أعلام

أعلام

16/07/2015

العالم الجليل والشاعر الشيخ حميد السماوي


من أبرز أعلام الشعر في العالم العربي

العالم الجليل، والشاعر الكبير الشيخ عبد الحميد السَّمَاويّ

__________  إعداد: سليمان بيضون _________

* شاعر وأديب معروف من أسرة دينيّة في مدينة السّماوة العراقيّة.

* هاجر إلى النجف الأشرف وهو شابّ، حيث اختلف إلى أساتذة فُضلاء لطلب العلم حتّى فاق أقرانَه.

* عندما طالت هجرته طلبه أبناء منطقته ليكون المرشد فيهم.

 * كان مثالاً بارزاً لخصوبة الذِّهن، محترَماً في قومه، فيصلاً في منازعاتهم العشائريّة.

* امتاز بشعره الولائيّ، وعارض أشهرَ قصائد إيليّا أبي ماضي بقصيدة فلسفيّة محكمة.

* في ما يلي تعريف موجز بحياة الشيخ عبد الحميد السماويّ رحمه الله مقتبَسٌ من مصادر مختلفة.

 

الشيخ عبد الحميد آل عبد الرسول، الشهير بالسماويّ ويقال له أيضاً: الشيخ حميد السماويّ. ينتهي نسبه إلى قبيلة «بني عبس» وهي تقطن «وادي السماوة» في العراق من قديم العصور. ولد في مدينة «السماوة» سنة ١٣١٥ هجريّة.

والده هو الشيخ أحمد بن محمّد بن عبد الرسول، كان عالماً فقيهاً مجتهداً، وقد ألَّف كتباً ورسائل، منها: كتاب في الصلاة (كشف الغوامض في شرح الفرائض من شرائع الإسلام للمحقّق الحلِّيّ)، وكتاب في الأصول اللفظيّة والعمليّة، ورسالة في المنطق، وكتاب في المعاني والبيان، ومنظومة في النحو.

هاجر الشيخ عبد الحميد إلى النجف الأشرف وهو شابّ حدَث السنّ؛ وبعد أن أكمل مقدّمات العلوم الحوزويّة تلقّى الدروس العالية على أساتذة كبار، أمثال: الميرزا حسن النائينيّ، والشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ، وميرزا فتّاح الزنجانيّ صاحب (الحاشية على المكاسب).

وما إنْ طالت هجرة الشيخ عبد الحميد لطلب العلم حتّى ألحّ عليه أهل السماوة  بالرجوع  إلى بلده ومسقط رأسه، ليقوم بمهامّ الإرشاد الدينيّ ورعاية شؤونهم الاجتماعيّة، فلم يجد بُدّاً من الاستجابة لهم بعد أن صارت لديه المُؤهّلات العلميّة الكافية، مُستجيزاً أساتذته من مراجع الدين في ذلك.

 

 

العالِم والشاعر

يُعدّ الشيخ السماويّ شاعراً مُبرّزاً بما أُوتي من جزالة القول، وقوّة الذهن، واتّقاد الفكر، وهو أحد أعلام الشعر في العالم العربيّ؛ وفي العراق لا يوازيه في شهرته وشاعريّته غير أفرادٍ عددَ أصابع اليد. ولكنّ صفته العلميّة حجبت إلى حدّ ما صفته الأدبيّة.

قال عنه السيد حسن الأمين في (مستدركات أعيان الشيعة): «الشيخ حميد السماويّ ابن الشيخ أحمد. ولد في السماوة سنة 1315 للهجرة ونشأ فيها، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف للدراسة، ثمّ عاد إلى السماوة مرجعاً دينيّاً فيها، فكان ذا أثرٍ محمود في سيرته وتوجيهه، ومن هنا غلبت عليه الصفة الدينيّة وتوارت شاعريّته وراء مسلكه في التعامل مع الناس في شؤونهم اليوميّة ومشاكلهم الحياتيّة، فلم يشتهر شاعراً مع أنّه كان في الطليعة من شعراء العراق المبدعين في عصره».

وقال الشيخ رضا الحاجّ أحمد إسماعيل المطوّف: «إنّ السماويّ... قد شغله تصدّيه للعلوم الروحانيّة والإفتاء، فقد كان عالماً فقيهاً، وشخصيّته مرموقة فذّة، وإليه يرجع الحلّ والعقد في الأحكام الشرعيّة في بلدة السماوة وتوابعها، ناهيك عن شرف العلم ومكانته في النفوس، وهو فوق مكانة الشعر عند الناس، لذلك ليس مستغرباً إذا وجدتَ السماويّ يحاول أن يُسدل الستار عن شاعريّته، وليس مستغرباً أن يفعل ذلك».

 

 

السماويّ الشاعر

امتاز الشيخ حميد السماويّ من بين الشعراء بالمَلَكة المُتدفّقة السريعة، توحي له بالمعاني البِكر بلا تكلّفٍ ولا تردّد. ومن يتتبّع شعره يجده يفيض بالحيويّة ويتماشى مع تطوّر الزمن، فيدخل كلّ قلب في كلّ عصر... يحرّك العواطف، ويهزّ المشاعر، ويخلب الألباب، ويفعل في النفوس ما يفعله بليغ الكلام في ذوي الأفهام.  

له ثلاثة دواوين: أمّا الأوّل فقد ضاع عندما أخذه بعض المُعجبين بشعره كي يستنسخه، وكان يضمّ معظم ما قاله في صباه، وأمّا الثاني فهو يضمّ ما حفظه من شعره السابق وما تأخّر عنه وقد سُرِق. والديوان الثالث، الذي يشتمل على شعره الأخير وما حفظه من الشعر القديم، هو المسمّى بـ (ديوان السماويّ)، وقد طبع بعد وفاته في «دار الأندلس» في بيروت.  

وأمّا تقييم شعره، فقد كتب عنه جمعٌ غفير من الشعراء والكتَّاب، وعدّه بعضهم أنّه أحد أعلام الشعر في الوطن العربيّ، وقد انبرت الصحف والمجلّات في البلاد العربيّة لنشر ما يقع بأيديها من شعره.

قال عنه السيّد حسن الحكيم: «كنت أقضي معه الوقت الطويل مُعجباً بحُسن حديثه وسرعة انتقاله، وهو يتمتّع بعقليّة كبيرة يخضع لها جليسُه. أمّا الناحية الشعريّة فَلَإنْ اشتهر [بشّار بن برد] عند الشعراء والأدباء بأبياته الحكيمات التي يقول فيها:

إِذا كُنْتَ في كُلِّ الأُمورِ مُعاتِباً

صَديقَكَ، لَمْ تَلْقَ الّذي لا تُعاتِبُه

فإنّك إذا تصفّحت شعر السماويّ لا تجد قصيدة تخلو من عدّة أبيات تكون مضرب مثل. وترى نفسك في جوٍّ من فحول شعراء الجاهليّة ويذكّرك بسوق عكاظ. فشعره يملك جزالة المعنى واللفظ».

شعره الولائيّ

صبّ الشيخ حميد السماويّ بعضاً من ولائه لأمير المؤمنين، عليه السّلام، في قالب الشعر، وكان له شرف أن تُكتَب أبيات له بالذهب على مدخل المرقد المطهَّر لوصيّ المصطفى، صلّى الله عليه وآله وسلّم، من قصيدة حازت على الجائزة الأولى في خمسينيّات القرن العشرين الميلاديّ تأريخاً للباب الذهبيّ فيه. والأبيات هي:

لِمَنِ الصُّروحُ بِمَجْدِها تَزْدانُ

وَبِبابِ مَنْ تَتَزاحَمُ التِّيجانُ

هَذي عُروشُ الفاتِحينَ بِظِلِّها

تَجْثو وَهَذا المُلْكُ وَالسُّلْطانُ

أقنومةُ العَقْلِ الّتي بِجَلالِها

دَوّى الحَديثُ وَجَهْجَهَ الفُرْقانُ

إِنْ لَمْ يَقُمْ رِضْوانُ عِنْدَ فِنائها

فَلَقَدْ أَقامَ العَفْوُ وَالرِّضْوانُ

نَهَدَتْ إِلى قَلْبِ الفَضا وَتَدا

فَعَتْ فيهِ كَما يَتَدافَعُ البُرْكانُ

وَتَرَنَّحَتْ بِوَلاءِ آلِ مُحَمَّدٍ

طَرَباً كَما يَتَرَنَّحُ النَّشْوانُ

فَتَّشْتُ أَسْفارَ الخُلودِ فَشَعَّ

لي مِنْها بِكُلِّ صَحيفَةٍ عُنْوانُ

شَمّاءُ لَمْ ترْفَعْ ذُرى كِيوانِها

إِلّا وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ كِيوانُ

يا دُرَّةَ الشَّرْقِ الّتي لِجَمالِها

سَجَدَ الخَيالُ وَسَبَّحَ الوِجْدانُ

كَمْ مِنْ جَليلٍ مِنْ صِفاتِكَ

أَحْجَمَتْ عَنْ حَمْلِهِ الأَلْفاظُ وَالأَوْزانُ

حَسْبي إِلى عَفْوِ الإِلَهِ ذَريعَةٌ

حَرَمٌ يُؤَرَّخُ «بابُهُ الغُفْرانُ»

               

           

وله من قصيدة عنوانها «عيد الغدير» قوله:

بُلْبُلُ الوَحْيِ في ضِفافِ الغَديرِ

صادِحٌ بِاسْمِ مَوْكِبِ التَّأْميرِ

يَتَحَدَّى الأَجْيالَ مَهْما تَرامَتْ

في مَجاهيلِ عالَمٍ مَسْتورِ

 

حتّى قال:

يا أَخا المُصْطَفى تَعالَيْتَ شَأْناً

عَنْ مَقامِ التَّمْثيلِ وَالتَّنْظيرِ

أَنا لَمْ أَدْرِ كَيْفَ أُثْني فَحَسْبِي

مِنْ ثَنائي الشُّعورُ بِالتَّقْصيرِ

أَنْتَ في مُنْتَهى الظُّهورِ خَفِيٌّ

وَلَدى مُنْتَهى الخَفا في ظُهورِ

 

وفي قصيدةٍ أخرى له في يوم الغدير عنوانها (حديث الدهر) يقول:

فَكَمْ حَمْحَمَتْ حَوْلَ الغَرِيِّ وَأَنْشَدَتْ

تَقَدَّسْتَ يا وادي ابْنِ عِمْرانَ وادِيا

تُرابُكَ أَكْبادٌ تُدافُ وَإِنَّما

نَسيمُكَ أَرْواحٌ تَهُبُّ عَوادِيا

فَهَذا عَلِيٌّ فَوْقَ كُرْسِيِّ مَجْدِهِ

يُرَتِّلُ صَوْتَ الحَمْدِ سَبْعاً مَثانِيا

تَغَشّاهُ مِنْ عَرْشِ المُهَيْمِنِ هَيْكَلٌ

أَعادَ لَنا السَّبْعَ الطِّباقِ ثَمانِيا

وَهَذا عَلِيٌّ وَالأَهازيجُ بِاسْمِهِ

تَشُقُّ الفَضا النّائي فَهاتوا مُعاوِيا

أَعيدوا ابْنَ هِنْدٍ إِنْ وَجَدْتُمْ رُفاتَهُ

رُفاتاً وَإِلّا فَانْشُروها مَخازِيا

 

رثاؤه سيّدَ الشهداء عليه السّلام

للشيخ السماويّ قصائد تزيد عن الستّ في وقعة كربلاء الخالدة، منها قصيدته التي يقول فيها:

لا حُكْمَ إِلّا لِلْقَضاءِ وَما الّذي

يَجْري بِغَيْرِ إِشاءَةٍ وَقَضاءِ

يَهْفُو الزَّمانُ وَلا تَزالُ صُروفُهُ

تَهْفُو بِغابِرِهِ إِلى الهَيْجاءِ

وَيَظَلُّ يَشْدو شَدْوَهُ فَتُرَتِّلُ

الأَشْهادُ ما اسْتَوْحى أَبو الشُّهَداءِ

عُوجي أُمَيَّةُ في حَضيضِكِ وَاضْرِبي

صَفْحاً إِذا شِئْتِ عَنِ العَلْياءِ

خَلِّي الطَّريقَ لِأَهْلِهِ وَتَرَسَّلي

في كُلِّ مُظْلِمَةٍ مِنَ الأَرْجاءِ

كَبَّلْتِ أَيْدي المُخْلصينَ بِحادِثٍ

أَطْلَقْتِ فيهِ هَواجِسَ الشُّعَراءِ

ما اظْلَمَّ يَوْمُ الطَّفِّ إِلّا لِلأُوْلى

فيهِمْ أَضاءَتْ لَيْلَةُ الإِسْراءِ

 

ويُكمل مخاطباً سيّد الشهداء عليه السّلام:

أَبَقِيَّةَ الخُلَفاءِ مِنْ عَمْرو العُلَى

حَدَبَتْ عَلَيْكَ صَنايِعُ الخُلَفاءِ

ضاقَتْ رِحابُ الأَرْضِ فيكَ وَإِنَّها

لَوْلا القَضاءُ فَسيحَةُ الأَرْجاءِ

فَلَئِنْ سَمَوْتَ مُصَفَّداً نَحْو العُلَى

فَلَقَدْ هَوَيْتَ مُوَزَّعَ الأَشْلاءِ

أَجْهَدْتَ نَفْسَك في شُؤونٍ لَمْ يَزَلْ

فيها حُسامُك أَبْلَغَ الخُطَباءِ

رِفْقاً بِهِمْ رِفْقاً فَلَسْتَ بِمُسْمِعٍ

مَنْ في القُبورِ مَواعِظَ الأَحْياءِ

أَرْسَلْتَها خُطَباً تَرِنُّ وَما عَسى

تُجْدي بِجَنْبِ الصَّخْرَةِ الصَّمّاءِ

ما كُنْتُ أَحْسَبُ وَالمُقَدَّرُ كائِنٌ

أَنَّ العُقولَ تُصابُ بِالإِغْماءِ

 

معارضته «طلاسم» إيليّا أبي ماضي

برزت الحميّة الرساليّة والموهبة الشعريّة الاستثنائيّة للشيخ السماويّ في ردّه المُبدع على قصيدة إيليّا أبي ماضي «الطلاسم»، والمشتهرة بـ «لست أدري»، حيث تسامى خياله، وخصبت قريحته، وصدقت لهجتُه، ودحضَ الشبهةَ بالحجّة، وببراعة التصوير وفيض العاطفة ورهافة الحسّ، إضافة لما يتمتّع به من سعة الاطّلاع. المقطع التّالي يُظهر فلسفة أبي ماضي، ويردّ الشيخ السماويّ بالحقيقة الدينيّة فيما بعد:

جِئْتُ، لا أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ، وَلَكِنّي أَتَيْت

وَلَقَدْ أَبْصَرْتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيْت

وَسَأَبْقى ماشِياً إِنْ شِئْتُ هَذا أَمْ أَبَيْت

كَيْفَ جِئْتُ؟ كَيْفَ أَبْصَرْتُ طَريقي؟

لَسْتُ أَدْري

**

وَطَريقي ما طَريقي؟ أَطويلٌ أَمْ قَصيرْ؟

هَلْ أَنا أَصْعَدُ أَمْ أَهْبِطُ فيهِ وَأَغُورْ؟

أَأَنا السّائِرُ في الدَّرْبِ أَمِ الدَّرْبُ يَسيرْ؟

أَمْ كِلانا واقِفٌ وَالدَّهْرُ يَجْري؟

لَسْتُ أَدْري

**

أَجَديدٌ أَمْ قَديمٌ أَنا في هَذا الوُجُودْ؟

هَلْ أَنا حُرٌّ طَليقٌ أَمْ أَسيرٌ في قُيودْ؟

هَلْ أَنا قائِدُ نَفْسي في حَياتي أَمْ مَقُودْ؟

أَتَمَنّى أَنَّني أَدْري وَلَكِنْ..

 لَسْتُ أَدْري ".."

فأجابه السّماويّ بقصيدة هذه فقرات منها:

جِئْتُ لِلْعالَمِ أَتْلو صُحُفَ العالَمِ هَمْسا

جِئْتُ أُمْلي فيهِ دَرْساً، وَهُوَ يُمْلينيَ دَرْسا

أَنا جُزْءُ الكَوْنِ إِنْ لَمْ أَكُ نَفْسَ الكَوْنِ نَفْسا

أَنا أَدْري أَيْنَ مِنْهُ أَنا، لَكِنْ....لَيْسَ يَدْري

**

جِئْتُ لا أَعْلَمُ، إِلّا أَنَّني جِئْتُ لِأَعْلَمْ

 فَتَخَطَّيْتُ بِكَوْني ساحَةَ الكَوْنِ المُطَلْسَمْ

حَيْثُ سادَ الصَّمْتُ لَوْلا وَحْيُ عَجْماءَ لأَعْجَمْ

حَيْثُ لا هامِسَ إِلّا وَهُوَ مِثْلي.. لَيْسَ يَدْري

**

عِنْدَما كُنْتُ وَلَكِنْ لَسْتُ أَدْري ما العَدَمْ

 ماجَ تَيّارُ وُجودي بِوُجودي وَاحْتَدَمْ

 فَإِذا لي أَلْفُ لَحْنٍ وَإِذا لي أَلْفُ فَمْ

 وَإِذا بي أَتَنَزَّى في خَليطٍ.. لَيْسَ يَدْري

**

فَشُعوري بِوُجودي هُوَ بُرْهانُ الوُجودْ

وَاضْطِراري في حَياتي شاهِدٌ أَنّي مَقودْ

 وَكَما جِئْتُ ابتداءً سَوْفَ أَمْضي وأعودْ

 فَلِماذا وَهُوَ ذو عَقْلٍ وَحُسْنٍ.. لَيْسَ يَدْري؟!

**

حَسْبِيَ الكَوْنُ دَليلاً كُلَّما عَزَّ الدَّليلْ

وَتَخَطَّيْتُ بِإِمْكاني ضِفافَ المُسْتَحيلْ

إِنَّ لي أَلْفَ سَبيلٍ في وُجودي وَسَبيلْ

قَدْ تَغَشَّيْتُ بِهِ الكَوْنَ إِلى ما.. لَيْسَ يَدْري

**

وقد نشر في الجزء الأوّل من مجلة العروبة الصادرة عام 1947 ميلاديّة أجزاء من القصيدة، قُدِّم لها بالقول: «والعراق يفخر بأنّ العلّامة السماويّ هو الشاعر الوحيد الذي استطاع معارضة الشاعر إيليّا أبي ماضي، بما هو أسمى شعوراً وأروع شاعريّة في موضوع يشقّ على المعارِض الخوض فيه أضعاف ما يشقّ على المعارَض؛ للفرق الجليّ بين الشكّ والإثبات».

وبعث الأستاذ محمّد الخليليّ إلى الشيخ السماويّ رسالةً أدبيّة يذكر فيها إعجابه بمعارضته طلاسمَ أبي ماضي، ويختمها بأربعة أدوار على نسق شعر الطلاسم. ومن هذه الأدوار:

قَدْ تَلَوْنا قُرْآنَكَ وَالشِّعْرَ البَديعْ

وَانْتَشَفْناهُ زُهوراً مِثْلَ أَزْهارِ الرَّبيعْ

وَغَدا فينا الشُّعورُ الحَيُّ في الحَيِّ يُذيعْ

 هَذِهِ الحِكْمَة.. هَلْ يَعْقِلُ مَنْ لَيْسَ يَدْري؟

وفي حوار افتراضيّ للشيخ عليّ الكورانيّ في كتابه (الولادات الثلاث) مع مُلحد أعجبته قصيدة إيليّا أبي ماضي «الطلاسم» يقول له: «إذا كان شكّ هذا الشاعر يعجبك، فلماذا لا يعجبك جواب الشاعر الشيخ عبد الحميد السماويّ له، ومنه قوله:

أَفَكَوْنٌ فَوْقَ كَوْنٍ مُتَوازي الحَرَكاتْ

شاسِعُ الأَبْعادِ رَحْبٌ مُتَداني الحَلَقاتْ

مُفْعَمٌ بِالنُّورِ مَغمورٌ بِأَسْرارِ الحَياةْ

صادِرٌ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ مُديرٍ.. لَيْسَ يَدْري!

**

أَسْمَعَتْهُ نَبَراتُ الكَوْنِ لُغْزاً أَبَدِيَّا

وَأَرَتْهُ شَرَفَ الغايَةِ فَاجْتازَ المُغَيَّا

فَرَأَى العُدْمَ وُجوداً وَرَأى اللَّاشَيْءَ شَيَّا

فَتَراهُ يَسْتَمِدُّ الفَيْضَ مِمَّنْ . . لَيْسَ يَدْري!

**

جاءَ كَيْ يَعْبَثَ بِالعَقْلِ وَيَهْزا بِالدَّليلْ

وَيَرى كُلَّ جَميلٍ ماثِلٍ غَيْرَ جَميلْ

يَتَحَدّى كُلَّ عِلْمٍ وَيُداجي كُلَّ جيلْ

فَتَراهُ كُلَّما اسْتَنْطَقَ شَيْئاً.. لَيْسَ يَدْري!..».

وفاته

انتقل الشيخ عبد الحميد السماويّ إلى رحمة ربّه تعالى في الثالث من رجب سنة 1384 للهجرة (تشرين الثاني 1964م)، في مستشفى «الشعب» ببغداد، وكان له تشييع مهيب فيها عند مرقد  الإمامين الكاظميَن عليهما السلام، ثمّ سار به الموكب إلى كربلاء ليبيتَ جثمانُه إلى صباح اليوم التالي، ويعود منها إلى النجف الأشرف، فكان يوماً مشهوداً، إذ عُطّلت له الأسواق، واستقبلته مواكب العزاء تنعاه، وبعد إتمام مراسيم الصلاة عليه دُفن في وادي الغريّ.

وكانت له قصيدة بعنوان (أيّتها النفس) يرثي بها نفسه، يقول فيها:

لا بَقا حَتّى أُمَنّيكِ البَقا

فَاغْدِقي جامَكِ فيمَنْ أَغْدَقا

أَيُّها النَّفْسُ وَفيكِ اتَّسَقَتْ

نُظُمُ العالَمِ حَتَّى اتَّسَقا

ما تَشائينَ فَقَدْ شاءَ القَضا

لِلْخَليطَيْنِ بِأَنْ يَفْتَرِقا

هَلْ تُرَجّينَ رَبيعاً قادِما

فَلَقَدْ حتَّ الخَريفُ الوَرَقا

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

16/07/2015

دوريّات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات