الملف

الملف

منذ 4 أيام

جوهرةُ القُدس من الكنز الخفيّ


مَوْلِدُ الحَوْراءِ الإِنْسِيَّةِ، وَالصِّدّيقَةِ الكُبْرَى عَلَيْها السَّلامُ

جَوْهَرَةُ القُدسِ مِنَ الكَنْزِ الخَفِيِّ

ـــــــــــــــــــــــــ السّيّد محمّد كاظم القزويني ـــــــــــــــــــــــــ

تلخيصٌ لما ورد في كتاب (فاطمة الزهراء من المهد إلى اللّحد)، للسيد محمّد كاظم القزويني رضوان الله تعالى عليه، مع ذكر رواية المولد الشهيرة كما أثبتَها أحد أعلام القرن السابع، المَشغريّ العاملي، في كتابه (الدّرّ النظيم) الذي هو من مصادر (بحار الأنوار) للعلامة المجلسيّ.

 

«..تزوّج الرسول العظيم صلّى الله عليه وآله بالسيّدة خديجة الكبرى وهو ابن خمس وعشرين سنة، وهي بنت أربعين سنة، وقيل: ستّ وعشرين سنة، وقيل: ثمان وعشرين سنة.

ويقال إنها كانت قد تزوّجت قبل الرسول بزوجَين مُتعاقبين، وقيل: بل كانت عذراء يوم تزوّجها الرسول صلّى الله عليه وآله ولكنّه غير مشهور. (ممّن قالوا بذلك: السيد المرتضى في الشافي، والبلاذري، وابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب).

ذكر شيخنا المجلسي، قدّس سره، في السادس من (البحار) هذا الحديث الشريف [نورد هنا فقراتٍ منه]:

«..هَبَطَ جَبْرَئيلُ عَلى رَسولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَناداهُ: يا مُحَمَّدُ‍‍! العَلِيُّ الأَعْلى يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ، وَهُوَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ خَديجَةَ أَرْبَعينَ صَباحاً ".." فَأَقامَ النَّبِيُّ أَرْبَعينَ صَباحاً يَصومُ النَّهارَ وَيَقومُ اللَّيْلَ، حَتَّى إِذا كانَ في آخِرِ أَيّامِهِ تِلْكَ، بَعَثَ إِلى خَديجَةَ بِعَمّارِ بْنِ ياسِرٍ وَقالَ: قُلْ لَها: يا خَديجَةُ، لا تَظُنّي أَنَّ انْقطاعِي عَنْكِ هِجْرَةٌ وَلا قِلًى، وَلَكِنَّ رَبّي أَمَرَني بِذَلِكَ لِيُنَفِّذَ أَمْرَهُ، فَلا تَظُنّي يا خَديجَةُ إِلّا خَيْراً، فَإِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، لَيُباهي بِكِ كِرامَ مَلائِكَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ مِراراً. ".."

... فَلَمّا كانَ في كَمالِ الأَرْبَعينَ هَبَطَ جَبْرَئيلُ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ‍‍! العَلِيُّ الأَعْلى يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَهُوَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَتَأَهَّبَ لِتَحِيَّتِهِ وَتُحْفَتِهِ. ".."

إِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ آلى [حلف] عَلى نَفْسِهِ أَنْ يَخْلُقَ مِنْ صُلْبِكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً...». إلى آخر الحديث.

وقد ذكر هذا الحديث - من علماء العامة - بتغييرٍ يسير كلٌّ من:

1 - الخوارزمي في (مقتل الحسين: ص 63 و68).

2 - الذهبي في (الاعتدال: ج 2، ص 26).

3 – (تلخيص المستدرك: ج 3، ص 156).

4 - العسقلاني في (لسان الميزان: ج 4، ص 36).

ثم هناك أحاديث كثيرة بهذا المعنى مع اختلاف يسير في ألفاظها، واتّفاقها حول النقطة الجوهرية، وهي انعقاد نطفة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام من طعام الجنّة، ونذكر من بعض تلك الأحاديث الجملة المرتبطة بالموضوع رعايةً للاختصار.

* في (الأمالي) للصّدوق: « عَنِ الإِمامِ الرّضا عَلَيْهِ السَّلامُ قال: قالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: لَمّا عُرِجَ بِي إِلَى السَّماءِ أَخَذَ بِيَدي جَبْرَئيلُ فَأَدْخَلَني الجَنَّةَ فَناوَلَني مِنْ رُطَبِها فَأَكَلْتُهُ، فَتَحَوَّلَ ذَلِكَ نُطْفَةً في صُلْبي، فَلَمّا هَبَطْتُ واقَعْتُ خَديجَةَ فَحَمَلَتْ بِفاطِمَةَ، فَفاطِمَةُ حَوْراءٌ إِنْسِيَّةٌ، فَكُلَّما اشْتَقْتُ إِلى رائِحَةِ الجَنَّةِ شَمَمْتُ رائِحَةَ ابْنَتي فاطِمَةَ».

* في (عِلل الشرائع) للصدوق: «عَنِ الإِمامِ الباقِرِ، عَلَيْهِ السَّلامُ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قالَ: قيلَ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إِنَّكَ لَتَلْثُمُ فاطِمَةَ وَتَلْزَمُها وَتُدْنيها مِنْكَ.. وَتَفْعَلُ بِها ما لا تَفْعَلُهُ بِأَحَدٍ مِنْ بَناتِكَ؟ فَقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: إِنَّ جَبْرَئيلَ أَتاني بِتُفّاحَةٍ مِنْ تُفّاحِ الجَنَّةِ فَأَكَلْتُها، فَتَحَوَّلَ ماءً في صُلْبي، [و] واقَعْتُ خَديجَةَ فَحَمَلَتْ بِفاطِمَةَ. وَأَنا أَشُمُّ مِنْها رائِحَةَ الجَنَّةِ».

* في الجزء السادس من (البحار): «عن ابن عبّاس قال: دخلتْ عائشة على رسول الله وهو يقبِّل فاطمة، فقالت له: أتحبّها يا رسول الله؟

قالَ: أَما وَاللهِ، لَوْ عَلِمْتِ حُبِّي لَها لازْدِدْتِ لَها حُبّاً، إِنَّهُ لَمّا عُرِجَ بي إِلى السَّماءِ الرّابِعَةِ.. [إلى أن يقول]: فَإِذا بِرُطَبٍ أَلْيَنَ مِنَ الزُّبْدِ، وَأَطْيَبَ مِنَ المِسْكِ، وَأَحْلى مِنَ العَسَلِ، فَأَخَذْتُ رُطَبَةً فَأَكَلْتُها، فَتَحَوَّلَتِ الرُّطَبَةُ نُطْفَةً في صُلْبي، فَلَمّا أَنْ هَبَطْتُ إِلى الأَرْضِ واقَعْتُ خَديجَةَ، فَحَمَلَتْ بِفاطِمَةَ، فَفاطِمَةُ حَوْراءٌ إِنْسِيَّةٌ، فَإِذا اشْتَقْتُ إِلى الجَنَّةِ شَمَمْتُ رائِحَةَ فاطِمَةَ».

وقد روى هذا الحديث بألفاظ مختلفة كلٌّ من:

1 - الخطيب البغدادي في (تاريخه: ج 5، ص 87).

2 - الخوارزمي في (مقتل الحسين: ص 63).

3 - محمّد بن أحمد الدمشقي في (ميزان الاعتدال: ج 1، ص 38).

4 - الزرندي في (نظم درر السمطين).

5 - العسقلاني في (لسان الميزان: ج 5، ص 160).

6 - القندوزي في (ينابيع المودة).

7 - محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى: ص 34)، وهذه الأحاديث مرويّة عن عائشة، وابن عباس، وسعيد بن مالك، وعمر بن الخطاب.

8 - وروى ذلك الشيخ شُعيب المصري في (الروض الفائق: ص 214)، قال: «روى بعض الرواة الكرام: أن خديجة الكبرى رضي الله عنها تمنَّت يوماً من الأيام على سيّد الأنام أن تنظر إلى بعض فاكهة دار السلام، فأتى جبرئيل إلى المفضّل على الكونَين من الجنة بتفاحتَين وقال: يا محمّد، يقول لك مَن جعل لكلّ شيء قدراً: كُلْ واحدةً وأطعِم الأخرى لخديجة الكبرى، واغْشها، فإنّي خالق منكما فاطمة الزهراء. ففعل المختار ما أشار به الأمين وأمر.. [إلى أن قال]: فكان المختار كلّما اشتاق إلى الجنة ونعيمَها قبَّل فاطمة وشمَّ طِيبَ نسيمها، فيقول حين يستنشق نسمتها القدسيّة: إِنَّ فاطِمَةَ حَوْراءٌ إِنْسِيَّةٌ).

وهناك روايات متواترة بهذا المضمون، واكتفينا بما ذكرنا.

تُكلِّم أمّها السّيّدة خديجة وهي في بطنها

من جملة مزايا السيدة فاطمة الزهراء عليها السّلام أنها كانت تكلّم أمّها خديجة وهي في بطنها، ولم ينفرد علماء الشيعة بذكر هذه الفضيلة، بل شاركهم كثيرٌ من علماء العامّة ومُحدِّثيهم:

*  فقد روى عبد الرحمن الشافعي في (نزهة المجالس: ج 2، ص227): «قالت أُمَّها خديجة رضي الله عنها: لَمّا حَمَلْتُ بِفاطِمَةَ كانَتْ حَمْلاً خَفيفاً، تُكَلِّمني مِنْ باطِني».

* وروى الدهلوي في (تجهيز الجيش) عن كتاب (مدح الخلفاء الراشدين): «أنه لما حملت خديجة بفاطمة كانت تكلّمها في بطنها، وكانت تكتم ذلك عن النبيّ، صلّى الله عليه وآله، فدخل عليها يوماً وجدها تتكلّم وليس معها غيرها، فسألها عمّن كانت تخاطبه، فقالت: ما في بطني، فإنّه يتكلّم معي. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: أَبْشِري يا خَديجَةُ، هَذِهِ بِنْتٌ جَعَلَها اللهُ أُمَّ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ خُلَفائي يَخْرُجونَ بَعْدي وَبَعْدَ أَبيهِمْ».

* وذكر شعيب بن سعد المصري في (الروض الفائق: ص 214): «فلمّا سأله الكفّار أن يريهم انشقاق القمر، وقد بانَ لخديجة حمْلُها بفاطمة وظهر، قالت خديجة: واخيبةَ مَن كذَّب محمّداً وهو خيرُ رسول ربّي.

فنادت فاطمة - من بطنها: يا أُمّاهُ، لا تَحْزَني وَلا تَرْهَبي، فَإِنَّ اللهَ مَعَ أَبي. فَلَمّا تَمَّ حَمْلُها وَانْقَضى، وَضَعَتْ فاطِمَةَ فَأَشْرَقَ بِنورِ وَجْهِها الفَضاءُ».

رواية المولد عن الإمام الصادق عليه السلام

جاء في كتاب (الدّرّ النظيم) – وهو من مصادر (البحار) - للعالم الجليل الشيخ محمّد بن يوسف المشغريّ العامليّ (ت: 664 للهجرة):

«عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السّلام: كيف كانت ولادة فاطمة عليها السّلام؟

قالَ: نَعَمْ، إِنَّ خَديجَةَ، رِضْوانُ اللهِ عَلَيْها، لَمّا تَزَّوَجَ بِها رَسولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، هَجَرَها نِسْوَةُ مَكَّةَ، فَكُنَّ لا يَدْخُلْنَ عَلَيْها، وَلا يُسَلِّمْنَ عَلَيْها، وَلا يَتْرُكْنَ امْرَأةً تَدْخُلُ عَلَيْها. فَاسْتَوْحَشَتْ خَديجَةُ مِنْ ذَلِكَ.

