موقف

موقف

08/02/2016

مداراةُ الناس نصفُ الإيمان


مداراةُ الناس نصفُ الإيمان

____ الفقيه الشيخ حسين البحراني رحمه الله ____

من (رسالة الطريق إلى الله) للفقيه الشيخ حسين البحرانيّ رحمه الله هذا المختصَر حول الرَّفق بالناس

ومُداراتهم والفرق بينه وبين المداهنة.

وفي (موسوعة طبقات الفقهاء) أنّ الشيخ البحرانيّ صاحب الرسالة - كان حيّاً سنة 1227 للهجرة - من فقهاء الإماميّة وأهل العلم بالحديث والرجال. كان مقيماً بالنجف الأشرف، وله رسالة في السلوك إلى الله تعالى على طريقة أهل البيت عليهم السّلام، قيل إنّها من أحسن ما كُتب في هذا الفنّ.

 

* في (الكافي) عن الإمام الصادق عليه السّلام، قال: «قَالَ رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وآله: أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ».

* وعنه عليه السّلام، عن جدّه صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: «مُدَارَاةُ النَّاسِ نِصْفُ الإِيمَانِ، والرِّفْقُ بِهِمْ نِصْفُ الْعَيْشِ».

* وأيضاً عنه عليه السّلام: «مَنْ كَفَّ يَدَهُ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّمَا يَكُفُّ عَنْهُمْ يَداً وَاحِدَةً، ويَكُفُّونَ عَنْه أَيْدِيَ كَثِيرَةً».

فيا أخي، ما يصدر من بعض مَن يدّعي الصلاح والتقوى من أنّي لا أبالي بالناس، ولست محتاجاً إليهم، ومَن يكون الناس؟ إلى غير ذلك من الكلمات التي تصدر منهم في مقام عدم المداراة، هذا كلّه من اتّباع هوى النفس، والجهل بطريقة أهل البيت عليهم السّلام.

وكثيرٌ من الناس يشتبه عليهم مقام مدارة النّاس في مقام المداهنة، فيتخيّل أنّ مدارة النّاس المأمور بها هي المداهنة.

والفرقُ واضح؛ فإنّ المداهنة المذمومة هي الموافَقة على تحسين القبيح، أو ترك إنكاره رغبةً وطمعاً في ما عندهم ليتوسّل إلى منافعهم الدنيويّة، أو يجلب قلوبهم إليه، دون ملاحظة دفع المَفسدة.

وممّا يدلّ على حُسن الرفق والمداراة أنّه يجرّ إلى كلِّ خيرٍ. والمداراة تركُ الإنكار دفعاً للمفسدة أو لأجل تخفيفها، أو تحرّزاً عن تهييجها، وأين هذا من ذلك؟

وقد تكون المداراة لدفع الشرّ ممّن تداريه، وقد تكون لاستجلابه إلى الخير، وكلّها في مقامٍ لا محلَّ فيه للإنكار، وإمّا للخوف، أو لعدم التأثير. فحينئذٍ الرفق، والبشاشة، وتحمّل الأذى، والدفع بالتي هي أحسن هي المداراة. قال الله تعالى فيها: ﴿..ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ فصّلت:34-35.

ومنها قوله تعالى: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ طه:44.

والمداراة نوعٌ من التقيّة، وقد ورد في مدح التقيّة ما لا يُحصى، حتّى قالوا عليهم السّلام: «..إِنَّ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّينِ فِي التَّقِيَّةِ».

ويكفيك ما في (الكافي) عَنْ حَمَّادِ بن واقِدٍ اللَّحَّام، قَالَ: «اسْتَقْبَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السّلام فِي طَرِيقٍ فَأَعْرَضْتُ عَنْه بِوَجْهِي ومَضَيْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَيْه بَعْدَ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي لأَلْقَاكَ فَأَصْرِفُ وَجْهِي كَرَاهَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ، فَقَالَ لِي: رَحِمَكَ الله، ولَكِنَّ رَجُلاً لَقِيَنِي أَمْسِ فِي مَوْضِعِ كَذَا وكَذَا، فَقَالَ: عَلَيْكَ السّلام يَا أَبَا عَبْدِ الله، مَا أَحْسَنَ ولَا أَجْمَلَ».

فانظر لمَن لاحظَ؛ كيف استحقّ دعاء الإمام له بالرحمة بترك السّلام عليه. وانظر إلى مَن لا يلاحظ المقامَ، وترَكَ مجاراة الخَلق، كيف شكى منه الإمام وقال أنّه ما أحسنَ ولا أجمل.

فمن هذا الحديث وأمثاله تعرف أنّ إكرام المؤمن يكون بترك إكرامه حيث يكون إكرامُه باعثاً إلى الحسد له وإثارة الفتن. وقد يكون إكرامه بالقدح فيه، كما صدر عن بعض الأئمّة في حقّ بعض الخواصّ، وهو من باب خرق السفينة لِتَسلم.     

 

اخبار مرتبطة

  أيّها العزيز

أيّها العزيز

  دوريات

دوريات

08/02/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات