّد حسين الطّهرانيّ رحمه الله إلى أستاذِه العلّامَةِ السّيّدِ محمّد حسين الطّباطبائيّ قدّس سرّه، فأجابَ عليها بالتّفصيل.

لأهميّةِ هذه الإجاباتِ توردها «شعائر» نقلاً عن كتابِ )الشّمس السّاطعة( للسّيّد الطّهرانيّ، وقد جاءت الأسئلة تِباعاً حولَ:

 * المُراد من الرّوح في الآية: ﴿تنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ والرُّوُحُ..القدر:4، والمُراد من «روح القُدُسِ» و«الرُّوح الأمين»، وعلاقة الملائكة بتلك الرّوح.

 * الرّابطة بين روح الإنسان وتلك الرّوح.

 * عمّا إذا كان «الرّوح» بلسان الشّرع هو أوَّل مَا خَلَقَ اللهُ، أو ما يُعبَّر عنه بالعقل الأوّل.

 

حول المُراد من «الرّوح»، و«روح القُدُس»، و«الرّوح الأمين»، أجاب العلّامة الطّباطبائيّ:

المُراد من رُوح القُدُسِ والرّوح الأمين [هو] جَبْرائيلُ: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ.. النّحل:102. ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ.. الشّعراء:193-194.

وأمّا الرّوح، فهي في الظّاهر خَلقٌ أوسعُ بكثير من جَبْرائيلَ وغير جَبْرائيلَ، وخلْقٌ من مخلوقات الله أفضلُ من جَبْرائيلَ وميكائيل، ففي سورة (النّبأ) يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إلَّا مَنْ أذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا النّبأ:38.

لأنّ جَبْرائيلَ من المُسَلَّم بِهِ أنّه من الملائكة، وفي هذه الآية جعل الرّوحَ مُقابل الملائكة. فالرّوحُ غيرُ الملائكةِ وجَبْرائيلَ. فالرّوحُ مرحلةٌ من مراحلِ الموجوداتِ العالية، وخَلْقٌ أشرفُ من الملائكةِ وأفضل منها، والملائكة تستمدّ منها في الأمور الّتي تُؤَدّيها.

توجد آيتان في القرآن الكريم تدلّان على أنّ الله تعالى يُرسل الرّوحَ إلى أنبيائِهِ ورُسلِهِ الّذين يَدْعونَ النّاس إلى الحقّ، وأنّ الملائكةَ يتنزّلون بالرّوح. ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أنْ أنذِرُوا أنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أنَا فَاتَّقُونِ النّحل:2. ﴿..يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ غافر:15.

فجَبْرائيلُ يستمدّ من الرّوح عند نزوله في الأمور الّتي يؤدّيها والتّدبيرات الّتي يقوم بها، وكأنّها ملازمٌ (ملازمة) له، وبتعبيرٍ آخَر فهي مساعدٌ له. وهذه الآية الثّانية مُدهشة حقّاً حيث جاء التّعبير بـ «الإلقاء».

فالمقصود أنّ الرّوحَ أمرٌ واقعيّ، وموجودٌ أشرفُ وأفضل، ينزل مع الملائكةِ حين نُزولِها لتدبير الأمور، ويُساعد في مهامّها، وهذه هي هُوِيَّةُ الرّوحِ.

فلا علاقةَ لجَبْرائيلَ بالرّوح، وهو ليس من أفراد الرّوح وأنواعه، وليس للرّوح فردٌ، بل هي نوعٌ بحدّ ذاته منحصرٌ بالفرد. وأمّا جَبْرائيلُ فهو من الملائكة، والرّوحُ حقيقةٌ واقعيّةٌ يختلف عن الملائكة.

في كِلا الحالتَين هناك فئتان: «الرّوح» وهي حقيقة واقعيّة، والملائكة بنحو أنّها تستمدّ من الرّوح الّتي تؤيّدها وتذهب معها لإنجاز عملها: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أمْرِهِ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ.. النّحل:2.

ويمكن الاستفادةُ من استعمالِ القرآن الكريمِ لكلمة «الرّوح» بالمفرد و«الملائكة» بصيغة الجمع، بأنّ للرّوح مقام الجامعيّة، وأنّ قربها من الله سبحانه أشدّ من جَبْرائيلَ، وتوجد رواية بهذا الخصوص.

الرُّوح وروح الإنسان: اشتراكٌ لفظيٌّ

وحول الرّابطة بين «الرّوح»، و«روح الإنسان»، يقول العلّامة: الرّوح كما ذكرنا خَلْقٌ أعظمُ من الملائكة، ولا علاقة له بالإنسان وروحه، واستعمال الرّوح في مَوْرِدِ تلك الحقيقة والأنفُس البشريّة، هو من باب الاشتراك اللّفظيّ لا الاشتراك المعنويّ.

ولعلّه من هذه الزّاوية تكون النّفسُ النّاطقةُ الإنسانيّةُ قابلةً للوصول إلى ذلك المقامِ الّذي تُصبحُ فيه مُجاوِرَةً لتلك الرّوح، من خلال السّيرِ التّكامليّ في المُجاهَداتِ والعِبادات.

وفي الآيةِ الشّريفة ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ... الإسراء:85، وقع السّؤالُ عن مُطْلَقِ الرّوح، ولم يكن مُتَوجِّهاً إلى النّفس الإنسانيّة، وجاء الجوابُ ﴿..قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمْرِ رَبِّي.. الإسراء:85، إنّها من عالَمِ الأمْرِ، وليست كالإنسان الّذي هو من عالَمِ الخَلْقِ.

وفي أسئلتِهم لا يوجدُ أيُّ كلامٍ عن روح الإنسان، والظّاهر أنّهم كانوا يسألون عن تلك الرّوح الّتي ورد ذِكرُها في القرآن. والمُدهش ما جاء في ذيل الآية، وهو قوله تعالى: ﴿..وَمَا أوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إلَّا قَلِيلًا الإسراء:85. أي إنّ فَهمَ حقيقةِ خِلقة الرّوح خارجٌ عن العلوم البشريّة، ولا يُمكن الوصولُ إليه بسهولة.

في أوّل ما خلق الله سبحانه وتعالى‏

وحول اعتبار الرُّوح العقل الأوّل، أجاب العلّامة: في الرّوايات الشّريفة أُطلق «أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ» على عدّة أمورٍ، منها: «أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورُ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ»، أو «أوّلُ ما خَلَقَ العَقْل» أو «الماء» أو «اللَّوح» أو «القلم».

وفي سورة (الشّورى) يقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أوْحَينَآ إلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِن عِبَادِنَا وَإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم الشّورى:52.

والحاصل: أنّ درايةَ الإيمانِ والكتاب قد تمّت بواسطةِ وحيِ اللهِ الرّوحَ على الرّسول صلّى الله عليه وآله، وذلك من خلال إيصالِ روحِهِ المباركة بذلك الخَلقِ العظيم الّذي هو الرّوح، وبناءً عليه، فإنّ روحَ النّبيّ صلّى الله عليه وآله قد وُجِدَتْ من هناك، وهي أوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ.

وفي لسانِ الحكمةِ يُمكن اعتبارُ أنّ المرادَ من العقل الأوّل هو الرّوح، ولكنْ بشرط أن لا تُنْتَزَعَ خَواصُّه، أي يبقى على نفس ذلك التّجرّد والإطلاق، وإلّا لما كان عقلاً أوّلاً، وكلّ ما يتنزّل ويحصل على مزيد من التّعيّن يكون من العقولِ الأخرى، وكلّ ما يتنزّلُ يفقد المزيد من السّعة والإطلاق.

وفي مقامِ قَوْسِ الصّعودِ، فإنّ روحَ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله قد وصلتْ إلى المكانِ الّذي وُجدتْ فيه وهَبطتْ منه، وهو الرّوح. لأنّ أوّل ما خلقَ اللهُ هو نورُ رسولِ الله صلّى الله عليه وآله، وهو الرّوح. وفيما بعد - في قَوْسِ النّزول - طوى العوالمَ إلى ما [أن] وصلَ إلى عالم الطّبع والمادّة، ثمّ عادَ بواسطةِ قَوْسِ الصُّعودِ إلى نَفْسِ المقام، يستمدّ الأزل والأبد.

فهذه الرّوحُ تتنزّلُ حتّى تصلَ إلى عالمِ المادَّةِ (المادّة الجزئيّة)، ثمّ تَشرعُ بالحركةِ الجوهريّةِ تدريجيّاً، وتَتقدّمُ إلى كمالها حتّى تصلَ شيئاً فشيئاً إلى ذلك المعنى في قوله صَلّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ: «أوّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورُ نَبِيِّكَ يَا جَابِرُ»، ولم يَحدثْ هناك شي‏ءٌ جديد، بل نفس ذلك المَوْجودِ موجودٌ، وأنّه كلّما وقعَ له كان نزولاً وصعوداً.

وفي هذه الحالة فإنّ إدارةَ هذا العالَمِ من جهة، وتدبيرَ الملائكةِ من جهةٍ أخرى، وتَدَخُّلَ الرّوح من جهةٍ ثالثة مُدهشٌ جدّاً، لأنّ هذه الأعمالَ لا تَضادّ فيها؛ ونفسُ عملِها في إيجادِ الحَوادثِ في عالَمِ الطّبعِ مُحَيِّرٌ جدّاً ومُذْهِلٌ. ".."

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر 14

ملحق شعائر 14

  دوريّات

دوريّات

25/04/2014

دوريّات

نفحات