فَلَمّا حَمَلَتْ بِفاطِمَةَ، عَلَيْها السَّلامُ، صارَتْ تُحَدِّثُها مِنْ بَطْنِها وَتُصَبِّرُها، وَكانَتْ خَديجَةُ تَكْتُمُ ذَلِكَ عَنْ رَسولِ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَدَخَلَ يَوْماً فَسَمِعَ خَديجَةَ تُحَدِّثُ فاطِمَةَ، فَقالَ لَها: يا خَديجَةُ مَنْ تُحَدِّثُكِ؟ قالَتِ: الجَنينُ الّذي في بَطْني يُحَدِّثُني وَيُؤْنِسُني. فَقالَ لَها: يا خَديجَةُ، هَذا جَبْرائيلُ بَشَّرَني أَنَّها أُنْثى، وَأَنَّها النَّسَمَةُ الطّاهِرَةُ المَيْمونَةُ، فَإِنَّ اللهَ، تَبارَكَ وَتَعالى، سَيَجْعَلُ نَسْلي مِنْها، وَسَيَجْعَلُ مِنْ نَسْلِها أَئِمَّةً في الأُمَّةِ يَجْعَلُهُمْ خُلَفاءَهُ في أَرْضِهِ بَعْدَ انْقِضاءِ وَحْيِهِ.

 

فَلَمْ تَزَلْ خَديجَةُ عَلَى ذَلِكَ إِلى أَنْ حَضَرَتْ وِلادَتُها، فَوَجَّهَتْ إِلى نِساءِ قُرَيْشٍ وَنِساءِ بَني هاشِمٍ بِحَيْثُ يَلَيْنَ مِنْها ما يَلي النِّساءُ مِنَ النِّساءِ. فَأَرْسَلْنَ إِلَيْها: عَصيتِنا وَلَمْ تَقْبَلي قَوْلَنا، وَتَزَوَّجْتِ مُحَمَّداً يَتيمَ أَبي طالِبٍ فَقيراً لا مالَ لَهُ، فَلَسْنا نُجيءُ وَلا نَلي مِنْ أَمْرِكِ شَيْئاً. فَاغْتَمَّتْ خَديجَةُ لِذَلِكَ، فَبَيْنا هِيَ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ عَلَيْها أَرْبَعَةُ نِسْوَةٍ طِوالٍ كَأَنَّهُنَّ مِنْ نِساءِ بَني هاشِمٍ، فَفَزِعَتْ مِنْهُنَّ، فَقالَتْ لَها إِحْداهُنَّ:

لا تَحْزَني يا خَديجَةُ ، فَإِنّا رُسُلُ رَبِّكِ إِلَيْكِ، وَنَحْنُ أَخَواتُكِ: أَنا سارَةُ، وَهَذِهِ آسِيَةُ بِنْتُ مُزاحِمٍ وَهِيَ رَفيقَتُكِ في الجَنَّةِ، وَهَذِهِ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرانَ، وَهَذِهِ صفراء [غير صفوراء] بِنْتُ شُعَيْبٍ، بَعَثَنا اللهُ، تَعالى، إِلَيْكِ لِنَليَ من أمرك ما يَلي النِّساءُ مِنَ النِّساءِ.

فَجَلَسَتْ واحِدَةٌ عَنْ يَمينِها، وَالأُخْرَى عَنْ يَسارِها، وَالثّالِثَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْها، وَالرَّابِعَةُ مِنْ خَلْفِها.

فَوَضَعَتْ خَديجَةُ فاطِمَةَ، عَلَيْها السَّلامُ، طاهِرَةً مُطَهَّرَةً. فَلَمّا سَقَطَتْ إِلى الأَرْضِ أَشْرَقَ مِنْها النُّورُ حَتَّى دَخَلَ بُيوتاتِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَبْقَ في شَرْقِ الأَرْضِ وَلا غَرْبِها مَوْضِعٌ إِلّا أَشْرَقَ فيهِ ذَلِكَ النُّورُ، فَتَناوَلَتْها المَرْأَةُ الّتي كانَتْ بَيْنَ يَدَيْها.

 

وَدَخَلَ عَشرَةٌ مِنَ الحُورِ العِينِ، [في يَدِ] كُلِّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ طَشْتٌ مِنَ الجَنَّةِ وَإبْريقٌ، وَفي الإِبْريقِ ماءٌ مِنَ الكَوْثَرِ، فَتَناوَلَتْها المَرْأَةُ الّتي كانَتْ بَيْنَ يَدَيْها، فَغَسَّلَتْها بِماءِ الكَوْثَرِ، وَأَخْرَجَتْ خِرْقَتَيْنِ بَيْضاوَيْنِ أَشَدَّ بَياضاً مِنَ اللَّبَنِ، وَأَطْيَبَ رائِحَةً مِنَ المِسْكِ وَمِنَ العَنْبَرِ، فَلَفَّتْها بِواحِدَةٍ وَقَنَّعَتْها بِالأُخْرى، ثُمَّ اسْتَنْطَقَتْها، فَنَطَقتْ فاطِمَةُ، عَلَيْها السَّلامُ، بِشَهادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وَأَنَّ أَبي رَسولُ اللهِ سَيِّدُ الأَنْبِياءِ، وَأَنَّ بَعْلي سَيِّدُ الأَوْصِياءِ، وَأَنَّ وَلَدَيّ سَيِّدا الأَسْباط؛ ثُمَّ سَلَّمَتْ عَلَيْهِنَّ وَسَمّتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِاسْمِها، وَضَحِكْنَ إِلَيْها، وَتَباشَرَتِ الحورُ العينِ، وَبَشَّرَ أَهْلُ الجَنَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِوِلادَةِ فاطِمَةَ، عَلَيْها السَّلامُ، وَحَدَثَ في السَّماءِ نورٌ زاهِرٌ لَمْ تَرَهُ المَلائِكَةُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الزَّهْراءَ، عَلَيْها السَّلامُ، وَقالَتْ: خُذيها يا خَديجَةُ طاهِرَةً مُطَهَّرَةً زَكِيَّةً مَيْمونَةً، بورِكَ فيها وَفي نَسْلِها؛ فَتَناوَلَتْها خَديجَةُ، عَلَيْها السَّلامُ، فَرِحَةً مُسْتَبْشِرَةً، فَأَلْقَمَتْها ثَدْيَها، فَشَرِبَتْ فَدَرَّ عَلَيْها.

وَكانَت، عَلَيْها السَّلامُ، تَنْمى في كُلِّ يَوْمٍ كَما يَنْمَى الصَّبِيُّ في شَهْرٍ، وَفي شَهْرٍ كَما يَنْمَى الصَّبِيُّ في سَنَةٍ. صَلَواتُ اللهُ عَلَيْها وَعَلى أَبيها وَعَلى بَعْلِها وَبَنيها».

 

حول الاختلاف في تاريخ الولادة

من العجب الاختلافُ الواضح في تاريخ ولادتها، وأنها هل كانت قبل المبعث أو بعده؟ فإنّك تجد طائفة كبيرة من الأحاديث تصرِّح بولادتها بعد المبعث بخمس سنين أو ثلاث سنين، وتجد عدداً من الأقوال التي تلحّ وتركّز على ميلادها قبل المبعث بخمس سنين، وتجد القول الأوّل للشيعة مرويّاً عن أئمّة أهل البيت، عليهم السلام، ويوافقهم بعض علماء العامّة. والقول الثاني خاصّ بعلماء العامّة ومحدّثيهم.

