أعلام

أعلام

01/08/2016

صَعْصَعَة بنُ صُوحان العَبدي القَطيفي


المجاهدُ بسَيفِه وبيانه

صَعْصَعَة بنُ صُوحان العَبدي القَطيفي

___________ إعداد: سليمان بيضون __________

* رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: «ما كانَ مَعَ أميرِ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَنْ يَعْرِفُ حَقَّهُ إِلّا صَعْصَعَةُ وَأَصْحابُهُ».

* هو حاملُ لواء أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل بعد استشهاد أخوَيه، وكان في حرب صفّين رسولَ الإمام عليه السلام إلى معاوية، ومن أُمراء الجيش، والراوي للوقائع.

* من شهود وصيّة الإمام عليه السلام وراوي عهده الخالد إلى مالك الأشتر.

* أثنى عليه أصحاب التراجم بقولهم: «كان شريفاً، أميراً، فصيحاً، مُفَوّهاً، خطيباً، لسِناً، ديّناً، فاضلاً».

* أُعدّت هذه الترجمة استناداً إلى مصادر عدّة، أبرزها (الأعلام من الصّحابة والتابعين) لمؤلّفه الحاجّ حسين الشاكريّ.

 

صَعْصَعَة بن صُوحان بن حجر بن الحارث العبديّ، من سادات عبد القيس، ينتهي نسبه إلى ربيعة بن نزار؛ وُلِدَ في «دارين» قرب القطيف، وكان مسلماً على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقيل: لم يرَه. له أخوان «زيد» و«سَيْحان» استُشهدا يوم الجمل.

قبل خلافة الأمير عليه السلام


* لم يُذكر لصَعصعة مواقف من مسألة الخلافة، ولكن رُويت له مواقف تعبّر عن جرأته في قول الحقّ، منها ما جاء في (الاستيعاب) لابن عبد البرّ: «أنّ عمر بن الخطّاب قسّم المال الذي بعث إليه أبو موسى وكان ألفَ ألفِ درهم، وفضلت منه فَضْلة، فاختلفوا عليه حيث يضعها، فقام خطيباً... وقال: أيّها الناس، قد بقيتْ لكم فَضْلةٌ بعد حقوق الناس، فما تقولون فيها؟ 

فقام صعصعة بن صوحان وهو غلامٌ شابّ فقال: يا أمير المؤمنين! إنّما تُشاور الناس فيما لم يُنزِل اللهُ فيه قرآناً، أمّا ما أَنزل الله به القرآن ووَضَعه مواضِعه، فضَعه في مواضعه التي وضَعَه اللهُ تعالى فيها.

فقال: صدقْتَ! أنت منّي وأنا منك. فقسَّمَه بين المسلمين».

* ويروي هو فيقول: «دخلتُ على عثمان بن عفّان في نفرٍ من المصريّين، فقال عثمان: قدِّموا رجلاً منكم يكلِّمني، فقدَّموني.

فقال عثمان: هذا؟ وكأنّه استَحدَثَني. (أي استصغر سِنّه)

فقلت له: إنّ العِلم لو كان بالسِّنّ لم يكن لي ولا لك فيه سهمٌ، ولكنّه بالتعلّم.

فقال عثمان: هاتِ.

فقلت: بسم الله الرّحمن الرّحيم ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ الحج:41.

فقال عثمان: فينا نزلت هذه الآية.

فقلتُ له: فَأْمُرْ بالمعروف وانْهَ عن المنكر».

* وكانت بين صعصعة وعثمان مواقف أدّت إلى أن نُفي إلى الشام مع مالك الأشتر ورجالاتٍ من الكوفة، وعندما ثار الناس على عثمان، واتّفقوا على خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وبايعوه، قام جمع منهم فتكلّموا، وتكلّم صعصعة، فقال: «واللهِ يا أمير المؤمنين! لقد زيّنتَ الخلافة وما زانَتْكَ، ورفعتَها وما رَفَعَتْكَ، ولَهيَ إليك أحوجُ منك إليها».

من مواقفه يوم (الجمل)

* قال محمّد بن الحسن القمّيّ في (العقد النّضيد): «جاء في الآثار أنّه لمّا خرجت عائشة نحو البصرة ومعها طلحة والزبير، كتبتْ إلى صعصعة بن صوحان العبديّ: (...من عائشة بنت أبي بكر زوجة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلى صعصعة بن صوحان: أيّها الولد، فإنّي خرجت ومعي طلحة والزبير قاصدين البصرة بِطلَب دم الخليفة المظلوم عثمان بن عفّان، فساعةَ تقفُ على كتابي هذا فَاكسِرْ سَيفك، والزَمْ بيتك، ولا تخالِفْ قولي أيّها الولد، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته).

 

 

فكتب صعصعة الجواب: (بسم الله الرّحمن الرّحيم، من صعصعة بن صوحان، صاحبِ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إلى أُمّ المؤمنين عائشة: أمّا بعد، فقد أتاني كتابك أيّتها الأُمّ، تأمُريني فيه بما أَمَركِ الله تعالى به من لزوم البيت وترك الجهاد، لقوله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ..﴾ الأحزاب:32-33، وتفعلين أنتِ ما أمَرَني الله به من الجهاد، وهذا عجيب! لأنّي لو قيل: مَن أعقل الناس؟ لما عَدَوْتُكِ، فاتّقي الله أيّتها الأُمّ، وارجعي إلى البيت الذي أَمَرَكِ رسولُ الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلزومه، فإنّي في أَثَر كتابي هذا خارجٌ نحو عليٍّ عليه السلام للبَيعة التي في عُنقي، والسلام على مَن اتّبع الهدى)».

* ولمّا وقعت المعركة كانت راية أمير المؤمنين عليه السلام بيد سَيْحان أخي صعصعة، وقد طاعن بها حتى قُتل، فحملها من بعده أخوه زيد، وراح يقاتل، فتعطّف عليه أشرار أهل البصرة - أصحاب الجمل - وقتلوه، فأخذ صعصعةُ الراية.

رسول الإمام عليه السلام لمعاوية بعد (الجمل)

قال المسعوديّ في (مروج الذهب): «لمّا انصرف عليٌّ عليه السلام من حرب الجمل، قال لآذِنِه: مَنْ بِالبابِ مِنْ وُجوهِ العَرَبِ؟

قال: محمّد بن عمير بن عطارد التميميّ، والأحنف بن قيس، وصعصعة بن صوحان، في رجالٍ سمّاهم.

فقال: ائذَنْ لَهُمْ.

فدخلوا فسلّموا عليه بالخلافة، فقال لهم: أَنْتُمْ وُجوهُ العَرَبِ عِنْدي، وَرُؤساءُ أَصْحابي، فَأَشيروا عَلَيَّ في أَمْرِ هَذا الغُلامِ المُتْرَفِ – يعني معاوية - فافتنّت بهم المشورة عليه (أي توسّعوا في الكلام).

فقال صعصعة: إنّ معاوية أترفَه الهوى، وحُبّبت إليه الدُّنيا، فهانت عليه مصارعُ الرجال، وابتاع آخِرتَه بدُنياهم، فإنْ تعمل فيه برأي تُرشد وتُصيب إن شاء الله، والتوفيق بالله وبرسوله وبكَ يا أمير المؤمنين، والرأيُ أنْ ترسلَ له عيناً من عيونك وثقةً من ثقاتك، بكتابٍ تدعوه إلى بيعتك، فإنْ أجاب وأناب كان له ما لكَ وعليه ما عليك، وإلّا جاهدتَه وصبرتَ لقضاء الله حتّى يأتيَك اليقين.

فقال الإمام عليّ عليه السلام: عَزَمْتُ عَلَيْكَ، يا صَعْصَعَةُ، إِلّا كَتَبْتَ الكِتابَ بِيَدِكَ، وَتَوَجَّهْتَ بِهِ إِلى مُعاوِيَةَ، وَاجْعَلْ صَدْرَ الكِتابِ تَحْذيراً وَتَخْويفاً، وَعَجْزَهُ اسْتِتابَةً... وَلْيَكُنْ فاتِحَةَ الكِتابِ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللهِ عَلِيٍّ أَميرِ المُؤْمِنينَ إِلى مُعاوِيَةَ: سَلامٌ عَلَيْكَ، أَمّا بَعْدُ، ثُمَّ اكْتُبْ ما أَشَرْتَ بِهِ عَلَيَّ، وَاجْعَلْ عُنْوانَ الكِتابِ ﴿..أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ الشورى:53.

قال صعصعة: اعْفِني يا أمير المؤمنين من ذلك.

قال: عَزَمْتُ عَلَيْكَ لَتَفْعَلَنَّ.

قال: أفعلُ إن شاء الله، فخرج بالكتاب وتجهّز وسار حتّى ورد دمشق، فأتى باب معاوية، فقال للآذِن: استَأذِنْ لِرسول أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وبالباب أزْفَلة [جماعة] من بني أميّة، فأخذته الأيدي لقوله، وهو يقول ﴿..أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ..﴾ غافر:28، وكثُرت الجَلَبة واللّغط، فاتّصل ذلك بمعاوية، فوجّه مَن يكشفُ الناس عنه، فكشفوا، ثمّ أذن لهم فدخلوا، فقال لهم: من هذا الرجل؟

فقالوا رجلٌ من العرب، يُقال له صعصعة بن صوحان، معه كتابٌ من عليّ.

فقال: واللهِ لقد بلغني أمرُه، هذا أحدُ سهامِ عليٍّ وخطباء العرب، ولقد كنتُ إلى لقائه شيّقاً، ائذن له يا غلام.

فدخل عليه، فقال: السّلام عليك يا ابنَ أبي سفيان، هذا كتابُ أمير المؤمنين.

فقال معاوية: أما إنّه لو كانت الرُّسل تُقتل في الجاهليّة أو الإسلام لقتلتُك [وجرى نقاش طويل فيما بينهم].

ثمّ قال معاوية: لشيءٍ ما سَوَّدَه قومُه، وددتُ والله أنّي من صُلبه، ثم التفتَ إلى بني أميّة وقال: هكذا فلتَكُن الرجال». (انظر أيضاً: موسوعة الإمام عليّ عليه السلام للريشهري: 165/12، رقم 6556)

في صفّين

* كان لصَعصعة حضورٌ بارزٌ في صِفّين، فكان رسولَ الإمام عليه السلام إلى معسكر معاوية، ورواي وقائع عدّة فيها، من ذلك أنّه لمّا استولى جيش معاوية على ماء الفرات ومنعوا جيش الإمام منه، استدعى الإمام صعصعة قائلا ًله: «إئْتِ مُعاوِيَةَ فَقُلْ: إِنّا سِرْنا مَسيرَنا هَذا، وَأَنا أَكْرَهُ قِتالَكُمْ قبلَ الإعْذارِ إليكم، وإنَّك قَدِمْتَ بِخَيْلِك فَقاتَلْتَنا قَبْلَ أَنْ نُقاتِلَكَ؛ بَدَأْتَنا بِالقِتالِ وَنَحْنُ مَنْ رَأَيْنا الكَفَّ عَنْكَ حَتَّى نَدْعُوَكَ وَنَحْتَجَّ عَلَيْكَ، وَقَدْ حُلْتُمْ بَيْنَ النّاسِ وَبَيْنَ الماءِ، فَخَلِّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ حَتّى نَنْظُرَ فيما بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ، وَفيما قَدِمْنا لَهُ وَقَدِمْتُمْ، وَإِنْ كانَ أَحَبَّ إِلَيْكَ أَنْ نَدَعَ ما جِئْنا لَهُ وَنَدَعَ النّاسَ يَقْتَتِلونَ عَلى الماءِ حَتّى يَكونَ الغالِبُ هُوَ الشّارِبُ، فَعَلْنا».

فاستشار معاوية أصحابَه، فأجمعوا على منع الماء عن جيش أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ممّن تكلّم عبد الله بن سعد بن أبي سرح، أخو عثمان بالرضاعة، فقال لمعاوية: امنَعْهُم الماءَ إلى الليل، فإنّهم إنْ لم يقدروا عليه رجعوا، وكان رجوعهم هزيمة، امنعهم الماءَ مَنَعَهم اللهُ يومَ القيامة!

فقال له صعصعة: إنّما يمنعُه اللهُ يومَ القيامة الكفرةَ الفجرةَ شَرَبة الخمر، ضَرْبُكَ وَضَرْبُ [أي أمثالك وأمثال] هذا الفاسق - وأشار إلى الوليد بن عقبة - فوثبوا إليه يشتمونه ويتهدّدونه، فقال معاوية: كفّوا عن الرجل فإنّه رسول.

* وهو الراوي لأحد المواقف البطوليّة لمالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه، حيث يقول صعصعة: «ثمّ هجَم الأشتر ومَن معه على الفرات، وأقبلَ يضربُ بسيفه على جيش الشام بقيادة أبي الأعور السلميّ، فكشفهم عن الماء واستولى على الشريعة، وهو يرتجزُ ويقول:

لا تَذَكّروا ما قَد مَضى وَفاتا

واللهُ رَبّي باعِثُ الأمْواتا

من بَعْدِ ما صاروا صَدًى رُفاتا

لأَوْرِدَنَّ خَيْلي الفُراتا

شَعِثَ النّواصي أَوْ يُقال ماتا».

 

* وهو يروي قصّة اقتراح أمير المؤمنين عليه السلام على معاوية أن يبارزه، وقول عمرو بن العاص له: «لقد أنصفَك عليٌّ من نفسه»، وبقيّة الواقعة المعروفة.

صَعصعة يكلّم الخوارج

قال الشيخ المفيد في (الاختصاص): «لمّا بعثَ عليُّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، صعصعةَ بن صوحان إلى الخوارج، قالوا له: أرأيتَ لو كان عليٌّ معنا في موضعنا، أتكون معه؟

قال: نعم.

قالوا: فأنتَ إذاً مقلّدٌ عليّاً دينَك، ارجعْ فلا دِينَ لك!

فقال لهم صَعصعة: ويلكم! ألا أُقلّدُ مَن قلّدَ اللهَ فأحسن التقليدَ، فاضطلعَ بأمر الله صِدِّيقاً لم يزَل؟ أوَلم يكن رسولُ الله صلّى الله عليه وآله إذا اشتدّت الحربُ قدّمه في لَهواتها فيَطأُ صِماخَها بأَخْمَصِه، ويُخمِدُ لَهَبَها بِحَدِّه، مكدوداً في ذات الله... فأنّى تُصرَفون، وأين تَذهبون، وإلى مَن تَرغبون، وعمّن تَصدِفون!؟

خفيفُ المؤونة كثيرُ المعونة

* جاء في كتاب (الغارات) لإبراهيم الثّقفي الكوفيّ، عن أحمد بن النّضر، أنّ الإمام الرضا عليه السلام قال له: «يا أَحْمَدُ، إِنَّ أَميرَ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ عادَ صَعْصَعَةَ بْنَ صُوحان في مَرَضِهِ، فقالَ: (يا صَعْصَعَةُ، لا تَتَّخِذْ عِيادَتي لَكَ أُبَّهَةَ عَلى قَوْمِكَ).

قال: قال صَعْصَعة: بلى والله، أُعِدُّها مِنّةً من الله عليّ وفضلاً.

قال: فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: (إِنّي كُنْتُ ما عَلِمْتُكَ إِلّا خَفيفَ المَؤونَةِ حَسَنَ المَعونَةِ). قال: فقال صَعصَعة: وأنت والله، يا أمير المؤمنين، ما علِمتُك إلّا بالله عليماً وبالمؤمنين رؤوفاً رحيماً».

* وروى أبو الفرج الأصفهاني في (مقاتل الطالبيّين) «أنّ صَعصعة بن صوحان استأذن على عليّ عليه السلام - وقد أتاه عائداً لمّا ضربه ابن ملجم لعنَه الله - فلم يكن عليه إذن، فقال صعصعة للآذن: قُل له، يَرحمك الله يا أمير المؤمنين حيّاً وميّتاً، فلقد كان اللهُ في صدرك عظيماً، ولقد كنتَ بكلمات الله عليماً. فأبلغَه الآذِنُ ذلك.

فقال عليه السلام: [قُل له] وَأَنْتَ يَرْحَمُكَ الله، فَلَقَدْ كُنْتَ خَفيفَ المَؤونَةِ كَثيرَ المَعونَةِ».

* ورُوي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سمّاه: «الخَطِيب الشَّحْشَح»، أي الخطيب الماهر الذي يمضي في خطبته.

* ولمّا استُشهد أمير أمير المؤمنين عليه السلام، وأُلحِد في قبره الشريف بالغَريّ قبل طلوع الفجر من ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، وقف أبناؤه وخُلَّصُ أصحابه على ضريحه وهم في حالة حزن وبكاء، وكان من جملة أصحابه صَعصعة بن صوحان العبديّ، فوقف على شفير القبر واضعاً إحدى يدَيه على فؤاده، والأخرى قد أخذ بها الترابَ يضربُ به رأسه، وقال:

«هَنيئاً لك يا أبا الحسَن، فلقد طابَ مولِدُك، وقَوِيَ صبرُكَ، وعَظُمَ جِهادُك، وظَفَرْتَ بِرَأيِكَ، ورَبِحَتْ تجارتُك، وقَدِمْتَ إلى خالقِكَ فتلقّاكَ بِبشارتِهِ، وحَفّتكَ ملائكتُه، واستَقْرَرتَ في جِوارِ المصطفى، فأكْرَمَك اللهُ وألحَقَكَ بِدرجتِه، وشَرِبْتَ بِكأسِه الأَوْفى، فأَسألُ اللهَ أنْ يَمُنَّ علينا باقتِفاءِ أَثَرِكَ، والعَملِ بِسيرَتِكَ، والمُوالاةِ لِأوليائكَ والمُعاداةِ لأعدائِكَ، وأنْ يَحشُرَنا في زُمرةِ أوليائِكَ الصّالِحينَ، فقد نِلْتَ ما لمْ يَنَلْهُ أحدٌ، وأدرَكْتَ ما لمْ يُدرِكْهُ أحدٌ، وجاهَدْتَ في سبيلِ رَبِّكَ بين يَدَي أخيكَ المُصطفى حَقَّ جِهادِه، وقُمْتَ بين يَدي اللهِ حَقَّ القيامِ حَتّى أقَمْتَ السُّنَنَ، وأبَرْتَ الفِتَن، واستَقامَ الإسلامُ، وانتَظَمَ الإيمانُ، فَعَليكَ مِنِّي أَفضلُ الصّلاةِ والسّلامِ ".." فواللهِ لقد كانت حَياتُكَ مَفاتِحَ الخيرِ ومَغالِقَ الشّرِّ، وإنَّ يومَكَ هذا مفتاحُ كُلِّ شَرٍّ ومِغلاقُ كلِّ خَيرٍ، ولَو أنَّ النّاسَ قَبِلوا منكَ، لَأكَلوا مِن فَوقِهم ومِن تحتِ أرجُلِهِم، ولكنّهُم آثَروا الدُّنيا على الآخِرَة»، ثمّ بكى بكاء شديداً، وبكى كلُّ من كان معه.


وفاته

تُوفِّي صَعصعة بن صوحان في الكوفة بالعراق حسب كتاب (الوافي) للصّفدي، وذكر ابنُ سعد في (طبقاته) أن صَعْصَعه تُوفِّي في الكوفة أيّام مُلكِ معاوية، ولصعصعة رضوان الله عليه مسجدٌ مسمّى باسمه في الكوفة وآخر لأخيه زيد، ولمسجد صعصعة – قريباً من مسجد السّهلة - في الكوفة أعمال مذكورة في كُتب الأدعية، كما ذكروا أنّ له فضائل وكرامات يتناقلها الخلَفُ عن السلف.

 

 

وقال الزّركلي في (الأعلام)، وغيرُه: أنّ المغيرة بن شعبة نفاه من الكوفة إلى جزيرة «أوال» في البحرين بأمرٍ من معاوية لمّا اشتدّ اعتراضُه عليه، فمات فيها سنة 56 هجرية عن عمرٍ يناهز السبعين عاماً. وله مقامٌ في البحرين في قرية عَسْكَر، على 25 كيلومتراً من المنامة العاصمة، وهو مزارٌ مشهور، ويُعدّ أقدم موقع إسلامي على الإطلاق في البحرين.

وفي السابع والعشرين من تمّوز الفائت (2016م) تعرّض مقام الصحابيّ صعصعة بن صوحان في قرية (عسكر) لعملية اعتداء وتخريب من قبل أزلام النظام الملكي في البحرين، طالت الضريح والأبواب والجدران ومحتويات المقام.

هذا وتتعمّد السلطات المحلية عدم توفير الحراسة الأمنية للمقام، استفزازاً لمشاعر المسلمين والموالين، ويأتي هذا العمل التخريبي استكمالاً لحملة هدم المساجد التي شرع فيها النظام البحريني منذ سنوات.

 

اخبار مرتبطة

  شعائر العدد الثامن و السبعون -شهر ذو القعدة 1437-أيلول

شعائر العدد الثامن و السبعون -شهر ذو القعدة 1437-أيلول

نفحات