الملف

الملف

29/09/2016

رَيحانةُ النبيّ في كربلاء

 

رَيحانةُ النبيّ في كربلاء

شهادة الحسين آيةٌ من آيات الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ المستشار عبد الحليم الجندي ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

* في كتابه حول الإمام الصادق عليه السلام؛ وهو الكتاب الذي شاع أمرُه في البلاد الإسلامية في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، ينظر المؤرّخ الكبير عبد الحليم الجندي برؤية الباحث المدقّق ورويّته في السيرة الحسينيّة المباركة.

وإذا كان لنا أن نقيّم هذه الرؤية في أُفُق الكتابات التاريخية الكثيرة حول سبط الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله في المرحلة الأموية، لوجدنا في مدوّنة الجندي ما يَفي وقائع التاريخ قسطاً مهمّاً من حقائقها.

في هذا النصّ المختار من كتاب الجندي سالف الذكر، إضاءة على جانب جدير بالقراءة من السيرة الحسينية الشريفة.

«شعائر»

 

انتهى عصر معاوية بعد خلافة طالت تسعة عشر عاماً وثلاثة أشهر وخمسة أيام، ليبدأ عصر يزيد (60 – 64 للهجرة) فكان أفسدَ حُكم. وقع فيه أفظعُ ظلم، وأعمقُ جرحٍ في قلوب أهل الإسلام. أنهاه الله بإنهاء عمره وانقطاع عقِبه وعقب أبيه من سجلّ الدولة التي سعيا لها كلّ ذلك المسعى!

وسيخلفه ابنه معاوية بن يزيد. فيعلن أنّه وأهله لا يستحقّون الخلافة. ويعتزل بعد نحو أشهر ثلاثة. فكان اعتزاله من تلقاء نفسه. وعباراته - وهو يعتزل - شهادةٌ بالفعل وبالقول، من بني أميّة أنفُسهم، بأنّهم جائرون.

أنهى يزيد سنوات حكمه بتجريد جيش على المدينة يسفك دمها، وينتهك حرمها، في وقعة الحرّة سنة 63 للهجرة، ليقتل فيها ثمانين من صحابة الرسول. فلم يبقَ بعدهم على ظهر الأرض بدريٌّ واحد! وقتل من قريش والأنصار ثمانمائة! ومن الموالي والتابعين وسائر الناس عشرة آلاف، ثم لفظ آخر أنفاسه وجيشه يحاصر الكعبة بعد أن أحرقها!

وأيّ نهايةٍ لبشرٍ أفظع من هذه النهاية! بل أيّ نهاية لدولة أبلغ في الدلالة على غضب السماء عليها!

فما كان حرق الكعبة ولا قتل الصحابة وتذبيح الآلاف إلّا تتابعاً للأحداث التي بدأ بها السنوات الأربع، وختاماً طبيعياً للبداية المُفظعة لحكمه، وجزاء له ولدولته، ينزله بها وبنفسه.

حقبة الإجرام اليزيدي

لقد استفتح حكمه بجريمة كربلاء في يوم عاشوراء! في العاشر من المحرّم سنة 61. فوقع فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت مثله أو قريباً منه، من استشهاد أبي الشهداء: الحسين بن عليّ، الذي دعا له النبيّ: «اللّهُمّ إِنِّي أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ»، والذي عظّمه... الناسُ جميعاً على مدار العصور. وهو القدوة في عطائه وعبادته وتواضعه وشجاعته في كلّ موقف: في «الجَمل»، و«صفّين»، و«النهروان» إلى جوار أمير المؤمنين عليّ...

كان بقيّة الرسول صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. وكانت آمال الأمّة فيه آمالها في بقيّة الرسول.

وكان أبعد الناس عن أن يستخلف على المسلمين يزيد... يزيد الصقور، يزيد الخمور، كما لقّبه معاصروه. فلم يكن أحد ليأمل شيئاً من عهد يزيد، إلّا دنيا يُصيبها أو أموالاً يجمعها. ولذلك رفض الحسين أن يبايعه.

ودعا أهلُ الكوفة الحسين إليهم، فبعث قبله مسلماً ابن عمّه عقيل.

وخرج في أثره. فقتَل عبيد الله بن زياد والي الكوفة مسلماً. وتخاذل أهل الكوفة عن نصرة الحسين، فمضى حتّى بلغ (كربلاء) على مبعدة خمسة وعشرين ميلاً من الكوفة، وفي ركبه ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته، وستّون من شيعته.

هنالك لقيهم جيش عبيد الله بن زياد، على رأسه عمر بن سعد والي عبيد الله على الريّ... ورفض ابن زياد إلّا أن ينزل الحسين على حكمه، أي أن يستسلم ليصير أسيراً لابن زياد ويزيد!

وسدَّت الجيوش أمامه كلّ مخرج، وانقضّت عليه سهام الآلاف وسيوفهم، وهو يحارب كالأسد. وتسيل جراحات جسمه وهو في السابعة والخمسين، واستشهد رجال أهل البيت جمعياً، والرجال الستّون الذين يتألّف منهم ركبه، إلّا ابنه زين العابدين (عليّ بن الحسين) – وكان عليلاً - وسبى المجرمون النساء.

آيةُ الاستشهاد

إنّ في إنسانية البشر قابليةً للفساد كهيئة قابلية المواد للهبوط إلى الأرض بقانون الجاذبية. والإسلام لذلك يرفع الناس إلى أعلى، إذ يدفع الأنفس إلى ما هو أقوم، بالعبادة اليومية على مدار الليل والنهار، وتطهير النفس على مدار العمر.

ومن الفساد ما يستغلظ فيحوج إصلاحه إلى آيةٍ من السماء مثل كسوف الشمس وخسوف القمر. وفي استشهاد أبي الشهداء آيةٌ من الآيات.

كانت كربلاء قارعةً رجّت الأرض رجّاً يعيد الإسلام غضّاً في الأنفس، بما كان فيها من التصميم والإجماع على الاستشهاد في سبيله.

لقد انقضى بين يوم وفاة النبيّ وبين كربلاء خمسون عاماً، كانت ضرورية لتدهور إحساس بعض الرجال في أجيال، تدهوراً كافياً ليقتلوا ابن نبيّهم! وهم يصلّون عليه! وعلى آله الذين يقتلونهم!

وحسب هؤلاء المجرمين حكماً عليهم أن يقول لهم – كذباً - كبيرهم «يزيد بن معاوية» وعيناه تدمعان: «قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين»..

وإنّما أطلق الرَّوعُ دموعه، وأنطق الفزعُ لسانه، بمقالة رياء.

فلقد كرّر جنده يوم «الحرّة» ما فعلوه، منذ عامين، في كربلاء. كما صنعوه مرةً ثالثة، إذ قذفوا الكعبة بالمنجنيق من أعلى جبل أبي قبيس.

فالجريمة الأولى تدفع إلى الثانية، فالثالثة، وغيرها. والجرائم يصنعها المجرمون، وتصنع المجرمين.

ويبقى هذا الرياء من يزيد، صيحةَ استهزاءٍ بقومٍ باعوا أنفسهم للشياطين، لقاء متاعٍ قليل، لا يلبث أن يزول.

قالوا: كان الحسين يستطيع بالمداورة أو المناورة أن يكسب الزمن، أو يستطيع بالاستسلام أن يكسب الحياة، لكنّه الذي قال فيه وفي أمّه وأبيه وجده، الشاعر إقبال:

هي بنتُ مَن! هي زوجُ مَن! هي أمُّ مَن!

مَن ذا يُداني في الفخار أباها؟

ومن قبله رفض أبوه رأي المغيرة بن شعبة أن يكسب الزمن بترك معاوية على الشام حتّى يبايع. فلم يقبل على أن يناور أو يكسبَ الزمن.

وناورَ المُغيرة فصار عاملاً لمعاوية!

الحقّ أنّ الحسين قدّم للمسلمين الذين تعاقبوا في آثاره على مدار الزمان، حجّةً بالغة من أهل بيت الرسول، إذ ينفردون في التاريخ بهذه الخصيصة التي لم يُماثلهم أو يُقاربهم فيها أهل بيت آخر في تاريخ الإنسانية: الاستشهاد في سبيل هداية البشر لِما هو أقوم. وهي بعضُ خصائص الرسُل.

منح الاستشهاد اسماً لكربلاء. وخلّد الأسماء التي تساقط أصحابها كالكواكب المنتثرة من السماء فوق الصحراء، لا لتنكدر، ولكن لتقدّم للبشر درس الدفاع عن الحقّ؛ من فئة قليلة، واثقة في الحقّ سبحانه، لا تهمّها أرواحها، وإنّما يهمّها العمل الصالح في ذاته. ولا تنظر إلى الساعة التي هي فيها، وإنّما تمدّ أبصارها إلى مستقبل الإنسانية كلّه...

ولقد صدَق الحسينُ المسلمين في كلّ موقفٍ وقفه. وكان عند وصيّة أبيه له ولأخيه الحسن... «أُوْصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وَأَنْ لَا تَبْغَيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا»، فلم يبتغِ الدّنيا واشترى بها الآخرة.. فأمسى يقول: «إِنِّي لَا أَرَى المَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً، وَالْحَيَاةَ مَعَ الظّالِمِينَ إِلَّا بَرَمَاً».

وشملت السماء ابن النبيّ في كربلاء بمزيدٍ من التأييد، بمعانٍ جليلة من جلال الإسلام، نختار منها هنا واقعةً منه، وواقعة من عدوّه:

في الأولى: أخَذَ أَخْذَ أبيه فسقى جيش العدوّ من العين التي نزل عندها، ولم يحرم الماء قاتليه.

وفي الأخرى: ترك قائدان من القوّاد جيش ابن زياد، في وطيس المعركة، إلى الجماعة العزلاء حول الحسين، ليستشهدوا في الدفاع عن سيّد الشهداء، بين رجاله الذين ماتوا عن آخرهم، وهم عليمون أنّهم يخوضون معركةً خاسرة بكلّ المقاييس التي يتقايس بها المتحاربون، مظفَّرة بمقاييس المؤمنين.

ولو عاش هؤلاء الشهداء العظماء، سنوات أو أشهراً أخرى، لماتوا كما يموت الآخرون. لكنّهم ماتوا شهداء «كربلاء»، ليحيوا في ضمير الزمان كلّه أمثالاً للحقّ، وعناوين على عظمة الإسلام.

دروس كربلائية

كانت كربلاء رسالة من ابن النبيّ للمسلمين؛ هي الأولى من نوعها بما تحتويه من دروس لا تُحصى، فحسبنا أن نشير إلى البعض منها. وفي الدرس الواحد جماع دروس:

* وأوّل الدروس: يتعلّق بالحقّ ذاته. وفي الحقّ أعظمُ الدروس؛ أن لا يقرّ أحدٌ الباطلَ، وأن يقدّم في سبيل ذلك نفسه، وأن يكون قدوةً. وألّا يهاب المَكثورون كثرة الظَّلمة. فالأمم تبقى بالمقاومة ولا تُصيبها الهزيمة إنْ فقدت معركة، ما دامت فيها إرادةُ النصر، يسعى إيمانُها بين يديها لتبلغ غرَضَها كلّه، إنْ لم يكن من فورها، فمرحلةً بعد مرحلة.....

* والدرس الثاني: يتعلّق بجزاء السماء وبمصاير الطغاة وطرائقهم: إنّهم يحسبون الدنيا تدومُ ولا تدور، ولا يُدركون أنّ «الدّهر بالإنسان دَوّاريّ»، كما يقول الشاعر العربي. وتركبهم شياطين الشهوة فيخالون أنّهم يُمسكون كرة الأرض في قبضتهم. يصطنعون أسباب الوثوب على أعدائهم من حينٍ لآخَر، ويتحيّنون الفرص المواتية، ويختلقون الأعذار الزَّيوف، ليقطعوا دابر العدو. وكلّما جدّ جيلٌ جدّت لهم الأعذار ولم تُغنِهم النُّذُر.. فالذي حاوله فريقُ معاوية مع الإمام عليٍّ عليه السلام في صفّين ولم يظفر به - من إفناء شيعة عليٍّ عليه السلام أو من الإطاحة بأخصامه بالسمّ من الوجود - قد أتاحته ليزيد فرصة في كربلاء.

وللطغيان طبيعةٌ ومنهج. ومن طبيعته أن يُعمي ويُصمّ. فلا ينظر [صاحبُه] ولا يسمع إلّا ذاته وأصواته. وأمّا المنهج فهو الغِيلة. مرّةً واحدةً إن أمكنه، وإلّا فوثبة وثبة. ولكلّ واحدةٍ ما بعدها.

والذي قارفه يزيد ليس مجرّد سقطة، وإنما كانت أمّ السّقطات. فمن بعد كربلاء كانت وقعة الحرّة، ثمّ كان حريق الكعبة.. في سنوات ثلاثة متعاقبة. فحقّ عليها جزاء السماء فأوردته حتفه.. والسماء تُملي للظالم، حتى إذا أخذته لم تُفلته.

* والدرس الثالث: يتعلّق بأهل البيت أنفسهم.

1) فهم العترة الطاهرة. يدخلون الجنّة مع جدّهم، بعملهم، فلا يعملون إلّا العمل الأصلح. والذي صنعوه في كربلاء هو الذي كان يصنعه جدّاهم. والذي صنعه أصحابهم معهم هو الذي كان يصنعه الصحابة - وأعظِم به وبهم صنيعاً وصنّاعاً. فما هو إلا صفحاتٌ جديدة يضيفونها إلى السيرة العطرة.

2 ) وهم يبلغون الذروة في ما يعملون: إذا حاربوا ماتوا شهداء، ولم يعطوا الدنيّة أو يستسلموا. لأنّ للمسلمين فيهم، كما كان لهم في جدّهم، الأسوة الحسنة. وفي بيتهم سمقت المبادئ الكبرى. فمنهم

يطلب البلاء الممتاز. ومِن هذا كان صغارهم كالكبار منهم، أبطالاً يستشهدون ولا يتراجعون.

لقد أذِن الحسين عليه السلام لصحبه في أن يعودوا تحت جنح الليل ويدَعوه وحده يواجه مصيره، فلم يقبل ذلك واحدٌ منهم. ولم يرجف المرجفون من خصومهم، حتّى اليوم، بأنّ واحداً منهم قد تردّد....

* والدرس الرابع: يدور حول وحدة العمل الصالح. وفيه يجتمع الحقّ والحقيقة في المبدأ والمنتهى وما بينهما. فإذا كانت الحقيقة أنّ أبناء الرسول رجال سِلم وعِلم وقيادة، فهم لا يُداوِرون وراء هذه الحقيقة، فيقعدون عن الجهاد - جنوداً - للحقّ، أو يكتفون دونه بالعلم إذا دعا الداعي إلى الجهاد، أو يُوصون بالسِّلم حيث الحرب واجبةٌ لإعلاء كلمة الله، بل يستمسكون بالحقّ ويضعون الحقيقة كلّها في خدمته.

والحقّ والحقيقة والعمل الصالح كلٌّ لا ينقسم. والأهداف العظيمة لا يبلغها الناس إلّا بأعمال عظيمة ووسائل سليمة.

* والدرس الخامس: درسٌ في الواجب وأدائه في كلّ الظروف. وإنْ وَهِم المطالَبُ به أنّه غيرُ مُجْدٍ عليه أو على غيره - فهو لم يصبح واجباً إلّا لأنّ التكليف به يحقّق المصلحة العامّة أو الخاصّة، إنْ حالّةً وإنْ مؤجّلة، منظورةً أو غير منظورة. وهو قد أصبح واجباً لأنّه فضيلة. وإذا لم يكن مجدياً في لحظة، أو لرجل، ففي القيام به خيرٌ للناس، وللدنيا، في الظرف ذاته أو في ظروف أُخَر. والظروف غير المؤاتية لا تجعل الفضائل غير مؤاتية. فالفضائل مؤاتية أبداً، مطلوبة دائماً.

وإذا كانت القدرة شرط التكليف والرُّخَص متروكاً تقديرُها للرجال، فبالمعاناة أو التضحية ينسلخ الأقوياء من مسلاخ الضَّعَفة. ويخلع الناس على العظماء وصفَ العظمة....

* والدرس السادس: يتعلّق بوظيفة التاريخ. فهو يصحّح العِوَج ويصوّب الانحراف، بالاستقامة على الجادّة، خضوعاً للعدل؛ وهو قانون السماء.

إنّ زين العابدين عليه السلام الذي بقيَ في خيمة أبيه يوم كربلاء، سيحيا ثلاثة وثلاثين عاماً حتّى عام 94 للهجرة، لتتسلسل في عقبه ذريّة ترفع أعلام الإسلام عاليةً في ضمائر البشر. في حين أنّ الطاغية الذي يُرسل النار والدمار على البيت العتيق بالحجاز وعلى أهل البيت، في صحراء العراق، سيزول مُلكه - هو - وينقطع دابره - هو - بعد ثلاث سنين بتنازلٍ من ابنه عن ذلك المُلك؛ لينقطع اسم معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، من سجلّ الحوادث، وتخلد آثارُ أهل البيت ما تعاقب الجديدان، آية من السماء على أنّ دولة القَتَلة لم تَعِش. وأنّ دولة القَتلى ستعيش أبداً. وأنّ دولة الظُّلم لا تبقى بمقاييس الزمن إلا ساعةً أو هُنَيهة، أمّا دولة العدل فتبقى إلى قيام الساعة. وأنّه تعالى صادق الوعد: ﴿..كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ البقرة:249.

وما أكثر ما كانت الغلبة ببقاء أسباب الانتصار، يتحقّق بها النصر في مكانٍ آخر أو زمانٍ آخر، بقومٍ يحبّهم الله فينصرهم مهما كان عددهم، ويحبّونه فيجودون بأرواحهم.

* والدرس السابع: درسٌ في مبلغ ما تنجح الاستقامة ويُفلح الإخلاص: فإذا كان أقرب الخطوط إلى الهدف هو الخطّ المستقيم وإن كان ترسّمه أشدّ رهقاً، فإنّ استشهاد أبي الشهداء كان الأساسَ السليم لقيام الصّرح العظيم، الذي جمع بين عمله وبين اسمه فصيّرهما مبدأً. يحدث أثرُه في عمارة الدنيا وإصلاح الجماعة؛ في شكل قيام دولة، أو غَلبة مذهب، أو وجود قدوة، أو ازدهار أمل، في بعثٍ منتظَر.

وبهذا دارت الأفكار الدينية والمذاهب الفقهية للشيعة... في آفاق الحسين العالية. وبلغت أوجها في الفقه العمليّ القدير على التطوّر وفق حاجات البشر، في العبادات والمعاملات والأخلاق والنهج العلميّ. واستمسك المسلمون عموماً والشيعة خصوصاً، بالحسين وآله وأبنائه، واقتدوا ببطولاتهم، ومقولاتهم، فاستخرجوا منها أصولاً زخّارة. وبنوا عليها فروعاً في الدين والاقتصاد والسياسة والاجتماع، لتُقيم نظُماً سياسية وعلمية وفكرية واقتصادية متكاملة، هي كالنّهر العظيم يجري إلى جوار النهر الذي يسبح في تيّاره أهل السنّة.

والنهران يتجاريان، كأنّهما البحران يلتقيان، على أصول الإسلام، ويعملان - كلٌّ على شاكلته - في تدعيم مبادئه.

اخبار مرتبطة

  أيها العزيز

أيها العزيز

  دوريات

دوريات

29/09/2016

دوريات

  إصدارات أجنبية

إصدارات أجنبية

نفحات