فكر و نظر

فكر و نظر

14/08/2015

كيف وصلتَ؟ بأيّ ثقافةٍ اغتذَيت؟

كيف وصلتَ؟ بأيّ ثقافةٍ اغتذَيت؟

في حفل تأبين الشهيد عبّاس يوسف عبد الكريم كوراني

_____ بقلم: الشيخ حسين كوراني _____

 

الشهيد عبّاس يوسف كوراني نبتة عاملية في رياض أهل البيت عليهم السلام، ريُّها والسُّقيا ماء الكوثر أو الدموع على سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام.

بالشهادة صار عبّاس أميراً من أمراء الجنّة.

هنيئاً لأصحابِ النعيم نعيمُهم.

فلتهْنِكَ الشهادة يا عبّاس.

أصبحت ممّن قال فيهم سيّد النبيّين لسيّد الوصيّين:

«وَشِيعَتُكَ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُورٍ، مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلِي فِي الجَنَّةِ، وَهُمْ جِيرانِي، وَلَوْلا أَنْتَ يا عَلِيُّ لَمْ يُعْرَفِ المُؤْمِنُونَ بَعْدِي».

وَليَهْنِكَ ، أيّها العزيز، جوار محمّدٍ وآل محمّدٍ صلّى الله عليهم أجمعين.

أُذكرنا عندهم.

بلّغهم سلام العجز عن التحليق في آفاقهم.. إلّا بكرمهم؛ وهو كرم الله، تعالى، ولطفُه والحنان.

***

كيف وصلتَ يا عبّاس؟ كيف؟

أيّ منبتٍ حملَك؟

بأيّ ثقافةٍ اغتذيتَ؟

وأيّ شهادةٍ عظيمةٍ فزتَ بها، وفازتْ بك؟

أعرفُ من منبتك، قريتنا (ياثر) (ياطر).. والجدَّ المرحوم الحاجّ عبد الكريم كوراني، والوالد الحاجّ يوسف كوراني وكلّ أُسرته المؤمنة المسالمة.

أمّا الجدّ، فكفيفٌ بصير، يتميّز بذكاءٍ لمّاع ، قارعَ الحجر والمدَر، وعانقَ الشجر، وكدحَ في «الوعر» كعشرة رجالٍ مُبصرين.

ممّا ورثتَه منه: شدّة المحافظة على بيت المال، وتواصل الجهد والكدّ والكدح، والإقدام الذي تميّزتَ به، فكنتَ في طليعة أيّ هجومٍ كما عُهد عنك.

من ذكاء جدّك، يا عبّاس، أنّه كان يودِع المفتاح «جُبّ البلّان» أو «القندول» ويمضي إلى عمله ليستخرجه في العودة بمنتهى اليُسر.

ليس هذا بيت القصيد يا عبّاس.

بيت القصيد في شخصية الجدّ أنّه كان حليفَ المسجد والسجود والذكر.

يذكّرني بمسجديّته بعبد الله بن عفيف الأزدي، الذي ذهبت عيناه في وقعتَي «الجمل» و«صفّين»، فكان حمامةَ مسجد الكوفة، ثم خاض– إثر عاشوراء عام 61 هجرية - وهو كفيفٌ مواجهةً حاميةَ الوطيس مع جلاوزة ابن زياد، تساعده كلمات ابنته تحذّره من مهاجميه، وهو يرتجز:

أُقْسِمُ لَو يُكْشَفُ لِي عَنْ بَصَرِي *  لَضَاقَ عَليكُم مَورِدي وَمَصْدَري

تلحّ على ذهني صورة جدّك، يا عبّاس، يتوجّه إلى المسجد في هَدْأَة الليل والناسُ نيام، ثمّ يمضي إلى عمله قبل الشروق ليعودَ قبيل الغروب إلى المسجد، ولا يغادره إلّا في وقتٍ متأخّر.

ومنه ورثتَ مسجديّتك يا عبّاس، فكنتَ دائم الصلاة في المسجد، ومعك صغارُك الذين زرعتَ فيهم حبّ المسجد والمحراب.

ويتذكّرون في موعد كلّ صلاة صبح، كيف كنتَ تتّصل بهم من مواقع الجبهات توقِظُهم للصلاة.

بلى أيُّها الأمير المحلّق.. ومن جدّك ورثتَ أيضاً قرّة العين في صلاة اللّيل.

يتذكّر بعض زملائك كيف أيقظتَه - في القلمون - لصلاة الليل فتذرّع بالبرد، فبادرته: «أَلُفُّكَ بالحْرام» (البطانيّة).

 ويتذكّر آخر، كيف أيقظتَه وأنت تقول له: «ها أنا أُحضِّر القهوة».

ويضيف: «كانت صلاة الليل عند الشهيد عبّاس كأنّها صلاةٌ واجبة».

وأمّا الوالد العزيز الحاجّ يوسف «أبو رائف»، فلن أقفَ إلّا عند ميزة فريدة في شخصه الكريم هي «قلّة الكلام»، لا عن «عِيّ».

 وما أدراك ما هذه العظَمة!

في المرويّ عن المعصومين، عليهم السلام، حشدٌ مترامي الأطراف والدلالات والنتائج عن الصمت وقلّة الكلام وآداب اللسان.

تريد هذه الروايات كلّها أن تقول: إنْ لم تكن من أهل الذكر والكلام النافع، فاحفظ بالصمت سلامةَ المسار والمصير.

فَلتَهْنِكَ هذه المنقبة يا أبا رائف.

ولتَهْنِكَ أُسْرتُك الوادعة المسالمة المُتَديّنة.

وليَهْنِكم هذا الفارس الواصل الذي يشفع لكم وللكثيرين منّا.

ورزقكم الله تعالى مع طول العمر ما رزقه، فلا تحتاجون إلى شفاعته.

****

يا عبّاس... أيّها الأمير الحسيني!

كان هذا عن المنبت.

وأما الثقافة فهي باختصار:

ثقافة «يَا لَيتَنا كنّا معَك». ثقافة «لبّيكَ يَا حُسَين».

 ثقافة «اللّهمّ صلّ عَلى محمّدٍ وآلِ محمّدٍ، وَعَجّل فَرَجَهُم».

 هي نفسها، «ثقافة رجب وشعبان وشهر رمضان».

ثقافة «وَقَتْلَاً فِي سَبِيلِكَ مَعَ وَلِيّكَ فَوَفِّقْ لَنَا».

ثقافة الصلاة والصوم... وكنتَ أيّها المُسافر المُجِدّ كثير الصوم، حتّى إنّك نفّذتَ كلّ عمليّاتك الكثيرة وأنت صائم، وصمتَ ثلاثة أيّام قبل تنفيذ عمليّة نوعيّة لم يوفّق لها غيرك على طول الحدود الفلسطينيّة.

ثقافة القرآن الكريم والنبيّ العظيم.

ثقافة الحسين وأُمّه وأبيه وجدّه وأخيه والتسعة من بَنيه.

ثقافة «صاحب الأمر الذي يتنزّلُ في ليلة القَدر».

السلامُ عليكَ يا صاحبَ الزمان. السلامُ عليكَ يا صاحبَ الزمان. السلامُ عليكَ يا صاحبَ الزمان.

هل إليك يا ابنَ أحمدَ سبيلٌ فتَرضى؟

سيّدي أقفُ على أعتاب شهيدٍ من جنودك وأتوسّل به وبكلّ أترابه الشّهداء والمُنتظرين لعلّك ترضى.

يا ابنَ الزهراء.. يا ابنَ الزهراء.. يا ابنَ الزهراء..

سيّدي سيّدي سيّدي.

إلى الله تعالى نشكو فقدَ نبيّنا، وغيبتَك يا وليّنا، وكَثرةَ عدوّنا، وقِلّةَ عددنا، وشدّةَ الفتن بنا، وتَظَاهُرَ الزمان علينا.

وما الذي نَقِمَ منّا يهودُ الحجاز.. آل سعود، غيرَ نَكيرِ سيوفِنا وتنمُّرنا في ذاتِ الله ضدّ أميركا واليهود.. وكلّ الكافرين.

***

هذه هي ثقافتك يا عبّاس.. ثقافة دعاء الافتتاح، وكُمَيل، والنّدبة، والتوسّل، ومجالس العزاء النبويّة.

أيّ سرٍّ بينك وبين دعاء الندبة يا عبّاس؟

لماذا كنتَ تصرّ على الفوج الذي عُهدتْ إليك قيادته أن يقرأوا دعاء الندبة كلّ جمعة على ضريح شهيد؟

كم قرأ جدّك وكلّ الأسرة والأُسَر المؤمنة دعاء الافتتاح؟

وكيف تعامل جدّك وأهل منبتك «ياثر» وكلّ هذه البلاد مع رجب وشعبان؟

الحسينيُّ شَعبانيّ..

في شعبان مولد الحسين وأبي الفضل – كافل زينب - والسجّاد عليهم السلام.

وفي شعبان مولدُ الطالب بثار ثار الله تعالى؛ الطالب بدم المقتول بكربلاء.

***

وأمّا الشهادة، أيّها الأمير عبّاس، فهي كما تمنّاها عبد الله بن عفيف الأزدي، حين قال لابن زياد: «الحمدُ لله ربّ العالمين، أما إنّي قد كنتُ أسألُ الله ربّي أن يرزقَني الشهادةَ قبلَ أن تَلِدَك أمُّك، وسألتُ اللهَ أن يجعلَ ذلك على يدَي ألعنِ خلقِه وأبغضِهم إليه».

من هم هؤلاء الألعن والأبغض؟

لقد حدّدهم الإمام الحسين، عليه السلام، للأجيال حين خاطبهم في كربلاء:

«وَيْلَكُمْ يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِيْنٌ وَكُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ يَوْمَ المَعَادِ، فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ هَذِهِ، وَارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِنْ كُنْتُم عُرُبَاً كَمَا تَزْعُمُونَ».

إنّهم النواصب الذين يخرجون على إجماع الشيعة والسنّة ويُبغضون أهل البيت، عليهم السلام، ويحبّون آل أبي سفيان.

ليسوا سُنّة، مهما تظاهروا بزعامة أهل السُّنّة والجماعة.

إنهم فروع الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن، وامتداد التحالف الأموي - اليهودي الذي أسّسه الشيطان على يد أبي سفيان ويهود المدينة المنوّرة.

بعد الألف شهر، راق العبّاسيّين تمويهُ الأمويّين للتسلّل إلى موقع «أولي الأُمر» فاعتمدوا نفس المخطّط الأموي. ممّا يثبت ذلك ما أورده الطبري في (تاريخه) في أحداث سنة أربع وثمانين مائتين.

وتواصَل اعتماد هذا المخطّط إلى القرن السابع الهجري، فكان ابن تيميّة علامة فارقة في التحالف الأموي - اليهودي المُتسلّل إلى زعامة الأُمّة، ثمّ جاء ابن عبد الوهّاب ليُعيد صياغة أفكار ابن تيميّة في ما عُرف باسم «الوهّابيّة» التي تبنّتها المخابرات البريطانية، ثمّ الصهيو - أميركيّة، خطّةَ عملٍ لآل سعود وآل الشيخ (ابن عبد الوهّاب) للتسلّق والتسلّل إلى زعامة العالم الإسلاميّ.

**

من بين الأدلّة الدامغة التي تحفل بها كتب علماء الأُمّة، شيعةً وسنّة، حول حقيقة ابن تيمية – وبالتالي جميع الوهّابيّين - أكتفي ببعض ما أورده ابن بطّوطة في رحلته المعروفة تحت عنوان «الفقيه ذو اللَّوثة» حيث يقول:

«وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيميّة كبير الشام يتكلّم في الفنون. إلا أنّ في عقله شيئاً. وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ويَعِظُهم على المنبر ".." حضرتُه يوم الجمعة وهو يَعِظُ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم. فكان من جملة كلامه أنْ قال: إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجةً من درج المنبر، فعارضه فقيهٌ مالكيّ يُعرَف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به. فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطتْ عمامته».

 

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

14/08/2015

دوريّات

نفحات