صاحب الأمر

صاحب الأمر

06/01/2016

جولة في آراء العلماء


معنى نَفي المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى

جولة في آراء العلماء

ــــــــــــــــــــــــــــــ الشيخ حسين كوراني ــــــــــــــــــــــــــــــ

 

هل يُمكننا أن نرى الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف في عصر الغيبة الكبرى؟ أم أنّ ذلك ممتنعٌ نظراً لما جاء في التوقيع الصادر عن الناحية المقدّسة بواسطة آخر السفراء الأربعة عليّ بن محمد السمّريّ؟

هذه المقالة المختصرة عن كتاب (حول رؤية المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف) للشيخ حسين كوراني تجيب عن هذا السؤال.

 

روى الشيخ الصدوق وغيره أنّ السّمريّ، آخر السفراء الأربعة عليهم الرحمة والرضوان، أخرج إلى الناس توقيعاً هذا نصّه:

«بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. يَا عَليُّ بْنُ مُحَمَّد السُّمَّرِيّ، أَعْظَمَ اللهُ أَجْرَ إِخْوَانِكَ فِيكَ، فَإِنَّكَ مَيِّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أَيَّامٍ، فَاجْمَعْ أَمْرَكَ، وَلَا تُوصِ إلى أَحَدٍ يَقُومُ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الغَيْبَةُ الثَّانِية، فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأَمَدِ، وَقَسْوةِ القُلوبِ، وَامْتِلَاءِ الأرْضِ جَوْراً، وَسَيَأْتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي المُشَاهَدَة، أَلَا فَمَنِ ادَّعَى المُشَاهَدَة قَبْلَ خُرُوجِ السُّفيَانِيّ والصَّيْحَةِ فَهُوَ كَاذِبٌ مُفْتَرٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم».

لا شكّ في أنّ النيابة الخاصة أمرٌ انتهى بانتهاء الغيبة الصغرى، وكلّ رواية تنفي إمكان الرؤية والمشاهدة في عصر الغيبة الكبرى ينبغي حملها على نفي هذا النوع من المشاهدة المقترنة بنيابة خاصّة، وقد صرّح بهذا جمعٌ من كبار العلماء رضوان الله عليهم، وتدلّ نصوصهم بكلّ وضوح على أنّ التشرّف بلقائه عليه السلام ممكن، بل صرّح أكثرهم بوقوعه. وإليك جانباً من أقوالهم:

1 – السيّد الشريف المرتضى (355 – 436 هـ): قال عليه الرحمة: «إنّه غير ممتنع أن يكون الإمام عليه السلام يظهر لبعض أوليائه ممّن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، فإنّ هذا ما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه.. ».

2- صاحب (كنز الفؤائد) الشيخ الكراجكي (ت: 449 هـ): قال رحمه الله في معرض بيان الفائدة من وجود الإمام رغم غيبته: «ولسنا مع ذلك نقطع على أنّ الإمام عليه السلام لا يعرفه أحد، ولا يصير (يصل) إليه، بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به وتخفيه».

3- الشيخ الطوسي (385 -460 هـ): قال عليه الرحمة: «وما ينبغي أن يقال في الجواب هو أنّنا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه، بل يجوز أن يظهر لأكثرهم».

* وفي معرض الحديث عن ظهوره عليه السلام قال رحمه الله: «إنّ الأعداء، وإن حالوا بينه وبين الظهور على وجه التصرّف والتدبير، فلم يحولوا بينه وبين لقاء مَن شاء مِن أوليائه على سبيل الاختصاص..».

4- السيد ابن طاوس (589-664 هـ): يقول في (رسالة المواسعة والمضايقة): «وسمعتُ من شخص لا أذكر اسمه عن مواصلة بينه وبين مولانا المهديّ صلوات الله عليه. ولو كان يسوّغ نقلها لبلغت عدة كراريس، وهي تدلّ على وجوده المقدّس وحياته ومعجزته».

* وأبرز ما في هذا المجال أنّه ينقل قصة شخص رأى الإمام عليه السلام، وأرسله الإمام إليه (أي إلى السيّد ابن طاوس). بل صرّح السيّد نفسه بسماع صوت الإمام عليه السلام، فقال في (مهج الدعوات): «وكنت أنا بسرّ مَن رأى فسمعت سحراً دعاءه عليه السلام، فحفظت منه عليه السلام من الدعاء لمَن ذكره من الأحياء والأموات: وَابْعَثْهُم فِي عِزِّنَا وَمُلْكِنَا، وَسُلْطَانِنَا وَدَوْلَتِنَا. وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وستمائة».

وهذه التصريحات والتلويحات من السيد رحمه الله، تؤيّد ما يُذكر من أنّه أكثر علمائنا الأبرار تشرّفاً بلقاء بقيّة الله في الأرضين عليه صلوات الله تعالى، يليه في ذلك السيّد بحر العلوم رحمهما الله تعالى.

5 – العلامة الحلّي (648 – 725): بين قصص اللقاء، قصة تشرّف العلامة الحلّي برؤية الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ويروي هذه القصّة العالم الجليل التنكابني في كتابه القيّم (قصص العلماء) عن العالم الشيخ اللاهيجي عن أستاذه، أنّه رأى القصّة بخط العلامة الحلّي في نسخة كانت له من كتاب (التهذيب) للشيخ الطوسي، وقد دوّن العلّامة هذه القصة على هامش رواية كان الإمام عليه السلام قد حدّد له مكانها من كتاب (التهذيب).

6- صاحب (المعالم) الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني عليهما الرحمة (959 - 1011 هـ): أورد المحدّث النوري عليه الرحمة نقلاً عن (الدرّ المنثور) ما يلي: «سمعت من بعض مشايخنا وغيرهم أنّه لمّا حج كان يقول لأصحابه: نرجو من الله سبحانه أن نرى صاحب الأمر عليه السلام، فإنّه يحجّ في كلّ سنة..».

7- الحرّ العاملي (1033 - 1104 هـ): أورد في كتابه (إثبات الهداة) القصة التي يتحدّث فيها عن رؤيته صاحب الأمر بين النوم واليقظة، ثمّ قال بعد إيراد عدّة قصص مشابهة: «وقد أخبرني جماعة من ثقات الأصحاب أنّهم رأوا صاحب الأمر في اليقظة وشاهدوا منه معجزات ".." وأخبرَهم بعدّة مغيّبات ودعا لهم ".." وأنجاهم من أخطارٍ مُهلِكات ".." وكلّها من أوضح المعجزات».

8- الشيخ أبو الحسن بن معتوق بن عبد الحميد الفتوني النباطي العاملي (ت: 1140 هـ): وهو جدّ صاحب (الجواهر) وتلميذ المجلسي الأول. قال المحدّث صاحب (المستدرك) ما ترجمته: يقول في كتاب (ضياء العالمين) بعد أن ينقل بعض قصص من شاهد الإمام المنتظر: «المنقولات المعتبرة في رؤية صاحب الأمر عليه السلام غير ما ذكر كثير، حتّى في هذه الأزمنة القريبة، وقد سمعت من الثقات أنّ مولانا الأردبيلي رآه عليه السلام في جامع الكوفة، وسأله مسائل، وأنّ مولانا محمد تقي والد شيخنا رآه عليه السلام في الجامع العتيق بأصفهان».

9- السيّد بحر العلوم (1155 - 1212 هـ): في معرض حديثه عن التوقيعات التي خرجت من الناحية المقدسة إلى الشيخ المفيد، قال السيّد عليه الرحمة والرضوان: «وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة حال المبلّغ ودعواه المشاهدة المنفيّة بعد الغيبة الكبرى، ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغَيب الذي لا يطّلع عليه إلّا الله وأولياؤه بإظهاره لهم، وأنّ المشاهدة المنفيّة أن يشاهد الإمام، ويعلم أنّه الحجّة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يُعلم من المبلّغ ادّعاؤه لذلك».

10 – السيد محسن الأمين رحمه الله (1284 – 1373 هـ): قال عليه الرحمة: «وقد جاءت أحاديث دالّة على عدم إمكان الرؤية في الغيبة الكبرى، وحُكيت رؤيته عليه السلام عن كثيرين في الغيبة الكبرى، ويمكن الجمع بحمل نفي الرؤية على رؤية من يدّعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه، على مثال السفراء أو بغير ذلك».

***

هذه أقوال بعض كبار علمائنا الأبرار في مسألة الرؤية، وهي تكاد تغطّي الفترة الممتدة من القرن الرابع حتى القرن الرابع عشر الهجري، وما هي إلّا جانب ممّا يجده المتتبّع في هذا المجال، بل يمكن الجزم بالإجماع على إمكان الرؤية ووقوعها.

ولم أجد أحداً من العلماء يتبنّى القول بعدم إمكان رؤيته عليه السلام، وليس من الصحيح أبداً أن يُدرس توقيع السّمّري رحمه الله، بمعزل عن هذه الحقيقة التي تلتقي عندها كلمات العلماء الأعلام، فهم رغم علمهم به يصرّحون بإمكان اللقاء أو وقوعه.

اخبار مرتبطة

  ملحق شعائر/ 21

ملحق شعائر/ 21

  إصدارات عربية

إصدارات عربية

نفحات