موقف : ثقافة المقاومة.. أو ثقافة الإستتباع

موقف : ثقافة المقاومة.. أو ثقافة الإستتباع

02/06/2011

 رائد أبو الحسن

لو كان لنا من رؤية إجماليّة للمشهد الثقافي الراهن على امتداد العالمين العربي والإسلامي لوجدنا وضوحاً بيَناً في مسارات الإستقطاب واتّجاهاتها. نقول هذا على الرّغم ممّا يشوب الصورة العامة من تداخلات وتباينات تبدو أحياناً في غاية التعقيد. وفي أيّ حال يُمكن القول إنّ في عالمنا العربي - الإسلامي اليوم ما يشهد على حضور ثقافتين تتنازعان حاضر الأُمّة ومستقبلها.
الأولى: ثقافة الإستتباع، وهي تلك التي تقوم على الخضوع لمنظومة القيم الغربيّة، وعلى الرضى والقبول بمشروعيّة الكيان الإستيطاني الصهيوني في فلسطين.
والثانية: ثقافة المقاومة، بما هي منظومة نهضويّة أخلاقيّة شاملة، ترمي إلى تحرير الإنسان والأرض، وتحقيق السيادة والكرامة الوطنيّة.

***


ليست التحوّلات التي تعصف بمجتمعاتنا العربيّة هذه الأيام، سوى تجلٍّ صريح لاحتدام هاتين الثقافتين. وسيبدو لنا بوضوح لا يقبل الريب، أنّ ما كشفت عنه تلك التحوّلات، يُفضي إلى ضرورة مغادرة خطرَين تاريخيَّين متلازمين: خطر الهيمنة الإستعمارية، وخطر الإستبداد الداخلي.
غير أنّ الوجه الأشدّ خطراً  في المشهد العربي الإجمالي، وهو السعي الحثيث من جانب الغرب والولايات المتحدّة على وجه الخصوص، إنّما يتمثّل بالحرب الثقافيّة المُضادّة التي تُشنّ على الأمّة عبر ثلاثة محاور مركزيّة في آن:
الأوّل: مصادرةُ أيّ احتمال ثوري في المجتمعات التي شهدت ثورات شعبيّة حقيقيّة، مثل مصر، وتونس، واليمن، والبحرين، وليبيا.
والثاني: استئناف استراتيجيّات الفوضى التي كان بدأها المحافظون الأميركيّون الجُدد قبل نحو عقدين مضيا، من خلال إثارة الفتن، والحروب الأهليّة، وتفجير الوحدات الوطنيّة داخل مجتمعات الممانعة. ولعلّ ما تتعرّض له سوريا اليوم، كما لبنان والعراق من قبل، يُشكّل أمثلة صارخة على ذلك النوع الذي اصطُلح على تسميته بـ «الفوضى الخلّاقة».
وأمّا الثالث: فيقصد الساعون إليه إلى احتواء ثقافة التحرير والمقاومة؛ تلك الثقافة التي أطلقت زمناً جديداً من النهوض العارم بعد الإنتصارات الظافرة التي حقّقتها المقاومة الإسلامية في لبنان عام 2006، وفي فلسطين عام 2009.
ولقد بدا ذلك جليّاً في النموذج المدوّي، الذي أظهرته الحملات الإعلاميّة الغربيّة لمصادرة معنى الإنتصار، وإعادة الإعتبار لخطاب ثقافي معاكس قِوامه العمل على بثّ الروح داخل الأطروحة «الإسرائيليّة» المهزومة. ولعلّ ما نشهده من تداعيات ثقافيّة إن لجهة تفعيل عمليّات التطبيع، أو لجهة إعادة تعويم الظاهرة «الإسرائيليّة» بين نخب وشعوب المنطقة العربية والإسلامية، يُظهر المقاصد الحقيقيّة لما يُسمّى بـ«الحرب الناعمة»، التي غالباً ما تجري تحت عناوين  ذات أبعاد ومضامين أخلاقيّة مثل الحريّة والديمقراطية وحقوق الإنسان. ولمّا كانت عناوين كهذه تنطوي على قابليّة التوظيف والإستخدام من قِبل قوى الهيمنة، فإنّ في ذلك ما يدلّ صراحة على أنّ المآل الجوهري لعملية الغزو الثقافي المتمادي، هو حفظ شرعيّة «الوجود الصهيوني في المنطقة»، مع كلّ ما يترتّب على هذا المآل من عمليات احتواء لأيّ احتمال ثوري، يضع المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، ومراكز القرار فيها، في مواجهة تاريخيّة مع السيطرة الثقافيّة الإستعماريّة، فضلاً عن الدولة اليهوديّة في فلسطين.

***


إذا كانت هذه هي السِمات الإجماليّة لصورة الإحتدام الحاصل بين ثقافة الإستتباع وثقافة المقاومة، فإنّ التهيّؤ لزمنٍ جديدٍ من المواجهات بات يفترض وضوحاً في استراتيجيّات المقاومة الثقافيّة أكثر من أيّ يومٍ مضى، ذلك أنّ فعلاً ثقافيّاً بهذا المستوى من التصعيد سيُشكّل منعطفاً فاصلاً في نتائجه ودروسه وآثاره التاريخيّة. ذلك أيضاً ما يَفترض بالنُّخَب الثقافيّة في البلاد العربيّة والإسلاميّة أن تضع نفسها عند الحدّ الأقصى من الوفاء لتضحيات شعوبها ودماء شهدائها. وعلى هذا الأساس، فإنّ مُقتضى الوفاء يكون أولاً بمضاعفة الإستعداد لصَون الإنتصارات التي تحقّقت في خلال السنوات العشر المنصرمة، وبالتالي ترسيخ معنى النصر في وجدان أبناء الأمّة بوصفه الأساس الذي تنبني عليه الإنطلاقات النهضويّة الموعودة.
ومن مُقتضيات الوفاء أيضاً وأيضاً، التنبُّه إلى الحروب المفتوحة على قِيَمنا الدينيّة والأخلاقيّة. وتلك هي أقصى الحروب التي نواجِه فصولها المتمادية في بلادنا، وفي عواصم الغرب نفسه: من جريمة الرسوم المُسيئة للنبي الأعظم صلّى الله عليه وآله، إلى حرق القرآن الكريم... ناهيك عن الجرائم الموصولة بكلّ صنوف الكراهية للإسلام والمسلمين.


اخبار مرتبطة

  إصدارات : دوريات

إصدارات : دوريات

02/06/2011

  إصدارات : كتب أجنبية

إصدارات : كتب أجنبية

02/06/2011

  إصدارات : كتب عربية

إصدارات : كتب عربية

02/06/2011

نفحات