تحقيق

تحقيق

20/03/2015

مسجد براثا: مرصد انتظار الإمام عليّ عليه السّلام


مسجد براثا

من أبرز معالم السّياحة الدّينيّة في بغداد

مرصد انتظار الإمام عليّ، و«بيت مريم» و«أرض عيسى» عليهم السّلام

ملتقى الأديان والجهاد المدمّى

ــــــــــــــ إعداد: محرّر «شعائر» ــــــــــــــ

يزخر العراق بعشرات الأماكن المُقدّسة، فعلى مرّ التّاريخ، كان ممرّاً ومُستقراً للعديد من الأنبياء والأوصياء والصّالحين، عليهم السّلام، منهم النّبيّ نوح وإدريس، وإبراهيم الخليل، والنّبيّ دانيال، وذو الكفل، وعيسى بن مريم، ويوشع بن نون وآخرون..

أمّا أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السّلام، فإنّه ارتحل من دار موطنه، واتّخذ الكوفة عاصمة له، فتشرّف العراق به حيّاً وشهيداً، فأضحت كلّ أرضٍ وطئها مكاناً مقدّساً تهفو إليه قلوب المؤمنين.

في هذا التّحقيق نتوقّف عند مسجد بَراثا (بفتح الباء كما تؤكّد المصادر) على جانب الكرخ في بداية الطّريق بين بغداد ومدينة الكاظميّة. تبعد براثا حوالي 10 كم عن مركز المدينة، ومعناها بالسّريانيّة (ابن العجائب) وقيل (بيت مريم) أو (أرض عيسى).

قال المُحدّث الشّيخ عبّاس القمّيّ في (مفاتيح الجنان) ما ملخّصه: «جامع براثا من المساجد المعروفة والمباركة، وهو واقع على الطّريق بين الكاظميّة وبغداد على الطّريق الذي يسلكه الوافدون لزيارة الأعتاب المقدّسة في العراق. ولهذا المسجد فضائل عديدة، تكفي إحداها أن تُشدّ إليه الرّحال وتُطوى المراحل ابتغاء رضوان الله بالصّلاة فيه والدّعاء..».

ثمّ ذكر المُحدّث القمّيّ اثنتي عشرة فضيلة لهذا المسجد الشّريف استفادها من الرّواية المتواترة في خبر بنائه بأمر من أمير المؤمنين الإمام عليّ، عليه السّلام، والآتي ذكرها.

وختم رضوان الله عليه بالقول: «والغريب أنّ المسجد بما له من الفضل والشّرف الرّفيع، وبما بدا فيه من الآيات الإلهيّة والمعجزات الحيدريّة، قد عفاه معظم الوافدين لزيارة الأعتاب المقدّسة في العراق..».

أمير المؤمنين عليه السّلام في براثا

في (أمالي) شيخ الطّائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطّوسّي (ت: 460 للهجرة)، ورد خبر بناء مسجد براثا ضمن الرّواية التّالية:

«إنّ أمير المؤمنين، عليه السّلام، لمّا رجع من وقعة الخوارج اجتاز بالزّوراء (أي بغداد ولم تكن بُنيت بعد)، فقال للنّاس: إِنّها الزَّوراءُ فَسيروا وَجَنِّبوا عَنْها، فَإِنَّ الخَسْفَ أَسْرَعُ إِلَيْها مِنَ الوَتَدِ في النُّخالَةِ.

فلمّا أتى موضعاً من أرضها قال: ما هَذِهِ الأَرْضُ؟ قيل: أرض بحرا. فقال: أَرْضٌ سِباخٌ [مالحة] جَنِّبوا وَيَمِّنوا.

فلمّا أتى يمنةَ السّواد فإذا هو براهبٍ في صومعة له، فقال له: يا راهِبُ، أَنْزِلُ هاهُنا؟

فقال له الرّاهب: لا تنزل هذه الأرض بجيشك!

قال: وَلِمَ؟

قال: لأنّه لا ينزلها إلّا نبيّ أو وصيّ نبي بجيشه، يقاتل في سبيل الله، عزّ وجلّ، هكذا نجد في كتبنا.

فقال له أمير المؤمنين: فَأَنا وَصِيُّ سَيِّدِ الأَنْبِياءِ، وَسَيِّدُ الأَوْصِياءِ.

فقال له الراهب: فأنت، إذاً، أصلع قريش، ووصي محمّد صلّى الله عليه وآله.

قال له أمير المؤمنين: أَنا ذَلِكَ.

فنزل الرّاهب إليه، فقال: خذ عليَّ شرائع الإسلام، إنّي وجدتُ في الإنجيل نعْتك، وأنّك تنزل أرض براثا: بيتَ مريم وأرضَ عيسى عليه السّلام.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: قِفْ وَلا تُخْبِرْنا بِشَيْءٍ، ثمّ أتى موضعاً، فقال: الكزوا (أي أزيحوا) هذه، فلكزه برجله عليه السّلام فانبجست عين خرّارة. فقال: هَذِهِ عَيْنُ مَرْيَمَ الّتي انْبَعَقَتْ لَها، ثمّ قال: اكْشِفوا هاهُنا عَلى سَبْعَةَ عَشرَ ذِراعاً، فكُشف فإذا بصخرةٍ بيضاء. فقال عليٌّ عليه السّلام: عَلى هَذِهِ وَضَعَتْ مَرْيَمُ عيسى مِنْ عاتِقِها، وَصَلَّتْ هاهُنا.

فنصب أمير المؤمنين عليه السّلام الصّخرة وصلّى إليها... ثمّ قال: أَرْضُ براثا، هَذا بَيْتُ مَرْيَمَ عَلَيْها السَّلامُ، هَذا المَوْضِعُ المُقَدَّسُ صَلَّى فيهِ الأَنْبِياءُ..».

وفي (تهذيب الأحكام) للشّيخ الطّوسيّ – أيضاً - أنّ الرّاهب قال للأمير عليه السّلام: «إنّما بنيتُ هذه الصّومعة من أجل هذا الموضع..»، لأنّه كان قرأ عنه في كُتبهم، كما في نصٍّ من (بحار الأنوار): «قال الرّاهب: قرأتُ أنّه يصلّي في هذا الموضع إيليا، وصيّ البارقليطا محمّد نبيّ الأميّين، الخاتم لِمَن سبقه من أنبياء الله ورسله عليهم السّلام... فمن أدركه فليتّبع النّور الذي جاء به».

وفي (مناقب آل أبي طالب) لابن شهراشوب أنّ أمير المؤمنين خاطب الرّاهب باسمه: «قال أمير المؤمنين: فاجْلِسْ يا حُبابُ، قال: وهذه دلالة أخرى، ثمّ قال: فَانْزِلْ يا حُبابُ مِنْ هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ وَابْنِ هَذا الدَّيْرَ مَسْجِداً، فبنى حباب الدّير مسجداً، ولحق أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الكوفة، فلم يزل بها مقيماً حتّى قُتل أمير المؤمنين عليه السّلام، فعاد حباب إلى مسجده ببراثا».

ولا يخفى على المتتبِّع أنّ متن الرّواية المُتقدّمة ممّا اتّفق عليه المحدِّثون، والمؤرِّخون، ومصنِّفو البلدان. فقد ذكرها – غير مَن تقدّم - الشّيخ الصّدوق في (الفقيه)، وابن عبد الوهّاب في (عيون المعجزات)، مُبيّناً أنّ معجزة ردّ الشّمس الثّانية للأمير، صلوات الله عليه، وقعت وهو في طريقه إلى براثا.

وفي (اليقين) للسّيّد ابن طاوس أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام، قال لحباب: «أَما إِنَّهُ يا حُبابُ سَتُبْنى إلى جَنْبِ مَسْجِدِكَ هَذا مَدينَةٌ، وَتَكْثُرُ الجَبابِرَةُ فيها، وَيَعْظُمُ البَلاءُ».

وفي (منتهى المطلب) للعلّامة الحلّيّ روى في باب (أفضل المساجد) عن الشّيخ الطّوسيّ عن الصّحابيّ جابر بن عبد الله الأنصاريّ، قال: «صلَّى بنا عليّ، عليه السّلام، ببراثا بعد رجوعه من قتال الشّراة [أي الخوارج] ونحن زهاء مائة ألف رجل، فنزل نصرانيّ من صومعته فقال: مَن عميد هذا الجيش؟

فقلنا: هذا، فأقبل إليه فسلَّم عليه، ثمَّ قال: يا سيّدي أنت نبيّ؟ فقال: لا، النَّبِيُّ سَيِّدي قَدْ ماتَ. قال: فأنت وصيّ نبيّ؟ قال: نَعَمْ، ثمَّ قال له: اجْلِسْ، كَيْفَ سَأَلْتَ عن هذا؟...».

إلى ذلك، ورد في الأخبار أنّ براثا كانت مقصداً للأنبياء وأوصياء الأنبياء، فقد صلّى فيها النّبيّ إبراهيم الخليل، عليه السّلام، وسبعون نبيّاً ومثلهم من الأوصياء، كما يُعرف مسجد براثا بـ (جامع المُنْطِقَة)، والسّبب كما يروى – وهو من المجرّبات - أنّ الصّخرة المنصوبة في باحة المسجد هي بعض ما استلمه أمير المؤمنين، عليه السّلام، بيده الشّريفة، ومتى شرب منها مَن عَسُرَ عليه النّطق، نطق بإذن الله تبارك وتعالى.

والصّخرة البيضاء التي أمر الإمام عليّ، عليه السّلام، باستخراجها قائلاً: «عَلى هَذِهِ وَضَعَتْ مَرْيَمُ عيسى مِنْ عاتِقِها..»، منصوبة داخل المسجد، وقد نُقِشَت على جوانبها بخطٍّ بارز آية (الكرسيّ)، وأسماء المعصومين الأربعة عشر، عليهم السّلام، ويقصدها المصلّون للدّعاء والتّبرُّك.

وعلى مقربة من المسجد مشهدٌ يُقال إنّه للنّبيّ يوشع وصيّ موسى، عليهما السّلام، وقيل هو مشهد فتاه الذي صحبه في رحلته إلى الخضر عليه السّلام.

بغداد ضاحية براثا

كانت هزيمة الخوارج في النّهروان سنة 36 للهجرة، وبعد أكثر من مائة عام وُضعت التّصاميم الأولى لبناء مدينة بغداد أيّام المنصور العبّاسيّ سنة 141 للهجرة، في الموضع الذي طلب أمير المؤمنين عليه السّلام من جيشه أن يجتازوه: «الزّوراء»، وهو الواقع شمالاً بين براثا وجنوباً بين الكرخ، شطر بغداد الحيويّ والأكبر الحاليّ.

قال في (عيون المعجزات): «لمّا رجع أمير المؤمنين عليه السّلام من قتال أهل النّهروان، أخذ على النّهروانات وأعمال العراق، ولم يكن يومئذٍ بُنيت بغداد..».

ومنطقة الكرخ بدورها كانت قرية عامرة قبل تأسيس بغداد، وكان فيها شيعة، ففي (بصائر الدّرجات) للقطب الرّاونديّ أنّ الإمام الصّادق، عليه السّلام، سأل إبراهيم الكرخيّ: «يا إبْراهيمُ، أَيْنَ تَنْزِلُ مِنَ الكَرَخِ؟

قلت: في موضع يقال له شادروان، قال: فقال لي: تَعْرِفُ قَطَفْتَا؟ ".." إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام حين أتى أهل النّهروان نزل قطفتا..».

وتدلّ النّصوص على أنّ (قطفتا) و(شادروان) و(الكرخ)، كانت قرى كبيرة عامرة، وعبِّر عن بعضها بمدينة. وترجمت المصادر الرّجاليّة لعدد من الكرخيّين في أصحاب الإمام الصّادق عليه السّلام غير إبراهيم المذكور.

ولم تعبأ الشّيعة بعداوة المنصور العبّاسيّ لهم فاستوطنوا بغداد، وتكاثروا فيها، فعمرت بسرعة وسكنها علماء وشخصيّات، وكان ثِقلُهم في الكرخ الّتي اتّسعت وصارت محلّة كبيرة من بغداد حتّى اتّصلت ببراثا، وصار مسجد براثا مركزاً علميّاً وعباديّاً واجتماعيّاً للشّيعة، حيث تخرّج منه الكثير من العلماء، وكان ابن عقدة الكوفيّ (ت: 330 للهجرة) يقصده من الكوفة ويُملي أحاديثه فيه، وكان الشّيخ المُحدّث الفقيه أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّيّ (ت: 369 للهجرة)، وهو أستاذ الشّيخ المفيد، يلقي فيه دروسه، وأقام فيه العزاء الحسينيّ، كما أنّ الشّريفَين الرّضيّ والمرتضى أوّل ما قرآ على الشّيخ المفيد في براثا.

وفي (كامل الزّيارات) بسنده عن الإمام الصّادق عليه السّلام، قال: «إِنَّ إِلى جانِبِكُمْ مَقْبَرَةً يُقالُ لَها: براثا، يُحْشَرُ مِنْها عِشْرونَ وَمائَةُ أَلْفٍ شَهيدٍ كَشُهَداءِ بَدْرٍ».

ولأهميّة هذا المسجد كان المقتدر العبّاسيّ (حكم: 295 - 320 للهجرة) أصدر أمراً بهدمه وتخريبه، ولكن أُعيد بناؤه مرّةً أخرى سنة 329 للهجرة، وبقي عامراً إلى سنة 450 للهجرة، ثمّ أُصيب بالخراب خلال الاعتداءات المذهبيّة، وظلّ خرباً مدّة من الزّمان. ثمّ عُمِّر في العصور اللّاحقة، وهو الآن من المواضع المُهمّة للمسلمين، وتقام فيه صلاة الجمعة.

قال الخطيب البغداديّ في (تاريخه): «كان في الموضع المعروف براثا مسجد يجتمع فيه قوم ممّن ينتسب إلى التّشيّع ويقصدونه للصّلاة والجلوس فيه... فأمر (المقتدر العبّاسيّ) بكبسه يوم الجمعة وقت الصَّلاة، فكُبس وأُخذ مَن وُجد فيه فعوقبوا وحبسوا حبساً طويلاً، وهدم المسجد حتّى سوّى به بالأرض وعفى رسمه ووصل بالمقبرة التي تليه، ومكث خراباً إلى سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة، فأمر الأمير بجكم (الماكاني) بإعادة بنائه... ولم يزل على هذا إلى أن خربت بغداد سنة إحدى وخمسين وأربعمائة».

ونقل العلّامة المجلسيّ في (البحار) عن (الذّكرى) قولَ الشّهيد الأوّل (مق: 786 للهجرة): «..ومن المساجد الشّريفة مسجد براثا في غربيّ بغداد، وهو باقٍ إلى الآن، رأيتُه وصَلّيتُ فيه..».

لمحة تاريخيّة عن معاناة الموالين في براثا

ونحن نقتطف النّصوص التّالية التي تُظهر الظّلامات التي تعرّض لها المسلمون الشّيعة في براثا، نرى لزاماً وجوب الإلفات إلى التّفريق بين عبارة «السّنّة» الواردة فيها – إمّا تحاملاً أو تساهلاً من المؤرّخ والرّاوي - وبين «السّنّة» بما هم جمهورٌ من الأمّة الإسلاميّة، كانوا - وما يزالون – برآء من الجنايات التي ارتُكبت باسمهم عبر التّاريخ، وترتَكب اليوم على يد النّواصب والتّنظيمات التّكفيريّة التي لا تفرّق بين شيعيٍّ وسنّيّ. وقد لقي عدد كبير من علماء السّنّة معاناة شديدة بسبب امتناعهم عن التّعصّب الأعمى، كالطّبريّ الفقيه المؤرّخ، فقد هاجموا داره ورجموه، ولمّا مات منعوا دفنه في مقابر المسلمين، وابن حبّان الذي أُخرج من بلده لأنّه نزّه الباري عزّ وجلّ عن الجسميّة.

