مصطلحات

مصطلحات

14/09/2015

عِلْمُ البيان


عِلْمُ البيان

____ د. إبراهيم الديباجي* ____

البيان في اللّغة، يدلّ على الانكشاف والوضوح، فهو ما بُيِّن به الشّيء من الدلالة وغيرها. قالوا: بأنّ الشّيء يُبيَّن بياناً: اتّضح، هو بَيِّن. واستبانَ الشّيءُ: ظهر. واسْتبنْتُهُ أنا: عرفتُه.

ودخلتْ هذه اللّفظة في البلاغة واستُعملت استعمالاً كان له مدلولٌ خاصّ، ستعرفه فيما يأتي:

تعريفُ علم البيان وأقسامه

للتعبير عن المعاني طُرق مختلفة، ولكلّ أديبٍ طريقتُه الخاصّة في التعبير عن المعنى الذي يريدُ بيانَه، إلّا أنّ الخيال عنصر أساسي في تصوير المعنى وترسيمه على صوَر مختلفة، فيُوجد له ميداناً واسعاً للتعبير عن المعنى الذي يجول في خاطره ويدور في خلَده، فإذا أراد التعبير عن أيّ معنى يطوف حول ضميره، استطاع أن يختار من فنون القول، وطُرق الكلام ما هو أقربُ لمقصده، وأليَق بغرضه، بطريقة تبيِّن ما في نفسه من صوَر الخيال، وتُظهر مقاصده، وتُوصل الأثر الذي يريدُه به إلى نفس السّامع في المقام المناسب.

ولو تأمّلتَ المعاني الصادرة عن الأديب، لوجدتَها ليست تعبيرات عادية كالتعابير المتداولة بين أفراد الناس، وإنّما يتفنّن فيها توخّياً للعُمق، وتوسيعاً لطاقات الإيحاء، وإمعاناً في التوضيح، وسعياً وراء الجمال، والتأثير في نفوس الناس، وتحريك عقولهم وعواطفهم وإحساساتهم، وإقامة المشاركة الوجدانية.

هذا التفنّن في التصوير والتعبير وفي طُرق البيان، هو ما يسمّى بـ «التصوير البياني»، وهو الذي جعل له البلاغيّون علماً خاصّاً سمّوه «علم البيان»، يقوم على قواعد وأصول يُعرف بها إيراد المعنى الواحد بطُرق مختلفة من اللّفظ، تتباين في وضوح دلالاتها العقليّة على ذلك المعنى، مع رعاية المطابقة لمُقتضى الحال، كما تتباين في جمالها ومدى إيحائها، وبُعد المرمى الذي تهدف إليه.

وهذه أمثلة مختلفة تؤدّي جميعها معنًى واحداً هو وصف شخصٍ بالجُود والكرم: فلانٌ جواد – بحرٌ – باسطُ اليد – مفتوحُ الدار... إلخ.

فكلّ واحدٍ من هذه الأمثلة يؤدّي المعنى المقصود، وهو الدلالة على «جُود فلان»، ولكنّه يختلف عن الآخر في الأسلوب، حيث جاء الأوّل منها - زَيدٌ جَواد - خالياً من التشبيه ومن قوّة التأثير في النفوس. وجاء الثاني منها – زَيدٌ بَحر - أسلوباً فيه التشبيه وقوّة التأثير في النفوس، كما هما يختلفان في وضوح دلالاتهما على المعنى المقصود، فإنّ المبالغة التي نحسُّها في الأسلوب الثاني، لا نجد لها أثراً في الأسلوب الأوّل، وقِس عليهما البواقي.

وقد حُصر علمُ البيان في الدلالات العقليّة (أي: الالتزاميّة والتضمّنيّة)؛ فكانت مباحثه تشملُ المجازَ والكناية، لأنّهما يُمكن إيراد المعنى الواحد بهما في طُرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه، وبالنقصان.

أمّا التشبيه، فدلالاتُه وضعيّة، فلا يدخل في هذا التعريف الذي أورده السكاكيّ في (مفتاحه)، ولكنّه لمّا رأى أنّ الاستعارة (وهي من أنواع المجاز) تعتمدُ عليه اعتماداً كبيراً، اعتبره أصلاً من أصول البيان، وبذلك أصبحت مباحثُه في كُتبه ثلاثة، هي التشبيه والمجاز والكناية. وسار البلاغيّون على هذا التقسيم ولم يخرجوا عنه، فعلى هذا لا يُطلَق «البيان» إلّا على جزءٍ من البلاغة، أو على أحد أقسامها الثلاثة المتعلّق بالبحث في التشبيه، والمجاز، والكناية.

فعلى ذلك نعرف أنّ غاية «علم البيان» هو تمكين المتأدّب من مجاراة البُلغاء من حيث وفائه بمقتضيات المعاني وبمتطلّبات الذّوق والجمال، ومدى إيحائها وبُعد مرماها الذي تهدف إليه، وبإجادة قوانينه وإبداع مهارته، وفهم أساليبه المتعدّدة، واختيار الأبلغ منها والأوضح دلالة.

____________________________

* باحث في اللغة والعلوم القرآنية

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

14/09/2015

دوريات

  إصدارات أجنبيّة

إصدارات أجنبيّة

نفحات