البسملة

البسملة

08/02/2016

ماذا بعد الملفّ النّوويّ.. ثقافيّاً؟

ماذا بعد الملفّ النّوويّ.. ثقافيّاً؟

بقلم: الشّيخ حسين كَوْراني

ما هي أولويّات إحياء ثقافة «الشّعائر الدّينيّة» في النّفس والمجتمع؟

في السّبعينات من القرن الماضي، كان هذا السّؤال مطروحاً، في العالمَين العربيّ والإسلاميّ، ولم يكن الإسلام وقتها طرفاً فاعلاً في الصّراع السّياسيّ.

سوء أداء تحالف الإقطاع الدّينيّ والسّياسيّ – آنذاك - جعل الدّين مستهدفاً من الجميع. تسلّل آل سعود إلى زعامة العالم الإسلاميّ. غدت المناخات مؤاتية لإطلاق مغالطة: «الدّين أفيون الشّعوب»!

عاد السّؤال عن العودة إلى الدّين، ليُطرَح بقوّة في أواخر السّبعينات، عشيّة انتصار الثّورة الإسلاميّة في إيران.

سجّر الشّيطان «الكبير»[1] الأميركيّ ضرم حربٍ كونيّة ضدّ إيران، أسهم في تصاعد لهيبها الشّرق والغرب، والعرب والعجم، والإنس والجنّ.

صار هذا السّؤال أكثر إلحاحاً ليتّخذ المنحى العمليّ الأقصى. ليس «شِعبُ أبي طالب» في الثّمانينات والتّسعينات ومُفتتَح الألفيّة الثّالثة، معاناةَ الحصار المرّ، والضّنك الأشدّ ثلاث سنين، وحسب. دام ثلاثة عقود ونصف العقد.

ليس حصارَ قبيلة، وإن كانت أمَّ أمِّ القرى والقبائل. حصارٌ كونيّ، يدشَّن بحرب عالميّة، معادلاتها غريبة، والنّتائج عجيبة. أبرزها أنّ الحلفاء لم يحتفلوا بالنّصر. لجأوا إلى تشديد الحصار.

عام 2016 للميلاد، آل حصار «الشِّعب» الجديد إلى الفشل المدوّي.

عَصِيٌّ على «المادّيّ» أن يحلّل مفاعيل «رصاصة» انطلقت من القرن السّابع الميلاديّ - والتّعبير للأستاذ هيكل - لتستقرّ في القرن العشرين.

أنّى يُمكنه – إذاً - أن يفقه ترادف قصف الرّعد الهادر من الغَيب؟

***

ما شئتَ - في «الملفّ النّوويّ» - فقُل..

لا مناصَ لك من الاعتراف بحقيقتَين:

* أنّ نهاياته تزامنت مع ذروة ضعف «إسرائيل». وهي «حجر سنمّار» الغرب في الشّرق.

* وتزامنت مع انكشاف عجز الجمل السّعوديّ الهائج. جعجعةٌ بلا طَحْن. وانكشاف أنّ أميركا – بالتّالي - تمخّضت فولدت «دواعش آل سعود»، وحرب الجبناء من «فوق الغيم»، عبر تحالفَيْها في العراق واليمن. كاللّصّ يرمي حجراً من خلف السّور، ويلوذ بالفرار.

لم يعد لأميركا في الحروب البرّيّة مطمع. هي وأدواتها أجبن من ذلك.

لا «الرّبيع العربيّ» أسعف أميركا، ولا استنساخ مجازر «الرّياض» و«الطّائف»، و«الدّرعيّة»، و«بحر البقر»، و«دير ياسين» أسمن وأغنى!

أدخلت «مقاومة الشّعائر» الصّهاينة المحتلّين، وسائر اليهود – بمن فيهم يهود المدينة وآل أُبَيِّ بنِ أبِي سَلّول - في قلب معادلة: «بطنُ الأرض خيرٌ من ظهرها»!

***

بطنُ الأرض للمجاهدين: كهوفٌ في «جبل الدّخان» وغيره من قِمم اليمن الصّخريّة، أو سهولها والأودية، تهزأ بقارون وجَمْعِه، وهامان وصَرْحِه، أو أنفاقٌ في فلسطين «تلقف ما صنعوا» من جُدُرٍ أو «باتريوت». ﴿.. تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ الأعراف:117-119. ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الأعراف:139.

بطنُ الأرض لوجهَي الغدّة السّرطانيّة: مخابئ لليهود ريثما يُتاح الفِرار ﴿.. إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾ الأحزاب:13، أو مقابر لآل سعود ودواعشهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾ الأنفال:36.

***

ليس اختلال ميزان القوى لصالح شعوب المنطقة، العاملَ الوحيد في انتصار إيران «النّوويّ». ليست سياسة الاحتواء – كذلك - العامل الوحيد لما أُنجز.

 تماهى العاملان:

* اختلال موازين القوى جرّاء انتصاراتٍ متتالية أحرزتها إيران.

* ما سُمِّي بالتّبدّل الإستراتيجيّ في السّياسة الأميركيّة، في مواجهة الشّعوب والأنظمة.

تضافر العاملان فكان الاتّفاق الإنجاز.

في الطّريق إلى «الإنجاز» كان الإصراران: الإيرانيّ على إحراز النّصر. والأميركيّ على تقليل أرباح إيران، وخسائر أميركا.

تقليل الأرباح: عبّر عنه السّيّد القائد بـ«الأكلاف الباهظة».

تقليل الخسائر: عبْر تلميع صورة «القدّيس الأميركيّ» الذي بلغ أرقى مدارج الحضارة!! استبدل استراتيجيّة اعتماد «القوة الصّلبة» باعتماد «القوّة النّاعمة»!

فهل نصدّق بالمطلق؟ أم ننفي بالمطلق؟ أم نحلّل فنوازن؟

***

تراوحت كليّات خطاب القائد حول «الملفّ النّوويّ» في المسار التّالي:

إنجازٌ نوعيّ. أكلافٌ باهظة. المزيد من الحذر الشّديد. أولويّة الاقتصاد المقاوم. خوض غمار الحرب النّاعمة. «فلسطين» القضيّة الأولى. الوحدة الإسلاميّة. ليس الوهّابيّون من الأمّة...

حاصل هذه الرّؤية المسدّدة:

الشّيطان هو الشّيطان. لا تَقُل «القوّة النّاعمة» وقُل: «الحرب النّاعمة». كان الغزو الثّقافيّ أخطرَ الحروب النّاعمة، وقد تعاظم الخطر. اليقين الثّقافيّ. ثقافة الصّلاة أوّلاً.

***

نغادر دوّامة مواجهة أميركا أميركيّاً، حين نفقه الأولويّات الثّقافيّة الرّاهنة، كالآتي:

1-   اليقين الثّقافيّ. وضعُ حدٍّ غيبيّ - واقعيّ وحقيقيّ - لفجائع التّقليد الأعمى باسم الانفتاح الثّقافيّ. إنقاذ مدارسنا الإسلاميّة وجامعاتنا - وبعض أكثر الحوزات - من استعمار المناهج التّربويّة المادّيّة.

2-   تظهير ثقافة الإيمان بالغيب. التّسلّح بالقوّة الأنعم! قوّة سلامة الفطرة. سلامة سلطان العقل على الهوى في إنسانيّة البشر.

حديث سكَرَات الموت، وضَغْطَة القبر، ومُنكر ونَكير، ورومان فتّان القبور..، حديثُ ما بعد ما بعد الحداثة. حديث الخلود ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.

3-   اليقين بأنّ الأحكام الشّرعيّة، حدود الله. يستشهد المعصوم في سبيلها. فقه القلب والحياتَين الدّنيا والطّيّبة.

4-    وعي دلالات أنّ «الصّلاة عمود الدّين» والبناء التّثقيفيّ على هذا المدماك.

***

بلوغ هذا الأفق الثّقافيّ المبين، رهْنُ حُسن الإصغاء للخطاب الثّقافيّ النّوعيّ، للإمام الخامنئيّ:

* حول الصّلاة، قال سماحته: «وليعلم الجميع أنّ واحدةً من أهم السُّبل تأثيراً للحدّ من الآفات الاجتماعيّة، هي ترويج الصّلاة وإشاعتها. فجِدّوا واجتهِدوا لئلا يبقى حتّى شخص واحد من الشّباب والنّاشئين في البلد متساهلاً في أمر الصّلاة. فإنّ هذه هي من أفضل الطّرق لسيادة السّلامة المعنويّة والرّوحيّة في أبناء شعبنا ومجتمعنا.

وابذلوا جهودكم ومساعيكم في سبيل أن يتعلّم الجميع ويتعوّدوا على أداء الصّلاة بخشوع وحضور قلب».

للبناء على هذا التّأصيل سياقٌ آخر.




[1]- هذا هو الصّحيح في وصف الإمام الخمينيّ لأميركا، فقد قال: «شيطانِ بُزُرْگ».

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

08/02/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات