أحسن الحديث

أحسن الحديث

22/11/2014

«آية المودّة»


العلّامة الطباطبائي مناقشاً آراء المفسّرين في (آية المودّة)

حبُّ أهل البيت عليهم السلام، علامةُ استجابة الدعوة

 

يستعرض العلّامة السيد محمد حسين الطّباطبائي رحمه الله في الجزء الثّامن عشر من موسوعته (الميزان في تفسير القرآن) أبرزَ الوجوه التي قيلت في معنى «المودّة في القربى» المأمور بها في الآية الثالثة والعشرين من سورة الشّورى، وقد ناقشها على ضوء السّياق القرآني والوقائع التّاريخية، خالصاً إلى بيان الرّأي المؤيَّد بالرّوايات من كتب الشّيعة والسّنة.

 

قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..الشورى:23.

يتّضح من الآية أنّ الذي نُفِيَ سؤالُ الأجر عليه هو تبليغُ الرّسالة والدّعوة الدّينية، وقد حكى اللهُ تبارك وتعالى ذلك عن عدّة رُسُلٍ ممّن قَبل رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ كنوح، وهود، وصالح، ولوط، وشعيب عليهم السّلام، فيما خاطَب كلٌّ منهم به أمّته: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء:109، وغيرها.

وقد حكى الله ذلك عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، إذ قال: ﴿وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ..﴾ يوسف:104، وقد أمره صلّى الله عليه وآله أن يخاطب النّاس بتَعبيراتٍ مختلفة حول ذلك، حيث قال: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ..﴾ ص:86.

وقال: ﴿قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ..﴾ سبأ:47.

وقال: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنعام:90. فأشار سبحانه وتعالى إلى وجه النّفي، وهو أنّه ذِكرى للعالمين، لا يختصّ ببعضٍ دون بعض حتّى يتّخذ عليه الأجر. وقال: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ الفرقان:57، ومعناه: إلّا أن يشاء أحدٌ منكم أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً، أي يستجيبَ دعوتي باختياره، فهو أجري، أي لا شيءَ هناك وراء الدّعوة، أي لا أجر.

وقال تعالى في هذه السّورة (الشورى): ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الآية:23، فجعل أجرَ رسالته المودّةَ في القربى، ومن المُتيقّن من مضامين سائر الآيات التي في هذا المعنى أنّ هذه المودّة أمرٌ يرجع إلى استجابة الدّعوة، إمّا كلّها أو بعضها، وظاهر الاستثناء، على أيّ حال، أنّه متّصلٌ بدعوى كَون المودّة من الأجر، ولا حاجة إلى ما تمحَّلَه بعضُهم بتقريب الانقطاع فيه.

أقوال المُفسّرين

وأمّا معنى «المودّة في القربى» فقد اختلفت فيه تفاسيرُهم:

القول الأوّل: نُسب إلى جماعةٍ من «المفسّرين» قولُهم أنّ الخطاب في الآية لقريش، والأجرُ المسؤول هو مودّتهم للنّبي صلّى الله عليه وآله لقرابتِه منهم، وذلك لأنّهم كانوا يُكذّبونه، ويُبغضونه لتعرّضه لآلهتِهم على ما في بعض الأخبار، فأُمِر صلّى الله عليه وآله أن يسألَهم: إن لم يؤمنوا به فليَودّوه لمكان قرابتِه منهم، ولا يُبغضوه، ولا يؤذوه، فـ «القربى» مصدرٌ بمعنى القرابة، و«في» للسّببية.

الرّد على القول الأوّل: معنى الأجر إنّما يتمّ إذا قُوبل به عملٌ يمتلكه مُعطِي الأجر، فيعطي العاملَ ما يعادل ما امتلكَه من مالٍ ونحوه، فسؤالُ الأجر من قريش - وهم كانوا مُكذّبين له صلّى الله عليه وآله، وكافرين بدعوته - إنّما كان يصحّ على تقدير إيمانهم به صلّى الله عليه وآله، لأنّهم على تقدير تكذيبه والكفر بدعوته لم يأخذوا منه شيئاً حتّى يقابلوه بالأجر، وعلى تقدير الإيمان به - والنّبوّة أحد الأصول الثّلاثة في الدّين - لا يُتصوّر بغضٌ حتّى تُجعلَ المودّةُ أجراً للرّسالة ويُسأل.

 

القول الثاني: المراد بالمودّة في القربى ما تقدّم، والخطاب للأنصار، فقد قيل: إنّهم أتَوا رسول الله صلّى الله عليه وآله بمالٍ ليستعينَ به على ما ينوبُه [من النّائبة أي المصيبة]، فنزلت الآية فردَّه، وقد كان له منهم قرابة من جهة سلمى بنت زيد النّجارية، ومن جهةٍ أخوال أمّه السيدة آمنة عليها السّلام، على ما قيل.

الرّد على القول الثاني: أمرُ الأنصار في حبّهم للنّبيّ صلّى الله عليه وآله أوضحُ من أن يرتاب فيه ذو ريب، وهم الذين سألوه أن يهاجر إليهم، وبوّؤا له الدّار، وفدَوه بالأنفُس، والأموال، والبنين، وبذلوا كلّ جهدهم في نُصرته، وحتّى في الإحسان إلى مَن هاجر إليهم من المؤمنين به ".." وإذا كان هذا مبلغُ حبّهم، فما معنى أن يؤمَر النّبي صلّى الله عليه وآله أن يتوسّل إلى مودّتهم بقرابتِه منهم هذه القرابة البعيدة؟ على أنّ العرب ما كانت تعتني بالقرابة من جهة النّساء ذاك الاعتناء، وفيهم القائل:

بَنونا بَنو أبنائنا، وبناتُنا                  بَنوهُنّ أبناءُ الرّجالِ الأباعدِ

 

القول الثالث: الخطاب لقريش، والمودّة في القربى هي المودّة بسبب القرابة، غير أنّ المراد بها مودّة النّبيّ صلّى الله عليه وآله لا مودّة قريش كما في الوجه الأوّل، والاستثناء منقطع. ومحصّل المعنى: أنّي لا أسألكم أجراً على ما أدعوكم إليه من الهدى الذي ينتهي بكم إلى روضات الجنّات والخلود فيها، ولا أطلب منكم جزاء، لكن حبّي لكم بسبب قرابتكم منّي دفعني إلى أن أهديكم إليه وأدلّكم عليه.

الرد على القول الثالث: أنّه لا يلائم ما يخُدُّه [من الخَدّ في الأرض، وهو الشّقُّ فيها] الله سبحانه له صلّى الله عليه وآله في طريق الدّعوة والهداية، فإنّه تعالى يسجّل عليه في مواضع كثيرة من كلامه أنّ الأمر في هداية النّاس إلى الله وليس له من الأمر شيء، وأنْ ليس له أن يحزن لكُفرهم وردّهم دعوته، وإنّما عليه البلاغ، فلم يكن له أن يندفع إلى هداية أحدٍ لحبّ قرابة، أو يُعرض عن هداية آخرين لبُغضٍ أو كراهة، ومع ذلك كلّه كيف يُتصوّر أن يأمره الله بقوله: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ أن يخبر كفّار قريش أنّه إنّما اندفع إلى دعوتهم وهدايتهم بسبب حبّه لهم لقرابتهم منه، لا لأَجرٍ يسألهم إيّاه عليه.

 

القول الرابع: المراد بالمودّة في القربى مودّة الأقرباء، والخطاب لقريش أو لعامّة النّاس. والمعنى: لا أسألكم على دعوتي أجراً إلّا أن تودّوا أقرباءكم.

الرد على القول الرابع: أنّ مودّة الأقرباء على إطلاقهم ليست ممّا يُندَبُ إليه في الإسلام، قال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ..﴾ المجادلة:22، وسياق هذه الآية لا يُلائم كونها مخصِّصة أو مقيِّدة لعموم قوله ﴿..إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ أو إطلاقه حتّى تكون المودّة للأقرباء المؤمنين هي أجر الرّسالة، على أنّ هذه المودّة الخاصّة لا تلائم خطاب قريش أو عامّة النّاس.

بل الذي يُفيده سياق الآية أنّ الذي يَندب إليه الإسلام هو الحبّ في الله من غير أن يكون للقرابة خصوصيّة في ذلك، نعم هناك اهتمام شديد بأمر القرابة والرّحِم لكنّه بعنوان «صلة الرّحم» و«إيتاء المال على حبّه ذَوي القربى» لا بعنوان مودّة القربى، فلا حبَّ إلّا لله عزّ اسمُه.

 

القول الخامس: معنى القُربى هو التقرّب إلى الله، والمودّة في القربى هي التودّد إليه تعالى بالطّاعة والتقرّب. فالمعنى: لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تتودّدوا إليه تعالى بالتقرّب إليه.

الرد على القول الخامس: إنّ في تفسير قوله تعالى: ﴿..إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ على هذا المعنى إبهاماً لا يصلح به أن يخاطَب به المشركون، فإنّ حاقَّ مدلوله التودّد إليه - أو ودّه تعالى - بالتقرّب إليه، والمشركون لا يُنكرون ذلك، بل يرون ما هم عليه من عبادة الآلهة تودّداً إليه بالتقرّب منه، فهم القائلون على ما يحكيه القرآن عنهم: ﴿..مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى..﴾ الزمر:3، ﴿..هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ ..﴾ يونس:18. فسؤال التودّد إلى الله بالتقرّب إليه من غير تقييده بكونه بعبادته وحده، وجَعْلُ ذلك أجراً مطلوباً ممّن يرى شركه نوعَ تودّد إلى الله بالتقرّب إليه، وخطابهم بذلك على ما فيه من الإبهام - والمقام مقام تَمحيضه [من المَحض، وهو الخالص من كلّ شيء] صلّى الله عليه وآله نفسَه في دعوتهم إلى دين التّوحيد لا يسألهم لنفسه شيئاً قطّ - ممّا لا يرتضيه الذّوق السّليم.

 

مودّةُ العِترة الطاهرة عليهم السلام

الرأي الصّائب: المراد بـ «المودّة في القُربى»، هي مودّة قرابة النّبي صلّى الله عليه وآله، وهم عترتُه من أهل بيتِه عليه السلام، وقد وردت به رواياتٌ من طُرق أهل السّنّة، وتكاثرت الأخبار من طُرق الشّيعة على تفسير الآية بمودّتهم وموالاتهم، ويؤيّده الأخبار المتواترة من طرق الفريقَين على وجوب موالاة أهل البيت عليهم السّلام ومحبّتهم.

ثمّ التأمّل الكافي في الرّوايات المتواترة الواردة من طُرق الفريقَين عن النّبي صلّى الله عليه وآله المتضمّنة لإرجاع النّاس في فَهم كتاب الله - بما فيه من أصول معارف الدّين وفروعها وبيان حقائقه - إلى أهل البيت عليهم السّلام، كـ «حديث الثّقلَين»، و«حديث السّفينة» وغيرهما لا يدَعُ ريباً في أنّ إيجابَ مودّتهم وجعلَها أجراً للرّسالة إنّما كان ذريعةً إلى إرجاع النّاس إليهم في ما كان لهم من المرجعيّة العلميّة.

فالمودّة المفروضة على كونها أجراً للرّسالة لم تكن أمراً وراءَ الدّعوة الدّينية من حيث بقاؤها ودوامُها، فالآية في مؤدّاها لا تُغاير مؤدّى سائر الآيات النّافية لسؤال الأجر، ويؤول معناها إلى: أنّي لا أسألكم عليه أجراً، إلّا أنّ الله تعالى لمّا أوجب عليكم مودّة عامّة المؤمنين - ومن جملتهم قرابتي - فإنّي أحتسب مودّتكم لقرابتي، وأعدُّها، أجراً لرسالتي. قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ مريم:96، وقال سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..﴾ التوبة:71. ".."

(مختصر)

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

22/11/2014

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات