مرابطة

مرابطة

25/06/2014

«مسرحيّة الموصل الدّاعشيّة»


«مسرحيّة المُوصل الدّاعشيّة»*

أهداف وارتدادات

 ---العميد د. أمين حطيط ---

 

مختصر مقال للعميد المتقاعد د. أمين حطيط، يحلِّل «مسرحيّة الموصل الدّاعشيّة»، كما وصَفها، بأهدافها وتداعياتها، أو فقُل إرتداداتها على محوَر المقاومة في «منطقة الوصل بين قطبَيه الإيرانيّ والسّوريّ»، وفق تعبيره.

قد يظنّ البعض أنّ «غزوة الموصل الدّاعشيّة» الّتي آلت إلى سيطرة التّنظيم التّكفيريّ الإرهابيّ على محافظة نينوى العراقيّة، وما أعقبها من تمدُّدٍ في محافظتَي صلاح الدّين وديالى، قد يُرى في هذا الأمر إنجازٌ عسكريّ يستوجب إدراجه في «سجلّ الأعمال العسكريّة الخارقة»، خاصّة وأنَّ المجموعة المسلّحة الّتي وُصفت بأنّها مهاجمة كانت صغيرة العدد جدّاً بحيث لا تتجاوز الـ 500 عنصراً، تحرّكت في مقابل 25 ألف جنديّ ورجل أمن وشرطيّ عراقيّ، كانوا ينتشرون في المنطقة المستهدفة. كما أنّ الظّنّ ذاك قد يتطوّر إلى القول بأنّ هناك مرحلة جديدة فتحت أبوابها في المنطقة لإعادة رسم خرائط دولها، خاصّة وأنّ التّنظيم الإرهابيّ ذاك سارع إلى نشر خريطة أحلامه في دولته المستقبليّة،  مظهراً  بأنّها ستقوم على أراضي ستّ دول عربيّة (لبنان، سورية، العراق، الكويت، الأردن، فلسطين) خريطة جاءت بمثابة إنذار إلى هذه الدّول بأنّ الإرهاب يتحضّر لطرق أبوابها مستفيداً ممّا يدّعي أنّه حقّقه من إنجازات في سورية والعراق.. فأين الحقيقة من ذلك؟

تؤكّد الوقائع أنّه لم يجرِ في الموصل معركة أو مواجهة، فالأمر برمّته خُطِّط له محلّيّاً وإقليميّاً ودوليّاً بشكلٍ تآمريٍّ محُكَم، ونفّذته عناصر رسميّة عراقيّة، مدنيّة وعسكريّة، خانت قَسَمها وسلّمت مواقعها ومراكزها لبضعة مئاتٍ من المسلّحين يعملون تحت عنوان «داعش»، اندفعوا إلى المنطقة فاستلموها وفقاً لخطّةٍ أعدّها ضبّاط عراقيّون من جيش صدّام حسين السّابق، وبإشرافٍ تركيٍّ مباشر، وتمويلٍ سعوديٍّ سخيّ، وعلمٍ لا بل ضوء أخضر أميركيّ مقنّع. فالموصل سُلِّمت تسليماً، وكانت المنطقة مسرحاً لأبشع مسرحيّة تآمريّة استعراضيّة انقلابيّة، شاءها أصحابها لتكون ردّاً على محوَر المقاومة في منطقة الوصل بين قطبَيه الإيرانيّ والسّوريّ، لكبح اندفاعه الصّاعد وحصاده لمكاسب في السّياسة والميدان، وقد رأوا في عمليّة الموصل ضربةً ملائمة لقطع الطّريق على تنامي إنجازات ذاك المحور في حربه الدّفاعيّة الّتي يخوضها في مواجهة المشروع الصّهيو-أميركيّ، الّذي يستهدف المنطقة برمّتها. وبالتّالي ينبغي أن نُسقِط فكرة القوّة والقدرة غير العاديّة لتنظيم داعش الإرهابيّ، وننظر للأمر بمنظورٍ واقعيٍّ.

الأهداف

بعد هذا التّأكيد، وخلافاً لظاهر الأمور،نجد أنّأميركا هي القائد الرّئيسيّ في العملية، قادتها ومارست النّفاق المعهود في سلوكها متظاهرة بعدم علمها بها واستنكارها لها. ويخطئ مَن يظنّ بأنّأميركا كانت بعيدة عن المسألة، خاصّة وأنّ اثنين من حلفائها هم مَن أداروها وموّلوها، وبالتّالي إنّ المثلّث المذكور بالقيادة الأميركيّة إتّكأ على الدّاعشيّين والضّبّاط الصّدّاميّين لتوجيه ضربة في العراق، تتردّد تداعياتها في إيران، فتجبرها على إعادة الانتشار الدفاعيّ على حدودها، وتمنعها من الاستمرار في تعهّد وتوسيع الفضاء الاستراتيجيّ لمحور المقاومة،كما تمنعها من استثمار نجاحها في إدارة الملفّ النّوويّ الّذي بات يقترب من نهايات تناسبها..

أمّا الهدف الثّاني من العمليّة (يعني خاصّة السّعوديّة وتركيا)، فهو يستهدف العمليّة السّياسيّة العراقيّة التي كانت أدّت في الانتخابات الأخيرة إلى  تأكيد قدرة السيّد نوري المالكي والمكوّن السّياسيّ الّذي ينتمي إليه، قدرتهم على تشكيل حكومة قادرة على الحكم وتخرج من حالة التّعطيل والشّلل.وترى السّعوديّة وتركيا في قيام حكومة الأغلبيّة السّياسيّة الوطنيّة الّتي يسعى إليها المالكي والتّحالف الوطنيّ، من شأنه أن يقطع الطريق على أيّ نفوذٍ لهما في العراق وخروجه كليّاً من الفضاء الاستراتيجيّ الحيويّ لأيٍّ منهما. 

والهدف الثّالث يتعلق مباشرةً باستراتيجيّة أميركا و«إسرائيل» في نشر الفوضى وتسعير الاقتتال العرقيّ الطائفيّ المذهبيّ، خاصّة بين السّنّة والشّيعة. ونلاحظ كيف أنّ التّنظيم التّكفيريّ الدّاعشيّ سارع إلى إصدار بيانٍ استفزازيٍّ يهدِّد بهدم المقامات والعتبات المقدّسة في العراق، وهو يعني الشّيعة بشكلٍ صريح.

أمّا الهدف الرّابع  فيتّصل بسورية الّتي أنزلت بالجماعات الإرهابيّة أشدّ الهزائم والخسائر، فشاءت الجماعة الإرهابيّة الدّاعشيّة أن تحجب بمسرحيّتها تلك مشهدها الكئيب، وتصنع لنفسها جرعةً ترفع معنويات إرهابيّيها، بعد أن تهاوت نتيجة الإنجازات البالغة الأهمّيّة الّتي حقّقتها سورية في الوجوه السّياسيّة والعسكريّة والأمنيّة.

ارتدادات وتداعيات

بعد هذا التّشريح لنوايا المخطِّط والمنفِّذ وأهدافهما، نعود إلى النّتائج والتّداعيات الّتي سبّبتها العمليّة، ونتوقّف عند الأهمّ منها كالتّالي.

§  يقظة عراقيّة وطنيّة وردّة فعل شبه جامعة،اتّسمت بالوطنيّة التّي تجاوزت الخطوط الطّائفيّة والمذهبيّة، وكان مهمّاً جداًأن تتلاقى المرجعيّة الدّينيّة للمسلمين الشّيعة مع جماعة العلماء المسلمين السّنّة في موقفٍ واحدٍ رافضٍ للفكر الإرهابيّ.

§   دفع السّلطة العراقيّة إلى تجاوز عوائق مزمنة كانت تعترض طريقها في بناء القوّة العسكريّة الدّفاعيّة الّتي تحمي الدّولة والحُكم في صيغة ما بعد الاحتلال الأميركيّ، والسّير في اتّجاه تشكيل الجيش الرّديف واللّجان الشّعبيّة على غرار ما اعتمدت سورية، ونجحت في مواجهتها للإرهاب وحماية المواطنين.

§   إيقاظ الوعي لدى بعض المخدوعين أو المغرَّر بهم من العراقيّين الّذين كانوا ضحيّة الإعلام الخارجيّ  المحرِّض على الانقسام الطّائفيّ والمذهبيّ في العراق، حيث تبيّن لهؤلاء أنّ الإرهاب لا يميِّز بين مذهبٍ وآخر، ولا يراعي أحد.

§   إنشاء ميدان عراقيّ سوريّ تكامليّ لمحاربة الإرهاب، ما سيقود بشكلٍ أو بآخَر وبتشجيعٍ ودعمٍ  إيرانيّ، إلى تنامي التّنسيق بين البلدين في حربهما تلك، الأمر الّذي سيخفِّف من أعباء سورية ويسرِّع إنجاز المهمّة، والخروج من الأزمة.

§      تنمية مخاوف دول المنطقة الّتي شملتها الخريطة الدّاعشيّة من الإرهاب القادم إليها، ووضع هذه الدّول أمام مسؤولياتها في الدّفاع عن أمنها ومواطنيها، خاصّة في الكويت والأردنّ.

§   تشكّل دعم علنيّ دوليّ عارم للحكومة العراقيّة في حربها ضد الإرهاب الدّاعشيّ، وغياب أيّ صوت علنيّ داعم لتلك الجماعات، بما في ذلك مَن شاركها العملية مثل السّعودية وتركيا (باستثناء البحرين الّتي كانت النّشاز الوحيد دوليّاً).

§   وأخيراً، لا بدّ من التّوقّف عند العامل الكرديّ الّذي يتوزّع الأدوار من أجل جمع المكاسب لدويلته في كردستان العراق، لكنّهم سيجدون أنفسهم في وضعٍ حرجٍ بعد انقشاع الغبار، ما سيضطرّهم للعودة إلى السّلطة المركزيّة العراقيّة طلباً للمساعدة.

قد تكون «مسرحيّة الموصل الدّاعشيّة» أحدثت صدمةً أخافت البعض للوهلة الأولى، لكنّها في منتهى الأمر كانت صدمة تحوّلت إلى فرصة تتيح للمستهدَفين منها سدّ الثّغرات في بنيتهم ومكوّناتهم، دون أن يكون لدى الفاعلين والمشاركين فُرَصاً حقيقيّة لتحقيق أهدافهم من العمليّة، لا بل قد يحصل عكس ما رَموا إليه، أمّا ما يقال عن خرائط وتقسيم هنا أو هناك، فإنّه يبقى أمراً غير قابل للتّنفيذ في ظلّ موازين القوى الدّوليّة القائمة؛ حيث أثبت المحور العامل من أجل استقرار المنطقة وأمنها – محور المقاومة – قدرته على منعه، وقدرته على استعادة الأمن والاستقرار رغم حجم التّضحيات الّتي فرضها الحريق العربيّ باليد الأجنبيّة.

____________________________

* نقلاً عن «شبكة هجر الثّقافيّة».

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريّات

دوريّات

27/06/2014

دوريّات

نفحات