أعلام

أعلام

22/10/2014

«لا زلتَ مؤيَّداً برُوح القُدُس»


«لا زلتَ مؤيَّداً برُوح القُدُس»

الشّاعر الشهيد الكُمَيت بن زيد الأسدي*

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تنسيق: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يُعتبَر الكميت بن زيد الأسدي (60 – 126 للهجرة) من أوائل شعراء الإسلام الذين جعلوا من الشّعر أداةً للتّعبير عن آرائهم ومواقفهم، وكان لذلك أثرُه البعيد في تثقيف جمهور النّاس الذين استلهموا من هذه الأشعار روحَ الثّورة وفكرةَ الإصلاح والتّغيير.

يُشار غلى أنّ (اتّحاد الأدباء والكتّاب) في محافظة ميسان العراقيّة – حيث مدفن الكُميت في أحد أقضيتها – يقيم سنويّاً مهرجاناً ثقافيّاً تخليداً لذكرى شاعر أهل البيت عليهم السّلام.

هو الكميت بن زيد الأسدي، لقبه أبو المستهلّ، نَسبه ينتهي إلى مُضَر. وُلد في الكوفة سنة 60 للهجرة، وقضى شطراً من صباه في مسقط رأسه، حيث تغذّى فكرُه بثورة الإمام الحسين عليه السّلام، وقد عُرف عنه في مطلع حياته أنّه كان يعلّم الصبيان في مسجد الكوفة، ثمّ نبغ في الشّعر حتّى أضحى من فحول الشّعراء في عصره، حيث ارتسمت في قصائده صورة العصر، وانعكست في مرآة أدبه حياة المجتمع من النّاحيتَين الاجتماعية والسّياسية.

أخلاقه وصفاته

كان الكميت عالماً بلغات العرب، خبيراً بأيّامها؛ جاء في (مختصَر تاريخ دمشق) أنّه كان في الكُمَيت عشرُ خصالٍ لم تكن في شاعر: «كان خطيبَ بني أسد، فقيهاً، حافظاً للقرآن، ثبتَ الجَنان، كاتباً حسن الخطّ، نسّابة جدلاً، وهو أوّل من ناظر في التّشيّع، رامياً لم يكن في بني أسد أرمى منه، فارساً شجاعاً، سخيّاً ديِّناً».

وكان الكميت معروفاً بموالاته لأهل البيت عليهم السّلام مشهوراً بها، كما تشهد بذلك «القصائد الهاشميّات»، وهي من غُرَر قصائده، وكلّها في مدح رسول الله صلّى الله عليه وآله، والأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام والهاشميّين عموماً، وهي من جيّد شعره ومختاره. وكان جريئاً، مستبسلاً في الدّفاع عن عقيدته، حتّى ولو كلّفته حياته، وقد عانى في سبيل ذلك ألمَ السّجن والتّشرّد والغُربة حتّى فاز بالشّهادة.

نبوغه في الشّعر

لمّا قال الكميت بن زيد الشّعر كان أوّل ما قال (الهاشميّات) فسَتَرَها، ثمّ أتى الفرزدقَ فقال له: يا أبا فراس! إنّك شيخُ مُضَر وشاعرها وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد الأسدي. قال له: صدقتَ أنت ابن أخي، فما حاجتُك؟

قال: نُفث على لساني فقلتُ شعراً فأحببتُ أن أعرضَه عليك، فإنْ كان حسناً أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحاً أمرتني بستره وكنتَ أَولى مَن ستره عليّ. فقال له الفرزدق: أمّا عقلُك فحسَن، وإنّي لأرجو أن يكون شعرُك على قدر عقلك، فأنشِدْني ما قلت. فأنشده الكميت أوّلَ «الهاشميّات»:

 

طَرِبْتُ وَما شَوْقاً إِلى البِيضِ أَطْرَبُ

وَلا لَعِباً مِنـّي وَذو الشَّيْبِ يَلْعَـبُ!

 

فقال له الفرزدق: قد طربتَ إلى شيءٍ ما طرب إليه أحدٌ قبلك.

وَلَمْ يُلْهِني دارٌ وَلا رَسْمُ مَنْزِلٍ

وَلَمْ يَتَطَـرَّبَني بَنانٌ مُخَـضَّبُ

 

قال: ما يُطرِبُك يا ابن أخي؟ قال:

وَلا السّـانِحـاتُ البارِحاتُ عَشِيّةً

أَمَرَّ سَليمُ القَرْنِ أَمْ مَرَّ أَعْضَبُ

 

فقال: أجل لا تتطيّر. فقال:

وَلَكِنْ إِلى أَهْلِ الفَضائِلِ وَالنُّهى

وَخَيْرِ بَني حَوّاءَ وَالخَيْرُ يُطْلَبُ

 

قال: مَن هؤلاء ويحَك؟ فقال:

إِلى النَّفَرِ البِيـضِ الّذينَ بِحُبِّهِـمْ

إِلـى اللهِ فيمـا نابَنـي أَتَقَـرَّبُ

بَني هـاشِمٍ رَهْـطِ النَّبِيِّ مُحَمَّـدٍ

بِهِمْ وَلَهُمْ أَرْضى مِراراً وَأَغْضَبُ

خَفَضْتُ لَهُمْ مِنّي جَناحَيْ مَوَدَّةٍ

إِلى كَنَفٍ عِطْفاهُ أَهْلٌ وَمَـرْحَبُ

وَكُنْتُ لَهُمْ مِنْ هَـؤُلاءِ وَهَـؤُلا

مِجَنّاً عَلـى أَنّـي أُذَمُّ وَأُقْصَـبُ*

وَأُرْمى وَأَرْمي بِالعَـداوَةِ أَهْلَهـا

وَإِنّـي لِأُوذَى فيـهِـمُ وَأُؤنَّـبُ

* أُقصب: أُشتَم

فأُعجِب عند ذلك الفرزدق بشاعريّة الكميت قائلاً: أذِعْ، أذِعْ شعرك، فأنت أشعرُ من مضى ومَن بقي.

 

موقفه من بني أُميّة

كانت ثورة زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السّلام حافزاً كبيراً لتدفّق شاعريّة الكميت، فهو قد نظمَ لاميّته المشهورة مؤيِّداً تلك الثّورة، هاجياً حكّام عصره، مندّداً بمساوئهم، كاشفاً عيوبهم، يقول فيها:

فَتِلْكَ وُلاةُ السّوءِ قَدْ طـالَ مُلْكُهُـمْ

فـَحَتّـامَ حَتـّامَ العَنـاءُ المُطَـوَّلُ

وَما ضَرَبَ الأمْثالَ في الجَوْرِ قَبْلَنا

لَأَجورَ مِنْ حُكّـامِنـا المُتَمَثِّلُ

 

فلمّا بلغت هذه الأبياتُ مسامعَ خالد بن عبدالله القسريّ - وكان والياً على العراق من قِبَل هشام بن عبد الملك، وكان حاقداً على الكميت - عمد إلى جوارٍ حِسان فروّاهنّ هذه القصائد، وأرسل بهنّ إلى هشام بن عبد الملك، فاستنْشَدَهُنّ هشامٌ الشّعر، فأنشَدْنَه هذه الأبيات في هجاء الأمويّين، فغضب واشتدّ غيظُه واستنكر ذلك. وأرسل إلى خالد يأمره بأن يُحضِر الكميت ويقطع لسانَه ويده. فلم يشعر الكميت إلّا والخيلُ محدقةٌ بداره، فأُخذ إلى السّجن، ولكنّه استطاع الإفلات منه بأعجوبة، وبمساعدةٍ من زوجته. فعمد الوالي إلى زوجة الكميت ليعاقبَها، عند ذلك تدخّل قومُها من بني أسد قائلين له: ما سبيلُك على امرأة حُرّة فَدَت بعلَها بنفسها؟ فخشيَ من سوء العاقبة، وخلّى سبيلها.

* وكم من مرةٍ تعرّض الكُميت لهجاء حكّام عصره، في سياق مديحه للهاشميّين، كما فعل في الميميّة المشهورة:

بَلْ هَـوايَ الّـذي أُجِـنُّ وَأُبْـدي

لِبَـنـي هـاشِـمٍ فُـروعِ الأَنـامِ

وَالغُيوثِ الّذِينَ إِنْ أَمْحَـلَ النّا

سُ فـَمَـأوى حَـواضِــنِ الأَيْتـامِ

ساسَةٌ لا كَمَنْ يَرى رِعْيَةَ النـّا

سِ سـَواءً وَرِعْيَةَ الأَنْــعــامِ

لا كَـعَبْـدِ المَليـكِ أَوْ كَـوَليـدٍ

أَوْ سُـلَيْمـانَ بَعْـدُ أَوْ كَهِشـامِ

مَنْ يَمُتْ لا يَـمت فَقيـداً وَمَـنْ يَحْـ

يى فَلا ذو إِلٍّ وَلا ذو ذِمامِ

 

يريدُ بالشّطر الأوّل من البيت الأخير أنّ الميّت من بني أميّة لا يُستوحَش من موته، والشّطر الثاني إشارة إلى قوله تعالى: ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ التّوبة:10.

* ومن قصائده في هجاء بني أميّة، قولُه:

فَقُلْ لبَنـي أُمَيَّةَ حَيْثُ حَلّـوا

وَإِنْ خِفْتَ المُهَنَّدَ والقَطيعا*

أَجـاعَ اللهُ مَـنْ أَشْبَعْتمـوهُ

وَأَشْبَعَ مَنْ بِجَوْرِكـمُ أُجيعـا

بِمَرْضِيّ السِّياسَـةِ هاشِمِـيٍّ

يَكونُ حَيّاً لِأُمَّتِـهِ رَبيعـا

* القطيع: السّوط

موقفُه مع أئمّة أهل البيت عليهم السلام

* كان الكميت متفانياً في حبّ النبيّ وآله الطّاهرين، فمن شعره في رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله:

بِكَ اجْتَمَعَـتْ أَنْسابُنـا بَعْدَ فُـرْقَةٍ

فَنَحْنُ بَنو الإِسْلامِ نُـدْعى وَنُنْسَـبُ

حَياتُكَ كانَـتْ مَجْدَنـا وَسَنـاءَنـا

وَمَوْتُكَ جَدْعٌ للعَرانينَ* مُرْعَبُ

* العرانين: جمع عرنين، الأنف.

* وله في مدحه صلّى الله عليه وآله قصيدة أخرى، مطلعُها:

إِلى السِّراجِ المُنيرِ أَحْمَدَ لا

تَعْدُلُني عَنْهُ رَغْبَةٌ ، وَلا رَهَبُ

عَنْهُ إِلى غَيْرِهِ، وَلَو رَفَعَ النّا

سُ إِلَيَّ العُيونَ، وَارْتَقَبوا

 

* ونظمَ مادحاً أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام، ومشيراً إلى أثر فَقْدِه في الأُمّة:

فَنِعْـمَ طَبيـبُ الدّاءِ من أُمِّـرَ أُمّةً

تَـواكَلَهـا ذو الطِّـبِّ وَالمُتَطَبِّـبُ

وَنِعْـمَ وَلِـيُّ الأَمْـرِ بَعْـدَ وَلِيـِّهِ

وَمُنْتَجَـعُ التَّقْـوى وَنِعْـمَ المُـؤَدِّبُ

لَـهُ سُتْـرَتا بَسْـطٍ فَكَـفٌّ بِـهَـذِهِ

يكفُّ وَبِالأُخْرى العَوالـي تُخَضَّـبُ

مَحـاسِنُ مِـنْ دُنْيـا وَديـنٍ كَأَنَّمـا

بِها حَلَّقَتْ بِالأَمْسِ عَنْقاءُ مُغْرِبُ

 

* وقال في واقعة الغدير من ضمن قصيدةٍ طويلة:

وَيَوْمَ الدَّوْحِ دَوْحِ غَدِيرِ خُمٍّ

أَبَانَ لَهُ الوِلايَةَ لَوْ أُطِيعَا

ولَكِنَّ الرِّجَالَ تَبَايَعُوهَا

فَلَمْ أَرَ مِثْلَها خَطَراً مبِيعا

 

* وروي أنّه دخل على أبي عبد الله الصّادق عليه السّلام في أيّام التّشريق، فقال له: جُعلت فداك، ألا أُنشِدُك، قال عليه السّلام: إِنَّها أَيّامٌ عِظامٌ، قال: إنّها فيكم. فقال: هاتِ، وبعث أبو عبد الله إلى بعض أهله فقُرِّب، وأنشد الكُميت، فكثُر البكاء حينما وصل إلى هذا البيت:

يُصيبُ بِهِ الرّامونَ عَنْ قَوْسِ غَيْرِهِم

فَيا آخِـراً أَسْـدى لَـهُ الغَـيَّ أَوَّلُ

 

فلمّا مرّ على قوله:

كَأَنَّ حُسَيْناً وَالبَهاليلُ حَوْلَهُ

لِأَسْيافِهِمْ ما يَخْتَلي المُتَبَقِّلُ

وَغابَ نَبِيُّ اللهِ عَنْهُمْ وَفَقْدُهُ

عَلى النّاسِ رِزْءٌ ما هُناكَ مُجَلَّلُ

فَلَمْ أرَ مَخْذولاً أَجلَّ مُصيبَةً

وَأَوْجَبَ مِنْهُ نُصْرَةً حينَ يُخْذَلُ

 

رفع أبو عبد الله عليه السّلام يدَيه وقال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ للكُمَيْتِ ما قَدَّمَ وَأَخَّرَ، وَما أَسَرَّ وَأَعْلَنَ».

وكان قد دخل قبل ذلك على الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام وأنشده شعراً في سيّد الشّهداء عليه السّلام. قال المسعودي في (مروج الذهب): «قَدِمَ الكميتُ المدينة، فأتى أبا جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن علي [عليهم السّلام]، فأذِن له ليلاً وأنشده، فلما بلغَ الميميّة قوله:

وَقَتيلٌ بِالطَّفِّ غُودِرَ مِنْهُمْ

بَيْنَ غَوْغاءِ أُمَّةٍ وَطغامِ

 

بكى أبو جعفر ثمّ قال: يا كُمَيْتُ، لَوْ كانَ عِنْدَنا مالٌ لَأَعْطَيْناكَ. وَلَكِنْ لَكَ ما قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لِحَسَّانَ بْنِ ثابِتٍ: لا زِلْتَ مُؤَيَّداً بِروحِ القُدُسِ ما ذَبَبْتَ عَنّا أَهْلَ البَيْتِ».

وقال ابن شهر آشوب في (مناقب آل أبي طالب): «بلغَنا أنّ الكميت أنشدَ الباقر عليه السّلام: مَن لقلبٍ متيَّمٍ مستهامِ، [وفيها يرثي سيّد الشّهداء عليه السّلام]... فتوجّه الباقر عليه السلام إلى الكعبة فقال: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الكُمَيْتَ وَاغْفِرْ لَهُ. ثلاث مرّات. ثم قال: يا كُمَيْتُ، هَذِهِ مائةُ أَلْفٍ قَدْ جَمَعْتُها لَكَ مِنْ أَهْلِ بَيْتي. فقال الكميت: لا واللهِ لا يعلمُ أحدٌ أنّي آخذُ منها حتّى يكونَ الله عزّ وجل الذي يُكافيني، ولكنْ تُكرِمُني بقَميصٍ من قُمُصك، فأعطاه».

ويعلّق العلّامة الأميني في ترجمته للكميت في موسوعته (الغدير) على مواقفه الشّعرية بالقول: «يجدُ الباحث في خلال السِّيَر وزُبُر الحديث شواهدَ واضحة على أنّ الرّجل لم يتّخذ شاعريّته وما كان يتظاهر به من التّهالك في ولاء أهل البيت عليهم السّلام، وسيلةً لما يقتضيه النّهمة، وموجبات الشّره من التلَمُّظ بما يستفيده من الصّلات والجوائز، أو تحرّي مسانحات وجرايات، أو الحصول على رتبة أو راتب ".." وقد انهالت الدّنيا بقضّها وقَضيضها على أضدّادهم يوم ذلك من طُغمة الأمويّين، ولو كان المتطلّبُ يطلبُ شيئاً من حطام الدّنيا، أو حصولاً على مرتبة، أو زُلفة لطَلَبها من أولئك المتغلّبين على عرش الخلافة الإسلامية..».

أقوال العلماء فيه

* سُئل معاذ بن مسلم (من كبار شيوخ النّحو): مَن أشعرُ النّاس؟ قال: أمِنَ الجاهليّين أم من الإسلاميّين؟ قالوا: بَل من الجاهليّين. قال: امرؤ القيس، وزهير، وعبيد بن الأبرص. قالوا: فمِن الإسلاميّين؟ قال: الفرزدق، وجرير، والأخطل، والرّاعي. فقيل له: ما رأيناكَ ذكرتَ الكُميتَ فيَمن ذكرت؟ قال: ذاك أشعرُ الأوّلين والآخرين.

* ويقول العلّامة الشّيخ عبد الحسين الأميني في (غديره) عن الكميت، محلّلاً مواقفه النّبيلة: «.. وكلٌّ من تلكم المواقف شاهدُ صدقٍ على خالص ولائه وقوّة إيمانه، وصفاء نيّته وحُسن عقيدته ورسوخ دينه وإباء نفسه وعلوّ همّته، وثباته في مبدئه العلويّ المقدّس، وصدَق مقالُه للإمام السّجاد عليه السّلام: إنّي قد مدحتُك أن يكون لي وسيلةً عند رسول الله صلّى الله عليه وآله.

وكان محلَّ احترام وتبجيل أئمّة الدّين ورجالات بني هاشم، وكان في ردّه للصّلات والأعطيات أكبرُ دليلٍ على إخلاصه وولائه، فردّ على عبد الله بن الحسن ضيعتَه التي أعطى له كتابها، وكانت تساوي أربعة آلاف دينار».

ثمّ يضيف العلاّمة الأميني في تقريظه للكميت قائلاً: «والواقفُ على شعره يراه كالباحث بظلفه عن حتفه، ويجِده مستَقتلاً بلسانه، قد عرّضَ لبني أمية دمَه مستقبلاً صوارمَهم، كما نصّ عليه الإمام زين العابدين عليه السّلام: اللَّهُمَّ إِنَّ الكُمَيْتَ جادَ في آلِ رَسولِكِ وَذُرِّيَّةِ نَبِيِّكَ نَفْسَهُ حينَ ضَنَّ النّاسُ، وَأَظْهَرَ ما كَتَمَ غَيْرُهُ مِنَ الحَقِّ، فَأَحْيِهِ سَعيداً، وَأَمِتْهُ شَهيداً، وَأَرِهِ الجَزاءَ عاجِلاً، وَأَجْزِلْ لَهُ جَزيلَ المَثُوبَةِ آجِلاً..».

شهادتُه

حينما ثار زيد بن عليّ عليه السّلام على هشام، وقف الكميت يؤيّد ويدعو للمشاركة في الثّورة على حكم بني مروان، ما أثار عليه حكّامَ عصره، فتعرّض للأذى مراراً، وسُجِنَ وتشرّد كما يشير إلى ذلك في إحدى هاشميّاته:

أَلَمْ تَـرَني مِنْ حُـبِّ آلِ مُحَمَّـدٍ

أَروحُ وَأَغْـدو خـائِفاً أَتَـرَقَّبُ

وتقضي المقادير أن لا تنجحَ ثورةُ زيد رضوان الله عليه، ويُقتَل على يدَي يوسف بن عمر الثقفيّ والي العراق، ويُصلَب في الكناسة، فيحزن عليه الإمام الباقر عليه السّلام ومحبّوه، وينبري الكميت لهجاء يوسف الثقفي لما فعله بزَيد:

يـعـزُّ علـى أحمـدٍ للّـذي

أصاب ابنَه الأمسَ من يوسفِ

خبيثٍ من المعشر الأخبثيـن

وإن قلتُ زانيـن لـم أَقـذفِ

 

ومضت الأيام، وإذ بالكميت في مجلس يوسف بُعَيد قتله خالداً القسريّ الوالي السابق، وكان جنودٌ من اليمانية وقوفاً على رأس يوسف، وكان يتحيّن فرصةً للتّخلّص من الكُميت، فأشار إليهم أن يضعوا سيوفَهم في بطنه، ففعلوا ووجَأَوه فمات لساعته بعد نزفٍ شديد.

يقول المستهلّ بن الكميت: «حضرتُ أبي عند الموت وهو يجودُ بنفسه، فكان يفتحُ عينيه قائلاً: اللّهمّ آلَ محمّد، اللّهمّ آلَ محمّد، اللّهمّ آلَ محمّد» ومات شهيداً، رضوان الله عليه، مدافعاً عن حقّ أهل البيت عليهم السّلام بمنتَهى الجرأة والبَسالة، باذلاً مهجتَه في سبيل الحقّ، رافعاً لواء الالتزام في الموقف والشّعر، فرحمة الله عليه شاعراً شهيداً.

____________________________________

* هذه الترجمة مقتبسة عن (موسوعة طبقات الفقهاء)، و(الغدير) للعلامة الأميني، ومصادر أخرى.

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

22/10/2014

دوريات

نفحات