 * وإليك بعض تلك الأحاديث حول ميلادها بعد المبعث:

1 – (الكافي) للكليني: «ولدت بعد النبوّة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين، وقُبض النبيّ ولفاطمة يومئذٍ - ثماني عشرة سنة.. إلخ».

2 – (المناقب) لابن شهرآشوب: «ولدت فاطمة بعد النبوّة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين في العشرين من جُمادى الآخرة، وأقامت مع أبيها بمكّة ثماني سنين ثم هاجرت.. إلخ».

3 - في (البحار) عَنِ الإِمامِ الباقِرِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «وُلِدَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، بَعْدَ مَبْعَثِ رَسُولِ اللهِ بِخَمْسِ سِنِينَ، وتُوُفِّيَتْ ولَهَا ثَمَاني عَشْرَةَ سَنَةً وخَمْسَةٌ وسَبْعُونَ يَوْماً».

4 – (روضة الواعظين): «ولدت فاطمة بعد مبعث النبي بخمس سنين.. إلخ».

5 – (إقبال الأعمال): «قال الشيخ المفيد في كتاب (حدائق الرياض): يوم العشرين من جُمادى الآخرة كان مولد السيدة فاطمة الزهراء سنة اثنتين من المبعث».

6 – (مصباح) الكفعمي: «ولدت في العشرين من جمادى الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث، وقيل سنة خمسٍ من المبعث».

7 – (المصباحَيْن): «في اليوم العشرين من جُمادى الآخرة يوم الجمعة سنة اثنتين من المبعث كان مولد فاطمة، عليها السّلام، في بعض الروايات، وفي رواية أخرى: السّنة الخامسة من المبعث، والعامّة تروي أن مولدها قبل المبعث بخمس سنين».

8 – (دلائل الإمامة) عن الإمام الصادق عليه السّلام قال: «وُلِدَتْ فاطِمَةُ في جُمادَى الآخِرَةِ، العِشْرينَ مِنْها، سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعينَ مِنْ مَوْلِدِ النَّبِيِّ... ».

هذه نبذة من أقوال أئمّة أهل البيت عليهم السّلام وقدماء علماء الشيعة رحمهم الله حول ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السّلام بعد المبعث.

* وأما أقوال علماء العامّة:

1 – (معرفة الصحابة) لأبي نعيم: «إنّ فاطمة كانت أصغر بنات رسول الله سنَّاً، وُلدت وقريش تبني الكعبة».

2 – (مقاتل الطالبيّين) لأبي الفرج: «كان مولد فاطمة قبل النّبوّة وقريش حينئذٍ تبني الكعبة».

3 - ابن الأثير في (المختار من مناقب الأخيار).

4 - الطبري في (ذخائر العقبى).

5 - السيوطي في (الثغور الباسمة).

هذا ولعلّ الباحث يجد هذا القول في أكثر كُتب العامّة حول مولد الزهراء عليها السلام.

خطبة أبي طالب في زواج النَّبيّ صلّى الله عليه وآله

«.. عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ رَسُولُ الله، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَنْ يَتَزَوَّجَ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ، أَقْبَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي أَهْلِ بَيْتِه ومَعَه نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ عَمِّ خَدِيجَةَ، فَابْتَدَأَ أَبُو طَالِبٍ بِالْكَلَامِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي جَعَلَنَا مِنْ زَرْعِ إِبْرَاهِيمَ، وذُرِّيَّةِ إِسْمَاعِيلَ، وأَنْزَلَنَا حَرَماً آمِناً، وجَعَلَنَا الْحُكَّامَ عَلَى النَّاسِ، وبَارَكَ لَنَا فِي بَلَدِنَا الَّذِي نَحْنُ فِيه.

ثُمَّ إِنَّ ابْنَ أَخِي هَذَا - يَعْنِي رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - مِمَّنْ لَا يُوزَنُ بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا رَجَحَ بِهِ، ولَا يُقَاسُ بِه رَجُلٌ إِلَّا عَظُمَ عَنْهُ، ولَا عِدْلَ لَه فِي الْخَلْقِ. وإِنْ كَانَ مُقِلاًّ فِي الْمَالِ، فَإِنَّ الْمَالَ رِفْدٌ جَارٍ وظِلٌّ زَائِلٌ، ولَه فِي خَدِيجَةَ رَغْبَةٌ، ولَهَا فِيه رَغْبَةٌ، وقَدْ جِئْنَاكَ لِنَخْطُبَهَا إِلَيْكَ بِرِضَاهَا وأَمْرِهَا، والْمَهْرُ عَلَيَّ فِي مَالِيَ الَّذِي سَأَلْتُمُوهُ عَاجِلُهُ وآجِلُهُ وَلَهُ، وَرَبِّ هَذَا الْبَيْتِ حَظٌّ عَظِيمٌ وَدِينٌ شَائِعٌ وَرَأْيٌ كَامِلٌ.

ثُمَّ سَكَتَ أَبُو طَالِبٍ وَتَكَلَّمَ عَمُّهَا وتَلَجْلَجَ وقَصَّرَ عَنْ جَوَابِ أَبِي طَالِبٍ، وأَدْرَكَه الْقُطْعُ والْبُهْرُ، وكَانَ رَجُلاً مِنَ الْقِسِّيسِينَ.

فَقَالَتْ خَدِيجَةُ مُبْتَدِئَةً: يَا عَمَّاه! إِنَّكَ وإِنْ كُنْتَ أَوْلَى بِنَفْسِي مِنِّي فِي الشُّهُودِ، فَلَسْتَ أَوْلَى بِي مِنْ نَفْسِي. قَدْ زَوَّجْتُكَ يَا مُحَمَّدُ نَفْسِي، والْمَهْرُ عَلَيَّ فِي مَالِي، فَأْمُرْ عَمَّكَ فَلْيَنْحَرْ نَاقَةً فَلْيُولِمْ بِهَا، وَادْخُلْ عَلَى أَهْلِكَ.

قَالَ أَبُو طَالِبٍ: اشْهَدُوا عَلَيْهَا بِقَبُولِهَا مُحَمَّداً وضَمَانِهَا الْمَهْرَ فِي مَالِهَا.

فَقَالَ بَعْضُ قُرَيْشٍ: يَا عَجَبَاه! الْمَهْرُ عَلَى النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ.

فَغَضِبَ أَبُو طَالِبٍ غَضَباً شَدِيداً، وقَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَكَانَ مِمَّنْ يَهَابُهُ الرِّجَالُ ويُكْرَه ُغَضَبُهُ، فَقَالَ: إِذَا كَانُوا مِثْلَ ابْنِ أَخِي هَذَا، طُلِبَتِ الرِّجَالُ بِأَغْلَى الأَثْمَانِ وأَعْظَمِ الْمَهْرِ، وإِذَا كَانُوا أَمْثَالَكُمْ لَمْ يُزَوَّجُوا إِلَّا بِالْمَهْرِ الْغَالِي. ونَحَرَ أَبُو طَالِبٍ نَاقَةً ودَخَلَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِأَهْلِهِ».

(الشيخ ابن فهد الحلّي، المهذب البارع في شرح المختصر النافع: ج 3، ص 176)

* وأورد هذه الرواية مصرّحاً بقوّة سندها، المجلسيّ الأول في (روضة المتّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه: ج 8، ص 149)، فقال:

«روى الكلينيّ في القويّ عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: لمّا أراد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يتزوّج خديجة بنت خويلد، أقبل أبو طالب في أهل بيته - أي معهم - ومعه نفرٌ من قريش..».

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

منذ 3 أيام

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات