الملف

الملف

14/06/2015

«نَحَلْتُهُ حِلْمي وَهَيْبَتِي»


«نَحَلْتُهُ حِلْمي وَهَيْبَتِي»

السِّبطُ الأكبر الإمام الحسن عليه السلام*

§     الشيخ حسين كوراني

في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك ذكرى ولادة السبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، ولأن الواجب على المؤمن معرفة المعصومين حقّ المعرفة، يتركّز الحديث هنا حول الخطوط العامّة لمعرفة الإمام الحسن عليه السلام حقّ المعرفة.

 

أيّ سرٍّ في الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، فإذا الأمّة بأجيالها خاشعة في محراب عظَمته المحمدية الإلهية؟

قد يتصوّر البعض أنّ السبب في حبّ الأمّة للإمام الحسين عليه السلام هو مواقفه في كربلاء، وأن هذا هو السبب في تعلّق قلوب الأجيال بالإمام الحسين عليه السلام؟

لكنّ الإمام الحسن عليه السلام لم يقف مثل هذه المواقف الجهادية، وشاركه الإمام الحسين عليه السلام مواقفَه كلّها، والتزم بإمامته، وظلّ بعده عشر سنين ملتزماً بما سُمّي الصلح مع معاوية؟

فما هو السرّ في الإمام الحسن عليه السلام الذي أسقطَ من القلوب كلّ بهارج الإمبراطورية الأموية، وكلّ زخارف وإغراءات تسلّط آل أبي سفيان، وكلّ دهاء الشيطان معاوية، فإذا الأمة بأجيالها مع الإمام الحسن ضدّ معاوية وآل أبي سفيان؟

يعمّق السؤال ويزيده إلحاحاً:

1) أنّ الإمام الحسن عليه السلام كان عند وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله في حوالي السابعة من عمره.

2) وأنّه عليه السلام استُشهد في السابعة والأربعين من عمره الشريف.

3) وأبرز ما يعرَف عنه هو الصلح مع معاوية.

4) وقد تعرّض لأعتى حملات التحريف والوضع والافتراء.

 

والجواب: نجد السرّ في أمرَين:

الأول: المقوّمات الشخصية للإمام الحسن عليه السلام.

الثاني: الإعجاز النبويّ في التعريف به عليه السلام.

ولا شكّ أنّ المقوّمات الشخصية، والخصائص النفسيّة هي الأصل، فلولاها لما ركّز عليها رسول الله صلّى الله عليه وآله.

ما المقصود بالمقوّمات الشخصية؟ المقصود هو العلم والعمل:

والمقصود بالعِلم:

1) هو معرفة الله تعالى؛ وحدانيّته سبحانه، وأخلاقه أي صفاته، وقدرته عزّ وجلّ، وأنّ إليه الرُّجعى، وكلٌّ آتٍ الرحمنَ فرداً، هو الأوّل والآخر والظاهر والباطن.

2) ومعرفة النفس والإنسان.

3) ومعرفة الوجود كلّه.

والمقصود بالعمل:

1) عبادة الله تعالى حقّ عبادته.

2) التخلّق بأخلاقه سبحانه حقّ التخلّق.

ويجمعهما قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ الحجر:99.

كما يجمع العلم والعمل ومتفرّعاتهما مصطلح التقوى: ﴿.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..﴾ الحجرات:13. لا علاقة لهذا المقياس بالعمر إلّا في علم الناس، أما في علم الله تعالى فلا، هو سبحانه بكلّ شيءٍ عليم.

عَلِمَ بوجود مقياس التقوى في نبيّ الله عيسى فأوحى إليه ليَقول، وقال سبحانه على لسانه: ﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾ مريم:30.

وأمر رسولَه صلّى الله عليه وآله أن يقول في الحسنَين عليهما السلام وهما - بِالسِّنِّ - صغيران:

- «إِمَامَانِ قَامَا أَوْ قَعَدَا».

- «أَذْهَلَنِي حُبُّ هَذَيْنِ الغُلَامَينِ أَنْ أُحِبَّ أَحَدَاً بَعْدَهُمَا».

 

الخطوط العامّة لمعرفة الإمام الحسن عليه السلام حقّ المعرفة

الأوّل: أن عظَمة الإمام الحسن محمّدية، ويتفرّع عليها خطّان مركزيان:

1) البدء بالتعرّف عليه من مرحلة ما قبل خلق النبيّ آدم على نبيّنا وآله وعليه السلام.

2) وأنّ الإمام الحسن - لمحمّديّته وبسببها - أعظمُ من جميع الأنبياء، باستثناء جدّه سيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله.

الثاني: أن لعظَمة الإمام الحسن المحمّدية بُعدَين: بُعد العبودية لله تعالى والقرب منه سبحانه، وبُعد المهمّة التي أوكلها الله تعالى إليه في دعوة الناس – بأجيالها - إلى عبادة الله تعالى وحِفظ استمرار التوحيد.

الثالث: موقع صلح الإمام الحسن عليه السلام ممّا عُرف بالصلح مع معاوية، وسيكشف البحث الموضوعيّ: أنّ بقاء الإسلام حَسَنيٌّ حُسَينيّ، ولولا صبرهما عليهما السلام في زمن معاوية لما كانت كربلاء. كان الخطر الذي ستواجهه الأمّة سيمنع من إمكان الإصلاح الذي قام به الإمام الحسين، ومهّدا له معاً عليهما السلام.

في النشأة الأولى

 

* الأنوار الخمسة برواية صفوان الجمال عن الإمام الصادق عليه السلام:

تحت عنوان (توبة آدم)، أورد القاضي النعمان في (شرح الأخبار):

«صفوان الجمّال، قال: دخلتُ على أبي عبد الله، جعفر بن محمّد عليه السلام، وهو يقرأ هذه الآية: ﴿ فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ البقرة:37.

ثمّ التفت إليّ فقال: يا صفوان، إنّ الله تعالى ألهمَ آدمَ عليه السلام أن يرميَ بطَرْفِه نحو العرش، فإذا هو بخمسة أشباحٍ من نور، يُسبّحون الله ويقدّسونه.

فقال آدم: يا ربّ مَن هؤلاء؟

قال: يا آدم، صَفوتي من خِلقي، لولاهم ما خلقتُ الجنّة ولا النار، خلقتُ الجنّةَ لهم ولمَن وَالاهم، والنارَ لمَن عاداهم. لو أنّ عبداً من عبادي أتى بذنوبٍ كالجبال الرواسي، ثمّ توسّل إليّ بحقّ هؤلاء لعَفوتُ له.

فلمّا أن وقعَ آدم في الخطيّة، قال: يا ربّ بحقّ هؤلاء الأشباح اغفِر لي، فأوحى اللهُ عزّ وجلّ إليه: إنّك توسّلتَ إليّ بصَفوتي وقد عفوتُ لك.

قال آدم: يا ربّ بالمغفرة التي غفرتَ إلّا أخبرتني مَن هم.

فأوحى الله إليه: يا آدم، هؤلاء خمسةٌ من وُلدك، لعظيمِ حقّهم عندي اشتققتُ لهم خمسةَ أسماءٍ من أسمائي، فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا العليّ وهذا عليّ، وأنا الفاطرُ وهذه فاطمة، وأنا المُحسن وهذا الحسن، وأنا الإحسانُ فهذا الحسين».

في هامشه: (في فرائد السمطين 1 / 37: وأنا الإحسانُ وهذا الحسَن، وأنا المُحسِن وهذا الحسين).

(القاضي النعمان، شرح الأخبار: ج 3/ ص 7)

* الأنوار الخمسة برواية أبي هريرة:

تحت عنوان (الأنوار الخمسة)، أورد القاضي النعمان في كتابه (شرح الأخبار) عن أبي هريرة الرواية:

«عن أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول:

لمّا خلقَ الله ُعزّ وجلّ آدمَ عليه السلام ونفخَ فيه من روحه، نظرَ آدم عليه السلام يمنةَ العرش، فإذا من النور خمسةُ أشباحٍ على صورته رُكَّعا سُجَّداً.

فقال: يا ربّ هل خلقتَ أحداً من البشر قبلي؟

قال: لا.

قال: فمَن هؤلاء الذين أراهم على هَيئتي وعلى صورتي؟

قال: هؤلاء خمسةٌ من وُلدك، لولاهم ما خلقتُك، ولا خلقتُ الجنّة ولا النار، ولا العرشَ ولا الكرسيّ، ولا السماءَ ولا الأرض، ولا الملائكةَ ولا الإنسَ ولا الجنّ.

هؤلاء خمسةٌ اشتققتُ لهم أسماءَ من أسمائي. فأنا المحمود وهذا محمّد، وأنا الأعلى وهذا عليّ، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسانُ وهذا حسن، وأنا المحسِن وهذا الحسين. آليتُ بعزّتي أن لا يأتيني أحدٌ بمثقال حبّةٍ من خردلٍ من حبّ أحدٍ منهم إلّا أدخلتُه جنّتي، وآليتُ بعزّتي أن لا يأتيني أحدٌ بمثقال حبّةٍ من خردلٍ من بُغضِ أحدٍ منهم إلّا أدخلتُه ناري، ولا أُبالي.

يا آدم، وهؤلاء صَفوَتي من خَلقي، بهم أُنجي وبهم أُهلك».

في الهامش: (وأضاف في فرائد السمطين 1 / 37: فإذا كان لكَ إليّ حاجة فبهؤلاء توسّل. فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: نحن سفينةُ النجاة، مَن تعلّقَ بها نجا، ومَن حادَ عنها هلك، فمَن كان له إلى الله حاجة؛ فليَسأل بنا أهلَ البيت).

(القاضي النعمان، شرح الأخبار: ج 2/ ص 500)

في هذه النشأة

الولادة:

* في (أُسد الغابة) لابن الأثير: «.. وُلِدَ الحسنُ بن عليّ بن أبي طالب، وأمّه فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم، في النصف من رمضان، سنة ثلاث من الهجرة..».

(ج 2/ ص 10)

* وفي (عِلل الشرائع) للشيخ الصّدوق: «عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلّام، قال: أَهدى جبرئيلُ إلى رسول الله صلّى اللهُ عليه وآلِه اسمَ الحسن بن عليّ عليه السلام، وخُرقةَ حريرٍ من ثياب الجنّة، واشتَقَّ اسمَ الحسَين من اسمِ الحَسن عليهما السّلام».

(ج 1/ ص 139)

الشهادة:

في (أسد الغابة) لابن الأثير: «وقد اختُلف في وقت وفاته، فقيل: تُوفّي سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وكان يخضبُ بِالوَسْمَة، وكان سببُ موته أنّ زوجته جُعدة بنت الأشعث بنِ قيس سقَتْه السّمَّ، فكان تُوضَع تحته طستٌ وتُرفَعُ أخرى نحو أربعين يوماً، فمات منه».

(ج 2/ ص 14)

 

 

مختارات من حديث الرّسول صلّى الله عليه وآله

(لَقَدْ أَذْهَلَنِي هَذَانِ الْغُلَامَانِ)

* في (كامل الزيارات) لابن قولويه:

1) «عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ يَقُولُ: يَا عَلِيُّ، لَقَدْ أَذْهَلَنِي هَذَانِ الْغُلَامَانِ - يَعْنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ عليهما السلام - أَنْ أُحِبَّ بَعْدَهُمَا أَحَداً أَبَداً، إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُحِبَّهُمَا، وَأُحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا».

2) «عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ لِي: يَا عِمْرَانُ، إِنَّ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْقِعاً مِنَ الْقَلْبِ، وَمَا وَقَعَ مَوْقِعَ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ مِنْ قَلْبِي شَيْ‏ءٌ قَطُّ. فَقُلْتُ: كُلُّ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَا عِمْرَانُ، وَمَا خَفِيَ عَلَيْكَ أَكْثَرُ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِحُبِّهِمَا».

3) «عَنْ‏ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ بِحُبِّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيهِمَا السّلَامُ، فَأَنَا أُحِبُّهُمَا وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُمَا لِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ إِيَّاهُمَا».

(ص 112 – 113)

* ومن صحيح مسلم:

4) «.. بإسناده عن أبي هريرة، عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، قال للحَسن: إِنِّي أُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّه‏».

5) «وعنه، بإسناده عن البراء بن عازب، قال: رأيتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ، والحَسنُ عَلَى عاتقِه، وهو يقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ».

***

(.. فَلَهُ هَيْبَتِي وَسُؤْدُدِي)

* في (شفاء الصّدور في شرح زيارة العاشور)، قال:

6) «روى ابن عساكر، وابن مندة، عن فاطمة عليها السّلام أنّها أَتَتْ بابنَيها، فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَانِ ابْنَاكَ فَوَرِّثْهُمَا شَيْئاً: فَقَالَ: أَمَّا حَسَنُ، فَلَهُ هَيْبَتِي وَسُؤْدُدِي، وَأَمَّا حُسَيْنُ فَلَهُ جُرْأَتِي وَجُودِي»‏.

وفي رواية: «أَمَّا الْحَسَنُ فَقَد نَحَلْتُهُ حِلْمي وَهَيْبَتِي، وَأَمَّا الْحُسَيْنُ فَقَد نَحَلْتُهُ نَجْدَتِي وَجُودِي». (ج 1/ ص 160)

* وفي (اللّمعة البيضاء) للتبريزي:

7) رُوي أنّ فاطمة عليها السّلام أَتَتْ بِهما إلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه، فَقَالتْ: يَا رسولَ اللهِ وَرِّثْ وَلَدَيْكَ، فَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ: أَمّا الحَسَنُ فَلَهُ سُؤدُدِي وَعَلائي، وأمّا الحُسَين فَلَهُ سَخاوَتِي وَشَجَاعَتِي ». (ص 210)

***

(ابْنِي هَذا سَيّدٌ)

* في (مناقب الإمام علي عليه السلام) لابن المغازلي:

8) «قوله عليه السلام للحَسن: إِنَّ ابْنِي هَذا سَيّدٌ، يُصْلِحُ اللهُ بِهِ بَيْن فِئَتَينِ». (ص 302)

* وفي (المؤتلف من المختلف بين أئمّة السَّلف) للشيخ الطبرسيّ:

9) «عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: إِنَّ ابْنِي هَذا سَيّدٌ يُصْلِحُ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ». (ج 2/ ص 6)

 

* وفي (بحار الأنوار):

10) «من صحيح البخاري، عن صدقة، عن ابن عيينة، عن أبي موسى، عن الحسن أنّه سمع أبا بكرة، قال: سمعتُ النبيّ صلّى الله عليه وآله على المنبر، والحسن إلى جنبه، ينظرُ إلى الناس مرّةً وإلى الحسن مرّة، ويقول: ابْنِي هَذا سَيّدٌ».

(ج 37/ ص 72)

* في (الكافي):

11) «كان نقشُ خاتَم الحسنِ عليه السّلام: العِزَّةُ للهِ».

الإعجاز الإلهي في الإمام الحسن عليه السلام

المعجزة الكبرى في سيرة الإمام الحسن عليه السلام هي إجماعُ الأمّة عبر أجيالها على الوقوف معه ضدّ معاوية والشجرة الملعونة في القرآن.

ومصبّ هذا الإجماع: أنّه الخليفة الشرعيّ لرسول الله صلّى الله عليه وآله، بل هو من أهل البيت الذين هم:

* من رسول الله صلّى الله عليه وآله.

* عَظَمتُهم محمديّة.

* بهم يُقاس إيمان المؤمن، وصُحبة الصحابيّ.

 * فَهُم حُجَجُ الله تعالى على الخلْق.

عقبات تجاوزتها الأمّة فتحقّق هذا الإجماع

1) صِغَرُ سنّه عند وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله.

2) تَولّيه الخلافة الظاهريّة في مرحلة شديدة الحراجة، استُشهد فيها أمير المؤمنين عليه السلام غريباً.

3) اضطراره عليه السلام للصّلح.

4) احتفالُ الشجرة الملعونة في القرآن بأعظم نصرٍ موهومٍ على رسول الله والتوحيد.

5) إطلاقُ الشجرة الملعونة أضخمَ حملة تحريف وتزوير وترهيب وترغيب، كان المستهدف الأوّل خلالها هو الإمام الحسن عليه السلام.

وحول ظروف اضطراره عليه السلام للصّلح: فقد كانت فتنة الأمّة بالمال في أيّام حرب الجمل كبيرة، إلّا أنّها استشرتْ وبضراوة في حرب صفّين إلى حدّ أنّ دنيا الأمّة - أي المال الذي هو مادّة الشّهوات - أصبح أمامَ دينها، أي فضّلت الأمّة المال على الدِّين، أي عبادة المال على التوحيد وعبادة الله تعالى:

يقول الإمام الحسن مؤكّداً هذه الحقيقة:

«.. إِنَّا وَاللَّهِ مَا ثَنَانَا عَنْ أَهْلِ الشَّامِ شَكٌّ وَلَا نَدَمٌ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ أَهْلَ الشَّامِ بِالسَّلَامَةِ وَالصَّبْرِ، فَسُلِبَتِ (فَشِيبَت) السَّلَامَةُ بِالْعَدَاوَةِ، وَالصَّبْرُ بِالْجَزَعِ. وَكُنْتُمْ فِي مُنْتَدَبِكُمْ إِلَى صِفِّينَ وَدِينُكُمْ أَمَامَ دُنْيَاكُمْ، وَقَدْ أَصْبَحْتُمُ الْيَوْمَ وَدُنْيَاكُمْ أَمَامَ دِينِكُم‏، أَلَا وَإنّا لَكُمْ كَمَا كُنّا، وَلَسْتُم لَنَا كَمَا كُنْتُم».

 (إبن الأثير، أُسد الغابة: ج 2/ ص 13)

 

* مختارات من سلسلة من الدروس ألقاها الشيخ حسين كوراني في «المركز الإسلامي» في شهر صفر 1436

كلامُه عليه السلام في القدَر

«كَتَبَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ، إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيهِمَا السَّلامُ:

مِنَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، إِلَى الْحَسَنِ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِه: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكُمْ - مَعَاشِرَ بَنِي هَاشِمٍ - الْفُلْكُ الْجَارِيَةُ فِي اللُّجَجِ الْغَامِرَةِ، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، وَأَعْلَامُ الْهُدَى، وَالْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ الَّذِينَ مَنِ اتَّبَعَهُمْ نَجَا، وَالسَّفِينَةُ الَّتِي يَؤُولُ إِلَيْهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَيَنْجُو فِيهَا الْمُتَمَسِّكُونَ.

قَدْ كَثُرَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ عِنْدَنَا الْكَلَامُ فِي الْقَدَرِ وَاخْتَلَفْنَا فِي الاسْتِطَاعَةِ، فَعَلِّمْنَا مَا الّذِي عَلَيْهِ رَأْيُكَ وَرَأْيُ آبَائِكَ، فَإِنَّكُمْ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ، مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلِمْتُمْ، وَهُوَ الشَّاهِدُ عَلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ، وَالسَّلَامُ.

فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا:

مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، أَمَّا بَعْدُ:

فَقَدِ انْتَهَى إِلَيَّ كِتَابُكَ عِنْدَ حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ مَنْ زَعَمْتَ مِنْ أُمَّتِنَا، وَكَيْفَ تَرْجِعُونَ إِلَيْنَا وَأَنْتُمْ مَعَنَا بِالْقَوْلِ دُونَ الْعَمَلِ‏؟

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ لَا مَا تَنَاهَى إِلَيَّ مِنْ حَيْرَتِكَ وَحَيْرَةِ الْأُمَّةِ قِبَلَكَ لَأَمْسَكْتُ عَنِ الْجَوَابِ، وَلَكِنِّي النَّاصِحُ وَابْنُ النَّاصِحِ الْأَمِين.

وَالَّذِي أَنَا عَلَيْهِ: أَنَّهُ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِالْقَدَرِ - خَيْرِهِ وَشَرِّهِ - فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ حَمَلَ الْمَعَاصِيَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ فَجَرَ.

إِنَّ اللَّهَ لَا يُطَاعُ بِإِكْرَاهٍ وَلَا يُعْصَى بِغَلَبَةٍ، وَلَمْ يُهْمِلِ الْعِبَادَ سُدًى مِنَ الْمَمْلَكَةِ، وَلَكِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَالِكُ لِمَا مَلَّكَهُمْ، وَالْقَادِرُ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَقْدَرَهُمْ، فَإِنِ ائْتَمَرُوا بِالطَّاعَةِ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ صَادّاً وَلَا عَنْهَا مَانِعاً، وَإِنِ ائْتَمَرُوا بِالْمَعْصِيَةِ فَشَاءَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ فَيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا فَعَلَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَيْهَا إِجْبَاراً، وَلَا أَلْزَمَهُمْ بِهَا إِكْرَاهاً. بَلِ احْتِجَاجُهُ، جَلَّ ذِكْرُهُ، عَلَيْهِمْ أَنْ عَرَّفَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمُ السَّبِيلَ إِلَى فِعْلِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، وَتَرْكِ مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَالسَّلَامُ».

(كنز الفوائد، الكراجكي)


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

14/06/2015

دوريات

نفحات