***

قال الحمويّ في (معجم البلدان): «براثا... محلّة كانت في طرف بغداد، في قبلة الكرخ وجنوبيّ باب محوّل، وكان لها جامع مفرد تصلّي فيه الشّيعة.. وأهل الكرخ كلّهم شيعة إماميّة..».

وربّما لأجل ذلك، لم تسلم براثا من حملات المُتعصّبين – بدءاً من زمن المتوكّل العبّاسيّ حتّى العصور المتأخّرة، وكانت ذروة الاعتداءات في أواخر القرن الرّابع إلى منتصف القرن الهجريّ الخامس، فكان في براثا وفي الكرخ أحداث:

* قال السّيّد ابن طاوس في (الملاحم والفتن): «قال السّليليّ مصنّف الكتاب: فرأيتُ مسجد براثا وقد هدمه الحنبليّون، وحفروا قبوراً فيه، وأخذوا أقواماً قد حُفِرَ لهم قبور فغلبوا أهل البيت ودفنوهم فيه، إرادةَ تعطيل المسجد وتصييره مقبرة، وكان فيه نخلٌ فقُطِعَ، وأُحْرِقَ جذوعه وسقوفه! وذلك في سنة اثنتي عشـرة وثلاث مائة..».

ويقول ابن كثير في (البداية والنّهاية): «سنة 354 للهجرة: ثمّ تسلّطت أهل السّنّة (هكذا في الجزء 15 من ط دار هجر، ص 269) على الرّوافض فكبسوا مسجدهم براثا الّذي هو عشّ الرّوافض، وقتلوا بعض مَن كان فيه من القومة! وفيها أُحرق الكرخ ببغداد، فأُلقي في دورهم النّار فاحترقت طائفةٌ كثيرة من الدّور والأموال، من ذلك ثلاث مائة دكّان وثلاثة وثلاثون مسجداً، وسبعة عشر ألف إنسان..».

يضيف: «سنة 363: ثارت العامّة من أهل السّنّة ينصرون سبكتكين لأنّه كان يتسنّن، فخلع عليهم وجعل لهم العرفاء والقوّاد، فثاروا بالشّيعة، وحاربوهم وسفكت بينهم الدّماء وأحرقت الكرخ حريقاً ثانياً، وظهرت السّنّة عليهم».

* «سنة 375: فيها في عاشوراء عملت البدعة الشّنعاء على عادة الرّوافض..».

* «سنة 389: أرادت الشّيعة أن يصنعوا ما كانوا يصنعونه من الزّينة يوم غدير خمّ، وهو اليوم الثّامن عشر من ذي الحجّة، فقاتلهم جهلة آخرون من المُنتسبين إلى السّنّة فادّعوا أنّه في مثل هذا اليوم حُصر النّبيّ وأبو بكر في الغار..»، يتابع النّصّ لتكتشف أنّ نسبة الجهل منشؤها عدم معرفتهم بأنّ الهجرة في ربيع الأوّل، وليست شيئاً آخر.

هذا، وقد وصف ابن كثير سيطرة السّلاجقة على بغداد، وفرضهم مذهبهم، ومصادرتهم الحرّيّة المذهبيّة التي كانت زمن الدّولة البويهيّة، فقال: «سنة 448: وفيها أُلْزِمَ الرّوافض بترك الأذان بـ(حيّ على خير العمل)، وأُمروا أن ينادي مؤذّنهم في أذان الصّبح بعد (حيّ على الفلاح): (الصّلاة خير من النّوم) مرّتين، وأزيل ما كان على أبواب مساجدهم من كتابة: محمّد وعليّ خير البشر.. والله المحمود أبداً على طول المدى. وأمر رئيس الرّؤساء الوالي بقتل أبي عبد الله بن الجلّاب شيخ الرّوافض، لما كان يتظاهر به من الرّفض والغلوّ فيه، فقُتل على باب دكّانه..»!

* وفي (تاريخ) الذّهبيّ: «سنة ثلاث وأربعين وأربع مائة، فلمّا كان في ربيع الآخر، خطب (وزير الخليفة) بجامع براثا مأوى الشّيعة، وأسقط من الأذان حيّ على خير العمل..».

وللحكاية تتمّة في أيامنا هذه..

مسجد براثا في الوقت الحاضر

تضمّ منطقة براثا في الوقت الحاضر مسجداً كبيراً في أعلاه مئذنتان بنيتا سنة 1375 للهجرة، ومكتبة قديمة، وحرم للصّلاة، مع صحنٍ واسع وبئرٍ يعرف باسم بئر الإمام عليّ، عليه السّلام، وهو اليوم أكثر عمراناً وروّاداً، تُقام فيه صلوات الجماعة والجمعة.

وقامت حملة واسعة لصيانة مسجد براثا وتوسيعه بعدما طالته يد الإهمال من قبل النّظام العراقيّ السّابق، وشُيِّدت شرفة جديدة تمتدّ من باب المسجد المطلّ على الشّارع العامّ حتّى رواق باحة المسجد وفضائه، وكذلك صيانة واجهته الأماميّة.

أمّا المسجد، فتبلغ مساحته الحاليّة حوالي (4000) متر مربّع، وقد وضعت المُخطّطات لتوسعته وإعادة بنائه من جديد، وفق شكلٍ هندسيٍّ حديث، رُوعي فيه بقاء الرّوح التّاريخيّة، وبهاء الهيبة القدسيّة.

وفي الطّابق العلويّ للجامع ثمّة مكتبة ضخمة يرجع تأسيسها إلى سنة 1962م، كانت - كما يقول السّادن - تحتوي على كتب ومخطوطات قديمة ونفيسة لا توجد في أيّ مكتبة أخرى في العراق، لكنّها أُغلقت منذ فترة طويلة من قِبل النّظام البائد، وتمّ نقل بعض كتبها ومخطوطاتها المهمّة إلى جهةٍ مجهولة، وأُحرق بعض ما تبقّى أو أُتلف كلّيّاً.. ويؤكِّد السّادن: إنّنا نقوم بإحيائها من جديد وإعادة النّشاط إليها، بجلب الكتب الثّمينة والمصادر النّافعة.

إرهاب.. وسقوط شهداء

 

في ممرٍّ جانبيّ من المسجد، امتدّت لوحة كبيرة شكّلتها صورٌ عديدة لنساء ورجال كانوا على موعد مع الشّهادة، جاؤوا لأداء الصّلاة، فلم يتبقَّ منهم سوى أشلاء ودماء تحكي قصّة الزّمن الحاضر الّذي لم تسلم من قسوته الأماكن المقدّسة أو التّاريخيّة، فكان أن نال مسجد براثا حصّته من الأحداث الّتي عصفت بالعراق في السّنوات الأخيرة، حيث تعرّض لعمليّتَين إرهابيّتَين في العام 2006م أثناء صلاة الجمعة بأحزمةٍ ناسفة وسيّارات مُفخّخة، ما أدّى إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات.

يقول مسؤول إعلاميّ في الجامع: «برغم هول ما حدث، لم يتوقّف البناء والإعمار في الجامع، حيث تمّت توسعته ليَسع ثلاثين ألف مصلٍّ، لا سيّما مع ازدياد عدد الزّوار والمصلّين في الأعياد، فأُضيفت إليه أقسام ومبانٍ جديدة، من بينها مكتبة، ومركز طبّي، ومضيف للزّائرين».

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

21/03/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات