بصائر

بصائر

26/07/2014

من أحكام «جهاد النّفس»


من أحكام «جهاد النّفس»

لا يَنجو من الذّنْب إلّا مَن أقرَّ به

ـــــ المرجع الرّاحل الشّيخ محمّد أمين زين الدّين قدّس سرّه  ـــــ

 

أَوْرَدَ المرجعُ الرّاحلُ الشّيخ محمّد أمين زين الدّين في آخر الجزء الثّاني من رسالته العمليّة (كلمة التّقوى)، في باب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، جملةً من المسائل جمعَها تحت عنوان «جهاد النّفس»، ومنها كان اختيار «شعائر» التّالي.

 

(مسألة): يجبُ على العبد المُكلَّف أن يجتنبَ الذّنبَ وإنْ كان صغيراً، فضلاً عن كبائر الذّنوب، فَفي خبرِ زيد الشّحّام عن أبي عبد الله عليه السّلام: «اتَّقُوا المُحَقّراتِ مِنَ الذُّنوبِ فَإِنَّها لا تُغْفَرُ، قلت: وما المحقّرات؟ قال عليه السّلام: الرَّجُلُ يُذْنِبُ الذَّنْبَ، فَيَقولُ: طوبى لي إِنْ لَمْ يَكُنْ لي غَيْرُ ذَلِكَ»،

وعن الرّسول صلّى الله عليه وآله: «إِيّاكُمْ وَالمُحَقَّراتِ مِنَ الذُّنوبِ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ طالِباً، أَلا وَإِنَّ طالِبَها يَكتُب ﴿..مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ يس:12»،

وعن أمير المؤمنين عليه السّلام: «أَشَدُّ الذُّنوبِ ما اسْتَهانَ بِهِ صاحِبُهُ».

ويحرمُ على العَبد أن يُصِرَّ على شيءٍ من مَعاصي الله، صغيرةً كانت المعصيةُ أم كبيرةً، فعن أبي عبد الله عليه السّلام: «لا وَاللهِ، لا يَقْبَلُ اللهُ شَيْئاً مِنْ طاعَتِهِ عَلى الإِصْرارِ عَلى شَيْءٍ مِنْ مَعاصيهِ».

وعنه عليه السّلام: «لا صَغيرَةَ مَعَ الإِصْرارِ، وَلا كَبيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفارِ».

وعن أبي جعفر [الباقر] عليه السّلام في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿..وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ آل عمران:135، قال عليه السّلام: «الإِصْرارُ أَنْ يُذْنِبَ وَلا يَسْتَغْفِرَ اللهَ، وَلا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِالتَّوْبَةِ، فَذَلِكَ الإِصْرار».

 

التّوبةُ واجبةٌ شَرعاً

(مسألة): تجبُ التّوبةُ على العبدِ إذا هو:

1) تركَ واجباً من واجباتِ الله سبحانه، صغيراً كان أم كبيراً.

2) أو اقترفَ ذَنْباً.

3) أو أصرَّ على ذنبٍ صغير.

4) أو فعلَ كبيرةً من كبائر الذّنوب، وأصرَّ على فِعلها.

5) بل وإنْ تَمادى به الغَيُّ فارتكبَ عدّةً من الكبائر، وأصرَّ على فعلها مُدّةً من حياته.

فإذا ندمَ على ما فعل، وتابَ إلى الله توبةً نصوحاً ممّا اقترف، وكملت له شروطُ التّوبة، وأخلصَ لله فيها، قَبلَ اللهُ منه توبتَه، فإنَّ الله ﴿.. يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ البقرة:222، كما يقول في كتابه الكريم، وكما يقول سبحانه في آيةٍ أخرى: ﴿..وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ..﴾ الرّعد:6، وكما وعد سبحانه به أهلَ السّيّئات من عباده، وإنْ كانت سيّئاتُهم موبقةً، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ التّحريم:8.

وفي الحديث عن الرّسول صلّى الله عليه وآله: «التّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ». ".."

وعن أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا شَفيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ».

وعن أبي جعفر [الباقر] عليه السّلام: «فَأَمّا الظُّلْمُ الّذي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ، فَإِذا تابَ، غُفِرَ لَهُ».

 

النَّدَم، أوّلُ شؤون التّوبة

(مسألة): يجبُ على العبد المُذنبِ أن يندمَ على معصيتِه ندامةً يَأسى بها على ما فرَّط، ويستحييَ ممّا واجهَ به ربَّه من جُرمٍ، وخصوصاً إذا كانَ ما عَمِلَه كبيرةً أو إصراراً على معصية.

والنّدمُ أوّلُ شؤونِ التّوبة، بل هو أوّلُ الواجباتِ المقوّمة لها، فعن الرّسول صلّى الله عليه وآله: «كَفَى بِالنَّدَمِ تَوْبَةً».

وعن أمير المؤمنين عليه السّلام: «إِنَّ النَّدَمَ عَلَى الشَّيْءِ يَدْعو إِلى تَرْكِهِ».

فإذا نَدم الرّجلُ واستحيا من سيّئ عملِه، وعزمَ في نفسه عزماً صادقاً على أن لا يعودَ إلى فِعْلِه ما بَقِيَ في الحياة، فقد حصلَ منه الرّكنُ الأساسُ من توبتِه، وهو التّوبةُ النّصوح، كما ورد عن أبي عبد الله عليه السّلام، وعن ولده أبي الحسن موسى [الكاظم] عليه السّلام في تفسير الآية الكريمة.

ومن دلائل شدّة النّدم على الذّنب أن يعترفَ المُذنِبُ على نفسه بالإساءة والتّقصير، وأنّه يستحقُّ العقابَ على ما فرّط، فعن أبي جعفر عليه السّلام: «وَاللهِ، ما يَنْجو مِنَ الذَّنْبِ إِلّا مَنْ أَقَرَّ بِهِ»، وعنه عليه السّلام: «لا وَاللهِ، ما أَرادَ اللهُ مِنَ النّاسِ إِلّا خَصْلَتَيْنِ: أَنْ يُقِرّوا لَهُ بِالنِّعَمِ فَيَزيدَهُمْ، وَبِالذُّنوبِ فَيَغْفِرَها لَهُمْ».

 

 

ما يترتّب على التّوبة النّصوح

(مسألة): يجبُ على النّادم التّائب من ذنوبه أن:

1) يؤدِّيَ كلَّ فريضةٍ واجبةٍ تركها قبل توبته، إذا كانت الفريضةُ ممّا يجب قضاؤها.

2) ويَلزمُه دفعُ كفّارتها إذا كانت ممّا تجبُ فيه الكفّارة.

3) ويجبُ عليه أداءُ الكفّارات الأخرى الّتي اشتغلتْ بها ذمّتُه، ككفّارات النّذور والعهود والأَيْمان والمُخالفات الّتي ارتكبها. ".."

4) ويجب عليه أن يؤدِّيَ للنّاس حقوقَهم وأموالَهم الّتي استولى عليها بغيرِ حقّ، فيؤدّيها إلى أصحابها، أو يستبرئَ ذمّتَه منهم بوجهٍ شرعيّ آخَر، ولا تصحّ توبتُه بغير ذلك مع القُدرة والتّمكُّن، وإذا عَجِزَ عن ذلك، ولم يُمكنه أن يردّ المَظالم إلى أهلِها، وجبَ عليه الاستغفارُ للمظلومين.

 

وجوبُ تجديد التّوبة، عند تجدّد الذّنب

(مسألة): يجبُ على العبد أن يُجدّدَ التّوبةَ كلّما تَجدّدَ منه الذّنبُ، وتصحّ منه توبته إذا اجتمعت الشّروطُ الّتي ذكرناها، وإنْ تكرّرت.

ولا يجوز له أن يَيأس من رَوح الله، أو يقنطَ من رحمتِه، فعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «يا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، ذُنوبُ المُؤْمِنِ إِذا تابَ مِنْها مَغْفورَةٌ لَهُ، فَلَيْعَمَلِ المُؤْمِنُ لِما يسْتَأْنفُ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالمَغْفِرَةِ، أَما وَاللهِ، إِنَّها لَيْسَتْ إِلّا لِأَهْلِ الإِيمانِ.

قلتُ: فإنْ عادَ بعد التّوبة والاستغفار من الذّنوب، وعادَ في التّوبة؟

قال عليه السّلام: يا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَتَرى العَبْدَ المُؤْمِنَ يَنْدَمُ عَلى ذَنْبِهِ وَيَسْتَغْفِرُ مِنْهُ وَيَتوبُ، ثُمَّ لا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ تَوْبَتَهُ؟!

قلتُ: فإنْ فعلَ ذلك مراراً، يُذنب ثمّ يَتوبُ ويَستغفر؟

فقال: كُلَّما عادَ المُؤْمِنُ بِالاسْتِغْفارِ وَالتَّوْبَةِ عادَ اللهُ عَلَيْهِ بِالمَغْفِرَةِ، وَإِنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ، يَقْبَلُ

التَّوْبَةَ وَيَعْفو عَنِ السَّيِّئاتِ، فَإِيّاكَ أَنْ تُقَنِّطَ المُؤْمِنينَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ».

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

26/07/2014

دوريّات

نفحات