الملف

الملف

04/07/2016

مناظرة الإمام الصادق عليه السلام مع عمرو بن عبيد المعتزلي


إنّما نَسخَطُ إذا عُصِيَ الله

مناظرة الإمام الصادق عليه السلام مع عمرو بن عبيد المعتزلي

ــــــ رواية الشيخ الكليني ــــــ

روى الشيخ الكلينيّ في «كتاب الجهاد» من (فروع الكافي) الرواية الكاملة لمناظرة الإمام الصادق عليه السلام، مع أحد أكبر مشايخ المعتزلة في زمانه، أبي عثمان، عمرو بن عُبيد بن باب (ت: 144 للهجرة) الذي كان مُفسّراً ومُتكلّماً، وكان يتزهّد.

ولهشام بن الحكم مناظرة لطيفة مع ابن عبيد هذا حول الحاجة إلى الإمام، وأشار السيّد الخوئي قدّس سرّه في (معجم رجال الحديث) إلى احتمال كونه موالياً، وإنْ كان تاريخ حاله يدلّ على أنّه من العامّة، واستدلّ على الأخير بهذه المناظرة الآتية.

صحّح هذه الرواية كلٌّ من الشيخ النجفي في (جواهر الكلام)، والسيّد الطباطبائي في (رياض المسائل)، وحسّنها العلّامة المجلسي في (مرآة العقول).

 

قال الشيخ الكليني قدّس سرّه:

«دخولُ عمرو بن عبيد والمعتزلة على أبي عبد الله (الصّادق) عليه السلام:

...عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، قال: كنت قاعداً عند أبي عبد الله عليه السلام بمكّة، إذ دخل عليه أُناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة، وناسٌ من رؤسائهم، وذلك حِدثانُ قتل الوليد واختلاف أهل الشام بينهم، فتكلّموا وأكثَروا، وخطبوا فأطالوا.

فقال لهم أبو عبد الله عليه السلام: إنّكم قد أَكثَرتم عليّ، فأسنِدوا أمرَكم إلى رجلٍ منكم، ولْيتكلَّم بِحُجَجكُم ويُوجِز.

فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد، فتكلّم فأبلغ وأطال، فكان فيما قال، أن قال: قد قتَل أهلُ الشام خليفتَهم، وضرَب اللهُ عزّ وجلّ بعضَهم ببعضٍ، وشتَّت اللهُ أمرَهم، فنظَرنا فوجَدنا رجلاً له دِينٌ وعقلٌ ومروّةٌ، ومَوضعٌ ومعدنٌ للخلافة، وهو محمّدُ بنُ عبدِ الله بنِ الحسنِ، فأردنا أن نجتمعَ عليه فنبايعَه، ثمّ نظهَرَ معه، فمَن كان بايعَنا فهو منّا وكنّا منه، ومَن اعتزلَنا كفَفْنا عنه، ومَن نَصَب لنا جاهدناه ونَصبْنا له على بَغيه ورَدِّه إلى الحقِّ وأهلِه، وقد أحبَبْنا أن نعرِضَ ذلك عليك فتدخلَ معنا، فإنّه لا غِنى بنا عن مثلك لموضِعك وكثرة شيعتك.

فلمّا فرَغ، قال أبو عبد الله عليه السلام: أَكلُّكم على مثلِ ما قال عمرو؟

قالوا: نعم.

فحمِدَ اللهَ وأثنى عليه وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ قال:

إنّما نَسخَطُ إذا عُصِيَ الله، فأمّا إذا أُطيعَ رَضِينا....

( ثمّ ساق الكلام حتى بلغ إلى قول الإمام الصادق عليه السلام )

يا عمرو دَع ذا، أرأيتَ لو بايعتُ صاحبَك الذي تدعوني إلى بيعتِه، ثمّ اجتَمعَتْ لكم الأمّةُ فلم يَختلف عليكم رجُلانِ فيها، فأفضتُم إلى المُشركينَ الذين لا يُسلِمون ولا يؤدُّون الجزيةَ، أكانَ عندكم وعند صاحبِكم من العِلم ما تسيرونَ بسيرةِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في المشركين في حروبه؟

قال: نعم.

قال: فتَصنعُ ماذا؟

قال: ندعوهم إلى الإسلام، فإنْ أبَوا دعوناهم إلى الجزية.

قال: وإنْ كانوا مجوساً ليسوا بأهلِ الكتاب؟

قال: سواءٌ.

قال: وإن كانوا مُشركِي العرب وعَبَدة الأوثان؟

قال: سواءٌ.

قال: أخبِرني عن القرآن تقرؤه؟

قال: نعم.

قال: اقرأْ: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالله ولا بِالْيَوْمِ الآخِرِ ولا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ الله ورَسُولُه ولا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وهُمْ صاغِرُونَ﴾، فاستثناءُ الله عزّ وجلّ واشتراطُه مِن الذين أوتُوا الكتابَ، فَهُم والذينَ لم يُؤتوا الكتاب سواءٌ؟   (التوبة:29)

قال: نعم.

قال: عَمَّن أخذتَ ذا؟

قال: سمعتُ الناس يقولون.

قال: فدَعْ ذا، فإنْ هم أبَوا الجزيةَ فقاتَلتَهم فظَهرْتَ عليهم، كيف تَصنعُ بالغنيمةِ؟

قال: أُخرِجُ الخُمُسَ وأَقسِمُ أربعةَ أخماسٍ بين مَن قاتل عليه.

قال: أخبِرني عن الخُمس مَن تُعطيه؟

قال: حيثما سمَّى الله. فقَرأ: ﴿واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّه خُمُسَه ولِلرَّسُولِ ولِذِي الْقُرْبى والْيَتامى والْمَساكِينِ وابْنِ السَّبِيلِ...﴾.  (الأنفال:41)

قال: الذي لِلرسولِ مَن تعُطيه؟ ومَن ذو القربى؟

قال: قد اختَلَف فيه الفقهاءُ، فقال بعضُهم: قرابةُ النبيّ صلّى الله عليه وآله، وأهلُ بيتِه، وقال بعضُهم: الخليفةُ، وقال بعضهم: قرابةُ الّذينَ قاتَلوا عليه من المسلمين.

قال: فأيَّ ذلك تقولُ أنت؟

قال: لا أدري.

قال: فأراكَ لا تدري، فدَعْ ذا.

ثم قال: أرأيتَ الأربعةَ أخماسٍ تَقسِمها بين جميع مَن قاتَل عليها؟

قال: نعم.

قال: فقد خالفتَ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في سيرته، بَيني وبينك فقهاءُ أهلِ المدينةِ ومشيَختُهم، فاسألهُم فإنّهم لا يَختلِفون ولا يَتنازعُون في أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنّما صالَحَ الأعرابَ على أنْ يَدَعَهُم في ديارِهم ولا يُهاجروا، على إنْ دهَمَه مِن عدوِّه دَهْمٌ أن يَستَنفرَهُم فيُقاتِلَ بهم، وليس لهم في الغنيمةِ نصيبٌ، وأنت تقولُ بينَ جميعِهم فقَد خالفْتَ رَسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في كلِّ ما قلتَ في سيرتِه في المشركين، ومع هذا ما تَقولُ في الصَّدقة؟

فقرأ عليه الآية: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ..﴾. (التوبة:60)

قال: نعم، فكيف تَقسِمُها؟

قال: أَقسِمُها على ثمانيةِ أجزاءٍ، فأُعطي كلَّ جزءٍ من الثمانية جزءاً.

قال: وإنْ كان صنفٌ منهم عشرة آلافٍ، وصنفٌ منهم رجلاً واحداً، أو رجلَينِ أو ثلاثةً، جعلْتَ لِهذا الواحدِ مثلَ ما جَعلتَ للعشرةِ آلاف؟

قال: نعم.

قال: وتَجمعُ صدَقاتِ أهلِ الحَضَر وأهلِ البَوادي فتَجعلُهم فيها سواءً؟

قال: نعم.

قال: فقد خالفْتَ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، في كلِّ ما قُلتَ في سيرتِه، كان رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يَقسِم صدقةَ أهلِ البَوادي في أهل البَوادي، وصدقةَ أهلِ الحَضَر في أهلِ الحَضَر، ولا يَقسِمُه بينَهُم بالسويّةِ، وإنّما يَقسِمُه على قدْرِ ما يَحضُرُه منهم وما يَرى، وليسَ عليه في ذلكَ شيءٌ مُوَقَّتٌ مُوظَّفٌ، وإنّما يَصنعُ ذلك بِما يَرى على قَدْر مَن يَحضُرُه منهم، فإنْ كان في نفسِك ممَّا قلتُ شيءٌ فَالْقَ فُقَهاءَ أهلِ المدينةِ، فإنّهم لا يَختلفونَ في أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، كَذا كان يَصنَع.

ثمّ أقبل على عمرو بن عبيد، فقال له: اتَّقِ الله! وأنتُم أيُّها الرّهْطُ فاتَّقوا اللهَ! فإنّ أبي حدَّثني وكان خيرَ أهلِ الأرضِ وأعلمَهم بكتابِ الله عزّ وجلّ وسُنّة نبيِّه صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، قال: مَن ضَربَ الناسَ بِسَيفه، ودعاهُم إلى نفسِه، وفي المسلمينَ مَن هو أَعلمُ منه، فَهُو ضالٌّ مُتكلِّفٌ.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

04/07/2016

دوريات

نفحات