عليٌّ يَعسوب المؤمنين

عليٌّ يَعسوب المؤمنين

31/05/2011

اليعسوب في اللغة والإصطلاح

-------- الشيخ علي الجابري----------

أكّد رسول الله صلّى الله عليه وآله على استخلاف الإمام علي عليه السلام في نصوص كثيرة مُستفيضة ومتواترة، منها النصوص التي ورد فيها مصطلح «يعسوب المؤمنين»، ودلالة هذا المصطلح على الخلافة كدلالة «أمير المؤمنين».
ما يلي مختصرٌ كافٍ في دلالة «يعسوب» في اللّغة والإصطلاح.

تحظى الأحاديث الشريفة التي ورد فيها لفظ «يعسوب» بعناية خاصّة في كتب الحديث واللّغة، ولدى الشعراء. وسيجد القارىء أنّ معنى هذا المصطلح يستبطن -بوضوح تام- الدلالة على البُعد السياسي الذي هو الإستخلاف.

**


أورد الشيخ الطوسي عليه الرحمة في كتابه (الأمالي) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «عليّ يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين».
كما أورد بسنده إلى الإمام الرضا عليّ بن موسى عليه السلام، قال: «حدّثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين عليهم السلام، قال: حدّثني عمر وسلمة ابنا أمّ سلمة ربيبا رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّهما سمعا رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول في حِجّته حجّة الوداع: عليّ يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، عليّ أخي ومولى المؤمنين من بعدي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، ألا إنّ الله تعالى ختم النبوّة بي فلا نبيّ بعدي، وهو الخليفة في الأهل والمؤمنين بعدي».

* وأورد العالم الجليل الشيخ منتجب الدين بن بابويه، في كتابه (الأربعون حديثاً): «قال الراوي: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: ستكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل مَن يراني، وأوّل مَن يُصافحني يوم القيامة، وهو الصِدِّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، يفرُق بين الحقِّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين».

اليعسوب في اللّغة

قال الجوهري في (الصحاح): واليَعْسُوب بوزن اليعقوب، مَلِك النَّحل.
وقال الطُّرَيْحي في (مجمع البحرين) في حديث عليٍّ عليه السلام: «كنتُ للمؤمنين يَعْسوباً»، اليعسوب: أمير النحل وكبيرهم وسيِّدهم، تُضرب به الأمثال، لأنّه إذا خرج من كُوره تبعه النحل بأجمعه، والمعنى يلوذون بي كما تلوذ النحل بيعسوبها وهو مقدّمها وسيّدها. ومثله ما ورد في الخبر عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لعليّ: «أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الكفّار». ومن هنا قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: أمير النحل. واليعسوب يقع على طائر نحو الجرادة، له أربعة أجنحة لا يُرى أبداً يمشي، وإنّما يُرى واقفاً على رأس عود أو طائراً. واليعاسيب رؤساء القبائل وساداتها. انتهى.

في الإصطلاح

لا تختلف دلالة «عليٌّ يعسوب المؤمنين» عن دلالة «عليٌّ أمير المؤمنين»، كما لا تختلف عن دلالة «أنت خليفتي».
وقد روى العلماء المسلمون من الفريقين، هذه التسمية لعليّ عليه السلام «يعسوب المؤمنين» عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، في أحاديث شريفة مبسوطة تدلّ دلالة واضحة على حقيقة معنى «اليعسوب» وأنّه بمعنى الفاروق بين الحقّ والباطل، وأنّه مرجع الأمّة، وملاذها عند الإختلاف، وما شابه ذلك من معانٍ قياديّة لا تُضاهى، كما تجد في الروايات التالية.

القاضي النعمان في (شرح الأخبار)

* روى القاضي النعمان المغربي في كتابه (شرح الأخبار) عن أبي سُخَيْلَة، قال: «قال أبو ذرّ رحمة الله عليه: يا أبا سخيلة، ستكون فتنة لا تشبه هذه التي نحن فيها، فإن أدركتَها فعليك بعليّ بن أبي طالب، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول وقد أخذ بيد عليّ عليه السلام: هذا أوّل مَن آمن بي، وصدّقني، وهو أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو الفاروق الذي يفرُق بين الحقّ والباطل، وهذا سِلْم الله، وهذا حرب الله، وهذا الذي يعصم من الفتنة، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين، وقد خاب من افترى. ثمّ قال له: يا عليّ، إنّ للجنّة أبواباً وطُرُقاً، وإنّ للنّار طُرُقاً وأبواباً، وستكون فتنة وضلالة، وإنّك لَسَبيلُ الجنة، وراية الهدى وعَلَمُ الحق، وإمام من آمن بي، ووليُّ من تولّاني، ونور من أطاعني. يا عليّ، بك يُذهب الله الغِلّ، ويشفي صدور قومٍ مؤمنين، وأنت قصد السبيل، إن استدلّوا بك لم يضلّوا، وإن اتّبعوك لم يَهلكوا. ثمّ قال: أيّها الناس اتّبعوه، وصدّقوه، ووازروه، وسامحوه، ولا تحسدوه، ولا تجحدوه، فإنّ جبرائيل عليه السلام أمرني بالذي قلتُ لكم».

تجدُر الإشارة إلى أنّ هذه التسمية «يعسوب المؤمنين» قد رُوِيَتْ عن أبي ذرّ وحدَه بستِّ طرق، وما تقدّم هو إحداها.

الكوفي في كتاب (المناقب)

* كما أورد محمّد بن سليمان الكوفي في كتابه (مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام):
عن أبي ذرّ وسلمان، قالا: «أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله بيد عليّ بن أبي طالب فقال: إنّ هذا أوّل مَن آمن بي، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمّة يفرق بين الحقّ والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظالمين. ثمّ قال: وقال أبو جعفر: يعسوب المؤمنين هو كبيرهم الذي يسكنون إليه».
ويأتي المزيد من الروايات في هذا الملف تحت عنوان «روايات عليٌّ يعسوب المؤمنين، كما وثَّقها السيّد ابن طاوس» فراجع.

الهيثمي، في (مجمع الزوائد)

بعدما أورد الرواية المتقدّمة عن أبي ذرّ وسلمان، قال الهيثمي: رواه الطبراني والبزّار عن أبي ذرّ وحده وقال فيه: «أنت أوّل من آمن بي»، وقال فيه: «والمال يعسوب الكفّار».

ابن أبي الحديد

سيأتي في المقال التالي أنّ السيّد ابن طاوس ألّف كتاب (اليقين) لإبطال ما نسبه ابن أبي الحديد هنا إلى المحدّثين، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ كلام ابن أبي الحديد الآتي ينسجم مع منهجه الذي يتلخّص في تقديم الدليل على ما يعتقد بصحّته من دون التصريح بما يعتقده. وعلى هذا الأساس، فإنّه هنا ينقل عن المحدّثين عدم تسليمهم بالسلام على الإمام عليّ عليه السلام بإمرة المؤمنين في زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ يورد ما يُثبت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، قد سمّى عليّاً عليه السلام «يعسوب الدين»، وهي تسمية تلتقي معنىً مع تسمية «أمير المؤمنين».
قال في (شرح نهج البلاغة، 1/12-13): «وتزعُم الشيعة أنّه خُوطب في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله بأمير المؤمنين، خاطبه بذلك جملة المهاجرين والأنصار، ولم يثبت ذلك في أخبار المحدّثين، إلّا أنّهم قد رووا ما يعطي هذا المعنى، وإن لم يكن اللّفظ بعينه، وهو قول رسول الله صلّى الله عليه وآله له: «أنت يعسوب الدين، والمال يعسوب الظَلمة»، وفي رواية أخرى: «هذا يعسوب المؤمنين، وقائد الغرِّ المحجَّلين». واليعسوب: ذَكرُ النَّحل وأميرها. روى هاتين الروايتين أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني في (المسند) في كتابه (فضائل الصحابة)، ورواهما أبو نعيم الحافظ في (حلية الأولياء). انتهى.
وروى إبن أبي الحديد أيضاً في مكان آخر من شرح نهج البلاغة (13/228) بالإضافة إلى ما تقدّم أيضاً، الرواية المعروفة عن أبي رافع، قال: «أتيتُ أبا ذرّ بالربذة أُودّعُه، فلمّا أردت الانصراف، قال لي ولأُناسٍ معي: ستكون فتنة، فاتّقوا الله، وعليكم بالشيخ عليّ بن أبي طالب، فاتّبِعوه، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول له: أنت أوَّل مَن آمن بي، وأوّل من يُصافحني يوم القيامة، وأنت الصدِّيق الأكبر، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكافرين، وأنت أخي ووزيري، وخير مَن أَترك بعدي، تقضي دَيني وتُنجِز موعدي».

تفسير اليعسوب،عن عليّ عليه السلام

* في (كنز العمّال) للمتّقي الهندي، عن عليٍّ عليه السلام، قال: «أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظَلمة». وعن أبي مسعر قال: «دخلت على عليّ وبين يديه ذهب فقال: أنا يعسوب المؤمنين، وهذا يعسوب المنافقين، وقال: بي يلوذ المؤمنون، وبهذا يلوذ المنافقون».
* قال أبو نعيم الأصبهاني في باب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب (معرفة الصحابة): «ومن أساميه المشتقّة من أحواله: أميرُ المؤمنين، ويعسوب الدين والمسلمين، ومُبير الشرك والمشركين، وأبو الرَّيحانتَين، وذو القرنَين، وذو الفراش، والهادي، والواعي، والشاهد، وباب المدينة، وبيضة البلد. روى مُسنداً، عن عباية بن ربعي قال: سمعت عليّاً يقول: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظَلَمة. كما روى مسنداً أيضاً، عن إبن مسعر قال: دخلتُ على عليّ رضي الله عنه في الرحبة وبين يديه ذهب فقال: أنا يعسوب المؤمنين وهذا يعسوب المنافقين، وقال: بي يلوذ المؤمنون، وبهذا يلوذ المنافقون» .
* وروى السيّد الرضي رحمه الله عنه عليه السلام في (المختار): من باب قصار كَلِمه عليه السلام في نهج البلاغة: «أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الفجّار». قال الشريف الرضي: «ومعنى ذلك أنّ المؤمنين يتبَعونني، والفجّار يتبعون المال كما تَتبَع النحل يعسوبها، وهو رئيسها».

**


في الشِّعر

* وقد استفاض في الشعر على نطاق واسع تسمية أمير المؤمنين عليه السلام بـ«يعسوب الدين» وما يشاركه معنىً. من ذلك ما نقله إبن شهراشوب في (مناقب آل أبي طالب) عن بعض الشعراء -وأبياتهم توضح المعنى الذي فهموه من مصطلح «يعسوب»- وهذا بعضها:
قال العوني:
عليٌٌٌٌّ أمير النَّحل والنحل جندُه    فهل لك علمٌ بالأمير وبالنَّحل؟
 وقال الوراق:
 عليٌّ وبيتِ الله آيةُ أحمدٍ    ويعسوبُ دين المؤمن المُتحرِّمِ.
 وقال الصاحب بن عَبّاد:
 أيعسوبَ دِينِ الله صِنْْوَ نبيِّه    ومَن حُبُّه فرضٌ من الله واجبُ
مكانُك من فوق الفراقد لايِحٌ   ومَجدُك من أعلى السِّماك مراقبُ.

**


دلالة اللّفظ على الخلافة كدلالة أمير المؤمنين
ليس عليٌّ عليه السلام صحابيّاً من أعاظم الصحابة وحسب، بل هو في مرتبة أعلى من مرتبة جميع الصحابة، فهو أميرهم وأمير المؤمنين بالله تعالى وبرسوله صلّى الله عليه وآله عبر القرون.


أخوفُ ما أخافُ على أُمّتي أن يكثُر لهم المالُ فيتحاسدون ويقتتلون    النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله

**

اخبار مرتبطة

  إصدارات : دوريات

إصدارات : دوريات

02/06/2011

  إصدارات : كتب أجنبية

إصدارات : كتب أجنبية

02/06/2011

  إصدارات : كتب عربية

إصدارات : كتب عربية

02/06/2011

نفحات