تحقيق

تحقيق

31/08/2016

قداسة البلد الأمين


معالم مكّة المكرّمة الجغرافيّة والتاريخيّة

قداسة البلد الأمين

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لِمكّة المكرّمة قداسة خاصّة ومكانة عظيمة في النّفوس، وكلّ ركنٍ فيها يروي حكاية أُمّة غيّرت وجه التّاريخ...

ففيها بيتُ الله الحرام الذي جعله تعالى قبلةً للمسلمين، ومحجّةً للمؤمنين، ومثابةً للناس وأمناً. وفيها وُلد سيّد المرسلين محمّد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله، ومنها انطلق نور الإسلام الذي أضاء أرجاء المعمورة بعد فترةٍ من الرُّسُل...

كانت «شعائر» نشرت سابقاً ثلاثة تحقيقات عن تاريخ مكّة المكرّمة، وعن المسجد الحرام، والكعبة المعظّمة، ومن جملة ما تناولته المعالم الدّينيّة والتّاريخيّة والأثريّة التي عمد الوهّابيّون وآل سعود إلى طمسها أو هدمها، تارةً بزعم «الشّرك»، وطوراً بذريعة «التوسعة».

وفي هذا العدد، نطلّ على عددٍ محدّد من المعالم المهمّة في مكّة المكرّمة وما حولها، لأنّ تلك المعالم كثيرة جدّاً لا يسعها تحقيق واحد، على أمل أن تتتابع التحقيقات عن معالم «هذا البلد الأمين».

 

كلّ ما في مكّة يحكي تاريخاً عريقاً ارتبط بعصور الأنبياء منذ آدم عليه السلام، حتّى عصر رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلكلّ جبلٍ فيها حكاية، ولكلّ شِعبٍ أو وادٍ رواية. أمّا مساجدها، فهي بمنزلة الأغصان التي تفرّعت من المسجد الحرام... حتّى مقبرتها حُفظت في الذاكرة العربيّة والإسلاميّة منذ الجاهليّة إلى اليوم...

جبل أبي قُبَيس

جبل أبي قُبَيس من جبال مكّة، وهو جبلٌ يشرف على المسجد الحرام من شرقيّه. يبلغ ارتفاعه 420 متراً تقريباً، وهو اليوم مكسوّ بالبنيان، من بيوت وقصور ومحلّات تجاريّة، وقد قامت السّلطات السعوديّة بتوسيع المَسعى بين الصّفا والمروة، فشملت التوسعة قسماً من سفح جبل أبي قُبَيس، كما تعرّض الجبل لعمليّات جرف وحفريّات كثيرة لغرض تشييد تلك المباني فوقه. حتّى مسجد بلال الأثريّ (ويُسمّى أيضاً مسجد إبراهيم) على سفحه، أزيل وضُمّ إلى القصر الذي شُيّد لاستقبال ضيوف الحكّام السعوديّين، ولم يبق منه إلّا بعض صوَره بين أيدي النّاس، وقد ذكره الرّحالة في كتبهم، من ذلك وصف ابن بطوطة عادات أهل مكّة ليلة العيد: «ويوقَد سطح الحرم كلّه، وسطح المسجد الذي بأعلى أبي قبيس».

 

 

وعنه قال ابن جبير: «وفي أعلاه (أي أبي قبيس) رباطٌ مبارك فيه مسجد، وعليه سطحٌ مشرف على البلدة الطيّبة، ومنه يظهر حُسنها وحُسن الحرم واتّساعه، وجمال الكعبة المقدّسة القائمة وسطه... صعدنا إلى جبل أبي قبيس المذكور وصلّينا في المسجد المبارك، وفيه موضع موقف النّبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم عند انشقاق القمر له بقدرة الله عزّ وجلّ». 

فإذا قصد زائرٌ، هذه الأيّام، إحدى الحارات في هذا الجبل للسكن أو التّسوّق، فإنّه لا يعلم أنّه يقف في أشهر جبل بمكّة، والذي دارت في سفوحه وبين صخوره أحداث جسام حفظها التّاريخ ووعتها الذاكرة... ويرى الدكتور جواد علي أنّه قديماً «سكن النّاس جبل أبي قبيس قبل سكنهم بطحاء مكّة؛ وذلك لأنّه موضع مرتفع ولا خطر على مَن يسكنه من إغراق السيول له، وقد سكنته بنو جُرهم... ويظهر أنّه كان من المواضع المقدّسة عند الجاهليّين، فقد كان نُسَّاك مكّة وزهّادها ومَن يتحنّف ويترّهب من أهلها في الجاهليّة يصعده ويعتكف فيه. ولعلّه كان مقام الطّبقة المترفة الغنيّة من أهل مكّة قبل نزوح قريش إلى الوادي، وسكنها المسجد الحرام المحيط بالبيت».

 

 

أ) الاسم

بخصوص اسمه ورد في (معجم البلدان) للحمويّ: «قيل سُمّي باسم رجل من مِذحج كان يُكنّى أبا قبيس، لأنّه أوّل مَن بنى فيه قبّة...».

وقال الحموي: «أبو قبيس، الجبل الذي بمكّة، كنّاه آدم، عليه السّلام، بذلك حين اقتبس منه هذه النار التي بأيدي الناس إلى اليوم، من مرختَين [المَرخ: صنفٌ من الشجر، ومنه يكون الزّناد الذي يُقتدح به] نزلتا من السّماء على أبي قُبيس، فاحتكّتا، فأورتا ناراً... وكان في الجاهليّة يُسمّى الأمين، لأنّ الرّكن (أي الحجر الأسود) كان مستودَعاً فيه أيّام الطّوفان... [وقيل:] سُمّي بأبي قبيس بن شامخ، وهو رجل من جرهم... وقد ضربت العرب المثل بقِدم أبي قبيس».

ب) مكانته الدّينيّة والتّاريخيّة

تذكر المصادر الإسلاميّة لهذا الجبل مزايا، منها:

أوّلاً: أنّه أوّل جبل وُضع على الأرض؛ عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «أَوَّلُ بُقْعَةٍ وُضِعَتْ مِنَ الأَرْضِ مَوْضِعُ البَيْتِ، ثُمَّ مُدَّتْ مِنْهُ الأَرْضُ، وَإِنَّ أَوَّلَ جَبَلٍ وَضَعَهُ اللهُ عَلى وَجْهُ الأَرْضِ أَبو قُبَيْسٍ، ثُمَّ مُدَّتْ مِنْهُ الجِبالُ».

ثانياً: أنّه مهبط آدم عليه السّلام من الجنّة؛ سُئل الرضا عليه السّلام عن الحرَم وأعلامه، فقال: «إنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا هَبَطَ مِنَ الجَنَّةِ هَبَطَ عَلى أَبي قُبَيْسٍ - وَالنّاسُ يَقولونَ بالهند - فَشَكا إِلى رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، الوَحْشَةَ وَأَنَّهُ لا يَسْمَعُ ما كانَ يَسْمَعُ في الجَنَّةِ، فَأَهْبَطَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ ياقوتَةً حَمْراءَ، فَوُضِعَتْ في مَوْضِعِ البَيْتِ، فَكانَ يَطوفُ بِها آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَكانَ يَبْلُغُ ضَوْؤُها الأَعْلامَ، فَعُلِّمَتُ الأَعْلامُ عَلَى ضَوْئِها، فَجَعَلَهُ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، حَرَماً».

ثالثاً: كان أبو قبيس أوّل جبل شُقّ منه حجارة لبناء البيت لقُربه من الحرم؛ ففي رواية نقلها العيّاشي في (تفسيره): «..ثمّ أوحى الله إلى جبرئيل: أن ابنِه وأتمِمه [أي البيت الحرام] بحجارةٍ من أبي قبيس، واجعل له بابين: باب شرقيّ، وباب غربيّ، قال: فأتمّه جبرئيل، فلمّا أن فرغ منه طافت الملائكة حوله، فلمّا نظر آدم وحواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا بالبيت سبعة أشواط، ثمّ خرجا يطلبان ما يأكلان، وذلك من يومهما الذي هُبط بهما فيه».

 

 

رابعاً: أنّ الله تعالى استودعه الحجر الأسود زمن طوفان نوح عليه السّلام.

خامساً: أنّه موضع نداء الحجّ. عن الإمام الكاظم عليه السّلام: «..فَأَوْحى اللهُ إِلى إِبْراهيمَ: أَنِ اصْعَدْ أَبا قُبَيْسٍ فنادِ في النّاسِ: يا مَعْشِرَ الخَلائِقِ! إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ بِحَجِّ هَذا البَيْتِ الّذي بِمَكَّةَ مُحَرَّمَاً مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً، فَريضَةً مِنَ اللهِ...».

سادساً: إنّ الصّفا من أصل جبل أبي قبيس، والمَروة من أصل جبل قُعَيقِعَان.

سابعاً: أنّه موضع احتماء أهل مكّة من أبرهة، ودعاء عبد المطلّب عليه السلام فيه لكسر جيش العدوّ؛ ففي قصّة أصحاب الفيل المعروفة: «..قال عبد المطلّب لقومه: اخرجوا إلى جبل أبي قبيس حتّى يُنفِذ الله حكمه ومشيّته... فخرج القوم بأولادهم ونسائهم ودوابّهم، وخرج عبد المطلّب وبنو عمّه وإخوته وأقاربه، وأخرج مفاتيح الكعبة إلى جبل أبي قبيس، وجعل يسير بهم إلى الصّفا، ويدعو ويبكي ويتوسّل بنور محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وجعل يقول: يا ربّ إليك المهرب، وأنت المَطلب، أسألك بالكعبة العلياء ذات الحجّ، والموقف العظيم المقرّب، يا ربّ ارمِ الأعادي بسهام العطب حتّى يكونوا كالحصيد المنقلِب..».

ثامناً: كان موضع استسقاء القوم عند القحط: فعندما أصاب القحطُ قريشاً في سنة من سنواتهم، ارتقوا أبا قبيس، حتّى إذا استووا بذروة الجبل، قام عبد المطلّب عليه السلام ومعه رسول الله صلّى الله عليه وآله [وهو دون الثامنة من عمره الشريف] فرفعَه على عاتقه، وقال: اللّهمَّ سادَّ الخُلَّة، وكاشفَ الكُربة، أنتَ مُعْلِمٌ غيرُ مُعْلَم، ومسؤولٌ غير مبخَّل، وهذه عِبِدّاؤك وإماؤك بِعَذِرَاتِ حَرَمِكَ يَشْكُون إليكَ سَنَتَهُم الّتي أَقْحَلَتِ الضَّرْعَ وَأَذْهَبَتِ الزَّرْعَ ، اللّهمّ فأمطِر علينا غيثاً مُغدقاً مرتعاً. فما راموا حتّى تفجرت السّماء بمائها، واكتظّ الوادي بثجيجه. [العذِرة، بكسر المعجمة: فناء الدار. والثّجيج: السّيل]

جبل حِراء

حِراء: بالكسر، والتّخفيف، والمدّ: جبلٌ شامخ معروف من جبال مكّة، ويُسمّى «جبل النّور» لظهور أنوار النبوّة فيه، يقع في الشّمال الشرقيّ منها، ويبعد مسافة أربعة كيلومترات تقريبًا عن المسجد الحرام، وهو على يسار الذاهب إلى عرفات، ويرتفع 634 متراً. وهو جبل منيفٌ صعب المرتقى، لا يُصعَد إلى أعلاه إلّا من موضع واحد في صفاة ملساء.

وكان النّبيّ صلّى الله عليه وآله قبل أن يأتيه الوحي، يتعبّد في غارٍ أعلى هذا الجبل، إذ كان يُجاور في حراء من كلّ سنة شهراً، وكان يُطعِم في ذلك الشّهر مَن جاءه من المساكين. وفيه نزل عليه جبريل أوّل ما أُوحي إليه وبشّره بالنّبوّة. والموضع الّذي نزل فيه جبريل عليه السّلام في أعلاه من مؤخّره. والغار عبارة عن فجوة تَسَع نحو خمسة أشخاص جلوساً، وارتفاعه قامةٌ متوسّطة. وقد ذكروا أنّ رسول الله، صلّى الله عليه وآله، ارتقى ذروته ومعه نفرٌ من أصحابه فتحرّك، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «اسْكُنْ يا حِراءُ، فَما عَلَيْكَ إِلّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهيدٌ».

في عام (916 للهجرة/1510م) بُنيت قُبّة فوق جبل حراء، وأُقيم تحتها مولدٌ في شعبان حضره الأعيان ووجوه مكّة. وقد جُدّد بناء هذه القبّة في العام (1278 للهجرة/1861م)، إلا أنّ السلطات السعودية هدمتها سنة (1343 للهجرة/ 1925م)، في جملة من الآثار الدينيّة التي جرى هدمها.

 

شِعبُ أبي طالب

الشِّعب، لغةً، هو الفجوة بين الجبلَين، وقد يُراد منه الوادي، و«شِعبُ أبي طالب» في مكّة، يقع قريباً من المسجد الحرام، خلف الصفا والمروة، بين جَبلَي أبي قبيس وخندمة، وهو المكان الذي حصرتْ فيه قريشٌ بني هاشم في السنة السادسة من البعثة، وكتبوا الصّحيفة في مقاطعتهم؛ ويُسمّى أيضاً: «شِعب بني هاشم»، و«شِعب عليّ بن أبي طالب عليه السلام»، و«شِعب أبي يوسف».

وقد يُقال له: «شِعبُ المولد»، لأنّ فيه الدار التي وُلد فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله، والبيت الذي سكنه النبيّ صلّى الله عليه وآله بعد زواجه من السيدة خديجة، وفيه أيضاً وُلدت الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام. فقد كان هذا الشِّعب لعبد المطلّب فقسّمه بين بنيه حين ضعف بصرُه، وفيه كانت منازل بني هاشم ومساكنهم.

وتذكر كُتب السِّيَر مَا أصاب رسول الله صلّى الله عليه وآله والمؤمنين في الشِّعب من ضِيق الحصار، وأنهم جهدوا غايةَ الجهد، ونالهم من الجوع شيءٌ فظيع، ومكثوا فيه ثلاث سنين إلّا شهراً، ثمّ أنفق أبو طالب وخديجة جميع مالهما، ولا يقدرون على الطّعام إلّا من موسمٍ إلى موسم، فلقوا من الضِّيق ما اللهُ أعلم به؛ وإنّ الله قد بعث على صحيفتهم الأَرضة فأكلت كلّ ما فيها إلّا اسم الله، فذكر ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله لأبي طالب، فما راع قريشاً إلّا وبني هاشم عنقٌ واحد (أي جماعة) قد خرجوا من الشِّعب...


مسجد البيعة

تكثر المساجد الأثريّة في مكّة، منها مسجدان يحملان اسم مسجد البيعة:

الأوّل: بأعلى مكّة يقال له أيضاً: (مسجد الجنّ) ويقع بالقرب من مقبرة المعلاة، وهو بعد الحَجون إلى المسجد الحرام غير بعيد، وقد نزلت فيه سورة (الجنّ). وهو الذي يسمّيه أهل مكّة (مسجد الحرس) وإنّما سمّي مسجد الحرس لأنّ صاحب الحرس كان يطوف بمكّة، حتّى إذا انتهى إليه وقف عنده ولم يجُزه حتى يتوافى عنده عرفاؤه وحرسُه.

 

وهو في موضع الخطّ الذي خطّه رسول الله صلّى الله عليه وآله، لابن مسعود ليلةَ استمع إلى الجنّ الذين بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وآله، في ذلك الموضع. وهذا المسجد لا يعرف اليوم إلّا بـ«مسجد الجنّ». وفي العام (1112 للهجرة/ 1701م) أُعيدَ بناؤه، وغُرست بالقرب منه الأشجار والنباتات، وبنوا عليه قبّة عظيمة، وقد هدّمت هذه القبّة عام (1343 للهجرة/1925م) بأيدي الوهّابيّين والسعوديّين.

نشير هنا إلى أنّ من أحياء مكّة المكرّمة الحيّ المعروف حالياً باسم «محبس الجنّ»، وهو بالقرب من حيّ العزيزيّة المشهور، ويعتقد بعض الباحثين أن السلطات السعودية تعمّدت هذه التسمية في هذا الموضع لصرف الأنظار عن المكان الحقيقي الذي تمّت فيه بيعة الجنّ مع النبيّ صلّى الله عليه وآله، ومن الروايات الشعبية المتداولة بين أهل مكّة أن المكان سُمّي بذلك لأنّ أمير المؤمنين عليه السلام حبس فيه الجنّ. وبالعودة إلى كتاب (الإرشاد) للشيخ المفيد، فقد ذكر خبر قتال أمير المؤمنين عليه السلام لطائفة من مردة الجنّ عند خروجه، مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، إلى بني المصطلق. وكذلك في (الخرائج) للراوندي، و(المناقب) لابن شهرآشوب، كلّ ذلك عن ابن عباس.

الثّاني: مسجد قرب «جَمرة العقبة» التي هي حدّ «مِنى» من جهة مكّة، وهو وراء العقبة بيسير إلى مكّة؛ في شِعبٍ على يسار الذاهب إلى مِنى؛ كان مسجداً مشهوراً عند أهل مكّة، وبُنِيَ فيما بعد بالحجر والجصّ، وربّما صُلِّي فيه أيّام الحجّ. وهو المكان الذي بايع الأنصار فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله في مِنى ودَعوه إلى المدينة. وأخبار تلك البيعة مستفيضة في السيرة. وقد أزيل هذا المسجد فى التوسعات الأخيرة بمِنى.


مقبرة المَعْلاة

المعلاة، هو القسم العلويّ من مكّة، وكلّ ما نزل عن المسجد الحرام يسمّونه «المسفلة» وما ارتفع عنه يسمّونه «المَعلاة». فالمعلاة هي المكان المرتفع عن مستوى الحرم، أمّا «مقبرة المعلاة» فتقع على سفح جبل الحَجون في الجنوب الغربيّ، ويشرف على المقبرة من الجهة الغربيّة جبلُ السليمانيّة، ومن الجهة الشرقيّة جبل الحَجون. سمّيت مقبرة المعلاة بهذا الاسم لوقوعها في أعلى مكّة، وهي في نفس الموقع القديم الذي كانت عليه في الجاهليّة والإسلام، ويطلق عليها أيضاً «مقبرة الحَجون».

ولا يُعلم بمكّة شِعبٌ يستقبل ناحية من الكعبة ليس فيه انحراف، إلّا شِعب المعلاة؛ فإنّه يستقبل وجه الكعبة كلّه مستقيماً. وقد دُفن في هذه المقبرة عبد المطّلب جدّ رسول الله، وأبو طالب عمّه، والسّيّدة خديجة بنت خويلد أمّ المؤمنين سلام الله عليهم، وكان فوق قبورهم الشّريفة قبابٌ هدمها النّظام السّعوديّ، إبّان حملته المسعورة سنة 1925م. وبها - أيضاً – دُفن ياسر وسميّة أبوا الصحابيّ عمّار بن ياسر.

وقال ابن بطوطة يصف دخول الناس إلى هذه المقبرة بعد صلاة العيد: «..ثم إذا فرغ منها [أي الإمام من الخطبة] أقبل النّاس بعضهم على بعض بالسّلام والمصافحة والاستغفار، ويقصدون الكعبة الشّريفة فيدخلونها أفواجاً، ثمّ يخرجون إلى مقبرة باب المعلّى..».

وفي الوقت الحالي، شُطرت المقبرة إلى قسمين يفصل بينهما سياج، أحدهما يضمّ أضرحة الهاشميّين، والثاني قبورَ سائر الخلق، والمقبرة آخذة في الاتّساع، لا سيّما مع إقدام السلطات السعوديّة على جرف جبل الحَجون!

 

مسجد الخَيْف

هو مسجدٌ بمِنى، له تاريخ طويل وفضله مشهور، يقع في خَيف بني كنانة في سفح جبل منى الجنوبيّ قرب الجمرة الصّغرى. تُصلّى فيه صلاة عيد الأضحى، وقد جُدّد حديثاً.

والخَيْفُ، لغةً: ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، ومنه سُمّي «مسجد الخيف» في مِنى.

وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: «صَلَّى في مَسْجِدِ الخَيفِ سَبْعُمائةِ نَبِيٍّ». وفي حجّة الوداع دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله مسجد الخَيف، ونادى: «الصَّلاةَ جامِعَةً»، فاجتمع النّاس، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر خطبته، ثمّ قال فيها: «أَيُّها النّاسُ! إِنّي تارِكٌ فيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: الثَّقَلُ الأَكْبَرُ كِتابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، طَرَفٌ بِيَدِ اللهِ تَعالى وَطَرَفٌ بِأَيْديكُمْ فَتَمَسَّكوا بِهِ، وَالثَّقَلُ الأَصْغَرُ عِتْرَتي أَهْلُ بَيْتي، فَإِنَّهُ قَدْ نَبَّأَني اللَّطيفُ الخَبيرُ أَنَّهُما لَنْ يَفْتَرِقا حَتّى يَرِدا عَلَيَّ الحَوْضَ..».

وكان للإمام الصّادق عليه السلام حلقة علمية فيه؛ عن معاوية بن ميسرة بن شريح، قال: «شهدتُ أبا عبد الله عليه السلام في مسجد الخَيف وهو في حلقة فيها نحو من مئتي رجل، وفيهم عبد الله بن شبرمة...».

ويُذكر هذا المسجد في دعاء (السّمات) المشهور: «اللَّهُمَّ إنّي أسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْعَظيمِ الأعْظَمِ... وَبِمَجْدِكَ الَّذي تَجَلَّيْتَ بِهِ لِمُوسى كَليمِكَ عَلَيْهِ السَّلامُ فى طُورِ سَيْناءَ، وَلإبْراهيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ خَليلِكَ مِنْ قَبْلُ في مَسْجِدِ الْخَيْفِ..‌«.


اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

31/08/2016

دوريات

نفحات