قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

22/11/2014

من تجارب الأصوليّين في المجالات اللغويّة

                       

(من تجارب الأصوليّين في المجالات اللّغويّة) للعلّامة السيّد محمّد تقي الحكيم

المزاوجة الخلاّقة بين علم الأصول ومنطق العربيّة

 _____ محمود إبراهيم _____

يتناهى للقارئ وهو يعاين كتاب العلّامة السيد محمّد تقي الحكيم (من تجارب الأصوليّين في المجالات اللّغويّة)، كما لو أنّ المؤلّف يعرض إلى اختباراته الشخصيّة في علم أصول الفقه. ولعلّ الذي يمنح مثل هذا الانطباع صدقيّته، هو إحاطة السّيّد المؤلّف بعلم الأصول، وما يتفرّع منه من معارف متعدّدة المراتب والأفهام. ولو كان من دليل بيّن على إحاطته بهذا الحقل التّخصصيّ الدّقيق في علوم الدِّين، هو موضوع الكتاب الّذي بين أيدينا. فقد رمى أن يقدّم منجزاً قلّما طُرِقَ بابه من جانب أهل الاختصاص. حيث أفلح في المزاوجة بين البحوث الأصوليّة واللغة التي تستظهر هذه البحوث. ولكي يستوي جهده المعرفي على نصاب المطابقة والانسجام بين هذين الحقلين المعرفيَّين، قرأ صاحب الكتاب جهود العلماء وقارن ما بينها، لينتهي إلى حصاد علميّ رفيع هو في غاية الدقة والأصالة.

يضمّ كتاب العلّامة السيد محمّد تقي الحكيم خمسة أبحاث، ستشكّل، على الجملة، الهندسة المنطقيّة التي تنتظم العروة الوثقى بين علم الأصول ومنطق اللغة. وإذا كان لنا أن نعرض إلى ما ذهب إليه، فسنرى أنّ إجراءاته البحثيّة تناولت العناوين المفصليّة التالية:

- الوضع: تحديده وتقسيماته ومصادر العلم به.

- المعنى الحرفي في اللّغة بين النّحو والفلسفة والأصول.

- الاشتراك والتّرادف.

- الاجتهاد في اللّغة، حقيقته وحجِّيَتُه.

- القياس المقارن وقياسيّة الاشتقاق من أسماء الأعيان.

ولئن كانت البحوث التي مرّت عناوينها قد أُلقيت في أمكنة مختلفة، وفي أوقات متباعدة، فهي تنطوي ضمن منطقٍ داخليٍّ وثيق الرباط، مثلما ترمي إلى مآلٍ معرفيٍّ واحدٍ لا ريب فيه. وسيلاحظ قارئ الأبحاث الخمسة مقدار الجهود الاستثنائيّة التي بذلها علماء أصول الفقه في ميدان اللّغة، ودورهم الرّيادي في تحديد طبيعة مفاهيمها وكشف حقائقها. وهو الدور الذي غالباً ما غَابَ عن كثيرين من علماء العربيّة، وكان من نتيجة ذلك أن انكشف لهم حقل خصيب سيكون له الفضل العظيم في نموّ اللّغة العربيّة وتجدُّدها.

الإبداع في بيان المفاهيم

للوهلة الأولى، قد لا يجد الباحث المُتخصِّص «خطباً جللاً» في ما قدّمه العلّامة الحكيم. وهذا عائد إلى أنّ كلّاً من الأصوليّ واللّغويّ يتعاطى مع اختصاصه كوحدة معرفيّة مكتفية بذاتها، أي من دون أن يهتمّ الباحث في علم أصول الفقه بالتمييز بين البحث الأصوليّ واللغة التي يظهِّر بواسطتها بحوثه. غير أنّ القيمة العلميّة الرفيعة لعمل السيّد لا تلبث أن تعلن عن نفسها حالما يطلّ الشّاهد ليدلَّ على عظمة اللّغة وهي ترفد علم الأصول وتسدِّده ببلاغة المعنى وعبقريّة اللفظ.

في مسعاه إلى المزاوجة بين فقه اللّغة وعلم أصول الفقه، لم يفارق السيّد الحكيم المنهج العام الذي ينبني عليه البحث العلميّ. وسنجد الصّورة على كمالها لو راجعنا كتابه المرجعيّ (الأصول العامّة للفقه المقارن)، والذي يُعدّ موسوعة معرفيّة عميقة الأثر في ميدان فلسفة الفقه.

فالتّعريف الذي يقدّمه العلّامة للفقه المقارن، «بما هو علم يجمع الآراء المختلفة في المسائل الفقهيّة على صعيد واحد، دون إجراء موازنة بينها»، إنّما هو امتداد منطقي لما توصَّل إليه من نتائج على صعيد المواءمة بين اللّغة والبحث الأصوليّ. ذلك بأنّ التعريف الذي أعطاه للفقه المقارن جاء مطابقاً لتجارب الأصوليّين في المجالات اللغويّة. ومع ذلك فإنّ مثل هذه المطابقة لا تغاير تعريفاً آخر للفقه المقارن «بما هو جمع الآراء الفقهيّة المختلفة وتقييمها والموازنة بينها بالتماس أدلّتها وترجيح بعضها على بعض».

تكامل بين علمين

وهذا – على التّعيين - ما ذهب إليه العلّامة الحكيم لمّا أضاء على العلاقة الوطيدة بين علم الأصول وأعمدة اللّغة المعروفة بالمبادئ: كالنّحو والصّرف، والبيان، وعلوم البلاغة، والمنطق، والفلسفة وسواها. ولأنّ هذه المبادئ مختلفة ومتنوعة في مهمّاتها، بسببٍ من اختلاف العلماء في التّعامل معها، فقد انصبّ اهتمام علماء الأصول - وبخاصّة مَن تناولهم المؤلّف بالدّرس والتّحليل والمقارنة – على دراسة ما لم يحظَ منها بالعناية الكافية في مجالاتها الخاصّة، ثمّ أحالوا الحديث على تلك المجالات، وما جرى تأليفه من كتب في المواضيع التي رأوا أنّها قد استوفي فيها الحديث. وهكذا كانت لهؤلاء العلماء في هذه المجالات تجارب ذات أصالة وعمق. لا سيّما وأنّ من أهمّ ما بحثوه، هو الجانب اللّغويّ لارتباطه بأهم المصادر التّشريعيّة، وهو الكتاب والسنّة.

وبطبيعة الحال، فإنّ هذه التجارب – كأيّ مولودٍ سَويّ – ولدت صغيرة وموجزة على أيدي القدامى من الأصوليّين، ثمّ قدِّر لها أن تنمو وتتطوّر بنموّ هذا العلم وتطوّره، حتى كادت أن تبلغ كمالها الأسمى على أيدي المحدثين من الأعلام في مدرسة النجف الأشرف. ونخصّ بالذّكر: صاحب (كفاية الأصول) الشّيخ محمّد كاظم الخراساني، والشّيخ محمّد حسين النائيني، والشّيخ حسين الحلّي، والشّيخ آغا ضياء العراقي، وصولاً إلى السّيّد محسن الحكيم، والشّهيد السّيّد محمّد باقر الصّدر، والإمام الخمينيّ وسائر أكابر علماء الإماميّة الرّاحلين، رضوان الله عليهم.

ونظراً لتوسّع البحوث اللّغويّة على أيدي هؤلاء وأمثالهم وتأكيدهم ثمراتها في مجالات الاستنباط، فقد ظنّها غير واحد من الباحثين أنّها أصول قائمة بذاتها في مقابل بقيّة الأصول، ما اضطرّهم إلى التّوسّع في تعريف علمها، ووقعوا بسببٍ من ذلك في مفارقات عدم الاطّراد والانعكاس كما هو الحال على سبيل المثال عند الشّيخ الخراساني في كتاب (فوائد الأصول).

وما من ريبٍ في أنّ محاولة السّيّد محمّد تقي الحكيم تندرج في السّياق العلميّ الذي يميِّز بين وظيفة علم الأصول ومبادئ اللّغة، ثمّ يعود إلى المزاوجة بينهما لما لتلك المزاوجة من أثر وازن في تأصيل الدّرس الأصولي على نحو يجعله مكتمل القوام بضوابط اللّغة وبياناتها.

ولو كان لنا من كلمة في الكتاب الذي تناولناه بالعرض والتّعليق في هذه العجالة، لقلنا إنّه  واحد من الوقفات العلميّة النادرة التي أنجزتها المدرسة النّجفيّة المعاصرة في ميدان التّكامل بين البحث الأصوليّ ومبادئ لغة العرب.

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

22/11/2014

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات