مرابطة

مرابطة

06/05/2016

ستة عشر عاماً على يوم التحرير


 

ستة عشر عاماً على يوم التحرير

النصر الإلهي في بُعده المَهدويّ

ـــــــــــــــــــــــــــ بقلم: حيدر العاملي ـــــــــــــــــــــــــــ

لو كان لنا من توصيف إجمالي لمعنى المواجهة التاريخية التي خاضتها المقاومة الإسلامية في مواجهة العدوّ «الإسرائيلي» لقلنا إنّها مواجهة تستعيد الأسس الإيمانية والأخلاقية لمفهوم الحرب. فلقد أفلحت المقاومة في تظهير العامل الإيماني/الأخلاقي على غير مستوى: في المواجهات العسكرية والسياسية، وفي إدارة المجتمع الأهلي، وفي إعادة الاعتبار لهذا العامل كعنصر حاسم في استراتيجيات الحرب.

يظهر العامل الإيماني الأخلاقي إذاً، كأصل تكويني في ثقافة المقاومة. وعلى هذا النحو، فهو عامل مؤسّس لقيمة معرفية وعملية، تتجلّى عبر منظومة تربوية، عادةً ما تترسّخ من خلال اتحاد النظر والعمل. وهنا يصُّح القول: إن مثل هذا الاتحاد، لم يكن ليُحصّل في الواقع، لولا الحضور المبين للتبصّر الإيماني والخُلقي المسدّد بالعقيدة المهوية وبالتمهيد لظهور المخلّص المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

من هذا الحضور بالذات يُمكن الكلام على أصالة الإيمان والأخلاق وفعليّتها في إنتاج وتوليد التبّصر الخُلقي. ولسوف نتبيّن ذلك متى اتّضح لنا أن الأصالة الأخلاقية لدى المقاومة الإسلامية اللبنانية، أصالة متأتِّية من الحقيقة الدينية. إذ من داخل هذه الحقيقة بالذات، تتشكّل ثلاثة أحياز معرفية، تشكّل مجتمعة إستراتيجيتها العليا:

- الأول: المعرفة الإيمانية (التوحيد).

- الثاني: المعرفة الدينية (الشريعة وفروعها).

- الثالث: المعرفة السياسية، المؤيَّدة بالحيّزين المعرفييّن السابقين.

 مع توفّر هذه الأحياز، تغدو الحقيقة الدينية سارية في الزمان والمكان، وتُمسي أخلاقيّاتها راسخة في مجال الظهور والتمّثل. ومع الجمع الخلاّق بين الأحياز المعرفية الثلاثة يبلغ العمل الجهادي، درجة يصبح معها عاملَ إمداد وتفعيلٍ للنظر. بل ويشكّل فعل تجديد وإبداع للمفاهيم والأفكار والإستراتيجيات، مثلما يشكّل تسديداً للممارسة، بأسبابها، وآلياتها، وطرائقها المتعددة.

على هذه الأحياز - المتّصلة برباط وثيق فيما بينها - يستوي البُعد الإيماني الأخلاقي للمقاومة. بما هو بعدٌ مُتَّخذٌ من القرآن الكريم بواقع اختزانه حقيقة الشريعة؛ وكذلك من الميراث اللاّمتناهي للحقيقة المحمّدية الممتدّة عبر الزمن؛ ابتداءً من السيرة المقدّسة للأنبياء والرّسُل، وأئمّة أهل بيت الرسول صلّى الله عليه وآله، وصولاً إلى قائم آل محمّد في آخر الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف.

ولنا هنا أن نلاحظ طائفة من المجالات، تظهر فيها أخلاقيات المقاومة كتجلٍّ لتكامل النظر والعمل، ولاتحاد النظرية والممارسة، وللموازنة بين أضلاع القدرة والعقلانية، والبُعد المعنوي والحضاري لمشروع المقاومة. غير أن هذه «الحُزمة المعرفية» ستؤول في الطواف الأخير إلى نصر يتّخذ بُعده الإلهي حيث يندرج التبصّر الخُلقي المؤيّد بالعقيدة المهدويّة كقيمة عليا ضمن مراتبها المتعدّدة.

في هذا المجال نجد أنّ حرب المقاومة على «إسرائيل»، وحرب «إسرائيل» على المقاومة، تفارقان من وجهٍ أساسيّ منطق الحروب المألوفة. ذلك لأنّهما تدخلان في منطقة احتدام ذات سمة فوق سياسية. ففي هذه الحالة بالذات يكون للإيمان الديني والاعتقاد بالغيب أهمية مركزية وحاسمة في تحديد اتجاهات الصراع وحركة التاريخ. وهذه الحالة من الاحتدام هي حالة شديدة الواقعية على الرغم من مفارقتها لقوانين الصراع التقليدي. إنها وليد موضوعي، واقعي، ينمو، ويتطوّر ، ويتكامل، ضمن سَيْريَّة الالتقاء الحميم بين الإيمان الديني، ومنظومة الأفكار، والخُطط التي تعكس المصالح السيادية العليا للأمّة.

يوم الانتصار الإلهيّ

هل يكون على اللبنانيين بعد ستة عشر عاماً على يوم التحرير أن يستعيدوا الكلام على الخامس والعشرين من أيار (مايو) 2000م من باب آخر. ونقصد بهذا الباب، غير ذاك الذي يُراد لنا أن نُدفع إليه دفعاً وسط مناخ عربيّ مشرّع على فتنِ ومنازعات أهلية لا تُبقي ولا تذَر؟

نحسب للوهلة الأولى أن يكون للسؤال أثرٌ مفارق. ولنا أن نقرأ هذا الأثر من وجهَين متقابلَين:

الأول: لا يسعُ أيَّ عاقل، أنّى كانت محمولاته الأيديولوجية وأحكامه، ألاّ يُنصف المقاومة حقّها بأنْ بدّلت مفاهيم الصراع في المنطقة وأقامتها على نشأةٍ أخرى. ولا يسعُ أيّاً كان إلاّ أن يرى إلى ما حدث على أنه انجازٌ استثنائيّ، وفِّر للعرب وللمسلمين ربما لأول مرة بعد نكبة فلسطين، أن يفارقوا، ولو ببطء، عتمة الهزيمة المتمادية.

أما الوجه الثاني: فهو نقيضُ الأول، بحيث لو قرأنا المشهد على قياس الاحتلال وأفعاله وبالأخصّ على صورة الفتن الداخلية، لقُلنا إننا أمام خطرٍ مُحدِق.

فما لا يُشكّ فيه، أن التحولات التي يشهدها المشرق العربي المحاذي لفلسطين، أطلقت مناخاً معاكساً تماماً لذلك المناخ الذي زامن تحرير القسم الأعظم من الأرض اللبنانية قبل نحو عقدٍ مضى.

الشيء المهم هو أن العدو «الإسرائيلي» بات متيّقناً بأن ما حلَّ به في الخامس والعشرين من أيار (مايوم) 2000م شكّل زلزالاً لم يفلح إلى الآن بالنجاة من آثاره. حتى اذا وقعت حرب تمّوز  (يوليو) 2006م بنتائجها المباشرة والبعيدة تضاعفت الآثار، واشتدّت الهواجس لِتصلَ في يومنا هذا إلى حدود الذورة.

تُخبر الصورة الآن، أن المسعى لمّا يزل هو نفسه لإحراز انقلابٍ في الوضعية اللبنانية. وهو سعيٌ يجري بالتوازي مع التحوّلات التي تعصف بعددٍ من الساحات العربية، بُغية إعادة تشكيل المنطقة تبعاً للمقاس «الإسرائيلي» سياسياً وثقافياً وأمنياً.

وعلى الرغم مما يشكّله التصدّع العربي من مصدر أمان للتفكير الإستراتيجي «الإسرائيلي»، فإن المشقّة الكبرى التي يواجهها هذا التفكير هو استشعار القلق حيال إمكان امتلاكه القدرة على صناعة حقائق الأمن الإقليمي.

كذلك يُدرك العقل «الإسرائيلي» وهو ينظر إلى هذه الحقيقة، كم كان لثقافة الحبوط والانهزام على امتداد أكثر من نصف قرن، من مفاعيل حاسمة في نشوء الكيان وقيامة الدولة اليهودية. وسيجد «الإسرائيليون» في ما يحصل من تمزّقات عربية، تلك اللحظة النادرة لإعادة صوغ ثقافة الإكراه والغَلَبة.

ما يجعل التفكير الإستراتيجي «الإسرائيلي» مملوءًا بالقلق، ليس فقط تلك «المنطقة الرمادية» على الحدود مع لبنان، وإنما هو الأثر العميق لحادث التحرير. فلقد ابتعث التحرير أطروحته في مقابل أطروحة الاحتلال، وسيكون لهذا التضادّ والتقابل مفاعيله الجدية على الميراث المشؤوم للأيديولوجيا العربية المهزومة، التي تشكلت مبانيها ومفرداتها من تداعيات النكبة الأولى في أيار (مايو) 1948م، والثانية في حزيران (يونيو) 1967م.

هنا حصراً يمكث القلق الأصلي في الفكر «الإسرائيلي» بإزاء تحوّلات ما بعد الخامس والعشرين من أيار (مايو) 2000م، حيث ستؤسِّس مقاومة الاحتلال ونتائجها المحقّقة في جنوب لبنان لإمكان استراتيجي قوامه: تسجيل الهزيمة على عدوٍّ ظلَّ إلى زمن قريب أشبه بكائن خرافي لا تشوبه شائبة الوهن والانكسار. وبالتالي ولادة مسارات جديّة لثقافة جديدة ستُطاول العمق الأيديولوجي لفلسفة التفوّق في العقل «الإسرائيلي».

إنَّ ما تدفع به واقعة التحرير في أيار (مايو) 2000م، يتجاوز السياسي/ الأمني بتعريفاته الشائعة. لقد أطلقت هذه الواقعة السؤال الإستثنائي حول نهاية المشروع «الإسرائيلي»، وبداية زمن الانتصارات، والتمهيد لظهور العدل المنتظَر.

 

 

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

06/05/2016

دوريات

   إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات