أيّها العزيز

أيّها العزيز

22/10/2014

الصّدّيقون هُم الرّاضون بقضاء الله تعالى


الصّدّيقون هُم الرّاضون بقضاء الله تعالى

كما أنّ الرّضى من جنود العقل والرّحمن، ومن لوازم الفِطرة [السّليمة]، كذلك السَّخَط من جنود الجهل وإبليس، ومن لوازم الفِطرة الجاهلة، ومن نُقصان المعرفة بمَقام الرّبوبيّة، والجهل بشَرف عِزّة الله جلَّ وعلا.

وهذا من الثّمرَات الخَبيثة لحُبّ النّفس وحبّ الدّنيا؛ فحُبّ الدّنيا يُعمي ويُصِمّ، ولا يرى صاحبُه غيرَ الشّهوات والأماني الدّنيويّة، وينصرف عن الابتلاءات - الّتي هي مُصلحةٌ للنّفوس، ومربيّةٌ للقلوب - بسبب الاحتجاب عن المقامات الرّوحيّة، و[ينصرف عن] مدارج أهل المعرفة، ومعارج أُولي الألباب، ويرضى ويفرح لإقبال الدّنيا عليه، وهو أسوأ افتتانٍ وابتلاء. ".."

إنّ الله تبارك وتعالى يَبتلي أولياءَه والمؤمنين به في دار الدّنيا لمحبّته لهم وعنايته بهم. وعُمدة السّرّ في ذلك، أنّهم لو وُضِعوا في الدّلال والنّعمة لرَكنوا إلى الدّنيا وشَهَواتها، ولَزادَ تعلُّقُهم بالدّنيا وحبُّهم لها، ولَنَفروا قهراً عن الحقّ تعالى وعن دار كرامتِه، وعن مَلَكوت أنفسِهم وإصلاح أمراضها، ولَتأخّروا عن اكتساب الفضائل النّفسانيّة.

بشكلٍ عامٍّ، لو دقّق أحدٌ في أحوال الأغنياء لوجدَ أنّ الغِنى والثّروة، والصّحّة والسّلامة، والأمن والرّفاه، لو جُمعت في الإنسان، فقلّما يستطيعُ قلبٌ حِفظَه من الفساد، والأمراض النّفسانيّة، ومنْعه من طغيان النّفس.

ولعلّ لهذه النّكتة قال جابر بن عبد الله للإمام الباقر عليه السّلام: «أنا في حالٍ الفقرُ أحَبّ إليَّ من الغِنى، والمرض أحَبّ إليَّ من الصّحّة»، لأنّه لم يكن مطمئنّاً من نفسه أن يحفظَها كما يشاء في الرّفاه والسّلامة، ولم يكن مطمئنّاً من طغيان نفسه. لكنّ الإمام الباقر عليه السّلام، حيث إنّ مقامه فوق عقول البشر، أظهرَ مقام الرّضى بما يتناسب مع أُفق جابر وعِلمه وتأهيله في السّلوك إلى الله، وأبرزَ جذبةً من المحبّة الإلهيّة، وقال: « أَمّا نَحْنُ - أَهْلَ البَيْتِ - فَما يَرِدُ عَلَيْنا مِنَ الفَقْرِ وِالغِنَى، وَالمَرَضِ وَالصَّحَّةِ، وَالمَوْتِ وَالحَياةِ، فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنا».

نعم، إنّ أولياءَ الله يَرون البليّاتِ تحفةً سَماويّة، والضّيقَ والشّدّةَ عناياتٍ ربّانيّة، فهم يَأنسون بالله تعالى، ولا يطلبون غيرَه، ويتوجّهون إلى الذّات المُقدّسة، ولا يرونَ غيرَها، وإذا طلبوا دارَ كرامةِ الحقّ تعالى، فذلك من جهة أنّها منه تعالى، لا من جهة الحظوظ النّفسانيّة.

هم راضونَ بقضاءِ الله من جهة الارتباط بالحقّ تعالى، فأصبحتِ المحبّة الإلهيّة منشأً لمحبّة أسمائه تعالى وصفاتِه وآثاره وأفعالِه. ".."

وردَ عن أبي عبد الله عليه السّلام: «قَالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ، لَا أَصْرِفُهُ فِي شَيْءٍ إِلَّا جَعَلْتُهُ خَيْراً لَه، فَلْيَرْضَ بِقَضَائِي، ولْيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، ولْيَشْكُرْ نَعْمَائِي، أَكْتُبْهُ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الصِّدِّيقِينَ عِنْدِي». ".."

أيّها العزيز، إنّ الله تبارك وتعالى يُجري قضاءَه سواء سَخطناه أو رضينا به. إنَّ التّقديرات الإلهيّة ليست مرتبطةً برضانا وسَخَطِنا، فمَا يبقى لنا من السَّخَطِ والغضبِ هو نَقصُ المقام، وسَلْبُ الدّرَجات، والسّقوطُ من نَظَر الأولياء والمَلكوتيّين، وسَلْبُ الإيمان من القلوب، كما في الرّواية عن الإمام الصّادق عليه السّلام، أنّه قال: «لَقِيَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَبْدَ الله بْنَ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، كَيْفَ يَكُونُ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِناً وهُوَ يَسْخَطُ قِسْمَه [الحَظّ والنّصيب]، ويُحَقِّرُ مَنْزِلَتَهُ، والْحَاكِمُ عَلَيْهِ اللهُ، وأَنَا الضَّامِنُ لِمَنْ لَمْ يَهْجُسْ فِي قَلْبِه إِلَّا الرِّضَا أَنْ يَدْعُوَ اللهَ فَيُسْتَجَابَ لَه».

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

22/10/2014

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات