أعلام

أعلام

06/04/2016

جعفرُ بنُ أبي طالب رضوان الله عليه


جعفرُ بنُ أبي طالب رضوان الله عليه

«...أَشْبهتَ خَلقي وخُلُقي، وأنتَ من عِترتي»

ـــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــ

جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب، من السّابقين إلى الإسلام، وصاحب الهجرتَين، ومن المدافعين عنه على مستوى العقيدة وفي ساحات الجهاد، حتّى استُشهد مقبلاً غير مدبر، فأكرمه الله تعالى بجناحين يطير بهما في الجنّة عوضاً عن يديه اللّتين قُطعتا في معركة مؤتة... وقد حباه رسول الله صلّى الله عليه وآله بـ«صلاة التسبيح» - وتعرَف بـ«صلاة جعفر» و«صلاة الحَبوة» - حين قدم من الحبشة.

وهو عظيمُ المَحْتَدِ، فوالدُه شيخُ الأباطِح، كافلُ النّبيِّ الأعظم صلّى الله عليه وآله الذي خاضَ الغمراتِ دونه، وفي ذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَا زالتْ قريشٌ كَاعّةً عَنِّي حَتَّى مَاتَ أبُو طَالِب».

وأمّه السّيّدة فاطمة بنت أسد بن هاشم، الّتي كفّنها النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد موتها بقميصه، واضطجع في قبرها، وقال: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بَعْدَ أَبي طالِبٍ أَبَرَّ بِي مِنْها». أمّا أخوته: فعليٌّ أمير المؤمنين، عليه السّلام، وعقيل، وطالب. وزوجته أسماء بنت عميس.

 

وُلِد جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، بمكّة المكرّمة بعد عام الفيل بعشرين سنة، وكان من المسلمين الأوائل، حيث كان ثالثَ ثلاثة:

قال ابن أبي الحديد في شرحه على (نهج البلاغة) إنّ أبا طالب فقَدَ النبيَّ، صلّى الله عليه وآله يوماً، وكان يخاف عليه من قريش أن يَغتالوه، فخرج أبو طالب ومعه ابنُه جعفر يطلبانِ النبيَّ، صلّى الله عليه وآله، فوجده قائماً في بعض شِعاب مكّة يصلّي، وعليٌّ، عليه السّلام، معه عن يمينه؛ فلمّا رآهما أبو طالب قال لجعفر: تَقَدّمْ وصِلْ جناحَ ابنِ عمّك. فقام جعفر عن يسار النبيّ، صلّى الله عليه وآله، فلمّا صاروا ثلاثةً تقدّم رسولُ الله، صلّى الله عليه وآله، وتأخّر الأخَوَان: عليٌّ وجعفر، فبكى أبو طالب (فَرَحاً) وقال:

إِنَّ عَلِيّـاً وَجَعْفَـراً ثِقـتـي

عند مُلِمِّ الخُطوبِ وَالـنُّـوَبِ

لا تَخْذُلا، وَانْصُرا ابْنَ عَمِّكُما

أَخِي لأُمّـي مِن بَيْنَهُمْ وَأَبـي

وَاللهِ لا أَخْـذُلُ الـنَّبِـيَّ وَلا

يَخْذُلُهُ مِن بَنِيَّ ذو حَسَبِ».

        

* ودوّن الذهبيّ في (سير أعلام النبلاء): «إنّ عليّاً أوّلُ رَجُلٍ أسلم، ثمّ أسلَمَ زيدٌ ثمّ جعفر».

* وقد أجمع المؤرّخون والرجاليّون على أنّ جعفر الطيّار ابن أبي طالب، عليه السّلام، كان من السبّاقين إلى الإسلام، الذين بُشِّروا بقوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ﴾ الواقعة:10-14.

في كتاب الله العزيز

أكرمَ القرآنُ الكريم أُناساً مؤمنين، وثَمَّن مواقفهم؛ كمؤمن آلِ فرعون، ومؤمن آلِ ياسين، وأصحاب الكهف، وغيرهم. كما شرّف المؤمنين المجاهدين الصادقين الثابتين بذِكْرٍ طيّب خالد، فنزلت آياته المباركة وثائقَ سماويّةً هي أسمى الأوسمة الإلهيّة النازلة، فجاء قوله تعالى:

*  ﴿وبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ..﴾ البقرة:25.

في (تفسير فرات) الكوفيّ، عن ابن عبّاس، قال: «نَزَلتْ في: عليٍّ وحمزةَ وجعفرٍ وعُبيدةَ بنِ الحارث بن عبد المطّلب».

* وقولُه تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ الحج:24.

في (أصول الكافي) للكليني، عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: «ذاك حَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ وَعُبَيَدَةُ وَسَلْمانُ وَأَبو ذَرٍّ وَالمِقْدادُ بْنُ الأَسْوَدِ وَعَمّارٌ، هُدُوا إِلى أَميرِ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ».

* وقوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ الحج:39.

قال الإمام الصادق عليه السّلام: «نزَلَتْ في: عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ وَجَعْفَرٍ».

 

* وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ..﴾ الحج:40.

قال الإمام الصادق عليه السّلام: «نَزَلتْ في: عليٍّ أَميرِ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَجَعْفَرٍ وَحَمْزَةَ».

* وذكر ابن حَجَر في (الصواعق المحرقة) أنّ الثعلبيّ أخرج - في تفسير الآية: ﴿..وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ..﴾ الأعراف:46 - عن ابن عبّاس: «أنّ الأعراف موضعٌ عالٍ من الصراط، عليه: عليّ بن أبي طالب، وجعفر ذو الجَناحَيْن.. يَعرفون مُحبيّهم ببياضِ الوجوه، ومُبغضيهم بسوادِ الوجوه».

في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله

طالما أشاد رسولُ الله، صلّى الله عليه وآله، بمواقف أصحابه المخلصين الأوفياء، والمجاهدين الثابتين الأُمَناء، حتّى قال في معركة أُحد: «لَمَقامُ نَسيبةَ بنتِ كعبٍ، اليومَ، خيرٌ من مَقامِ فُلانٍ وفلان!». فكيف بجعفر بن أبي طالب.. وقد حَمَل رايةَ الجهاد عشرين عاماً، وهاجَرَ في سبيل الله الهِجرتَيْن، واستُشهِد من أجل إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى؟! فهذه باقةٌ من جملة أحاديث نبويّةٍ شريفةٍ فيه:

* روى المتّقي الهندي في (كنز العمّال): قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: «عَلِيٌّ أَصْلي، وَجَعْفَرٌ فَرْعي».

* وروى المحبّ الطبريّ في (ذخائر العقبى) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قولَه: «نَحْنُ بَنو عَبْدِ المُطَّلِبِ ساداتُ أَهْلِ الجَنَّةِ: أَنا، وَحَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ، وَجَعْفَرُ بْنُ أَبي طالِبٍ، وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، وَالمَهْدِيُّ».

* وفي (منتخب الأثر) عن أبي أيّوب الأنصاريّ قال: «قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآله لفاطمة [عليها السلام] رضي الله عنها: مِنّا خَيْرُ الأَنْبِياءِ وَهُوَ أَبوكِ، وَمِنّا خَيْرُ الأَوْصِياءِ وَهُوَ بَعلُكِ، وَمِنّا خَيْرُ الشُّهَداءِ، وَهُوَ عَمُّ أَبيكِ، حَمْزَةُ، وَمِنّا مَن لَهُ جَناحانِ يَطيرُ بِهِما في الجَنَّةِ حَيْثُ يَشاءُ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ أَبيكِ جَعْفَرٌ، وَمِنّا سِبْطا هَذِهِ الأُمَّةِ سَيِّدا شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، وَهُما ابْناكِ، وَمِنّا المَهْدِيُّ، وَهُوَ وَلَدُكِ».

* وروى الشيخ الصدوق في (أماليه)، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «إنّي خُلِقْتُ مِنْ طينَةٍ مَرْحومَةٍ في أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتي: أَنا وَعَلِيٌّ وَحَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ».

* ونقل الحاكم النيسابوريّ في (المستدرك) عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، أنّه قال لجعفر: «أَمّا أَنْتَ - يا جَعْفَرُ - فَأَشْبَهْتَ خَلْقي وَخُلُقي، وَأَنْتَ مِنْ شَجَرَتي الّتي أَنا مِنْها».

* ودوّن ابنُ الأثير في (أسد الغابة) هاتين الروايتين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، قال: «أَمّا أَنْتَ يا جَعْفَرُ، فأشبهتَ خَلْقي وخُلُقي، وَأَنْتَ مِنْ عِتْرَتي الّتي أَنا مِنْها».

ـ «رَأَيْتُ جَعْفَراً يَطيرُ في الجَنَّةِ مَعَ المَلائِكَةِ».

* فيما روى ابن عبد البَرّ في (الاستيعاب) أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد رأى جعفراً مُقْبِلاً من الحبشة إلى المدينة بمن معه من المسلمين ووفد النَّجاشي، وكان المسلمون في غمرة الابتهاج بفتح خيبر- استقبله معانقاً إيّاه وقال: «ما أَدري بِأَيِّهِما أَنا أَشَدُّ فَرَحاً: أبِقُدومِ جَعْفَرٍ، أَمْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ؟!».

إلى الحبشة

للظروف العصيبة التي مرّ بها رسول الله صلّى الله عليه وآله، والمسلمون الأوائل، كان على البعض أن يهاجر إلى الحبشة، فهاجر إليها نيّفٌ وثمانون مسلماً بزعامة جعفر بن أبي طالب. ولقد أثار ذلك عداوة قريش وحفيظتَها، فأرسلت إلى ملك الحبشة (النَّجاشيِّ) وفداً مكوّناً من عمرو بن العاص وعُمارة بن الوليد محمَّلَين بالهدايا للملك وحاشيته، يطلبان بذلك أن يردّ المسلمين المهاجرين إلى قريش، فوَرَدا على الملك، وقال عمرو - وكان مُفاوِض قريش: أيّها الملك، إنّ قوماً منّا خالفونا في ديننا، وسَبّوا آلهتنا، وصاروا إليك، فرُدَّهم إلينا.

فبعث النجاشيُّ إلى جعفر، فجاءه، فقال النجاشيّ له:

- يا جعفر، ما يقول هؤلاء؟!

- أيّها الملك، وما يقولون؟

- يسألوني أن أردَّكم إليهم.

- أيّها الملك، سَلْهم أعبيدٌ نحن لهم؟

فقال عمرو: لا، بل أحرارٌ كرام.

قال جعفر: فسَلْهم، ألَهُم دُيونٌ يطالبوننا بها؟

قال عمرو: لا، ما لنا عليكم ديون.

قال جعفر: فلكم في أعناقنا دماء تُطالبوننا بِذُحول؟

قال عمرو: لا.

قال: فما تريدون منّا؟! آذَيتمونا فخرجنا من بلادكم.

فقال عمرو: أيّها الملك، خالَفونا في ديننا، وسَبُّوا آلهتنا، وأفسَدوا شبابنا، وفرّقوا جماعتنا، فرُدَّهم إلينا لنجمع أمرَنا.

فقال جعفر: نعم أيّها الملك، خالفَناهم؛ إنّ الله تعالى بعث فينا نبيّاً أمر بخلْعِ الأنداد وتركِ الاستقسام بالأزلام، وأمَرَنا بالصلاة والزكاة، وحَرَّم الظلمَ والجور وسفْكَ الدماء بغير حقّها، والزنا والربا والمِيتةَ والدم، وأمرَنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.

فقال النجاشيّ: بهذا بعَثَ اللهُ عيسى، يا جعفر، هل تَحفَظ ممّا أنزَلَ الله تعالى على نبيّك شيئاً؟

قال: نعم.

فقرأ جعفر على النجاشيّ سورة (مريم)، فلمّا بلغ قولَه تعالى: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ مريم:25، بكى النجاشيّ وقال: هذا - والله - هو الحقّ.

وأنزلَ اللهُ تعالى في ذلك: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ المائدة:83.

وبذلك فشلت مؤامرةُ قريش. وقد تساءل النجاشيّ عن الإسلام وأراد أن يعرف معالمَه، وقد شغله ذلك، فأجابه جعفر مستعرضاً ظروف مكّة والعرب والحياة الجديدة قائلاً:

«إنّ هؤلاء على شرِّ دِينٍ؛ يَعبدون الحجارة ويُصلّون للأصنام، ويقطعون الأرحام، ويستعملون الظلم، ويستحلّون المحارم. وإنّ الله بعث فينا نبيّاً مِن أعظمنا قَدْراً، وأشرفِنا سراراً (أي نَسَباً)، وأصدَقِنا لَهجةً، وأعزِّنا بيتاً.. فأمَرَ عن الله بتركِ عبادة الأوثان، واجتنابِ المظالم والمحارم، والعملِ بالحقّ، والعبادةِ لله وحده».

فردّ النجاشيّ على عمروٍ وعمارة هداياهما، وقال: «أدفعُ إليكم قوماً في جواري على دين الحقّ، وأنتم على دين الباطل؟!».

ودار بحثٌ عقائديّ بين عمروٍ وعمارة من جهة، وجعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه من جهة ثانية، والنجاشيّ يتابع الأمر وقد تناول موضوع السيّد المسيح وأمّه مريم، عليهما الصلاة والسلام، انتهى ذلك البحث بتفوّق جعفر، كذلك انتهى الموضوع بخيبة عمرو وعمارة وإخفاق المؤامرة. وأقام المسلمون بأرض الحبشة حتّى وُلِد لهم الأولاد، فكان جميع أولاد جعفر قد وُلِدوا في أرض الحبشة، وعاشوا في أمنٍ وسلام.

هذا، وقد أسلم النجاشيّ على يَدَي جعفر بن أبي طالب، وكذا جماعة من أتباع النجاشيّ، صرّح بذلك ابن حجر العسقلانيّ في كتابه (الإصابة في تمييز الصحابة). وكان من النجاشيّ أن راسَلَ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله، وبَعَث إليه بالهدايا كرامةً ومحبّة، كذا بعث إليه بثلاثين قِسّيساً لينظروا في كلامه، صلّى الله عليه وآله، وآدابه، فوافَوا المدينة، ودعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلى الإسلام فآمَنوا، وعادُوا إلى النجاشيّ. ومن هناك انتشر الإسلام في تلك الربوع إلى يومنا هذا.

 

 

إلى مُؤتة

مُؤْتة هي: قرية من قرى البَلْقاء على حدود الشام، وهي اليوم معروفة بدولة الأُردنّ.

وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله قد أخذ، بعد فتح مكّة، يُراسل ملوكَ العالَم يدعوهم إلى الإسلام، ومنهم ملك بُصرى؛ إذْ أرسل إليه الحرثَ بن عُمَير الأزديّ، فعرض له شُرَحبيلُ بن عمرو، فقتله بعد أن عَرَفه أنّه من رُسُل النبيّ، صلّى الله عليه وآله، فكان ذلك بداية للحرب.

حينذاك أرسل صلّى الله عليه وآله جيشاً مكوّناً من ثلاثة آلاف مقاتل، عليهم جعفر بن أبي طالب، فإنْ أُصيب فزيد بن حارثة، فإن أُصيب فعبدُ الله بن رَواحة. وكان الملتقى في البَلْقاء شرقَ نهر الأُردنّ عند «مُؤْتة» حيث جيشُ الروم وعدّتُه مائتا ألفِ مقاتل، فتكون النسبة واحداً إلى سبعين، ومع ذلك قرّر المسلمون القتالَ ومُنازلةَ العدوّ على رغم قلّتهم؛ ثلاثة آلاف مقابل مائتي ألف!

ويتقابل الجيشان، وتنشب المعركة، فما كان من جعفر إلاّ أن قطع عُرقوبَ فَرَسِه [العرقوب: عَصَبٌ غليظ فوق العقب]؛ تشجيعاً منه لجيشه وهو قائده، فكان أوّلَ مَن عَرْقبَ فَرَسَه في الإسلام. وتشتدّ المعركة واللواء بيد جعفر وهو يزحف بالمسلمين على قلّتهم، وتتساقط عُلوج الروم وهو يرتجز قائلاً:

يا حَبّذا الجنّـةُ واقتِرابُـها

طيّبـةٌ وبـارِدٌ شَـرابُـها

والرُّومُ رومٌ قد دَنا عَذابُها

كافـِرَةٌ، بَعيدةٌ أَنْسـابُـها

 

 

 

حتّى قُطِعت يمينُه، فأخَذ السيفَ (أو الراية) بشماله، حتّى إذا قُطعت شماله ضَمَّ الرايةَ إلى صدره حتّى سقط صريعاً شهيداً. فتناول اللواءَ منه زيدُ بن حارثة، فلمّا استُشهِد تناوله عبدُالله بن رواحة.

والتُمِس جعفر من بين الشهداء، فوُجِدَ فيما أقبل مِن جسمه بضعٌ وتسعون بين طعنةٍ ورمية.

الذِّكر الجَميل

* قال قيس بن سعد بن عُبادة لمعاوية في ذِكْر الأبطال: «منهم جعفر بن أبي طالب، الطيّار في الجنّة بجناحين، اختصّه اللهُ بذلك مِن بين الناس».

* وفي (الإصابة) للعسقلاني، قال أبو هريرة: «كان جعفر يحبّ المساكين ويجلس إليهم، ويحدثّهم ويحدّثونه، فكان رسول الله يُكنّيه: أبا المساكين».

* وفي (تهذيب التهذيب) للعسقلاني، عن الشعبيّ، قال: «كان عبدالله بن عمر إذا حَيّى عبدَالله بن جعفر، قال له: السلام عليك يا ابنَ ذي الجَناحَين».

* وقال ابن عبد البَرّ في (الاستيعاب): «كان جعفر من المهاجرين الأوّلين، هاجَرَ إلى الحبشة وقَدِم منها على رسول الله صلّى الله عليه وآله، فاعتنقه وقال: (ما أَدري بِأَيِّهِما أَنا أَشَدُّ فَرَحاً: أبِقُدومِ جَعْفَرٍ، أَمْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ؟!)، واختطّ له رسولُ الله صلّى الله عليه وآله إلى جنب المسجد».

* وقال ابن حجر العسقلانيّ في (الإصابة): «جعفر، ابن عمّ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأحد السابقين إلى الإسلام، وأخو عليٍّ شقيقه، استُشهِد بمؤتة من أرض الشام مُقْبِلاً غير مُدِبر، مجاهداً للروم سنة ثمانٍ من الهجرة في جُمادى الأُولى».

 

 

* وقال الذهبيّ في (السيَر): «جعفر بن أبي طالب الشهيد، الكبير الشأن، هاجر الهجرتين: إلى الحبشة وإلى المدينة، فأقام بالمدينة أشهراً ثمّ أمّره رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك، فاستُشهِد».

* وقال اليافعيّ في (مرآة الجنان): «ومن فضائل جعفر: إرسالُ النبيّ صلّى الله عليه وآله إيّاه أميراً، وحصول الهجرتين له ولأصحابه، وصدقُه بين يدَي النجاشيّ في أنّ عيسى صلوات الله وسلامه عليه عبدُ الله ورسولُه، مع اتّخاذ النصارى له إلهاً وقتلِهم مَن يصف المسيح بكونه عبداً، وإسهامُ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله له ولأصحابه يومَ خيبر (مع عدم حضورهم فيها) ولم يكونوا شهِدوا الواقعة، وشدّةُ شفقةِ جعفر على المساكين وبرُّه لهم، كما ورد في الحديث».

رحم الله جعفراً.. تنزّه عن المحارم، وعفّ عن الرذائل، وتألقّ في المكرمات، حتّى اختار اللهُ تعالى له درجات العُلى.

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

07/04/2016

دوريات

نفحات