كتاب «شعائر»-1-

كتاب «شعائر»-1-

14/06/2011

ثقافة شهر رجب مختارات من توجيهات الإمام الخامنئي دام ظلّه

 

كتاب «شعائر» (1)

ثقافة شهر رجب
مختارات من توجيهات الإمام الخامنئي دام ظلّه

إعداد:الشيخ علي المسترشد

رجب 1432 هـ - حزيران 2011 م



* شَهْرا رجب وشعبان تمهيدٌ لشهر رمضان، وكلاهما مقدّمة لليلة القدر.
* حبّذا لو يُهيّئ شبابنا الأعزاء، وعموم أبناء شعبنا قلوبَهم في هذا الشهر استعداداً لدخول شهر شعبان وشهر رمضان.
* عليكم أن تستغلِّوا هذه الأيام المباركة بالاعتكاف في شهر رجب المبارك.
الإمام الخامنئي دام ظلُّه


تقديم

من أبرز معالم «خطّ الإمام» في البُعد العبادي، العناية العمليّة والعلميّة بالأشهر الثلاثة؛ شهرَي رجب وشعبان وشهر رمضان، ويرجع السبب في هذه العناية إلى موقع ثقافة هذه الأشهر في عمليّة البناء التربوي-العبادي للشخصيّة المؤمنة.
تتميّز هذه الثقافة بأنّها مادّة الدورة الأولى والموسم الثقافي الأوّل، على مدار السَّنة، بل إنَّ جميع المواسم العباديّة الأخرى، الشهريّة كالأيّام البيض، أو الأسبوعيّة كَلَيلة الجمعة ويومها، تَقَع في سِياقها وتَتفرَّع عليها وتَصبُّ روافدها في بحرها.
يظهر ذلك جليّاً لدى التأمّل في موقع شهر رمضان من البناء الإيماني للنفس، والتنبُّه إلى أنَّ شهرَيْ رجب وشعبان هما مرحلتان إعداديّتان لشهر الله تعالى، وقد أكسبَهما لذلك أهميّة عبادية وتربويّة إضافيّة، فإذا بهما مع شهر رمضان، شخصيّة واحدة، يُنادى يوم القيامة: «يا رجب ويا شعبان ويا شهر رمضان، كيف عمل هذا العبد فيكم؟..».

وقد جرت عادة المؤمنين عبر الأجيال على هذه العناية المُتميِّزة بهذا الموسم العبادي الفريد.

وقد أَوْلى الإمام الخامنئي هذه الأشهر بتظهيرٍ خاصٍّ في خُطَبه وكُتبه، بل إنَّ بعض مفرداتها والمحطَّات كالمناجاة الشعبانيّة، تُعتبر من  مُرتَكزات خطاب الإمام في البُعد الروحي.
في هذا الخطّ الإسلاميِّ الأصيل، تأتي قوّة حضور ثقافة هذه الأشهر والحثّ عليها في خطاب وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئي دام ظلّه، وقد قام سماحة الشيخ عليّ المسترشد حفظه الله تعالى، بتنسيق نصوص سماحة السيّد القائد حول رجب وشعبان وشهر رمضان، فارتأت مجلة «شعائر» تقديمها في كتاب نظراً لأهميّتها البالغة في سياق التأسيس والتأصيل الثقافيَّين.
والله تعالى من وراء القصد.

«شعائر»



بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، نَحمدُه ونَستعينه ونَستغفرُه ونتوكَّل عليه، ونُصلِّي ونُسلِّم على حبيبه ونَجيبه وخِيَرَته في خلقه وحافظ سرِّه ومُبلِّغ رسالاته؛ سيِّدنا ونبيِّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيَبين الأطهرين المُنتجبين الهُداة المهديِّين المعصومين، سيّما بقيّة الله في الأرضين، وصلِّ على أئمّة المسلمين وحُماة المستضعفين وهداة المؤمنين.
اُوصيكم وأدعوكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء جميعاً ونفسي بتقوى الله ومراقبة أنفسكم. نعيش أيّام شهر رجب المبارك وأيام (الليالي) البيض المباركة فيه، كما نعيش ذكرى ولادة أمير المؤمنين وإمام المتَّقين عليه السلام .




شهر رجب .. عيد أولياء اللّه

الأدعية الواردة في هذا الشهر دروس تربويّة يجب معرفتها.
نحن اليوم على مشارف الدخول في شهر رجب، وهو شهر كريم ومبارَك، ويُعدُّ هو وشهر شعبان وشهر رمضان عيداً لأولياء اللّه وعباده الصالحين؛ لأنّها موسم المناجاة والتضرّع والتوجّه إلى ربِّ الأرباب.

الإنسان في أيّة بُرهة زمنيّة، وفي أيّ شأن من شؤونه الإجتماعيّة، بحاجة إلى الإرتباط باللّه تعالى والدعاء والتوجّه والتضرّع إليه.

وهذه حاجة أساسيّة، إذ إنّه بدون الإرتباط باللّه، يبقى خاوياً لا جوهر له ولا مضمون.
والتوجّه إلى اللّه والإرتباط به بمثابة روح في جسم الإنسان الحقيقي، وهذا ما يُوجب اغتنام كلّ فرصة تعرض في سبيل توثيق الصلة بين العبد وربِّه.
وفرصة حلول شهر رجب واحدة من هذه الفُرَص.
الأدعية الواردة في هذا الشهر دروس تربويّة يجب معرفتها.
ففي الوقت الذي يوصل فيه الدعاء قلب الإنسان بربّه، ويَشحن نفسه بالصفاء والمعنويّة، يُسهم أيضاً في توجيه فكره وذهنه وهدايتهما.
فهذه الأدعية دروس.
إذا تأمّلنا معانيها عثرنا فيها على أثمن هديّة معنويّة إلهيّة.
الإنسان بحاجة ماسّة لهذه الدروس.


إستثمار فرصة الشباب
أشهر العبادة، لبناء الذات الإنسانيّة

أوصيكم يا أعزّائي، ما دمتم في سنِّ الشباب ولديكم مثل هذا الإستعداد، ببناء ذاتكم معنويّاً، وأن تُوجِّهوا هذا الحماس وهذه المحبّة التي تَسري في أعماقكم نحو المركز والجهة الجديرة بها وهو الباري تعالى، وهو الجمال المُطلَق والحقيقة المُطلَقة، إعتصموا بحبل اللّه، ووثّقوا علاقتكم باللّه تعالى ما استطعتم في كلّ ميادين حياتكم، وهذه مسألة بالغة الأهميّة بالنسبة لكم.

أعزّائي، ما دمتم في سنِّ الشباب ولديكم مثل هذا الإستعداد، ببناء ذاتكم معنوياًّ، إعتصموا بحبل اللّه، ووثّقوا علاقتكم باللّه تعالى ما استطعتم في كلّ ميادين حياتكم...

هذه الحياة -طالت أو قصُرت- فهي إلى زوال، وما هي إلّا ساعة، غير أنّ الإنسان لا يُدرك هذه الحقيقة وهو في سنِّ الشباب، ولكنْ حينما يتقدَّم به العمر ويفهم الحياة، يدرك أنّها ساعة واحدة لا أكثر.
وهذا ما يُوجب استغلال هذه الفرصة بأقصى ما يُمكن؛ لأنَّ حقيقة الذات الإنسانيّة هي الباقية بعد هذه النشأة، وهي التي تعيش الحياة الحقيقية ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ..﴾ ، وهي التي يمكنها لقاء اللّه، ونَيْل تلك الحقيقة التي عيّنها لها اللّه تعالى؛ لكي لا تنحرف ولا يعتريها النُّقصان والخَلَل، ولا تقع في العذاب، وهذا الخيار بأيديكم.
ولا بدّ أن تنصبّ جهودكم طوال أعماركم في هذا الإتِّجاه، وكلّ ما سوى هذا خطأ وإنحراف.

كلّ مَن يَجعل الدُّنيا ولذَّاتها وشؤونها اليوميّة أكبر همِّه فهو مُخطئ، ولا بدّ أن يأتي اليوم الذي يَعي فيه خطأه، ولكنْ بعدما يكون الوقت قد فات ولا يُمكن عندها فعل شيء، ولكن إذا أردتُم السَّيْر على هذا الطريق فعليكم السَّيْر فيه باندفاع وإخلاص وشَوْق، وعليكم باستثمار فترة شبابكم من أجل التقرّب إلى اللّه.

ويُمكن استثمار هذه الفرصة منذ الآن.
هذا هو شهر رجب وسَيَحلُّ في المستقبل القريب شهرا شعبان ورمضان، فتزوَّدوا في هذه الأشهر الثلاثة بما تستطيعون من ذخيرة معنويّة؛ لأنَّ هذا يعتمد على روح الشباب وسيُدَّخر لكم، وهذا يَصدُق على سائر شؤون المجتمع، فكلّ ما يستند إلى الشباب يَتَّصف أولاً بالبقاء، وثانياً أنَّه يكون مونقاً ويانِعاً، وقضيّة مجابهة الإستكبار من هذا القبيل، وتحمل توجُّهاً وطنيّاً بالنسبة لبلدنا وشعبنا.




إصلاحُ النفْس، وإبعادُها عن الغفلة

أوّلُ شيءٍ ينبغي أن نلاحظه جميعاً -أينما كنّا في هذه الأيّام، أيّام شهر رجب المبارك، ثمّ في أيّام شعبان المبارك، ثمّ على درجة ثالثة أرفع في شهر رمضان المبارك- هو إصلاحُ أنفسنا وإبعاد الغفلة و الظُّلمات عن قلوبنا. هذا هو الأصل و الأساس.

كلُّ هذه الأحداث و التجاذبات المتواصلة في حياة الإنسانيّة، وفي بعثة الأنبياء، وفي الكفاح الإجتماعي والسياسي والعسكري الذي خاضه الأنبياء الإلهيُّون ضدّ أعداء الله تعالى-المِحَن والآلام والأفراح والإنتصارات والهزائم، كلُّها وكلُّها- مقدّمة يُراد منها أن يستطيع الإنسان عند اجتياز هذه الحدود التي هو مضطرٌّ لاجتيازها -أي الحدود بين الحياة المادّية و الحياة الأُخرويّة الدائميّة- أنْ يكون مسروراً راضياً غيرَ مُتَحسِّر.
 الكلام كلُّه حول هذا الشيء. إذا قيل لكم فَلْتَكُن أخلاقكم أخلاقاً حسنة، وإذا قيل لكم اعملوا بهذه الضوابط والمُقرَّرات، وإذا قيل لكم جاهدوا وكافحوا، وإذا قيل لكم اعبدوا، فكلُّ ذلك إنّما هو لكي تتحوّل هذه المادة الخام المُودعة لدينا إلى شيء جيّد، ونتاجٍ أمثل، نخرج بها من هذه البوّابة، من أجل أن نملأ هذه الصفحة البيضاء التي مُنِحت لنا لننقّشها بأعمالنا، من أجل أن نملأها بنقوش جميلة إيجابية ونرفعها فوق رؤوسنا ونمضي. كلُّ شيء هناك.. المصير هناك. وهذه مقدّمات.

هذا المعسكر الذي نُمارس فيه اليوم تماريننا، إنّما هو من أجل أن نستخدم تماريننا هذه في مكان ما.

 ينبغي أن تنصَبَّ مساعينا في هذا المعسكر على الإنتفاع من الفُرص إلى أقصى حدٍّ ممكن، ولا ندعْ غنيمةً تفوتنا أو رصيداً يحترق و يتلاشى ولا يعود علينا عائدٌ مقابلُه.

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ..﴾ .. هذا هو معنى الخُسر.. معناه احتراق رأس المال وذهابُه وضَياعه. نحن جميعاً وفي كلّ لحظة إنّما نخسر رساميلنا. ما هو رأس المال؟ إنه العُمْر. في كلّ لحظة نخسر أنا وأنتم هذا الرصيد.
 لقد خسرنا اليوم قياساً إلى الأمس جزءاً آخر من رأس مالنا. كلّ لحظات هذا العمر الذي يستمرّ عدّة عقود مثلاً إنّما هو فترة احتراق لهذه الشمعة.. فترة اضمحلال رأس المال هذا. حسناً، ما الذي نكسبه مقابل ذلك.. هذا هو المهم. ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

إذا كان ثمّة إيمان وعمل صالح -والجزء الأهم من العمل الصالح هو التواصي بالحقّ والتواصي بالصبر- عندئذٍ سيكون ذلك الرصيد قد ذهب ولكن حلَّ محلَّه شيء أفضل منه. كما لو تأخذون أموالكم إلى السوق و حينما تخرجون منه تكونون قد فقدتموها وعادت جيوبكم فارغة، بَيْدَ أنَّ المهم هو ما الذي أخذتموه معكم بدلاً منها، و أنْ لا تعودوا من السوق صِفر اليدين. 


السكينة في شهر رجب

نترقّب حلول شهر رجب المرجَّب، شهر الذكر والدعاء والعبادة، مستحضرين معنى هذه الآية الكريمة: ﴿هو الّذي أنزل السّكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم وللَّه جنود السّماوات والأرض وكان اللَّه عليما حكيما﴾  حيث إنَّ السكينة تعنى الهدوء والطمأنينة.
إنّ شهر رجب هو شهر جَلاء القلوب وتطهير الرُّوح، شهر التوسُّل والخشوع والذِّكر والتوبة، وصَقْل النفْس وجلائها من المعاصي والذنوب والآثام.

كلّ ما في شهر رجب -من الأدعية والإعتكاف والصلاة- فيه وسائل وسُبُل تساعدنا على جلاء قلوبنا وأنفسنا، وأن ننأى بها عن المآثم والمعاصي، وأن نعمل على تطهير أرواحنا.

هذه فرصة كبيرة بالنسبة لنا، خصوصاً أولئك الذين يُوفّقون إلى الإعتكاف في هذه الأيّام.
﴿..ألا بذكر الله تطمئنُّ القلوب﴾  ذِكرُ الله هو الذي يحفظ القلوب في طُرق الدنيا والحياة العاصفة. اغتنموا ذكر الله تعالى. أدعية شهر رجب بحارٌ من المعرفة. الإنسان حينما يدعو فإنّه لا يقرِّب قلبه من الله و حسب. هذا موجود، وهناك أيضاً التعليم. ثمّة في الدعاء تعليم، وفيه أيضاً تزكية. الدعاء يُنير الذِّهن، ويعلِّمنا حقائق ومعارف نحتاج إليها في حياتنا، ويوجّه القلوب أيضاً نحو الله. ينبغي اغتنام ذكر الله إلى أقصى حدّ.


رسول الله صلّى الله عليه وآله في أشهر العبادة

كان صلّى الله عليه وآله يصوم شهرَي رجب وشعبان فضلاً عن شهر رمضان، إضافة إلى الكثير من أيام السَّنة.

كان الرسول يصوم شهرَي رجب وشعبان فضلاً عن شهر رمضان في ذلك الحرّ القائظ، إضافة إلى الكثير من أيّام السنة كما سمِعنا. وعندما كان أصحابه يقولون له: يا رسول الله، لماذا كلّ هذا الدعاء والإستغفار والعبادة وقد غَفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟! فإنّه كان يجيب «أفلا أكون عبداً شكوراً؟!». 
ومع أنّه كان لا يرى غَضاضة في كسب المال عن طريق الحلال وكان يقول: «نِعْم العونُ على تقوى الله الغِنى»  إلّا أنّه كان يتصدّق على الفقراء بكلّ ما يَصل إليه من مال، وكان قدوةً في العبادة، لدرجة أنَّ قدميه كانتا تتورّمان من طول الوقوف في محراب العبادة.
وكان يقضي القسم الأكبر من اللّيل في العبادة، والتضرُّع، والبكاء، والإستغفار، والدعاء ومناجاة الله تعالى.

  أهميّة الدعاء في الأشهر الثلاثة

* شهر رجب ربيع العبادة والتضرّع والتوسل بالله تعالى. ينبغي عدم الإستهانة بأيّام العبادة هذه في شهر رجب وشهر شعبان، وفوق ذلك شهر رمضان.

 إذا أردنا السير باقتدار في ميادين الحياة على الطريق المستقيم والصراط القويم الذي دلّنا عليه الإسلام فيلزمنا أن نمتّن علاقتنا بالمبدأ الأعلى وحضرة الباري تعالى. إنّها علاقة تتأتّى بالدعاء والصلاة واجتناب الذنوب.

لذلك لاحظوا أمير المؤمنين عليه السلام -ذلك الرجل الشجاع القوي الذي تُعَدُّ شجاعتُه في ساحة الحرب من مشهورات العالم التي لا يختلف حولها اثنان- حينما يقف في محراب العبادة «يَتَمَلْمَلُ تملمُلَ السليم..»، يتلوّى حول نفسه كَمَن لَدَغَتْه أفعى. يذرف الدُّموع ويبكي ويُعفِّر ناصيتَه بالتراب. أنظروا في «دعاء كميل» و«المناجاة الشعبانية» المنسوبيْن لأمير المؤمنين، ولاحظوا أيَّ تضرُّعٍ كان يُبديه هذا الإنسان العظيم السامي مقابل الخالق! هذا درسٌ لنا
* شهر رجب المبارك شهر الدعاء والتوسُّل، والتضرّع، وشهر إعداد القلوب إنْ شاء الله للدخول إلى ساحة شهر رمضان. ليس اعتباطاً أن تجري التوصية بهذه الأدعية و بهذه الأعمال وبهذا الاستغفار. الدعاء حسنٌ دائماً، ويُمكن قراءة أيِّ دعاء دائماً، لكنّهم أوصونا بهذا الدعاء لأيّام شهر رجب أو لأيّام خاصة من شهر رجب، ما يدلُّ على وجود خصوصيّة في هذه الأيّام، وينبغي انتهاز هذه الخصوصيات والإستفادة منها.

شهر رجب فرصة لتوطيد الإرتباط بالله تعالى

إنّها أيّام وليالٍ ثمينة للغاية، فأيّام شهر الله، شهر رجب، تُعَدُّ فرصة ثمينة للقلوب المؤمنة، كي توطّد ارتباطها بالله سبحانه؛ والإنسان بحاجة لهذا الإرتباط المعنوي والروحي، والقلب الغافل هو الذي يقع عرضة لغارات الشيطان، وإنما يعمّ الشرّ والفساد الدنيا متى ما استحوَذ الشيطان على قلب الإنسان وروحه، والإرتباط بالله جلّ وعلا وتحصين الفؤاد والروح من تسلّل الشيطان وغَلَبَته، هو سبيل العلاج النَّاجِع والحقيقي لِرَدع كلِّ فساد وشرِّ في العالم، ولو لم يتسلّط الشيطان على قلوب مَن لهم عظيم التأثير على المجتمعات البشريّة، لَتَنَعَّمت الدنيا بالطمأنينة، ورفلت البشريّة بالأمن والسلامة؛ فكلّ مصائب البشريّة إنَّما هي ناجمة من الإبتعاد عن الله تعالى. 

 حدَّد الإسلام فُرَصاً يتسنّى من خلالها إقامة ارتباط متميّز بالله سبحانه وتعالى. ومن هذه الفُرَص شهر رجب، فاعرِفوا قدرَه، إذ إنّ ما ورد فيه من أدعية تُمثِّل بمُجملها درساً، وهي ليست مجرَّد ألفاظ تُردِّدها الألسن، فلْتَجْرِ على ألسنتكم وقلوبكم مع حضور قلبٍ ووعيٍ لمغزاها العميق.

ولو وثّق المرء المسلم -شابّاً أو شيخاً، رجلاً أو امرأة- علاقته بالله تعالى في شهر رجب ومن ثمّ في شهر شعبان، فإنّه سيكون -في النهاية- مُهيّأً للضيافة الإلهيّة في شهر رمضان، فعلى الإنسان أن يستعدّ، ثمّ يحلَّ ضيفاً.

على الإنسان أن يقوم بعمليّة تطهير خلال شهرَي رجب وشعبان، كي يَسَعه الجلوس على المائدة الإلهيّة في شهر رمضان، والتنعّم بها والاستزادة منها، وإذا ما انتهلنا من شهر رمضان، إذْ ذاك سَتَغدو أعمالنا وأخلاقنا ونظرتنا وأفكارنا دليلاً على أنّنا قد حقَّقنا تقدّماً ملحوظاً، ونكون نحن بأنفسنا محكّاً لها، ونميّز التقدّم الذي حقّقناه. لكننا نتقاعس عن القيام بعمليّات الإمتحان هذه، فَنَلْمَس ما ينجم عنه من شقاء وبلاء في داخلنا وفي أجواء المجتمع.
فعلى الجميع -ولاسيّما عـوائل الشهداء- اغتنام الفرصة في شهر رجب.
الفرصة المُتاحة في شهر رجب وغيرها من الفُرص المباركة الاُخرى، فُرص ثمينة وجديرة بالإغتنام.. إنّ كثرة تأكيدنا على الشباب الذين يرمزون في الوقت الحاضر إلى الصفاء والنورانيّة، بالتوجّه إلى الباري تعالى والتمسُّك بحبله -مع أنّهم اليوم قد تغيّروا كليّاً بالمقارنة مع الماضي، وأصبحوا ذوي سمة نورانيّة وقيمٍ معنويّة مضاعفة- فذلك لأنّنا كلّما وثّقنا صِلَتنا به تعالى، ازداد نصيبنا في التوفيق والهداية، وازدادت قلوبنا نوراً وجلاءً. 



قراءة في أبرز أدعية رجب
 
يُعتبَرُ هذا الدعاء من فرائض شهر رجب، فهذا الشهر هو شهر الله تعالى، شهر التوجُّه إلى الله وشُكره، شهر الدعاء والزيارة، وأعمالُه كثيرة جداً.

من الأدعية المُستحبّة والتي تُقرأ بعد كلّ صلاة في شهر رجب دعاء: «يا مَن أرجوه لكلِّ خير»، وقد يُقرأ هذا الدعاء بنحوَيْن، قراءة تلتفت إلى المعاني والمفاهيم السامية التي يحملها الدعاء في كلماته، وقراءة لفظيّة لا يُلتفَت فيها إلى المعاني، ولا تترك أثراً في القلب. طبعاً القراءة الأولى في كلّ مرتبة تُقدِّم الإنسان درجة نحو الله، فهذا الدعاء يمثِّل حال التضرُّع والعبوديّة تجاه الخالق الباري.

«يا مَن أرجوه لكلِّ خير وآمَنُ سخطَه عند كلِّ شرّ، يا مَن يُعطي الكثير بالقليل، يا مَن يُعطي مَن سأله، يا مَن يُعطي مَن لم يسأله ومَن لم يعرفه تحنّناً منه ورحمة، إعطِني بمسألتي إيّاك جميعَ خير الدنيا وجميعَ خير الآخرة، واصرف عنّي بمسألتي إيّاك جميعَ شرِّ الدنيا وشرِّ الآخرة، فإنّه غيرُ منقوصٍ ما أعطيتَ، وزِدني من فضلك يا كريم».

* «يا مَن أرجوه لكلِّ خير»: نحن نرجو الخير والثواب في كلِّ عملٍ نقوم به، في الحراسة والصلاة، في الكلام الصادق والعمل الخيِّر. نرجو الثواب في كلِّ عملٍ إلهي.


• حِلْمُ الله تعالى و رحمانيّتُه

* «وآمَنُ سخطَه عند كلِّ شرّ»: نحن نرى أنفسنا في أمن من سَخَط الله في ما نفعله من سيّئات... أليس كذلك؟ لا يوجد لدينا أيّ خوف في ذلك. أليس هذا كافياً ليكون درساً لنا؟
أن أرى نفسي آمنة من غَضَبه تعالى من كلِّ شرّ؟
حقّاً إنّ هاتين العبارتين كافيتان لمناجاة الله، ومعناهما أنّك يا ربِّ حليم لا تستعجلُني بالعذاب، وهذا يُظهر العظمة الإلهيّة من جهة، وصفات العباد من جهة أخرى.

• كَرَمُ الله

* «يا من يُعطي الكثير بالقليل»: نحن نرى مجاهدات هذه الأمّة، وبالأخصّ مظلوميّة الإمام قدّس سرّه، ودماء الشهداء المُضحِّين الذين كانوا يَفْدون أنفسهم ويصبرون ويصمدون مقابل الشدائد، وإلى ما هنالك من أعمال جعلت العالم اليوم يتحوّل وينقلب على نفسه، وحقاً إن أعمالنا مقابل هذا الثواب قليلة جدّاً.

* «يا من يعطي من سأله»: يا مَن تُعطي كلَّ مَن يطلب منك كلَّ ما يريده عبدك، طبعاً كلَّ ما يصبُّ في مصلحة الإنسان.
أصلاً أساس الخِلقة هو أن يُعطي الله تعالى عبادَه ما يشاؤون -وإنْ لم يلتفت الإنسان إلى ذلك- وقد يتقدَّم أو يتأخَّر زمن تحقُّق حاجة الإنسان، لكن لا بدَّ أن تتحقَّق، ولا صعوبة في ذلك. كان البعض يقول قبل انتصار الثورة، إنّنا ندعو كثيراً ومع كلِّ ذلك الدعاء لم يزُل حكم الشاه ونظامه من الوجود! وكنت أقول إنّ للدعاء وقتاً للإجابة، وقتاً خاصّاً به، وإنْ تصبروا حتى وصول ذلك الزمن يُفرِّجْ الله تعالى عنّا، وكما رأينا فقد أتى ذلك الزمن واستُجيب الدعاء.

• عطاء النعم دون طلب

* «يا مَن يُعطي مَن لم يسأله»: أي يا مَن تُعطي مَن لم يسألك مِن قبلُ أيَّ عطاء، فعندما تُولد هل تطلب من الله لبناً؟ ولكنّه تعالى يمدُّنا باللّبن من خلال الأم. نعم إنّ عطاء الله متحقِّقٌ من دون طلب العباد.

* «ومَن لم يعرفه»: كالكفّار والذين لا دِين لهم ولا معرفة لهم بالله تعالى. وما هو سبب ذلك؟ * «تحنُّناً منه ورحمة»: عن رحمة وتَحَنُّن.

• أحسن الدعاء

* «أَعْطِني بمسألتي إيّاك جميعَ خير الدنيا وجميعَ خير الآخرة»: ترون أنّ الله جلّ وعلا لا يُعطي الإنسان الكثير من الحاجات التي قد تتصوَّرونها خيِّرة وحسنة، فبعض النِّعَم، بعض الأموال، وبعض الجاه والمقامات قد يكون مُضرَّاً للإنسان، فالله تعالى هو العالم بمصلحة الإنسان، لذا يصحُّ أن يقول الإنسان في طلبه: «إلهي هَبْ لي الخير، فإنّني لا أعلم ما هو وأين هو».
* «واصرف عنّي بمسألتي إيّاك جميعَ شرِّ الدنيا والآخرة»: أي أبعِد عنّي جميع شرور الدنيا والآخرة.
* «فإنّه غيرُ منقوصٍ ما أعطيت»: مقدرةُ الله تعالى وخزائنه لا متناهية، والنَّقص منّي أنا، منَّا نحن، نحن ناقصون وضيّقو النَّظر. ويجب علينا أن نخاطب الله هكذا، فنقول: «وزِدني من فضلك يا كريم».
هنا ينتهي الدعاء، وعندها تأخذ بِلِحيتك لتُظهِر مُنتهى التضرُّع والذِلَّة والخشية أمام الله سبحانه وتعالى، فقد كان الإمام [الصادق] يأخذ بلحيته باكياً ويقول:
«يا ذا الجلالِ والإكرام، يا ذا النَّعماء والجُود، يا ذا المنِّ والطَوْل، حرِّم شيبتي على النار»، فإنْ أعطانا الله النِّعم ولكن لم يُحرِّم أجسادنا على النار، فهل يكون لذلك فائدة؟؟
أنتم إن قرأتم هذا الدعاء يوميّاً خمس مرات ستتقرَّبون من الله تعالى، وقد سبق أنْ قلتُ لكم إنَّ عليكم أن تتيقّنوا من هذه المسائل، ولا شكّ أنّكم تعتقدون بذلك وترونه عملاً واجباً ذا أهميّة، وهو حَرْبَة في وجه أعدائكم، وإنْ كنتم تعتقدون غير ذلك، فإنّكم تُضيِّعون حياتكم هدراً.
ونظراً لحساسيّة عمل الأخوة، عليكم أن تعملوا جيِّداً. إحرسوا جيِّدا. أدُّوا واجباتكم بسرعة ولا تتورَّطوا أو تأسروا أنفسكم بالأوضاع السياسيّة، وتتوسَّلوا بهذا أو ذاك.
إنتبهوا إلى أنّ هذا العمل عملٌ طاهر، فأَبقوه كذلك. كلُّ شخص مسؤول ومرهون بحياته وعمله الشخصي، ولكنّكم أنتم في جبهة قتال، وهذا الجوّ مُنافٍ للحياة المرفَّهة المريحة، وباستطاعتي قول ذلك لأنّني أرى نفسي في الجبهة.
عندما نكون في الجبهة، فَلْنَلْحَظ أنّ هذا المكان هو مقابل عدوِّنا، وبهذه النظرة نؤدّي وظائفنا، والله تعالى يكون بعوننا.




من مناسبات شهر رجب

• مولد الإمام الجواد و الإمام الهادي عليهما السلام.

نقرأ في دعاء أيّام رجب: «أللّهمّ إنّي أسألك بالمولودَين في رجب؛ محمّد بن علي الثاني وابنِه علي بن محمّد المُنتجَب».
فهذا شهر تقع فيه ذكرى ولادة الإمام الجواد، وذكرى ولادة الإمام الهادي عليهما السلام، وهما يومان يجب علينا تكريمهما.
أُعرب على لساني وعن قلبكم، عن اعتزازنا وحُبِّنا وولائنا الخالص لهذين الإمامين الهُمامين.
ندعو الباري عزّ وجلّ أن يُحيينا في الدنيا والآخرة بمعارفهما وشخصيّتهما وذِكرهما، ويحشرنا معهما.

• 13 رجب ذكرى مولد أمير المؤمنين عليه السلام.

* يوم الثالث عشر من شهر رجب، وهو يوم عيد، ولكنّ قلوبنا مستعصية على فرحة العيد وبهجته وهي تشاهد جسد الأمّة الإسلاميّة مضرّجاً بالدماء.
* شهر رجب، شهر الدعاء والتوسّل والتوجّه إلى اللّه، شهرٌ متوَّجٌ بيوم ولادة أمير المؤمنين، وسيِّد الأولياء والمتَّقين، ومُراد العارفين، عليِّ بن أبي طالب عليه السلام.
* يوم الثالث عشر من رجب هو ذكرى الميلاد المبارك لأمير المؤمنين عليه السلام، الذي يُمثّل هامة الكرامة الإنسانية، وأُسوة الحُلماء على مرّ التاريخ، وإمام الصالحين والمُتّقين والمؤمنين والصادقين على مدى العصور.
* أُبارك لجميع الأخوة الأعزّاء والسادة الحضور المحترمين ميلاد أمير المؤمنين وسيّد المتّقين سلام الله عليه، وميلاد الإمام جواد الأئمّة، والإمام الهادي، والإمام الباقر عليهم السلام، هذه الأيّام التي تبرّكت بهذه الولادات منذ الأوّل من رجب وحتى هذا اليوم.



شعيرة الإعتكاف في شهر رجب

• إستثمار أيام شهر رجب للإعتكاف:

عليكم أن تستغلُّوا هذه الأيّام المباركة بالإعتكاف في شهر رجب المبارك.

• للمُعتكفين

أقول شيئاً للمُعتكفين:

هنيئاً لكم أيُّها المُعتكفون الأعزّاء!

تُعَدُّ ظاهرة الإعتكاف من الإنجازات الثوريّة، إذ لم يكن لهذه الظاهرة وجود في بداية الثورة، على الرّغم من أنّ الإعتكاف كان موجوداً على الدوام.
حينما كان يحلّ شهر رجب في أيّام شبابنا، كان يجري الإعتكاف في مسجد الإمام بمدينة قم -وفي قم حصريّاً- إذ لم أرَ اعتكافاً في مشهد المقدّسة أبداً!- سوى حوالي مائة شخص [من طلبة الحوزات] فقط.
وأمّا هذه الظاهرة العامّة، والتي يشارك فيها عشرات الآلاف في مراسم الإعتكاف وغالبيّتهم من الشباب، فهو معدودٌ من إنجازات الثورة.
لقد ذكرت ذات مرة: أنّ هناك تساقطاً في أوراق شجرة ثورتنا، ولكنْ إلى جانب ذلك هناك تفتُّح وهو غالب على التساقط. إذاً طوبى لكم أيّها المُعتكفون الأعزّاء.

• وصيّة للمُعتكفين:

وصيّتي لكم في هذه الأيّام الثلاثة التي تُمضونها في المسجد، هي أن تُمارسوا مراقبة أنفسكم، فحينما تتكلّمون أو تأكلون الطعام، أو تُجالسون إخوانكم، أو تقرأون الكُتب، أو تفكِّرون، أو تخطِّطون للمستقبل، عليكم في جميع ذلك أن تراقبوا أنفسكم، وأن تقدّموا مرضاة الله على أهوائكم النفسيّة، وأن لا تُذعنوا للأهواء، والتمرين على ذلك في هذه الأيّام الثلاثة يُمكنه أن يكون درساً لأولئك الأعزّاء ولنا نحن الجالسين هنا، وننظر بغبطة إلى المُعتكفين. وعَلِّمُونَا من خلال عَمَلِكُمْ.





الإحتياط المعنوي في حياة الإنسان
---
إنّ هذه الأشهر الثلاثة -رجب و شعبان ورمضان- أيّام نفيسة وعلينا اغتنام الخيرات الإلهيّة فيها، وكما يُعبِّر العسكريّون يجب أن نستكمل ذخيرتنا المعنويّة، فإذا ما هبط الإحتياط المعنوي في كيان الإنسان إلى ما هو أدنى من المستوى المطلوب، فستتقاذفه المَزالِق والإنحرافات الفادحة.
إذا هبط الإحتياط المعنوي في كيان الإنسان إلى ما هو أدنى من المستوى المطلوب، فهو مُعرَّضٌ للمَزالِق والإنحرافات الفادحة.
---
إنّ المعنويات الكامنة في وجود الإنسان تُمثِّل مصدراً للهدفيّة، وتُضفي معنىً على حياته وتوجُّهِها، مثلما تقوم المبادئ المعنويّة والأخلاقية بتوجيه حياة المجتمع والبلد والأُمّة، فتُضفي على جهدها وكفاحها معنىً، وتَهَب الإنسان هويّته، فإذا ما أُفرغ شعبٌ أو بلد من مبادئه الأخلاقيّة والمعنويّة، ضيّع هويّته الحقيقيّة، وغدا كالعِهْن المنفوش، يتأرجح تارةً بهذا الإتِّجاه وأخرى بذاك الإتِّجاه، ومرّةً تتلاقفه يد هذا وأخرى يد ذاك.
إنّ هذا الشهر الشريف [شعبان] والذي قبله والذي يليه بمثابة فُرَصٍ لنا لاستكمال ذخيرتنا المعنويّة.

إننا نتعرّض للصَّدَأ والتَّلَف، فقلوبنا وأرواحنا يعتريها الصدأ بشكلٍ مُستمرٍّ أثناء مواجهتنا لوقائع الحياة اليوميّة، ولا بدّ من وضع هذا الصدأ في الحسبان، فيتمّ تلافيه –والتعويض عنه- بالطُّرُق الصحيحة، وإلّا تَعرَّض الإنسان للفناء، فلربَّما يكون الإنسان قويّاً شديداً من الناحية الماديّة والظاهريّة، لكنّه سيفنى معنويّاً إنْ لم يضع التعويض عن هذا التلف في الحسبان.

يقول القران الكريم: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة..﴾ ، فقولهم ﴿..ربُّنا الله..﴾ يعني الإقرار بالعبوديّة لله والتسليم له، وهذا أمر في غاية العَظَمة، لكنّه ليس كافياً، فحينما نقول (ربُّنا الله) إنَّما ذلك حَسَن جداً لذلك الأوان الذي نُطلقها فيه، لكنّنا إذا نسيناها فإنّ (ربّنا الله) الذي أطلقنا اليوم لن تُجدينا نفعاً في الغد، لذلك فهو تعالى يقول: ﴿..ثمَّ استقاموا..﴾، أي يَستقيمون ويَثبُتون ويَمضون على هذا الطريق.

إذا أردتم أن تتحقّق «الإستقامة» فعليكم الحذر دائماً من أن يهبط ميزان المعنويّة عن مستواه المطلوب.

وهذا ممّا يؤدي إلى أن ﴿..تتنزّل عليهم الملائكة..﴾ وإلّا فَلَن تتنزَّل عليهم ملائكة الله إن غطُّو في سُباتٍ لحظةً أو آناً واحداً، ولا يُدرك الإنسان نور الهداية، ولا تمتدّ نحوه يد العون الإلهي، ولا يبلغ الإنسان مقام العباد الصالحين، فلا بدّ من مواصلة هذا الدرب والمُضيِّ في ﴿..ثمَّ استقاموا..﴾، وإذا أردتُم أن تتحقّق هذه الإستقامة فعليكم الحذر دائماً من أن يهبط ميزان المعنويّة هذا عن مستواه المطلوب.
إنّ هذه الأشهر فرصة لإعادة النظر، ولقد كان أولياء الله وأئمة الهدى عليهم السلام يواظبون على قراءة المناجاة الشعبانيّة.
 
سألتُ إمامنا العظيم [الخميني] ذات مرّة: أيَّاً من الأدعية ترجّح؟ فذكر منها اثنين: أحدهما «المناجاة الشعبانيّة»، والآخر «دعاء كميل». فهذان الدعاءان يحتويان على مضامين راقية. هذه الأدعية ليس من شأنها القراءة فقط، أي ليس أن يملأ الإنسان الأجواء بصوته ويتفوّه بهذه الكلمات فقط. هذه حالة قشريّة ليس لها شأن يُذكر، بل لا بدّ أن تتناغم هذه المفاهيم مع الفؤاد ويدخل القلب رحابها. وإنّ هذه المفاهيم الراقية والمضامين البهيّة بألفاظها الرائعة، إنّما الغاية منها أن تستقرّ في فؤاد الإنسان.
«إلهي هَبْ لي كمال الإنقطاع إليك، وأنرْ أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك»، أي: أللّهمَّ اجعلني دائم الإتصال والإرتباط بك، وأدخِلني في حريم عزّك وشأنك، وأَنِر بصيرة فؤادي بحيث تقوى على النظر إليك، «حتّى تَخرق أبصار القلوب حُجُب النُّور» فيقدر بصري على اختراق كافَّة الحُجُب النوارنيّة ويجتازها، حتّى يَصل إليك ليراك ويدعوك.
إنّ بعض الحُجُب حُجُب ظلمانيّة، فالحُجُب التي نتكبّل بها نحن ونقع في أسرها ونتشبّث بها -حجاب الشُّهرة، حجاب البطن، حجاب الحسد، وحجاب التمنّيات- إنّما هي حُجُب ظلمانيّة وحيوانيّة، بَيْدَ أنّ ثمّة حُجُب أخرى تعترض الذين يتخلّصون من هذه الحُجُب وهي الحُجُب النورانيّة، فانظروا كم هو سامٍ وراقٍ العبور من هذه الحُجُب بالنسبة للإنسان، فأيّما شعب يأَنَس هذه المفاهيم، وأَورد فؤاده هذا الرحاب، وركّز مسيرته وفق هذا الميزان، سيمضي قُدُماً وتتصاغر أمام عينيه الجبال.
وخلال برهة تاريخيّة تبلورت لدى شبعنا مثل هذه الحالة فولّدت الثورة الإسلاميّة، فلا تتصوّروا أنّ هذه الثورة كانت متوقَّعة، كلا، فهي لم تكن كذلك، وكانت على قدر من العَظَمة، فلم يكن متصوَّراً أن يستطيع شعب، وبأيدٍ عزلاء، القضاء على نظام متعفّن فاسد لكنّه مدعوم بشكلٍ كاملٍ من قِبَل القوى الدوليّة الظالمة، ويُمارس الحُكم بأقصى الأساليب الإستبداديّة، وليس بمقدور أحد أن يَنبس بِبنت شفة، ويُبدِّله بما يعتقد ويؤمن به، أي الإسلام. ولم يكن لِيَخطر ببال أكثر الناس تفاؤلاً إمكانيّة مثل هذا الأمر، بَيْدَ أنّ شعبنا أنجز هذه المهمّة. قد شَحنت المبادئ المعنويّة والأخلاقيّة والقِيَم الكبرى هذا الشعب بقوّة، لم يستطع معها أيّ ضغط أو إملاء أو تهديد أو حادث مُدبَّر أن يُثنيه في منتصف الطريق ويُوقفه، لذلك فقد سار -الشعب-حتى النهاية.


• الهِمَم والمعنويّات تصنع المعاجز

وكان النموذج الثاني أيام الحرب المفروضة.
لعلّ أكثركم أدرك الحرب المفروضة، لكنّني لا أعلم كم من ذكريات الأيّام الأولى للحرب ما زالت حيّة في أذهانكم، لقد تعرّض الشعب لِغَزو، ولم يكن في الواقع يمتلك المعدّات المُتداولة، إذ كنّا نبحث عن الدبّابات فإمّا لا نجدها أو أنّها قليلة أو معطوبة، وكذا الأسلحة والطائرات، وطالما كان القائمون على بعض الأعمال المهمّة يرتِّلون آيات اليأس، غير أنّ بارقة الأمل الإلهي، والدافع الأخلاقي والمعنوي والدِّيني، والإيمان بالله حفّز قلوب الشباب -من أبناء الحرس الثوري، والقوى الشعبيّة، والتعبويّين من الطبقات كافّة، والعناصر المؤمنة المُخلصة في الجيش- بحيث استطاعت الأرواح التعويض عن ضعف الأبدان، «لبسوا القلوب على الدروع»، وذاك ما قيل بحقِّ الأنصار يوم كربلاء، فقد لبسوا قلوبهم فوق دروعهم، والدروع هي التي تحمي الأجسام، لكن القلوب تحمي الأجسام والدروع معاً.

لقد توثّبت القلوب المؤمنة النيّرة، وتحرّكت الهِمَم العالية، فاقتحمت الجبهة العظيمة الشاسعة التي كان أحد خيوطها بين دوائر المخابرات ووزارة الدفاع الأمريكية، وآخر بِيَد الناتو، وخيط في الإتحاد السوفياتي السابق، وخيط في خزائن الحكومات النفطيّة بالمنطقة، ومُدلَّل الجميع؛ النظام البعثي العراقي الذي كانوا يمدّونه بدعمهم من كلّ صوب. في المقابل، تحرّكت هذه الأيادي العزلاء، والقلوب النيرّة الصلبة المفعمة بالأمل، واقتحمت هذه الجبهة الهائلة ودَحَرَتها.

أوَ مزاحٌ هذا؟ إنّها المعنويّات، فإذا ما تبلورت المبادئ ومصدر الزَّخم المعنوي لدى بلد أو شعب، تتحقَّق مثل هذه المعجزات.

إعلموا يا أعزّائي أنّ كلّ ما أحرزه الشعب الإيراني حتى يومنا هذا من نجاحات، إنّما جاء بفضل تمسّكه بالقِيم المعنويّة.

هنالك دُوَل أخرى في العالم تفوق الشعب الإيراني من حيث الجوانب الماديّة، إلّا أنّها لم تترك أيّ تأثير في غيرها من الشعوب الأُخرى، نظير ما تركه فيها الشعب الإيراني من تأثير عميق بثورته، ومواقفه، وإمامه، وجهاده، وباندفاعه نحو الشهادة.
فأنتم قد تركتُم في الشعوب، وفي مَسَار الأحداث في الكثير من دول العالم تأثيراً عميقاً جداً، بفضل ما تحملونه من قِيَم معنويّة، وهذه المُثُل المعنويّة يجب أن تتكرّس أكثر يوماً بعد يوم.
فإن عزّة ورفعة الشعب الإيراني وأمله اللّامتناهي، جاء كنتيجة لتوكّله على اللّه تعالى ورجائه إيّاه.
وهذا ما يزداد شفافيّة وجلاءً وتألّقاً عبر تكريس هذه الصلة الوثيقة به عزّ وجلّ. 

لطالما أَوصَيتُ -وأوصي الآن- المسؤولين ذَوي العلاقة في الحقول كافّة -سواءً الحقل الإقتصادي أم حقل الشؤون العلميّة- أنّهم قادرون على إزاحة المشاكل من طريقهم إذا ما تحوّلت هذه الهِمَم والمعنويّات، وهذه الأفئدة الصلبة المتماسِكة، إلى محور للعمل والجِدّ في كلّ ميادين الإعمار والتقنيّات المعقّدة، وفي المجالات العسكريّة، معتمدين على إيمانهم هذا.
وأغلبكم يعرف ما أقول، فهذا الزخم المعنوي بمقدوره أن يصنع المعجزات في المجالات كافّة.

ينظر بعض السُّذَّج إلى بعض البلدان الغنيّة في العالم ويقولون: إنّ هؤلاء أثرياء دون دِين ولا أخلاق، فلنَقْتَفِ أَثَرَهم، متصوّرين أنّ ثراءهم إنّما جاء لافتقادهم الدِّين والأخلاق!

وهذا خطأ، فأيُّما بلد إذا ما أصبح غنيّاً ومُقتدراً فإنّما ذلك لأسباب خاصة من شأنها خلق القدرة والثروة، فحيثما توفّر التدبير والعمل والجدّ، سيُعطي ثماره، وهذه سنَّة إلهيّة.
حتَّى الذين يَسعون وراء الماديّات المَحْضة بعيداً عن المعنويّات، سينالونها إن توفّرت لديهم الإدارة والتدبير الصحيح، وتحلَّوا بالجدّ والإجتهاد: ﴿كُلاًّ نمدُّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك..﴾ ، وهذا هو صريح القرآن ولا كلام فيه، وإنّما الكلام في ما إذا كان السعي والعمل وراء الماديّات، إذ ذاك ستحصل الثروة والقدرة ولكن بلا سعادة.
ونحن نَصْبو لتحقيق مجتمع يتمتّع بالثروة والإقتدار والسعادة الشاملة المُقترنة بالعدالة، وهذه هي الغاية التي تتطلّع إليها الشعوب، والبلدان الغنيّة والقويّة تعجُّ بالإجحاف والظلم والفقر والحرمان والمرارة، وهو ما لا نسعى إليه.
إنّ المجتمع الذي يمكن تصويره طُموحاً لشعب حيّ واعٍ ومتيقّظ، هو ذاك الذي يزخر بالمعنوياّت والعدالة والعزّ والإقتدار والثروة والرفاهيّة، وإذا ما أردنا لمجموعة المفاهيم هذه أن تَأتلِف مع بعضها، فذلك ممّا يتعذّر دون المعنويّات والمبادئ المعنويّة والأخلاقيّة والتوجّه نحو الله ودون الجهاد في سبيل الله تعالى، وهذا ما فيه عزّة حَرَس الثورة.




بين النِّظام الإلهي، والأنظمة الأُخرى

التغيير الذي يحصل في النّظام الإسلامي ليس تغييراً سياسيّاً بَحتاً.
وهنا يكمن الفارق الأساسي بين النّظام الإلهي والأنظمة الأخرى.
في النّظام الإلهي يتغيّر الإنسان معنوياً ويتحوّل من إنسان مادّي إلى إنسان معنوي وإلهي، وهكذا تتحوّل النوازع الماديّة فيه إلى نوازع إنسانيّة وإلهيّة نبيلة وسامية.

فقد تمكّن المسلمون بفضل الحاكميّة الإلهيّة التي استمرّت لبرهة قصيرة في صدر الإسلام، من تغيير العالَم على مدى قرون طويلة، وأفاضوا عليه العِلم والحضارة والفكر والعقل والروح والمعنى والمنطق وكلّ شيء، وأنشأوا تلك المدنيّة الإسلاميّة الكبرى، ومهّدوا الأرضية للتقدّم البشري في السنين والقرون اللّاحقة.

وهذا كلّه ناجم عن التغيير الذي حصل في ذات الإنسان المُسلم في صدر الإسلام.
واليوم أيضاً، فإنّ المسلم الحقيقي هو الذي تغيّر تغيُّراً جذريّاً بفضل ارتباطه باللّه تعالى، وتحوّل إلى إنسان ذي نزعة روحانيّة، لا بمعنى تجاهله لحاجاته الجسديّة والماديّة، ﴿..ولا تنس نصيبك من الدنيا..﴾ .

الدنيا أيضاً يجب إعمارها، والشؤون الماديّة يجب تطويرها، والعلم يجب أن يتقدّم، والحياة يجب أن تتَّسِق وينتظم أمرها.
ولكنّه يجب أن لا يُكبّل ذاته في إطار قيودها.

بل ينبغي له أن يتغيّر بحيث يَنْدَكُّ في الأهداف المعنويّة والمُثُل الإلهيّة الكُبرى، وسوف يكون بإمكانه تغيير مجتمعه نحو الأفضل، بل وبإمكانه أيضاً التأثير في العالم كلِّه، وفي مسيرة التاريخ، وفي صياغة مستقبل الإنسانيّة، وهذا ما سيحصل بحول اللّه تعالى وفضله.

القاعدة والمُنطلق الأساسي لمثل هذه المهمةّ هي: أن يوثّق أبناء الشعب اليوم، في ظلّ النّظام الإسلامي، علاقتهم القلبيّة والمعنويّة باللّه تعالى والإستئناس به أكثر.

والفرصة المُتاحة في شهر رجب وغيرها من الفُرص المباركة الاُخرى، فُرص ثمينة وجديرة بالإغتنام.

إنّ كثرة تأكيدنا على الشباب الذين يرمزون في الوقت الحاضر إلى الصفاء والنورانيّة، بالتوجّه إلى الباري تعالى والتمسُّك بحبله -مع أنّهم اليوم قد تغيّروا كليّاً بالمقارنة مع الماضي، وأصبحوا ذوي سمة نورانيّة وقيمٍ معنويّة مضاعفة- فذلك لأنّنا كلّما وثّقنا صِلَتنا به تعالى، ازداد نصيبنا في التوفيق والهداية، وازدادت قلوبنا نوراً وجلاءً.

لقد حاول أعداء الشعب الإيراني منذ اليوم الأوّل زرع اليأس في قلوب أبناء هذا الشعب، وشَحْن أفكارهم بأجواء قاتمة مُظلمة.
والموقف المضادّ لمثل هذه المحاولات هو التوكُّل على اللّه عزّ وجلّ، والإعتماد عليه، والتضرّع إليه؛ لأنَّ التوكُّل والإعتماد والتضرّع يملأ قلوبنا نوراً، ويُضيء الآفاق أمام أبصارنا.
على الشباب أن يُدركوا قدرَ شبابهم، وعلينا أيضاً أن نعرف جميعاً قدرَ فرصة الحياة، وفرصة حُكم الإسلام في هذا البلد.
وحتّى الذين لا يؤمنون بالإسلام، تُعدُّ فرصة حُكم الإسلام فرصة ثمينة بالنسبة لهم؛ لأنَّ أجواء النّظام الإسلامي زاخرة بالنقاء والصفاء والمعنويّة والأُنس والمحبّة والوئام.
ومثل هذه الأجواء توفّر فرصة ثمينة ينبغي للجميع اغتنامها واستثمارها.
أرجو اللّه تعالى أن يُعين الشعب الإيراني على الخروج من كلِّ هذه الإختبارات عزيزاً شامخاً، وأن يُفتضح خندق الكفر والإستكبار في العالم على أيديكم -أنتم أبناء الشعب الإيراني- وتشملَكم بإذن اللّه تعالى أدعية بقيّة اللّه أرواحنا فداه.




رجب و شعبان استعداد لشهر رمضان

أيُّها الأعزّاء، ها قد حلّ علينا شهر رجب، شهر العبادة والتوجُّه إلى الله تعالى، وهو الشهر الذي يُشكِّل مقدِّمة لشهرَي شعبان ورمضان. ولا شكَّ أنّ مَن جرّب الأُنس مع ربِّه في رجب فسوف يتهيّأ لشعبان الذي هو من أفضل الشهور".."
إنّكم شباب، ومن مستلزمات عملكم التديُّن والإيمانُ بالله سبحانه. استفيدوا من هذه الطاقة وابنوا أنفسكم معنويّاً وماديّاً.
فمعنويّاً اسعوا لأنْ تكونوا عباداً تُطبِّقون أحكام الشريعة من واجباتها والمستحبّات، وأنْ تجعلوا الأوامر الإلهيّة نُصبَ أعينِكم دائماً.
وأمّا ماديّاً فتعلَّموا جميع الفنون اللّازمة كالرِّماية وغيرها، وكلَّ ما يناسب عملكم. تعلّموا كلَّ شيء بأحسن وجه.
ولكنْ يبقى الجانب المعنوي هو الأهم، حيث يجب أنْ لا يكون التديُّن ضعيفاً عند الأخوة المجاهدين. يتصوّر البعض أنّ نفس العمل الذي كانوا يقومون به في السابق يجب أن يستمرّوا فيه الآن، ولكنّ النفس البشرية تتحرّك نحو الكمال، ولا محلَّ ولا معنى للتراجع.
عليكم أن تُكثروا من فعل الصالحات التي كنتم تلتزمون بها في السابق من صلوات وصوم مستحبّ، وحتّى مراقبة الأعمال اليوميّة التي هي من أهمّ الوظائف لكي نتخلّص من كل سوءٍ في أفعالنا. أنتم مُعرَّضون للتلوّث بأنواع الفساد، والفساد ليس منحصراً بالجانب الجنسي والأخلاقي، بل قد يكون فساداً سياسياً وماليّاً ومعنويّاً وكلّ هذا.
وإنّني حريصٌ جدّاً على أن لا يتلوّث الأخوة المجاهدون بأيٍّ من أنواع الفساد، ولذلك عليكم بالمراقبة. إبدؤوا بأنفسكم وانتبهوا للآخرين، ولا تتركوا إخوانكم إنْ انخرطوا في الفساد. اسعوا لإصلاحهم وهدايتهم.
* الأيّام المباركة لشهرَي رجب وشعبان، وليالي الدعاء والذكر والخشوع، هذه مناسبات مهمّة ينبغي عدم التهاون بها.
* إنّ شهرَي رجب وشعبان تمهيد لشهر رمضان، وكِلاهما مُقدِّمة لليلة القدر.
فيا حبّذا لو يُهيّئ شبابنا الأعزّاء، وعموم أبناء شعبنا قلوبَهم في هذا الشهر استعداداً لدخول شهر شعبان وشهر رمضان.

* وأدعوكم وكلّ مَن يسمع صوتي أو سيسمعُه لاحقاً إلى توثيق صِلَتِكم باللّه تعالى ما استطعتم، خاصّةً في هذين الشهرين المباركين؛ رجب وشعبان، فهما شهرا الدّعاء والإستغاثة، والإتصال باللّه، ومناجاة المعشوق الحقيقي لكلّ إنسان.
أَعِدّوا أنفسكم في هذين الشهرين للورود إلى مائدة الضيافة الإلهيّة في شهر رمضان المبارك.
وفي أيّام وليالي شهر رمضان نوِّروا قلوبكم ما استطعتم بذِكر اللّه تعالى استعداداً للمثول بين يدي اللّه في ليلة القدر، إذ ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ..﴾.
وهي اللّيلة التي يُوصِل فيها الملائكة الأرض بالسماء، ويُفعمون القلوب وأجواء الحياة بنور اللّه تعالى وفضله ولُطفه، وهي ليلة السِلم والسلامة المعنويّة: ﴿سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، وليلة سلامة الأرواح والأفئدة، وشفاء الأمراض المعنويّة والأخلاقيّة، والأسقام الماديّة والإجتماعيّة والمَعايب العامّة، التي ابتُليت بها اليوم –وللأسف- الكثير من شعوب العالم، ومنها الشعوب الإسلاميّة.
والسلامة من هذه الآفات كلّها، تتيسّر في ليلة القدر، ولكنْ بشرط الإستعداد وأخذ العُدّة لها سلفاً.
دعاؤكم أنتم أيّها الشبّان الأعزّاء، وتوجُّهكم إلى اللّه تعالى، وَذِكرُه بقلوبكم النيّرة، يُحقِّق المعجزات، فتأهّبوا من الآن، من يومكم هذا، ولا يختصّ هذا المقام بهذه الأيّام، لأنّ الصِلة باللّه عزّ وجلّ تكون تبعث الصفاء والإخلاص فيكم في كلّ أيّام أعماركم. بالإخلاص والنقاء تُحلُّ جميعُ المُعضِلات.
أضرب لكم في هذا المجال مثلاً بإمامنا الراحل، فقد كان المعلِّمَ والإمامَ والمحبوبَ لكلّ قوّات التعبئة، بل محبوبَ جميع الناس من ذوي الفطرة السليمة؛ الذين تنبض قلوبهم حيثما كانوا في هذه المعمورة، لحقيقة وأُفق معنويٍّ ما.
إنّ العمل الذي قام به الإمام يا أعزّائي -وهو أعظمُ عملٍ شَهِدَه تاريخنا المعاصر- كان بفضلِ إخلاصِه.
فلولا الإخلاصُ لما كانت حتّى شخصيّة الإمام الصَّلبة وجوهرُه المتين قادران على السَّير قُدُماً بكلّ هذه المهام؛ فقد اجتثّ من الجذور حكومة فاسدة ومُتسلِّطة، كانت تحظى بدعم جميع القوى الإستكباريّة، وأنقذ الشعب من شرِّها، وأَسّس على أنقاضها حكومة إلهيّة، فقضى بذلك على الفساد المُتفشّي في المجتمع، وأنهى تغلغلَ الأعادي، وهيمنةَ أمريكا التي أذلّت وأهانت الشعب الإيراني على مدى القَرنين السالفين، وأبقَتْهُ يعيش في حالة من التخلّف، وليس هذا بالأم


الختام
سائلاً المولى جلّت قدرتُه، وببركة أيّام شهر رجب ولياليه، أن يعمُرَ القلوب إيماناً، ويمنَّ عليكم جميعاً بخاصّة فضلِه ورحمتِه.


 

من أهمّ أعمال شهر رجب

1- الدّعاء بعد كلّ فريضة بالمَروي عن الإمام الصادق عليه السلام:

يا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَآمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرّ، يا مَنْ يُعْطِي الكَثيرَ بِالقَلِيلِ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ، يا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسأَلْهُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تَحَنُّناً مِنْهُ وَرَحْمَةً، أَعْطِنِي بِمَسأَلَتِي إِيّاكَ جَمِيعَ خَيْرِ الدُّنْيا وَجَمِيعَ خَيْرِ الآخرةِ، واصْرِفْ عَنِّي بِمَسْأَلَتِي إِيَّاكَ جَمِيعَ شَرِّ الدُّنْيا وَشَرِّ الآخرةِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْقُوصٍ ما أَعْطَيْتَ، وَزِدْنِي مِنْ فَضْلِكَ ياكَرِيمُ.

قال الراوي: ثم مدَّ عليه السلام يده اليُسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء وهو يلوذ بسُبابته اليُمنى. ثم قال بعد ذلك:

يا ذا الجَلالِ وَالإكْرامِ، يا ذَا النَّعَماءِ وَالجُودِ، يا ذَا المَنِّ وَالطَّوْلِ، حَرِّمْ شَيْبَتِي عَلى النَّار.

2- صلاة ركعتين كلّ ليلة، بالحمد مرّة، والكافِرُونَ ثلاثاً والتوحيد مرّة واحدة. وبعد التسليم يقول: لا إِلهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ وَإِلَيْهِ المَصِيرُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ، أللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ النَبِيِّ الأُمِّيِّ وَآلِهِ، ويمرّر يديه على وجهه، وعن النبي صلّى الله عليه وآله أنّ من فعل ذلك استجاب الله دعاءَه وأعطاه أجر ستين حِجّة وعُمرة.

3- قراءة سورة التوحيد مائة مرّة عصر يوم الجمعة، وفي الرواية أنّ مَن فعل ذلك، كان له يوم القيامة نورٌ يجذبُه إلى الجنّة.

اخبار مرتبطة

  وكنتَ 
ولا آدمٌ كائناً..

وكنتَ ولا آدمٌ كائناً..

نفحات